بتـــــاريخ : 10/23/2008 6:05:24 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 937 0


    التراث الإسلامى والتصورات الكلية له

    الناقل : heba | العمر :43 | المصدر : www.dar-alifta.org.eg

    كلمات مفتاحية  :
    إسلام فكر اسلامى

    ما هى التصورات الكلية للتراث الإسلامى ، والتى تساعد على الفهم الصحيح له ؟
    والجواب : 
        فى إطار تحليلنا لشفرة التراث نحاول أن نلقي الضوء على عنصر التصورات الكلية التي كانت تحكم عقلية الكاتبين للتراث الإسلامي بصفة عامة. هذه التصورات الكلية تبدأ عندهم بتصورهم للوجود. والإسلام يقر الحقيقة الأساسية؛ وهي أن الإنسان والكون والحياة مخلوقة لخالق، ويقر حقيقة أخرى وهي أن هذه الحياة والكون إلى فناء؛ ستقوم الساعة فيفنى البشر، ثم هناك بعد ذلك يوم القيامة الذي يحاسب فيه الناس، وإما أن يعاقبوا أو أن يُثابوا. ويفترق الفكر الإسلامي عن أفكار غيره من البشر بهذا الإقرار المبدئي بأن الإنسان مخلوق، وأنه مردود بعد ذلك لله سبحانه وتعالى وراجع إليه للحساب والعقاب أو الثواب.
        الفلسفات الغربية الآن تنحِّي هذا الجانب، وهو جانب مهم كان يكوِّن البنية الفكرية لكاتبي هذا التراث. لقد كان موقفهم من قضايا الوجود له تصوراته واصطلاحاته التي ينبغي الوقوف عليها.
        لقد عرضنا – فى موضوعات أخرى - المعالم العامة لنظرة هؤلاء السالفين للوجود والحياة والإنسان، وتبين أن هذه الثلاث عندهم هي مكوَّنات مربوبة من لدن حكيم قدير, حي قيوم. لقد تصوروا الوجود بأحكام عقلية بين واجب الوجود (بذاته وهو الله تعالى، أو بغيره كآثار رحمته التي تتوجب عن صفته الحسنى اللازمة: الرحمن) وممكن الوجود (وهو ما يرد عليه الوجود ويرد عليه العدم، كسائر المخلوقات) والمستحيل (وهو المحال وجوده كاجتماع النقيضين أو كإيلاج الجمل في سم الخياط)، وأن الممكن منه موجود (كالطائر ذي الجناحين) ومنه معدوم (كالطائر ذي الأجنحة الخمسة).
        وأن الموجود منه متحيز ومنه غير متحيز: الأول هو العين والجوهر، أو الشيء الذي له حيز، وغير المتحيز هو العَرَض وهو تسعة أنواع، وله أحكام سبعة. وكل ذلك سبق التعرض له بما يغني عن التكرار، لكن كيف أثَّر هذا التصور الكلي الشامل في كل العلوم التي خلَّفها منتِجو التراث الإسلامي, وكيف انبثقت من هذا التصور الكلي بعض التصورات الأخرى التي يجب أن نستوعبها ونفهمها؟
        من التصورات المولَّدة عن هذه الرؤية الكلية يمكن الإشارة أولاً إلى قضية القوة والفعل: ما هو بالقوة؟ وما هو بالفعل. وتمثيل ذلك "السكين قاطعة".
        قلنا -من قبل- إن من أحكام العَرَض أنه لا يكمُن، فهل يكون كذبًا أن أقول إن السكين قاطعة في الوقت الذي لا أستخدمها فيه؟ ما الفرق بين السكين وهي على المنضدة، وبين السكين وهي تقوم بعملية القطع؟ قالوا هنا: إن ثَـمَّ ما يسمى "بالقوة"، وهناك ما يسمى "بالفعل"؛ أي إنهم فرقوا في وصف الشيء بين القوة وبين الفعل.
        فالسكين أثناء القطع هي قاطعة "بالفعل"؛ لأنها تقوم بهذه الحركة الآن. أما وهي على المنضدة فهي قاطعة بالقوة؛ لأن من شأنها أي من خصائصها -وليس الآن- أن تقطع؛ أن أنها إذا ما استخدمت في القطع قطعت. والفرق هنا يمكن إدراكه وفهمه بسهولة ويسر.
        وهذا الأمر؛ أي الفرق بين ما هو بالفعل في حركة الشيء وما هو بالقوة، استعملته أذهان علماء حقول شتى من حقول التراث؛ من المتكلمين والنحويين والفقهاء وغيرهم. ولو أننا فهمنا مثال السكين واستوعبناه لأصبح في عقولنا مَثَلاً يُقاس عليه، ولأصبح من الممكن فهم ما نراه مبثوثًا في النصوص من المعاني التي تشير إلى ذلك التصور، كما سنشير.
        القضية الثانية لديهم والمتولدة عن التصور الكلي- هي قضية مراتب الوجود، وهي لديهم أربعة أشرنا إليها من قبل: وجود في الأعيان، ووجود في الأذهان، ووجود على اللسان، ووجود في البنان.  هذه المراتب -وإن اختلفت أسماؤها وما أطلق عليها لدى العلماء والتخصصات التراثية المختلفة- إلا أنها كانت تمثل أمرًا مهماً في تصوراتهم وآرائهم وكتاباتهم.
        فهناك وجود في الأعيان ويسمونه بـ"الخارج"، وهي كلمة معناها الأشياء الخارجة عن الإنسان، مثل هذا القلم والكرسي والمنضدة والبيت؛ لأن الإنسان عنده قدرة أن يُغْمِض عينيه ويتصور كل هذا في ذهنه. فيكون لدينا وجودان للشيء: وجود خارجي يُسمى "ما في الأعيان": الخارج، ووجود داخلي يُسمى "ما في الأذهان". وأصبحت كلمة الخارج مصطلحًا عامًا يستخدم بسهولة، ويقولون في كلامهم عن هذا الشيء: "وذلك لأنه ليس في الذهن ولكن في الخارج".
        استمرت التفرقة لديهم بين ما هو في الأعيان "الخارجي" وما هو في الأذهان "الداخلي" حتى أدخلوا الصياغة اللغوية والفلسفة اللغوية في القضية، فقالوا: إن البشر من خصائصهم اللغة. هذه الألفاظ التي تخرج من الفم تدل على صور في الأذهان مطابقة لواقع في الخارج؛ وعلى ذلك فهناك وجود ثالث؛ هو وجود في اللسان.
        فإذا ما تحرك اللسان ونطق بلفظة "قلم" مثلاً ليخرج صوتٌ يهز الهواء ويصل إلى أذن المخاطَب بلفظ "قلم"، فحتى لو كان "القلم" نفسه غائبًا (عدم وجوده في الأعيان) فإن انتقال اللفظة إلى الأذن وسَماع المخاطَب لها يُحدِث في ذهنه صورة ذلك القلم. وهذه هي مهمة اللغة؛ لأننا بدلاً عن إحضار ما نريد التعبير عنه نستعيض عنه وندلل عليه بشفرة؛ بكلامٍ يُحدِث تصورًا في الذهن. فالعلاقة بين لفظة "قلم" وبين القلم بذاته هي علاقة "الدالّ" بـ"المدلول". كلمة "قلم" دالّ، وهذا الشيء الذي هو القلم في ذاته "مدلول".
        وهكذا، فإن من تصوراتهم الكلية المولَّدة أيضًا التفرقة بين الدال والمدلول. فمثلاً كلمة "قلم" يمكن كتابتها بطرق شتى، فمثلاً لو كتبتها qalam، فإن الذي يدرك الحرف اللاتيني قد يقرأها –صوتيًا- كما هي: "قلم"، والذي لا يدرك هذا الحرف سيقع في حجاب حتى لو كان يعلم "القلم" ذهنًا وواقعاً؛ لأن هذا مجرد مُعًرِّف أو دالٍّ على الشيء. وبالتالي فالخط المكتوب يقوم مقام الدال، وكذلك اللفظ المنطوق.
    وهكذا أصبح لديهم وجود في العيان، ووجود في الأذهان، ووجود على اللسان، ووجود في البنان، والأخيران يُترجِمان عن الأوليْن. وقد لا تجد التعبير عن هذه الوجودات في التراث بشكل مباشر؛ حيث تتفرع العلوم وتتضخم حصيلة هذا التراث. فقد نجد المؤلف التراثي يعبر عن الوجود في البنان بـ"الخط"، وقد يعبر عما في اللسان بـ"اللفظ"، ويعبر عما في الأذهان بـ"العقل" أو "الفكر" أو بـ"الداخلي" أو "ما عند الإنسان"، أو يعبر عما في الأعيان بـ"الخارج". فتختلف العبارات.
        ولكن هذه الصياغة الأخيرة التي مارسها العلماء -بعد تراكم تصورهم عبر القرون- أرادوا أن يضيفوا إليها لمسة جمالية بلاغية بديعية يكون فيها نوع سجع وجرس موسيقي، فقالوا: أعيان، أذهان، لسان، بنان، في حين أن الجميع لم يلتزم بذلك؛ لذا فعلينا أن نتجاوز الألفاظ إلى المعاني، وأن ندرك أننا في مراتب متدرجة ومختلفة للوجود.
        والآن نحاول تحليل النص التراثي الذي عرضناه فى موضوع (التراث الإسلامى - مداخل منهجية ومحاولة تطبيقية)؛ لنكتشف كيف تظهر التصورات الكلية للمسلمين في كتاباتهم؛ حتى نفهم كيف كانوا يدركون الكون والعلاقات المختلفة فيه، وكيف كانوا يتعاملون معها. فيقول المؤلف:
        "كتاب البيع، أخره عن العبادات ؛ لأنها أفضل الأعمال؛ ولأن الاضطرار إليها أكثر؛ ولقلة أفراد فاعله. ولفظه في الأصل مصدر".
        هنا يتكلم عن الوجود في اللسان وعن الوجود في الأعيان، ويشير إلى وجود في الأذهان. فكلمة "بيع" تعد لفظًا [ولفظه] إما أن يكون محفوظاً بخط في البنان أو يكون ملفوظًا بلسان، ولكنه في مقابل حدث [الأعمال] وهي وجود في الأعيان، والبيع [مصدر] وهو وجود في الأذهان.
        "ولذا أفرده". وذلك لأنه في ذهننا على ماهية واحدة وحقيقة واحدة. ما بالأذهان يسمونه "ماهية" أو "حقيقة" أو "مفهومًا"، في حين أن ما بالأعيان يسمونه "الهوية" والـ"ما صدق". الهوية تأتي من كلمة "هو". "هو" أي ما هو في الأذهان هو في الأعيان، فحتى نفس الاشتقاق أتى من التصور. أما الـ"ما صدق" فتعني "صدَّق عليه ما في الذهن". كل هذا كان يعد من المسلمات البديهية في أذهانهم والتي لا تحتاج إلى نقاش.
        "وإن كان تحته أنواع". وهنا يشير إلى أنواع (من البيع) في الخارج، ولكنه أفرد "البيع" من قبيل "الذهني"؛ لأن حقيقته في ذهن البشر لا تختلف؛ وهي "المقابَلة"، أما في الواقع أو في الأعيان فتحته "أنواع". ولو نظرنا إلى الأخير (حالة تعدد الأفراد) لأمكن أن يقال: "بيوع". فـ"البيع" واحد في الذهن؛ أي في الماهية، وإن اختلفت أفراده.
        وفي الحالة الأولى يُسمى أيضًا بـ"الكليِّ"، وأما ما في أفراد البيع وأنواعه فيسمي بـ"الجزئيِّ". و"الكليُّ" أمر ذهنيّ فقط، لا وجود له في الخارج، فهو ما لا يمنع نفس تصور معناه من وقوع الشركة أو المشاركة فيه، كما سبقت الإشارة إليه. فأمام كلمة "إنسان" لو أغمضتُ عيني وتصورتُ في عقلي "الإنسان"، فإنني لا أتصور "أفرادًا" بذواتهم مثل: زيد، أو عمرو أو.. ، ولكنني أتصور القدر المشترك بين كل أفراد "الإنسان". وبهذا أكون قد تصورت تصورًا (أو مفهومًا) "كليًا". هذا القدر المشترك لا وجود له في الخارج، فهو يقر في الذهن فقط. أما ما في الخارج فهذا الإنسان يتواجد مضافًا له بعض الأعراض التي تجعله معينًا مُشَخَّصًا. فبدلاً من كونه إنسانًا مجردًا، نجده زيدًا أو عمرًا، وذلك بعد أن أُضيف إلى هذا الكلي ما جعله جزئيًا مشخَّصًا. ولذلك كان الجزئي هو ما يمنع تصور معناه من وقوع الشركة فيه، ويكون الكلي بذلك هو الإنسان، والجزئي هو زيد أو عمرو.
        وهكذا يزداد فهمنا للنص عمقًا بعدما أدركنا "التصورات الكلية" لديهم؛ الأمر الذي يمكننا من القبول والرفض والانتقاد، وكذلك البناء على هذا التراث.
        ويكمل: "ثم صار اسمًا لما فيه مقابلة على ما سيأتي. ثم إن أريد به أحد شقي العقد". المقصود بـ"إن أُريد به أحد شقي العقد" هو "المدخل" و"الاعتبار" أو "الجهة"، ولذا يقول: "البيع الذي يسمى من يأتي به بائعاً، فيعرف بأنه تمليك بعوضٍ على وجه مخصوص"؛ أي من جهة معينة، " هو الشق الآخر الذي يسمى من يأتي به مشتريًا، وُيعرف بأنه تملُّك بعوضٍ كذلك. ويجوز إطلاق اسم البائع على المشتري وعكسه اعتباراً". اعتباراً: أي من جهة معينة.
        وهنا نجده يوحّد بين البائع والمشتري في اللفظ على أساس المشترك (المقابلة أو المبادلة) "ويجوز إطلاق اسم البائع على المشتري وعكسه اعتباراً" وأن يفرّق بينهما: (تمليك وتملك): "البيع الذي ...  ويقابله الشراء الذي...". ولأننا قد استوعبنا أن هناك شيئًا في الأذهان، وأن هناك شيئًا في الأعيان، أصبح بإمكاننا أن نفهم ما وصلوا إليه بالتأمل من أن الإنسان يمكن أن يفرِّق في ذهنه ما هو متوحِّد في الخارج، وان يوحِّد في ذهنه ما هو مفترق في الخارج.
        ومثال الحالة الأولى أنه يمكن للإنسان أن يفرق -في ذهنه- ما بين المسلم والمؤمن؛ الأول هو الذي يُظهر شعائر الإسلام، في حين أن المؤمن هو الذي يصدّق يقينًا بأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولكنهما في الخارج أمر واحد؛ وذلك لأنه ليس هناك –شرعاً- مؤمن إلا ولابد أن يكون مسلمًا.  والأخير عادة في الخارج مؤمن حتى لو كان ذلك بالدعوى. لذا فإن المسلم والمؤمن -في الحقيقة- مختلفان، لكنهما –بالذات- متحدان. وهنا يصوغون عبارة يمثلون بها هذه الحالة، هي: "واحد بالذات مختلف بالاعتبار".
        وكلمة "بالاعتبار" هنا تعني "بالجهة"، أو "وفقًا للمعيار الذي يفكر به الذهن في الحالة". ومن ذلك يتعمق فهمنا لقول المصنف -في النص الذي بين أيدينا- "وعكسه اعتبارًا".
        ويُكمل: "والتعبير بالتمليك والتملك بالنظر للمعني الشرعي كما سيأتي. وإن أريد به المركب من الشقين معاً بمعنى العلقة الحاصلة من الشقين التي ترد عليها الإجازة والفسخ، فيقال له لغةً: مقابلة شيء بشيء على وجه المعاوضة .." إلى آخره.

    الخلاصة:
        هذه إطلالة سريعة لا ندعي أننا قد حصرنا فيها "التصورات الكلية" التي في ذهن التراثيين، ولكنها مجرد مؤشر مبسط يدلنا إلى وجوب الاهتمام بهذه التصورات، واستخراجها، وإعادة صياغاتها، وفهم النص من خلالها؛ لأنها تؤثر في درجة هذا الفهم، كما نؤثر في القدرة على استيعاب مدلولات العبارات التراثية في أي مؤلَّف تراثي، باعتبارها أول مؤشر لفهم التراث.
        فالوجود والعدم، والأحكام العقلية، والجوهر والعرض، والداخلي والخارجي، ومراتب الوجود، والقوة والفعل ،... وأمثال هذه من التصورات الكلية يمكن أن نجدها في مقدمات علم الكلام، وكذلك نجدها مشروحة شرحاً جيداً عند الغزالي في "الأربعين في أصول الدين"، وكذلك عند الرازي في "الأربعين في أصول الدين" أيضًا، وكذلك في شرح المقاصد للتفتازاني مع توسعه في قضايا العلم وكيف كان يفهمونه أو خريطة العلم لديهم، وكذلك في قضايا الوجود. وفي هذه المصنفات نجد مساحة لا بأس بها تشرح هذه التصورات.
        وفي الواقع، إن التصورات ليست محصورة في تلك المقدِّمات فحسب، بل إنها كانت تمثل أسسًا شائعة في الجو العلمي أكثر من مجرد نصوص دراسية؛ مما رفعها إلى درجة المسلّمات العلمية البدهية. أي إن طلاب علم كانوا يتعاملون معها على أنها وصف للواقع يتعلق بمفهوم الإنسان الموجود في هذا الكون حيث يعيش، وأن هناك ربَّا خلقه، ومازال يخلقه، وأنه لو انقطع عنه الإمداد لم يبقَ الاستعداد والإيجاد. وباختصار، لقد أصبحت التصورات الكلية هي المنظومة الحاكمة في حياة الإنسان المسلم وتصرفاته وسلوكه وتعاملاته مع الظواهر الاجتماعية.
        لقد بدأت هذه التصورات تحكم النصوص التي يكتبها صانعو الحضارة الإسلامية ومفكروها مبكرًا في القرنين الأول والثاني للهجرة، وذلك عندما واجه المسلمون تساؤلات من غير المسلمين في البلدان التي فتحوها؛ تساؤلات من ثقافات ذات تصورات كلية مغايرة كحالنا مع الغرب اليوم. فكر المسلمون في هذه الأسئلة طبقًا للكتاب والسُّـنَّة والعقيدة السليمة؛ وقدموا إجاباتهم وفقًا لهذه المصادر، وواصلوا المسيرة إلى أن وقع الانفصال في الأمة عن هذه المصادر.
        وكانت قمة ذلك الانفصال في قضية "خلق القرآن" والتي أوذي فيها الإمام أحمد بن حنبل، وهو يصر على ألا ينتقل إلى مصطلحات أو إجابات جديدة؛ وأصر على الاقتصار على أن القرآن كتاب الله لا أكثر ولا أقل. فلما شاعت الفتنة وأُلح عليه أن يجيب بطريقة تقابل طريقة الآخر، قال: هو كتاب الله ، صفته غير مخلوقة، والسمع فينا مخلوق، والمسموع غير مخلوق، والكتابة مخلوقة، والمكتوب غير مخلوق، واللفظ بالقرآن -أي الهواء الذي يخرج من الحلق- مخلوق. فلما شاع بين الناس أن أحمد بن حنبل يقول: "لفظي بالقرآن مخلوق"، قالوا: إذًا "القرآن مخلوق". فرجع الإمام، وقال: من قال: إن لفظي بالقرآن مخلوق، فهو كافر. والسبب هو المصطلحات الجديدة، فلما لم تـؤدِ هذه المصطلحات مراد الإمام رجع إلى الأصل، وعدَّ غير ذلك كفرًا؛ لأن صفة الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن تكون مخلوقة.
        وحين أُدخل التعليم (العام) في العالم الإسلامي تأسيًا بتجربة محمد علي في مصر، صار التعليم على نوعين: الأول- يدرس التراث والدين، والثاني- يدرس العلوم الطبيعية والتجريبية، الأمر الذي أدى إلى الازدواجية في التعليم والحياة العامة ثم الحياة الخاصة للمسلمين، وأحدث فجوة بين الناس وبين التراث. هذه الفجوة هي التي أدت إلى إذهاب التصورات والاعتقادات الكلية من العقول الإسلامية، اللهم إلا في أذهان هؤلاء الذين نذروا حياتهم لدراسة التراث والقيام عليه، وقليل ما هم.



    المصدر : الطريق إلى فهم التراث ، لفضيلة مفتى الديار المصرية ، الدكتور على جمعة .

    كلمات مفتاحية  :
    إسلام فكر اسلامى

    تعليقات الزوار ()