ما هو الموقف الصحيح تجاه ما يروج له من صدام الحضارات ؟ وأن الإسلام لا يعرف الحوار ؟
والجواب :
1- أنه في سبيل تصحيح صورة الإسلام والمسلمين ذهب وفد رفيع المستوى إلى إنجلترا لمحاولة فتح باب الحوار فيما يهمّ الشرق والغرب، ويكون خطوة في نزع فتيل الصدام، ووضع خطط التعاون المثمر، فالصدام ليس من صالح العرب ولا المسلمين، ولا البشرية في مجملها، والداعين إليه إنما يدعون إلى فساد في الأرض وبعضهم يظنه أو يعتقد جازمًا أنه واقع لا فكاك منه، وأنه يتعامل معه ولا يدعو له، والأمر عندنا غير ذلك، فالصراع أمر موجود ولكنه طارئ عارض، وليس هو أساس العلاقة بين الإنسان والكون، ولا بين الإنسان وأخيه الإنسان، بل العلاقة هي التكامل، والتعاون والتعارف، وكان فضيلة مفتى الديار المصرية أ . د على جمعة في هذا الوفد الذي بذل وزير الأوقاف جهدًا كبيرًا مشكورًا في الإعداد له مع وزارة الخارجية المصرية.
2- وهناك حاول الوفد أن يتلمس هاجس العقل الغربي ومشكلاته مع الإسلام والمسلمين في صورة أكثر تحديدًا، وفي نقاط واضحة؛ تمهيدًا للتفاوض ومحاولة لإدراك الأزمة وتفريغ خطورتها، ووضع أسس التعاون في ذلك من خلال:
أ- أهمية فصل المسائل اللاهوتية - بمصطلحهم - عن مسائل التعاون المشترك، وبناء مستقبل من التفاهم المثمر مع حفظ الهوية والأطر العامة بين الطرفين.
ب- أهمية اعتماد مرجعية روحية من طرف بلاد المسلمين، وعدم عزل المسلمين في الغرب عن مهبط الوحي وأرض الرسالات، وأن المرشح لهذا الدور هو الأزهر الشريف؛ لتعددية الدارسين فيه، ولوسطيته، وعمقه التاريخي، وتعبيره الأكاديمي عن الإسلام، وعدم تلوث سمعته بشيء من الصدام والعنف، والحكمة التي تَميَّز بها دعاته وعلماؤه وغير ذلك.
3- تحديد النقاط الأهم التي تشغل البال الغربي حيث تتمثل فيما يلي:
• عمليات الاستشهاد في فلسطين، وموقفنا بشأنها يتمثل بأن ذلك لم ينشأ من فتوى دينية سابقة، كما هو متصور أو يُراد أن يُتصور، وأن الأمر مرده إلى التضييق اليهودي واليأس والإحباط الذي يصيب الفلسطينيين، وأن أول فدائي كان مسيحيًّا، وأن الأمر امتد إلى الفتيات - حيث كان من الشائع أن الذكور يفعلون هذا؛ لأن الإسلام يبشرهم بسبعين حورية في الجنة - وأن الفتاوى التي حَرَّمَت لم تمنع العمليات الفدائية، ولم تدفع إليها؛ لأن السبب هو الإحباط وليس الدين، وأن الادعاء بأن الدين وراء ذلك لن يؤثر كثيرًا في الواقع لأنه ليس صحيحًا، فلابد من معرفة السبب الحقيقي وإزالته، والسبب الحقيقي هو طريقة تعامل الكيان الصهيوني مع القضايا السياسية والإنسانية.
• الشذوذ الجنسي باعتباره حقًّا من حقوق الإنسان، والرد يدور حول أن هذا لم يتفق عليه كحق من حقوق الإنسان، وأن جميع الأديان تحرمه، وحقوق الإنسان المعتبرة الملزمة هو ما اتفق عليه البشر لا ما يدعو إليه بعضهم.
• هل الدولة في الإسلام دينية؟ وموقفنا أنها مدنية لا علمانية تجعل الحكم للبشر دون الله في الأرض، ولا دينية تجعل المؤسسات الدينية تحكم، بل هي مدنية ترعى شئون الناس لإتاحة العبادة وعمارة الأرض وتزكية النفس مع الإيمان بعدم وجود الطبقية والتفرقة العنصرية، والإيمان بالحرية والشورى، والتعددية الدينية والفكرية والسياسية.
• الردة وعقوبتها، وموقفنا يدور حول أن الإسلام لا يريد منافقين، ولذلك ترك حرية الاعتقاد { فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (1 )، { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (2 )، {لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ} (3 )، وإن عدم السماح لتغيير البيانات مرجعه إلى الدستور والقانون والنظام العام الذي دائمًا يكون شأنًا داخليًّا يختلف باختلاف التركيبة السكانية والثقافة السائدة، وإذا كان المرتد معلنا بحيث يخرج على النظام العام، فإن جميع نظم العالم تؤاخذ بالخيانة العظمى وعقوبتها غالبًا الإعدام، إلا أن هذا الحدَّ بهذه الصفة لم يتم تطبيقه - في مصر مثلا - منذ أكثر من ألف سنة.
• الحوار مع الآخر، وموقفنا هو فتح باب الحوار بين الحضارات والمجتمعات والثقافات والديانات المختلفة، وأن فكرة الصراع ليست في الإسلام حيث أكد على التكامل بين الإنسان والكون، وبين الحاكم والمحكوم، وبين الرجل والمرأة، وبين صاحب العمل والعمال، وأن الحوار يزيل كثيرًا من العوائق ويحسن إدارة الأمور.
• التطور الاقتصادي والاجتماعي في بلاد المسلمين، وموقفنا هو أننا نسعى دائمًا إلى وضع الخطط للتنمية الشاملة، وإعطاء مساحة أكبر للحريات تتناسب مع قدرة الشعوب، وهناك تطوير دائم لمناهج التعليم بما يسمح باستيعاب معلومات العصر وبناء الإنسان في ظل موروثه الثقافي وفي ظل حاجاته العصرية.
• مسألة خطف المسلم أطفاله من زوجته الغربية، وهروبه إلى بلاده بهم، وموقفنا أننا لا نشجع الزواج بغير المسلمة إن كان الأمر يؤدي إلى النزاع، وأنه لا يجوز شرعًا التفرقة بين الأم وابنها، إلا أن الأب له أيضًا حق الرعاية والعناية مع الأم سواء بسواء.
• قضية اندماج المسلم في مجتمعه، وعمله في المخابرات والجيش في تلك الدول، وموقفنا أن المسلم له هذا وأن له طبقًا لقوانين البلاد الديمقراطية أن يعتذر عن كل ما لا يوافق عقائده مما يراه ظلمًا أو انحرافًا، وهذا منصوص عليه في القانون الأمريكي.
• الموقف من الأقليات غير المسلمة، فمصادر الإسلام وتاريخه يؤكدان على سماحة الإسلام مع الأقليات، فإنهم ما زالوا موجودين حتى اليوم في بلاد المسلمين يتمتعون بحق المواطنة الكاملة في ظل دساتير حرة وديمقراطية.
4- ما مر كان موقف الوفد مما يظنوه تقصيرًا في الإسلام أو من المسلمين، وبعد ذلك طرح الوفد عليهم مطالب المسلمين التي إذا استجيب لها تحقق الأمن والاستقرار في علاقة المسلم بالغرب سواء كان هذا المسلم في مجتمعه الغربي، أو في المجتمعات العربية، فطُلِبَ منهم:
• أن يقوموا بتصحيح مناهج التعليم من الأخطاء التاريخية والعلمية التي تسببت في تشويه صورة الإسلام والمسلمين في الغرب.
• وطُلب منهم العمل على تخفيف حدة الهجمة الإعلامية على الإسلام والمسلمين إن لم يتسنَّ وقفها، وإتاحة مساحة إعلامية للرد على هذه الهجمة وتبيين الحقائق.
• كما طُلب منهم تغيير القوانين التي بنيت على التمييز ضد المسلمين، وعدم سن قوانين مثيلة في المستقبل مما يضيق على المسلمين في المجتمعات الغربية، فيكون مبررًا للتصرفات غير المسئولة التي تزعزع الأمن والاستقرار في تلك المجتمعات.
• وطُلب منهم المساعدة في التنمية البشرية، والمعاونة على محاربة الإرهاب، وقلنا: إن مصر دعت قبل تلك الأحداث إلى مؤتمر عالمي لمحاربة الإرهاب؛ وأن مصر باعتبارها أكبر دولة إسلامية عربية قد عانت من الإرهاب معاناة شديدة، وكانت من أحرص الدول على محاربة الإرهاب، وأن مصر طالبت بتسليم الإرهابيين باعتبارهم متطرفين لا يمثلون الإسلام ولا المسلمين، ولكن إنجلترا رفضت، في حين أنها تدرس طلبًا أمريكيًّا بتسليم بعضهم الآن.
• ودعوناهم إلى عمل برتوكول بين المسلمين والغرب لاندماج المسلمين في بلادهم الغربية، ينص على تحديد المرجعية والاعتراف بها من قبل الحكومات، والأزهر هو المرشح لذلك، وأن يحتوي هذا البرتوكول على مراجعة المناهج التعليمية المناهضة للإسلام والمسلمين، ومراجعة القوانين التي تضيق عليهم أو تتعصب ضدهم، وبينا لهم استعداد الأزهر للمساهمة في بناء البرتوكول، ولقد ساد جو من التفاهم المتبادل، وانتهى الأمر بوعد من وزيرة الدولة المعنية بملف الشرق الأوسط بمجلس اللوردات برفع الأمر إلى وزير الخارجية لاتخاذ اللازم بهذا الشأن.
5- وفي الختام نريد أن نوضح ما الذي يجب أن تقوم به مؤسساتنا من أمور تجعلنا على مستوى الأحداث، ونعبر عن تلك المصداقية التي طالبنا بها غيرنا، فيجب علينا أن نهتم بما يلي:
• الاهتمام باللغات الأجنبية، والمصطلحات المعاصرة وعدم ترديد ما يضرنا منها، والاهتمام ببناء أعمال تأسيسية لتوجيه الأعمال المناسبة إلى اللغات الأوربية، وأن ليس كل كتاب يصلح للترجمة أو يكون نافعًا حتى لو ترجم ترجمة دقيقة، بل لابد من مراعاة العقلية الغربية.
• كما أنه يجب على مؤسساتنا الدينية إصدار فتاوى واضحة بشأن المسائل المثارة مثل: (شهادة المرأة - ميراثها - التعدد في الزواج - الحدود - الجهاد) تبين هوية الإسلام وأن هذا من أحكامه التي لا ينبغي المساس بها، وإلا كان ذلك خلطًا بين المسائل اللاهوتية - على حد تعبيرهم - ومسائل التعاون المشترك.
• ويجب على مؤسساتنا أن تمكن من دراسة الأديان الأخرى ومقارنتها بتوسع ودقة في جامعة الأزهر، حتى نكون قادرين على المتابعة العلمية، ونكون قادرين أيضًا على الحوار العلمي الدقيق لما في ذلك من أهمية في المستقبل بل والحاضر.
• كما يجب علينا جعل الأزهر مؤسسة مرجعية في الغرب، وأول ذلك تفعيل مجمع البحوث وضم غير المصريين له حتى يصبح عالميًّا، كما ينص على ذلك قانون 103 لسنة 61 بخصوص هذا الشأن.
• ويجب علينا في مجال خدمة القرآن تأليف كتاب يعد مدخلاً لقراءة القرآن القراءة الصحيحة التي لا تجعل القارئ يجتزئ بعض النص ويترك بعضه، والكتابة في موضوعات القرآن كل على حدة بصورة أدبية تكون بمثابة بديل عن ترجمة ألفاظ أو معاني القرآن.
• كما أننا في حاجة إلى عمل مبادرة مع جماعات العنف العالمية المنتمية إلى الإسلام تشترك فيها دول كثيرة تبدأ عن طريق الإعلام ودعوتهم إلى كلمة سواء حتى نكون على مستوى الأحداث التي تجري من حولنا، لعلنا أن ندرأ الفساد عن الأرض. {إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}(4 ).
الهوامش:
----------------------
(1 ) من الآية 29 من سورة الكهف.
( 2) الآية 6 من سورة الكافرون.
( 3) من الآية 256 من سورة البقرة.
( 4) من الآية 39 من سورة فصلت.
المصدر : كتاب سمات العصر ، لفضيلة مفتى الديار المصرية الدكتور على جمعة .