يتوارد على الأسماع كثيرا مصطلح (المؤسسة الدينية) فما المقصود بها ؟
والجواب :
نعني بالمؤسسة الدينية في مصر أربع هيئات كبرى هي: الأزهر الشريف، وجامعة الأزهر، وزارة الأوقاف، ودار الإفتاء المصرية، وهي المؤسسات التي تَتْبع أنظمة الدولة ودستورها وقوانينها، وهي وإن كانت تتبع أنظمة الدولة إلا أنها لا تتبع الحكومات المختلفة خلا وزارة الأوقاف التي على رأسها وزير الأوقاف وهو فرد من أفراد الحكومة المشكلة، والفرق بين الدولة والحكومة معروف مشهور، فالدولة مستمرة باقية مع اختلاف الحكومات وتعاقبها، والمؤسسة الدينية في مصر عليها واجبات يجب أن تقوم بها ولها وظائف تؤديها ولها تاريخ وحاضر ينبغي أن ننبه إليه، وهذا البيان الذي قد يكون واضحًا في أذهان بعضهم أصابه كثير من الغبش عند آخرين، وقد يُظَنّ في أول الأمر أن المفكرين وكبار الكتاب يعرفون تلك الحقيقة ويعرفون دور المؤسسة الدينية في مصر ومجهودها الذي تقوم به في عالم متغير متشابك، إلا أن الملاحظ أن بعض كبار الكتاب بدأ في تبني أفكار المرجفين واعتذر لهم وجعلهم ضحايا بدلاً من كونهم مجرمين، ووقف بعضهم حيارى تجاههم بما يصيب المتابع من ذهول لفقدهم لحقيقة المؤسسة الدينية، ويثير لديه أسئلة يجب أن نتكلم عنها بوضوح وصراحة منها:
1- هل الذي بيننا وبين المرجفين هو أننا نقف مع السلطان وهم يقفون ضده؟ الفرق بيننا وبينهم في منهج التوثيق والتلقي والقبول والرد والفهم والتطبيق، وهل نحن أصحاب سلطة أو مشاركون فيها، أو أننا بجوار السلطان في قراره السياسي أو غيره، وأين هذه الفتاوى التي صدرت من المؤسسة الدينية لتخدم السلطان في ذاته، وهل الاهتمام بالشأن العام والمشاركة في قضايا الوطن هي خدمة لشخص السلطان؟ هل تربى المرجفون في معاهد المؤسسة الدينية، ثم من خلال منهجها توصلوا إلى الإرجاف؟ ليس هناك واحد منسوب إلى التعليم فيها شارك في إسالة الدماء والحمد لله رب العالمين.
ألم يتربَّ المرجفون في لندن على المناهج الغربية وتحت وطأة التناقضات ففعلوا ما فعلوا وتبنوا ما تبنوا من أفكار يائسة لا علاقة لها بالشريعة الإسلامية، وكان هذا سببًا في صدمة بليغة لكل بريطانيا؟ ألم يتربَّ مرجفون آخرون على المناهج الغربية فمنهم المهندس والطبيب والمحاسب، وليس فيهم واحد تخرج من كلية شرعية في أي مكان؟ ألم يصرح مستر بلير بأن 99.9% من المسلمين مواطنون صالحون في العالم كله وأن هذه التصرفات شاذة على المسلمين؟
هل فشلت المؤسسة الدينية بعد تجاهلها وإقصائها عن مركز القرار لمدة مائتي عام في البقاء صامدة وتخريج علماء ينقلون الدين في كل مكان في الأرض بهدوء وعلى مذهب أهل السنة والجماعة ودون صدام مع أحد عبر القرن التاسع عشر والعشرين حتى حرب 1973م التي ارتفع بها البترول من دولار للبرميل إلى أربعين دولارًا؟ ثم نعلم كيف انحسر دور المؤسسة الدينية في الخارج تحت وطأة قلة الإمكانات المادية، وإذ بهذا الانحسار يؤدي إلى صدام مروع في 11 سبتمبر نحاول أن نمحو آثاره إلى الآن سواء أكان من قام به من المسلمين أم من غير المسلمين.
هل يصلح مع هذه الحالة أن نرى القذاة في عين المؤسسة الدينية ونترك جذع النخلة في عين من قبل بتنحيتها ولم يهتم بمشاركتها؟ وهل يصلح أن ندعو إلى مزيد من التنحية بعد هذا الفشل الذريع من غيرها بأن نعطي للمرجفين جواز مرور إلى الناس؟ وأن الناس قد يئست من فقهاء السلطان وهو أمر موهوم مضحك مبك في نفس الوقت دون أن نبحث عن الأسباب الحقيقية للمشكلة التي تتحكم في الواقع ونحاول علاجها.
هل مستر بلير فعلا أدرك هذا المعنى كما ادعى بعضهم؟ والواضح أنه أدرك عكسه، ولما ذهب وفد وزارة الأوقاف المؤسسة الرسمية إلى لندن استقبلته (البارونة سايمونز) وزيرة الدولة للشئون الخارجية مع (اللورد كيري) الأسقف السابق لكنيسة كانتربري الأكثر شيوعا في إنجلترا واتفقوا على وجوب التعاون مع المؤسسة الدينية التي يُدعى الآن أنهم استيئسوا منها.
2- ومجموعة أخرى من الأسئلة رغم أنها بديهية ولكن يبدو أننا نحتاج مرة أخرى إلى التأكيد عليها. إن المؤسسة الدينية موافقة على الدستور، وهو ينص في مادته الأولى (أن مصر دينها الرسمي هو الإسلام) وفي مادته الثانية (أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع). ونسأل سؤالاً حاسمًا وأساسيًّا: من مع الدستور ومن ضده؟
3- وتؤمن المؤسسة الدينية بقضايا الوطن ولا تستطيع أن تقبل أو أن تتصور أن تستعين بالأجنبي أو تستعديه على بلادنا أو شعبنا تحت أي مبرر أو عنوان أو مصلحة، وأظن أن هذه الثوابت لا علاقة لها بشخص الحاكم، وإنما هي ناشئة من شعور فطري بحب الأوطان، وشعور ديني يكرس هذا الشعور الفطري ويباركه، وأظن ذلك كان على مر الأزمان، وليس مختصًّا بعصرنا أو بحالتنا الراهنة.
4- المؤسسة الدينية في مصر لها منهجها ويتمثل هذا المنهج في نقل المذهب السني بمذاهبه الأربعة المعروفة المشهورة (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) مع الاعتراف بالمذاهب الأخرى التي يتبعها المسلمون في العالم أصولاً وفروعًا على منهج الفهم السليم، وهي: (الجعفرية والزيدية والإباضية) بل والظاهرية التي يؤيدها مجموعة من العلماء هنا وهناك.
كما أنها في تخيراتها الدينية كثيرًا ما تتسع دائرة الحجية عندها إلى مذاهب المجتهدين العظام كالأوزاعي والطبري والليث بن سعد، وغيرهم في أكثر من ثمانين مجتهدًا في التاريخ الإسلامي. تستأنس بآرائهم وقد ترجحها لقوة الدليل أو لشدة الحاجة إليها أو لمصلحة الناس أو لتحقيق مقاصد الشرع الشريف، وهو المنهج الذي ارتضته الجماعة العلمية في عصرنا هذا شرقًا وغربًا وعند العقلاء من جميع مذاهب المسلمين والحمد لله رب العالمين.
5- والمؤسسة الدينية في إدراكها للشرع الشريف أو في إدراكها للواقع المعيش تسلك مسلك التوثيق الذي نراه أساسًا من أسس ديننا، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه: «كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع»(1 ) فينشئ المسلمون علم القراءات ينقلون فيه كتاب الله من غير تحريف ولا تصحيف، وعلوم الحديث رواية ودراية ينقلون فيها كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنهج علمي غير مسبوق، وعلم أصول الفقه وعلوم العربية ليفهموا من خلالها الفهم المنضبط للنص الشرعي الوارد إلينا بلغة العرب، وهذا المنهج أثر عليهم وهو تأثير إيجابي في إدراكهم للواقع بحيث كانت تعاملاتهم معه مبنية على الوقائع المؤكدة وليس على الأخبار الطائرة أو على الآراء من هنا أو هناك مما جعل كثيرًا من الناس يظنون بداية أن المؤسسة الدينية تتخلف عن أداء واجبها، ثم بعد ذلك يظهر عند الجميع أنها لم تتخلف، بل إنها مؤسسة رصينة تعرف توثق الأخبار وكيف تقومها وكيف تتعامل معها.
6- المؤسسة الدينية أدت دورها وما زالت تؤديه ولن تتخلى عنه في ظل ظروف بالغة الصعوبة تحاول دائما أن تكون وفية لدينها ووطنها وتاريخها، وإذا أراد الناس الاستفادة منها وبخبرتها ومجهوداتها فهي على أتم استعداد لذلك، ولم تتأخر، ولن تفعل، وإذا لم يريدوا وأعطوا ظهورهم فقد أضاعوا على أنفسهم خيرًا كثيرًا، وإذا أصروا على إعطاء ظهورهم لها فهم الخاسرون، أما جعلها مشجبًا (شماعة) تعلق عليها أخطاء الآخرين وما يمور ويفور في نفوسهم فأراه أنه ليس من مكارم الأخلاق، وليس من لهجة الصدق، بل هو قادح في المروءة ومعطل لكثير من الفهم.
7- لقد كان هناك هجوم عنيف على المؤسسة الدينية في مصر آخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وهناك مواقف طريفة تدل على ما ورائها إلا أن المؤسسة الدينية ظلت تقوم بدورها الديني والاجتماعي، وظل أيضا بعضهم يهاجمها دون إدراك لبقائها وازديادها وتوسعها، ودون إدراك أن ما تُنتقد به المؤسسة الدينية مبني على الانطباع والأخبار، وليس على إدراك صحيح للواقع أو تحليل مستنير له، مما جعل اليوم أشبه بالأمس {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ}(2 ).
1- فبعد ما فصل محمد علي باشا المؤسسة الدينية عن الحياة المدنية وتخلص من عمر مكرم، وأرسل البعثات إلى فرنسا للدخول في مفهوم الدولة الحديثة وجعل هناك التعليم الموازي فأصبح لدينا تعليم مدني وتعليم ديني. وبغض النظر عن الآراء التربوية والآثار الاجتماعية حول ازدواجية التعليم فإن هذا الوضع باق إلى يومنا هذا مع كثير من الحلول التي طبقت، والتي يمكن أن نعالجها فيما بعد، فأقول إنه بعدما فعل محمد علي هذا وحدث بعد ذلك الاحتلال الإنجليزي بما ترتب عليه من آثار نفسية واجتماعية، فإننا نرى هجومًا شرسًا على الإمام محمد عبده وكانت هناك جريدة (حمارة منيتي) تهاجم الإمام في جلِّ أعدادها حتى كان بائع الجرائد ينادي عليها - كما أخبرنا بذلك مشايخنا الذين شاهدوها شفاهة - على باب المزينين بالأزهر، وعند خروج الشيخ وتلامذته من درسه، ينادي البائع: (المفتي والحمارة) فكان الشيخ يبتسم ويعطيه جنيهًا ذهبيًّا ليشتري منه جريدة لا يزيد ثمنها على عدة ملاليم، ويسكت الرجل حتى ينتهي من صرف الجنيه ذلك الثروة الكبيرة حينئذ، وبعد شهر أو شهرين يعاود النداء فيقول له الشيخ: هل نفد المال؟ ويعطيه جنيها آخر مبتسمًا؛ ولأن الشيخ وعلى الرغم من صداقته بالخديوي إلا أنه رفض استبدال وقف له بدون مقابل وهاجت الصحف على الشيخ محمد عبده، فأين ذهبت؟ وهل يسمع الناس بها؟ وظل محمد عبده إمامًا له مدرسة في التجديد والإصلاح لا يزال الناس يذكرونها ويحتفلون بها حتى يومنا هذا، ونحن نحتفل بمرور مائة عام على وفاته.
2- ويذكر أحمد أمين في كتابه الماتع (حياتي) كم لاقى من عنت من الناس من جراء لبسه للزي الأزهري وهو صغير، ويصف كيف يعتدي عموم الناس على العلماء حتى وهم يسيرون في الطريق، وتظل المؤسسة الدينية صابرة محتسبة لوجه الله تعالى لا تريد من الناس جزاءً ولا شكورًا حتى قيام ثورة 1919م، فإذ بالجميع يرجع إلى الصدر الحنون الذي ثار مرتين في وجه الفرنساوية المحتلين من قبل، وقتل أحد أفراده ساري عسكر كليبر، وأسلم الثالث في القيادة مينو (عبدالله مينو) وتزوج من زبيدة البكري، وفي ثورة 1919م نسي عموم الناس موقفهم من المؤسسة الدينية، ونسيت المؤسسة الدينية موقف الناس منها وعادت ملتحمة معهم.
3- وإذا قرأنا الأعمال الكاملة لبيرم التونسي رأينا سبًّا ولعنًا للشيخ محمد بخيت المطيعي في ألفاظ جارحة، لا نقدر على ذكرها هنا، ورأينا سبًّا ولعنًا للأزهر ومشيخته، لا نقدر أيضًا على ذكره لخروجها عن حد الأدب ومخالفتها للنظام العام والآداب بما يشكل جريمة خدش الحياء، فلتراجع هناك، ولكن ماذا كان بعد ذلك؟ كان أن تاب بيرم التونسي وأعلن توبته صريحة ولم يجعل في حل من يروي عنه ما سبق به لسانه وفارت به نفسه من قبل، ومن تاب تاب الله عليه حتى إنه أنشأ في ذلك رائعته التي غنتها أم كلثوم (نداني لبيته لحد باب بيته) وكانت توبة صدوقًا رجع فيها بيرم إلى ربه وإلى مجتمعه، بل وإلى دينه وختم له بالسعادة.
4- وبأسلوب آخر نرى منتقدين للمؤسسة الدينية ونخص منهم من عرف بالوطنية أو الإصلاح أو الفكر المستقيم، ونترك من لم يتصف بهذه الصفات؛ لأنه لا كلام لنا معه أما أولئك المخلصون فكلامهم قد خرج منهم ابتغاء الإصلاح لا الإثارة، والنفع لا الضر، ومناقشتنا لآرائهم إنما هي للوصول إلى ما يفيد الناس في حاضرهم ومستقبلهم.
نشر الكاتب الكبير سلامة أحمد سلامة في عموده يوم الخميس 14/7/2005 في جريدة الأهرام ما نصه: (وفي اعتقادي أن علماء المسلمين أو بعبارة أخرى فقهاء السلطة في العالم الإسلامي لم يعودوا مؤهلين للتصدي للتحريف والتجريف الذي يطال الإسلام. وبعد أن اندمجت المؤسسات الإسلامية في أجهزة الدولة أحجم المسلمون عن الاستماع لفتاواهم، ولم تعد استنكاراتهم للتطرف باسم الدين تجد آذانًا صاغية. وحين تصدر المؤسسة الدينية فتاواها بحسب الطلب تلبية لأغراض سياسية، فإنها تحدث من البلبلة ما يهوي بمصداقيتها إلى الحضيض).
والكلام قد يكون صدر من قلب مهموم بهم المسلمين وهم الناس، ولكنه له مردود يجب أن ننبه إليه؛ لأنه يستغل في غير ما هو له، ويجب أن نقف جميعًا ضد هذا المردود بما فينا الكاتب نفسه. هل ما في اعتقاد الكاتب واقع فعلاً؟ هيا بنا نعالج المسألة من الواقع لا من الانطباع والقرارات المسبقة.
5- عبر التاريخ الإسلامي ظهرت فرق كثيرة في المشرق والمغرب انحرفت عن الجادة وأرجفت وأسالت الدماء، وكان علماء المسلمين هم الحصن الذي تحطم عليه هؤلاء لسببين، الأول: هو أن كلامهم مبني على المنهج العلمي السليم. والثاني: هو أن كلام أهل الأهواء والبدع مخالف للفطرة السليمة، كما أنه مخالف لسنة الله في خلقه، وعلى مر العصور لم تهدأ هذه الانحرافات ولم تنته ولن تنتهي وهذا ليس من فشل العلماء جميعًا كما يظن الكاتب، ولا أن العلماء فقهاء السلطان، ولا أن الدين لا يقول شيئا في السياسة، ولا أن الدولة تستعمل العلماء في مواقف سياسية كل ذلك تفسير قاصر للقضية برمتها.
بل إن هذا الانحراف جاء من الخروج عن المرجعية، والخروج عن المرجعية سببه المشارب والأهواء والمصالح التي تكون في أيدي قواد الجماعات أو عموم الناس الذين لا يعرفون من أين يأخذون دينهم. وهذه الجماعات عبر التاريخ، إما أن تفصل الناس عن مصادر الشرع (الكتاب والسنة)، وإما أن تفصلهم عن علمائهم، وكلام الكاتب يثير موضوعًا خطيرًا آخر، وهو أنه يدعو الناس ويدعو العلماء إلى مجاهرة النظام بالرفض؛ إثباتًا لحالة الرفض فقط، أو إلى التهور والخروج عن النظام وعلى المجتمع حتى يقال عن العالم إنه شجاع، وحتى يستمع الناس إليه وحتى يكون ممن صدع بالحق في وجه سلطان جائر، فإن ذلك مما يلتذ به الناس، فهل هذا مقبول؟
إن العلماء يقومون بهذا الدور ولكن ليس على سبيل إثبات الحالة أو طلب الدنيا، وإنما يقولون الحق ويقيمون عليه الدليل ويطلبون وجه الله لتحقيق مقاصد الشرع ومصالح الناس ويتكلمون في الشأن الوطني ويستفيضون فيه؛ فإذ ببعضهم يغتاظ لأن عالم الدين يجب عليه أن يبقى في مسجده دون سواه، وهذا أمر سبب في ذاته فكر الإرهاب مع طائفة أخرى من الأسباب سنتناولها تباعًا.
ولنسأل الكاتب: أي الفتاوى التي صدرت حسب الطلب والتي أحجم المسلمون عن سماعها؟ هل القتلة هم المسلمون؟ ماذا يقصد الكاتب بهذا التعميم (أحجم المسلمون)؟ أليس هذا مخالفًا للواقع أن يطلق على مجموعة من المرجفين مع مجموعة من الحيارى لفظ (المسلمين) وهي كلمة تفيد العموم.
ندعو الكاتب الكبير أن يراجع نفسه وانطباعاته، وأن يذكر لنا فتوى أو اثنتين مما صدرت تحت الطلب، وعلى الجميع أن يعرفوا الفرق بين الفتوى والموعظة والرأي الشخصي، وعلى الجميع أن يعرفوا أن إلقاء القول على عواهنه، وعدم التوثق منه وأخذه من غير مصادره، واعتماد الأخبار السيارة مصدرًا مخالف للتوثيق الذي يسعى إلى معرفة الحق في نفسه.
6- وواقع المؤسسة الدينية أنها ما زالت تقوم بدورها الوطني والقومي والإسلامي وهي بإذن الله في الريادة والقيادة دائمًا، لا نرضى بواقعنا، ولا نستكين لإنجازاتنا ولكن يجب أن تعلم الحقيقة ونحن في عالم متغير، ولتكن لغة الأرقام مع لغة الكيف دليلاً على ذلك.
7- فدار الإفتاء المصرية نشأت سنة 1895م وكان أول من تولاها هو فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر حينئذ الشيخ حسونة النواوي، ثم تولاها من بعده الأستاذ الإمام محمد عبده من سنة 1899م حتى 1905م حيث انتقل إلى رحمة الله تعالى، وفي خلال هذه السنوات الست أصدر الإمام محمد عبده 964 فتوى مسجلة في سجلات دار الإفتاء، وعدد السكان لا يزيد عن عشرة ملايين نسمة، ودار الإفتاء بعد مائة عام باقية تؤدي دورها في مبنى جديد أدخلت فيه وسائل التقنيات الحديثة من أجهزة الحاسب الآلي وأجهزة الاتصالات المتطورة، وانتقلت من قصر رياض باشا رئيس وزراء مصر في مجمع المحاكم بالعباسية إلى المبنى المستقل الكبير الذي يجاور مشيخة الأزهر بطريق صلاح سالم عبر هذه السنوات المائة، والذي أشرف على هذه البناية ودفعها دفعًا هو فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الجامع الأزهر عندما تولى الإفتاء سنة 1986م فأنهاها سنة 1992م.
فعدد الفتاوى التي تصدر شهريًّا من دار الإفتاء في أيامنا هذه ثمانية أضعاف عدد الفتاوى التي صدرت في عهد الإمام محمد عبده في ست سنوات، ومع مراعاة أن عدد السكان قد زاد سبعة أضعاف، فيتضح لنا أن الألف فتوى التي صدرت في ست سنوات في عهد الإمام محمد عبده كان ينبغي أن تكون 7000 فتوى في ست سنوات لاعتبار النسبة العددية في السكان، مع افتراض أن ارتباط الناس بمؤسستهم الدينية كمًّا، ولكن عندما يصبح عدد الفتاوى هو 8000 فتوى في كل شهر. فهل يا ترى ما زال الأمر يحتاج إلى دليل لقيام المؤسسة الدينية بدورها؟ وإلى دليل لشدة التصاق المسلمين بمؤسستهم الدينية؟ وإلى دليل على وهم من يعتقد بإحجام المسلمين عن مرجعيتهم الدينية؟
8- وتسجل دار الإفتاء كل ما صدر عنها من فتاوى، فليس منها فتوى واحدة كانت تحت الطلب أو فصلت لأحد من الناس، أو لم تراع الكتاب والسنة ورضى الله ورسوله وما عليه السلف الصالح من الأمة، أو مصلحة الناس، أو مقاصد الشرع، ويمكن مراجعتها كلها فقد وضعنا فتاوى السنوات المائة بعد حذف المكرر على قرص يباع بعشرة جنيهات في منافذ بيع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وصدرت في 23 مجلدًا إلى الآن، ولنا موقع على الإنترنت تنشر عليه الفتاوى الجديدة، والتي نقوم بترجمتها إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية خاصة ما يهم حياة المسلم في الغرب، وييسر عليه عيشه، ويجعله سفير الإسلام الصحيح وداعية بحاله قبل قاله لهذا الدين العظيم، وتتلقى الدار مئات الفتاوى والأسئلة شهريًّا عن طريق البريد الإلكتروني، والموقع من العالم كله وتجيب عليها وتتفاعل معها.
9- يستطيع المسلم أن يرجع إلى هذا الموقع وعنوانه www.dar-alifta.com ويطلب منه الفتوى، لا أن يأخذها من هنا أو هناك فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع»(3 ). ونقل الفتوى شهادة وهو يقول صلى الله عليه وسلم: «أرأيت الشمس فعلى مثلها فاشهد»(4 )، وقد نسب لفضيلة المفتى كثير من الأخبار السيارة إما عن حسن قصد أو عن سوئه أنه حرم المظاهرات أو أحل الرشوة أو قتل السفير الإسرائيلي بالقاهرة أو الكويز أو العري أو الخمر أو المخدرات في سلسلة مضحكة مبكية من المهاترات التي أنكرناها ورددنا عليها وما زال يحلو لبعضهم أن يتشدق بها. وعدم التوثق وعدم التوثيق يدخل صاحبه في دائرة الكذب المحرم شرعًا. وقال بعضهم: إن هناك أشياء لا يمكن إلا وأن تكون قد صدرت منكم، لأنها نشرت مرات. وهذه عقلية مرفوضة مع ما نراه ونعرفه من أن أغلب الناس لا يتوثقون التوثق الذي تعلمناه حين نقل القرآن ونقلت السنة ونقل الفقه والعلم إلى من بعدنا، والتوثيق ثقافة يجب أن تشيع حتى نصل إلى العقلية العلمية ونخرج من عقلية الخرافة والانطباعات الهشة.
10- أما الجامعة الأزهرية فإنها أصبحت أقدم جامعات الدنيا بعد مرور ألف سنة من عملها المتصل وأصبحت أكبر جامعات الدنيا بعد أن أصبح عدد طلابها 400 ألف طالب، وبلغ عدد أساتذتها سبعة ألاف وكلياتها نحو سبعين كلية، فهي بهذا أكبر من أي جامعة في مصر، وأكبر من أعظم الجامعات في العالم من هارفارد بأمريكا، وكمبردج بلندن، وطوكيو باليابان، وهي جامعة تؤدي دورها، واستطاعت أن تطور أساليب الدراسة في المائة سنة الأخيرة حتى وصلت إلى اعتمادها في العالم، ووسعت من دراستها فلم تعد تقتصر على العلوم الشرعية، بل أيضا درست العلوم المدنية، بعد تخرج الطالب من المعاهد الأزهرية التي اهتمت ولا زالت بحفظ القرآن، وهي المزية التي ما زالت مصر هي الأولى فيها شيوخًا، وحفظة، وتلاميذ على كل دول العالم، وما زالت المسابقات الدولية تحتاج إلى مصر في حكامها والمصريون يحصدون الجوائز الأولى منها عبر السنين، فلا تزال مصر هي مصدر القرآن وقراءته للعالم الإسلامي كله، وما زالت مصر هي سبب الخير وحفظ كتاب الله في العالم كله، وما زالت جامعة الأزهر هي مصدر الدراسة الأكاديمية المتخصصة عالية الشأن، وما زال أساتذتها يدرسون في كل العالم الإسلامي، بل والعالم الغربي ويرأسون الأقسام ويحتفظون بكراسي الأستاذية في الشرق والغرب، فهل هذا الواقع المرئي الملموس يحتاج إلى دليل.
وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
11- أما وزارة الأوقاف فهي تشرف على الدعوة من خلال أكثر من تسعين ألف مسجد في مصر، ومن خلال أربعين ألف خريج من خريجي الأزهر الشريف أئمة يحتاج إليهم الناس، وتقوم الوزارة بعمل دورات تدريبية عالية المستوى لوصل هؤلاء الدعاة بالواقع المتطور وبشبكة المعلومات الدولية وأدوات التحليل لفهم المضمون في كافة الجوانب وفي الترجمة والنشر عن طريق المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ولجانه، ووضعت نظامًا يمنع العبث بالدعوة أو أن يتصدر فيها من ليس بكفء، فشرطت لمن يصعد المنبر أن يكون خريجًا من الأزهر أو دار العلوم، أو عنده من الكفاءة ما يمكنه من ذلك عن طريق تصريح يمنح للخطيب من مديريات الأوقاف، وذلك استجابة لمطلب لدى الكافة لضبط الدعوة وعدم تصدر غير الكفء، ولكن لم نعدم من يعترض على ذلك، ويرى أن في هذا تضييقًا على الدعاة، وأنه لا يصح التضييق عليهم، وأن ذلك سُبة في جبين الدعوة في مصر، والسؤال المطروح ماذا يريد هذا المعترض؟ إنه يريد أن يعترض لا أكثر ولا أقل، فهو ينكر على المؤسسة الدينية إذا تركت وينكر عليها إذا فعلت، فاللهم أجرنا في مصيبتنا مرتين.
12- أما مجمع البحوث الإسلامية فقد أصدر حتى الآن ثمانية وعشرين مجلدًا كبيرًا تشتمل على الأبحاث التي قدمت في مؤتمراته المتتالية، ومطبوعاته من الكتب العلمية وصلت إلى مئات ، ويجمع بين أعضائه نخبة العلماء والمتخصصين في كافة العلوم والفنون والتخصصات ومحاضر جلساته منذ إنشائه إلى اليوم مسجلة وتوصياته ومؤتمراته وقراراته وفتاويه وآراؤه وتخيراته مسجلة منشورة متاحة، وله صلات بالمجامع التي قلدته وسارت على نهجه ونشأت بعده، وما زال يأتيه من كل الدنيا شرقًا وغربًا المسائل فيدرسها دراسة مستفيضة ويرد عليها بعلم مبني على الحقائق بعد درس واع لها. وأذكر أن جامعة الأزهر قد وافقت على إنشاء مركز دراسات السكان لبحث المسائل المستحدثة مثل أطفال الأنابيب، والتدخل الجيني ونحوهما، ونشر المعترضون ما نشروا ضد هذا المركز وضد الأزهر حتى وصل ببعضهم أن اتهم الأزهر بالعمالة لأمريكا، وقام المركز تحت إشراف أ.د جمال الدين أبو السرور بدراسة الموضوعات الراجعة إلى السكان، وعقد أكثر من ندوة ومؤتمر وخرج بمجموعة كبيرة من الأبحاث والرؤى عرضت على مجمع البحوث ودرسها في سنتين متتاليتين من غير عجلة ولا تواني، وأصدر المجمع رأيه بعد هذه الرحلة العلمية، وظل المركز حتى الآن يعمل في صمت، ونسي الجميع ما صدر من تشكيك واستهانة، وهذا هو الفرق بين عقل العلم الذي تحميه المؤسسة الدينية، وبين عقل الخرافة الذي حاربته ولا تزال تحاربه.
13- ونستمر في رؤية واقعية لحال المؤسسة الدينية في مصر، وأداء دورها حتى نخلص إلى المأمول منها وفيها، فنرى بعثات الأزهر في كل مكان تشارك في نقل هذا الدين لمن بعدنا عن طريق التدريس وعن طريق الدعوة في المراكز الإسلامية المختلفة من واشنطن إلى لندن إلى روما غربًا، وإلى الفلبين وبروناي وباكستان شرقًا. فللأزهر بعثاته في كل مكان في آسيا وإفريقيا وأوربا تقوم بدورها، ولديه وافدين من أكثر من ستين دولة يدرسون في مصر وهم يرجعون إلى بلادهم فيتصدرون أعلى المراكز الدينية والعلمية فمنهم رئيس الدولة أو رئيس الوزراء، وتصدر كثير منهم القضاء والإفتاء والوزارة في بلادهم وهم في غاية التمكن والنجاح.
وكلما وجد الأزهر كلما وجد أهل السنة والجماعة، ووجد الإسلام بمفهومه الوسطي الرائق، ووجد الفهم الصحيح المبني على المنهج العلمي الرصين لنصوص الدين والفهم الواقعي للحياة وكيفية العيش فيها. هذا واقع يصرخ بهذه الحقائق البسيطة التي يعد إنكارها مكابرة رديئة، ويمكن أن نفكر في تطوير ما هو حادث أو تفعيله حتى يقوم بدور أكبر أو تمويله حتى ينتشر في مواجهة الانحرافات المتعددة، أما انتقاده ووصفه بالفشل أو القصور أو التقصير فهو منهج غير سديد، ولكن:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم
14- وإذا أضفنا إلى ذلك مجهود المعاهد الأزهرية التي زادت عن سبعة آلاف معهد كلها بنيت بالجهود الذاتية، نقلت الناس من الظلمات إلى النور ومن الجهل إلى العلم، وحاول المنهج الأزهري أن يحافظ على هويته مع تطور رهيب حوله، وحاول أن يكون على قدم المساواة مع التعليم العام بعد صراع استمر أكثر من ثلاثين سنة في أوائل القرن العشرين، وبعد أن كانت المعاهد خمسة معاهد وعدد طلابها لا يزيد عن ثلاثة آلاف أصبحت سبعة آلاف معهدٍ بها مليون ونصف مليون طالبٍ، فإذا كان عدد السكان قد زاد من أول القرن العشرين إلى آخره خمسة أضعاف، فإن المعاهد زادت ألفًا وأربعمائة ضعفٍ، والطلاب زادوا خمسمائة ضعفٍ، وقد وصل المنتمون للأزهر من الأحياء إلى عشرة ملايين نسمة حول العالم ما بين 6 سنوات إلى 96 سنة، فهذا يبين مدى قيام المؤسسة الدينية بدورها، ومدى التحام الناس بها.
15- وإذا رجعنا مرة أخرى إلى فكر المؤسسة الدينية في مقابلة فكر الصدام وجدنا أن الفكر الصدامي يفترض أمورًا ثلاثة وهي:
أولاً: أن العالم كله يكره المسلمين وأنهم في حالة حرب دائمة للقضاء عليهم وأن ذلك يتمثل في أجنحة الشر الثلاثة الصهيونية (يهود) والتبشير (نصارى) والعلمانية (إلحاد)، وأن هناك مؤامرة تحاك ضد المسلمين في الخفاء مرة وفي العلن مرات، وأن هناك استنفار للقضاء علينا مللنا من الوقوف أمامه دون فعل مناسب.
ثانيًا: وجوب الصدام مع ذلك العالم حتى نرد العدوان والطغيان، وحتى ننتقم مما يحدث في العالم الإسلامي هنا وهناك، ووجوب الصدام يأخذ صورتين الأولى: قتل الكفار الملاعين، والثانية: قتل المرتدين الفاسقين، أما الكفار الملاعين فهم كل البشر سوى من شهد الشهادتين، وأما المرتدون الفاسدون فهم من شهد الشهادتين وحكم بغير ما أنزل الله وخالف فكرهم، وهذه الصياغات كما نرى فيها شيء كثير من التلبيس والتدليس والجهالة ولكنها سوف تجذب كثيرًا من الشباب.
ثالثًا: أن فكرهم يراد له أن يكون من نمط الفكر الساري، وهذا معناه أنه لا يعمل من خلال منظمة أو مؤسسة يمكن تتبع خيوطها بقدر ما يعمل باعتباره فكرًا طليقًا من كل قيد يقتنع به المتلقي له في أي مكان ثم يقوم بما يستطيعه من غير أوامر أو ارتباط بمركز أو قائد.
وعليه فإن الفوضى سوف تشيع بصورة أقوى وتنتشر بصورة أعمق، وهذه النظرية لها ارتباط عضوي بنظرية الفوضى الخلاقة التي لعلنا أن نفرد لها كلامًا مستقلا فيما بعد، وهي المصطلح الذي شاع في الاستعمالات السياسية والأدبية في الآونة الأخيرة وإن كان الكثيرون لا يدركون أصوله ومعانيه وآثاره والنموذج المعرفي المنتمي إليه.
16- هذه الأركان لذلك الفكر تخالف منهج المؤسسة الدينية، وإذا أردنا أن نقاوم هذا الانحراف فيجب علينا أن نؤكد على مرجعية المؤسسة الدينية ليس لدى الدولة فقط، بل باعتبار ذلك مشروعًا حضاريًّا إنسانيًّا، ودستورًا يلتزم به الإعلام والأقلام والمفكرون.
ويجب علينا أن لا نبخل على هذه المؤسسة عند أداء دورها بالمال الذي هو عصب الحياة، ولقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في مكة فآمن به ما لا يزيد عن مائتي شخص عبر ثلاث عشرة سنة، ثم لما هاجر إلى المدينة وجاء المال دخل الناس في دين الله أفواجًا، فإذا أكدنا على المرجعية ومولنا دور المؤسسة الدينية في مقاومة الانحراف تغير الحال واستقر، وللمؤسسة الدينية فكر واضح بإزاء هذه الأركان الثلاثة نفصله في وقت لاحق.
17- أما خصائص هذا الفكر فإنه يرى من حيث يدري أو لا يدري، قصد أو لم يقصد أن الإسلام دين إقليمي وكأنه نزل للعرب فقط أو لابد أن يبقى في بلاد المسلمين فقط، وفكر أهل السنة أن الإسلام دعوة وما دام دعوة فهو عالمي قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }(5 ). وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }( 6) وما دام كذلك فإن الصدام لا يصلح أساسًا له ومن هنا كان مفهوم الجهاد قاصرًا ومشوشًا عند هؤلاء حيث اقتصر على الاستدلال بالقتال ثم تمادوا في الاختزال حتى خلطوا بين القتل والقتال.
والجهاد مفهوم شامل يشمل الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس، والجهاد الأصغر وهو جهاد القتال لصد العدوان ورفع الطغيان يقول ربنا: {وَجَاهِدُوا فِى اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }(7 ). ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قدمتم خير مَقْدَمٍ، وقدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، مجاهدة العبد هواه»( 8) وفي رواية: «جهاد القلب»( 9). ويقول ربنا في شأن دستور القتال في سورة البقرة: {وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ }( 10).
وهذا الاختزال من المفهوم الروحي للجهاد والشامل للممارسة إلى الأصغر فقط، ثم من القتال إلى القتل، هو خصيصة ذلك الفكر، ويضاف صفات أخرى وهي:
أولاً: عدم إدراك الواقع.
ثانيًا: المشرب المتشدد في فهم ما عرفوه من معلومات، أما أهل السنة فقد فهموا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق»(11 )، وفهموا ما وصفت به عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم حيث قالت: ما خُيِّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، وكان أبعدَ الناس عن الإثم(12 ).
ثالثًا: الإحباط واليأس والشعور بالظلم.
رابعًا: التفكير السطحي سواء في فهم النص أو إدراك الواقع أو الجسر الواصل بينهما وهو ما يتم تعليمه والتدريب عليه والتربية به في المؤسسة الدينية اعتمادًا على قوله تعالى: {وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }(13 ) وبذلك نرى آراءهم واتجاهاتهم وسلوكهم ومواقفهم وأحكامهم على الأشياء باطلة، وهي الخمسة التي يجب على الدارسين عند تحليلهم للظاهرة أن يقفوا عندها.
18- فالمؤسسة الدينية إذن لا تلقي القول على عواهنه وهي تؤكد جلالها ولا تذكر غير الواقع ولا تغالي أو تخفي شيئًا، وتتخذ من سورة العصر دستورًا جامعًا لها قال تعالى: {وَالْعَصْر* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ }(14 ).
19- والمؤسسة الدينية في مصر لها موقف واضح في تاريخها وحاضرها من أعداء الإسلام ومن أدعياء الإسلام، فأعداء الإسلام - وهم من خارج أبنائه - الذين يعادونه ويرفضون التعاون معه ويعملون على حربه وأذية أهله، وأدعياء الإسلام هم من المنتسبين إليه، ولكنهم على قسمين: المنافقين والمرجفين، وحذرنا الله سبحانه وتعالى من هذه الطوائف الثلاثة ونعى عليهم. وموقف المؤسسة الدينية يقوم على امتثال أمر الله ورسوله فيهم جميعا، وهذه الأسس نراها واضحة في المصادر التي يأخذ منها المسلمون دينهم، ونرى المعترض على المؤسسة الدينية يريدها أن تنتهج منهجًا آخر، يراه من عاطفته أو انطباعه هو، أو من رغبته وأمنيته إن كان صادقا، أو من شهوته ومصلحته إن كان قد اختلط عليه الطريق.
20- فأول الأسس هو التأكد من المعلومات ووقوعها فعلا وفهمها فهمًا جيدًا؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال»(15 )، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظنَّ؛ فإن الظَّن أكذبُ الحديث»(16 )، ويقول: «بئس مطية الرجل: زعموا»(17 )، أي أسْوأ عادة للرجل أن يستخدم لفظة "زعموا" للتلميح عن غرضه، فينقل الأمر بدون تثبت، وكثرة تلك الأخبار التي تستخدم هذا المنهج تُكوّن العقلية الهشة التي لا تعتمد على الحقائق في التفكير، بل تعتمد على الإشاعات والأكاذيب والأهواء.
21- تَتْبع المؤسسة الدينية منهج التثبت من المعلومات الذي أكد عليه الإسلام، والذي عن طريقه نقل الدين إلينا، ويتم ذلك بخصال الحلم والأناة وحسن الخلق والعفو والصفح والحكمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد قيس: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم، والأناة»(18 )، وفي رواية الطبراني: «يحبهما الله ورسوله»(19 ) وهذا ما افتقده كثير من المعترضين على المؤسسة الدينية حيث يطالبونها بأن تبادر بعد كل هَيْعَة ومَيْعَة، وأن تتبع الأخبار فتتفاعل مع صادقها وكاذبها، وهي لم تفعل هذا في حياتها الطويلة ولن تفعله إن شاء الله تعالى؛ لأن ذلك يذهب بجلالها ويخالف ما تعلمته من دين الله ويقول الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }(20 ). ويقول سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }(21 )، ويقول سبحانه: {لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ}(22 )، ويقول: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }(23 ).
22- تبني المؤسسة الدينية أحكامها على فهم شامل للقرآن والسنة، وعلى فهم عميق لهما في ذات الوقت، والخروج عن الشمول أو العمق منهي عنه قال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِى الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}( 24)، ويقول سبحانه: {يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }(25 ).
23- ولذا نراها تفرق بين مفهوم القتال ودستوره وبين القتل المحرم وإرجاف المرجفين، يقول تعالى: {وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ }(26 ) ويقول سبحانه: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا }( 27).
24- وهناك من يتذكر المؤسسة الدينية إذا أرادها لتعليق قصوره أو تقصيره عليها، وتاريخ المؤسسة الدينية أنها اختصت بحماية العبادة والدعوة والعلم الشرعي منذ عصر محمد علي، واستقل التعليم المدني بسيره دون تأثير من المؤسسة الدينية، ونشأت الجامعات ابتداء من الجامعة الأهلية حتى صارت الجامعات المصرية اثنتا عشرة جامعة مستقلة بالمجلس الأعلى للجامعات، وجامعة الأزهر مستقلة في نفسها تتبع المجلس الأعلى للأزهر، ومع هذا نرى بعض دعاة العلمانية ينعون على المؤسسة الدينية فشلهم في تحويل الناس إلى فكر العلمانية الشاملة التي يريدونها، فصار الأمر مضحكًا يدعو إلى الأسف وإلى الشفقة، ونحن ننصح بأن يراجعوا أنفسهم وأن يدرسوا تاريخ الشعوب ومقتضيات الفطرة الإنسانية ومكانة الدين فيها، وأن يعلموا أن التجارب السابقة التي كانت أكثر جدة وأعمق تأثيرًا مثل تركيا لم تخرج الناس من الدين، وأن فرنسا تراجع الآن مناهج تعليمها بعد فشل العلمانية في تنحية الدين من حياة الناس والنتيجة أخرجت جيلاً يرثى لحاله، والرئيس (بوش) يدعو الآن لتدريس نظرية (التصميم الذكي للكون والحياة) وهي نظرية تشجع فكرة أن هناك قوة خفية تقف وراء التطور البشري وخلق الكون بجانب نظرية (التطور والنشوء والارتقاء) حيث قال ما نصه: (إن التلاميذ في المدارس ينبغي أن يتعلموا نظرية التصميم الذكي كنظرية منافسة للنشأة والتطور) [نقلا عن صحيفة الوشنطن بوست الأربعاء 3/ 8/ 2005]، وقد أثارت تصريحات بوش انتقادات حادة من جانب خصوم نظرية "التصميم الذكي" الذين يقولون إنه لا يوجد دليل علمي على تأييدها ولا يوجد أساس تربوي لتدريسها. ويقول الجانب الأكبر من العلماء في المؤسسة البحثية العلمية إن نظرية (التصميم الذكي) لم تختبر ولكنها مجرد مسعى يتم التسويق له ببراعة لإدخال التفكير الديني - خاصة المسيحي - في تفكير التلاميذ.
25- نأمل من أولئك أن يقرءوا مصادرهم في الغرب ولا يقفوا عند ستينيات القرن العشرين، فهناك تجربة قد غيرت كثيرًا من الأفكار وكثيرًا من المبادئ والأسس، ونرجو ألا ينطبق عليهم كلام سارتر في مقدمة (معذبو الأرض) حيث يقول (إذا قلنا: هنا أخوة. قالوا: هناك خوه خوه يصيحون بها وهم لا يعرفون معناها).
26- لقد حَمَتِ المؤسسةُ الدينيةُ العبادةَ بالاتباع لا الابتداع، وكان منهجها وسطيًّا قائمًا على الحجة والبرهان، وأسس علمية رصينة في مجال التوثيق والفهم وأدوات منهجية، واهتمت بالدعوة وكانت الأسس هي الحكمة والموعظة الحسنة، واهتمت بالعلم وكان أساسها المنهج والعقلية العلمية لا الانطباع والخرافة، وهذه الثلاثة هي التي يحتاجها الناس في حياتهم: عبادة مخلصة، ودعوة نيرة وعلم نافع يزكي النفس {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }(28 )، وتخرج المسلم الذي يعمر الأرض {أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ}(29 )، ويعبد الله على حق {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ}(30 ).
27- والمؤسسة الدينية في مسيرتها لا تهتم كثيرًا بالاتهامات، وإنما تسمع للنصيحة، فـ «الدين النصيحة»(31 ) ولكن قال تعالى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }(32 ).
28- وإذا كان هذا هو حال المؤسسة الدينية وفكرها، وأنه يمكن الاستفادة منها الاستفادة الأكمل، فنحن نعلم أننا في عالم لا يقف عند حَدٍّ وأنه مستمر في سيره وتطوره، وأننا نحتاج إلى العمل ليل نهار من أجل أن نثبت أقدامنا في هذا العالم، وحتى نستمر في أداء المهمة التي أُوكلت إلينا.
29- إنَّ وصفنا لواقع المؤسسة الدينية لا يعني أننا انتهينا من واجبنا وأننا أدينا ما علينا، بل الذي تعلمناه في تلك المؤسسة ومن مشايخها الكرام - رحمهم الله - أن العلم لا يعرف الكلمة الأخيرة، وأن الإنسان عليه أن يقوم بواجب الوقت - وهو دائم ومستمر - وأن: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل»(33 ). و«إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»(34 )، وأن طلب العلم والعمل من المهد إلى اللحد، ومع المحبرة إلى المقبرة، وإنما ما ذكرناه هو لتصحيح الصورة القاتمة التي تصدر عن كثير من الناس من غير علم ولا اطلاع على واقع أو حقيقة، والتي تشتمل على تحميل مسئولية دون إعطاء سلطة، بل مع التأكيد المستمر على نفي السلطة، بل والخوف والفزع بشأنها، وهذا شأنهم إذا سلبت السلطة، فلا تسأل أيها الناصح الكريم من سلبت منه.
30- المأمول من المؤسسة الدينية أن تدخل في تقنيات العصر، ولقد بدأت في الدخول، ولكنَّ هذا يحتاج إلى مال كثير وإلى جهد أكبر وإلى همة لا تتوقف، ونحتاج إلى وجود عالمي متصل بالوجود الداخلي، والتمثيل لدى المؤسسات الدولية، وتحتاج من الجميع الالتفاف إلى مرجعيتها التي كانت لها ولا زالت تقوم بها، ولا ينبغي لمن أراد الاستفادة أن يؤخرها عن مكانها التي جعله الله لها.
تحتاج المؤسسة الدينية إلى قناة فضائية وإلى تقوية جريدتها التي نجحت في إصدارها وإلى نشر مجلتها على مستوى العالم التي تصدر منذ أكثر من ثمانين سنة، وإلى تدريب مستمر على كل المستحدثات والمستجدات.
فاللهم أرشدنا إلى الصواب، ووفقنا إلى ما تحب وترضى، وثبت أفئدتنا على حب الإيمان والعمل الصالح، وسدد خطانا وتقبل منا صالح أعمالنا، وافتح علينا فتوح العارفين بك، آمين وصلاة وسلامًا على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
----------------------
(1 ) أخرجه مسلم في مقدمة «صحيحه» حديث (5) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
( 2) من الآية 17 من سورة الرعد.
( 3) أخرجه مسلم في مقدمة «صحيحه» حديث (5) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
( 4) أخرجه البيهقي في «الشعب» (7/ 455) حديث (10974)، وأبو نعيم في «الحلية» (4/ 18) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
( 5) الآية 107 من سورة الأنبياء.
( 6) الآية 28 من سورة سبأ.
( 7) الآية 78 من سورة الحج.
( 8) أخرجه البيهقي في «الزهد الكبير» ص165 حديث (373)، والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (13/ 523) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
( 9) ذكر العجلوني هذا الحديث في «كشف الخفاء» (1/ 511) وقال: «هو مشهور على الألسنة وهو من كلام إبراهيم بن عبلة».
( 10) الآية 190 من سورة البقرة.
( 11) أخرجه أحمد في «مسنده» (3/ 198) حديث (13074) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/ 62) وصححه.
( 12) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «المناقب» باب «صفة النبي صلى الله عليه وسلم» حديث (3560)، وفي كتاب «الأدب» باب «قول النبي صلى الله عليه وسلم: يسروا ولا تعسروا وكان يحب التخفيف واليسر على الناس» حديث (6126)، وفي كتاب «الحدود» باب «إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله» حديث (6786)، ومسلم في كتاب «الفضائل» باب «مباعدته صلى الله عليه وسلم للآثام واختياره من المباح أسهله وانتقامه لله عند انتهاك حرماته» حديث (2327) من حديث عائشة رضي الله عنها.
( 13) الآية 122 من سورة التوبة.
( 14) سورة العصر.
( 15) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الزكاة» باب «قول الله تعالى: { لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً } وكم الغنى» حديث (1477)، ومسلم في كتاب «الأقضية» باب «النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة والنهي عن منع وهات» حديث (593) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
( 16) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «النكاح» باب «لا يخطب على أخيه حتى ينكح أو يدع» حديث (5144)، وفي كتاب «الأدب» باب «ما ينهى عن التحاسد والتدابر» حديث (6064)، وفي باب «{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ }» حديث (6066)، وفي كتاب «الفرائض» باب «تعليم الفرائض» حديث (6724)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش» حديث (2563) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
( 17) أخرجه أحمد في «مسنده» (4/ 119)، وأبو داود في كتاب «الأدب» باب «في قول الرجل زعموا» حديث (4972)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (5/ 252) من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.
( 18) أخرجه مسلم في كتاب «الإيمان» باب «الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين والدعاء إليه والسؤال عنه وحفظه وتبليغه من لم يبلغه» حديث (18) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
( 19) أخرجه الطبراني في «الكبير» (20/ 345)، وابن حبان في «صحيحه» (16/ 179) حديث (7203)، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (9/ 388) وحسنه.
( 20) الآيتان 109، 110 من سورة البقرة.
( 21) الآية 125 من سورة النحل.
( 22) من الآية 256 من سورة البقرة.
( 23) الآيتان 8، 9 من سورة الممتحنة.
( 24) من الآية 85 من سورة البقرة.
( 25) الآية 71 من سورة آل عمران.
( 26) الآية 190 من سورة البقرة.
( 27) الآيتان 93، 94 من سورة النساء.
( 28) الآيتان 9، 10 من سورة الشمس.
( 29) من الآية 61 من سورة هود.
( 30) من الآية 14 من سورة غافر.
( 31) أخرجه مسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان أن الدين النصيحة» حديث (55) من حديث تميم الداري رضي الله عنه.
( 32) الآية 116 من سورة الأنعام.
( 33) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الرقاق» باب «القصد والمداومة على العمل» حديث (6464)، (6465)، ومسلم في كتاب «صلاة المسافرين وقصرها» باب «فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره» حديث (783) من حديث عائشة رضي الله عنها.
( 34) أخرجه أبو يعلى في «مسنده» (7/ 349) حديث (4386)، والطبراني في «الأوسط» (1/ 275) حديث (897)، والبيهقي في «الشعب» (4/ 334) حديث (5312) من حديث عائشة رضي الله عنها.
المصدر : كتاب سمات العصر ، لفضيلة مفتى الديار المصرية الدكتور على جمعة .