هذا عنوان المؤتمر الإسلامي الدولي الذي نظمته مؤسسة «آل البيت» للفكر الإسلامي بالمملكة الأردنية الهاشمية بالعاصمة عمان من الرابع إلى السادس من يوليو الجاري 2005، تحت رعاية حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني عاهل الأردن، الذي حضر حفل الافتتاح وألقى كلمة بليغة تدور حول هذا المعنى وحول رسالة عمان التي سبق وأن أصدرها في رمضان الماضي يلخص فيها حقيقة الإسلام والمعوقات التي تواجه المسلم، وكيفية تصحيح صورته في العالمين، وهي محاور هذا المؤتمر أيضًا، ولقد هذا المؤتمر فضيلة المفتى الدكتور على جمعة ، مع معالي وزير الأوقاف الدكتور محمود حمدي زقزوق، ورئيس جامعة الأزهر الدكتور أحمد الطيب، والدكتور أحمد كمال أبو المجد نائب رئيس منظمة حقوق الإنسان المصرية، ومجموعة من العلماء المصريين، ومجموعة من العلماء من كل الدنيا، ومن كل المذاهب الفقهية.
وقُدمت أبحاث مهمة زادت عن خمسين بحثًا، وكانت إدارة المؤتمر طلبت عدة فتاوى من مرجعيات دينية سنية وشيعية وإباضية من مختلف أنحاء العالم حول عدة أسئلة، واتفقت الإجابات جمعيًا على معنى واحد ورأي واحد؛ لأن هذه الإجابات هي هوية الإسلام التي لم يحدث فيها خلاف بين أحد من العقلاء عبر العصور، والتي أصبحت عند بعضهم محل نظر بناء على البعد الشديد من جانب هؤلاء عن الجماعة العلمية.
1- وتكونت تلك الفتاوى من ثلاثة أسئلة: الأول يقول: هل من يتبع ويمارس أيًّا من المذاهب الإسلامية الثمانية وهي: الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي، والجعفري، والزيدي، والإباضي، والظاهري. يجوز أن يعد مسلمًا؟
وكانت إجابته هي: إن الإسلام أوسع دائرة من نتاج عقول المجتهدين، فإنه يصلح لكل زمان ومكان ولكل العالمين، فأمة الإسلام تخاطب كل الناس في جميع الأحوال، فمن صدَّق بالنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم فهو من أمة الإجابة، ومن لم يصدق فهو من أمة الدعوة. وأجمع المسلمون شرقًا وغربًا وسلفًا وخلفًا على أن المجتهد هو الذي يتبع كلامه في تبليغ دين الله، وذلك بعد استيفاء شروط الاجتهاد المبينة في علم أصول الفقه وهو من أهل الذكر الذين قال الله تعالى فيهم: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(1).
وقد وصل بعض الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم - إلى تلك الدرجة، فنقلت مذاهبهم إلى تلاميذهم التابعين، ونقلت مذاهب التابعين إلى تابعيهم ومن بعدهم حتى القرن الرابع الهجري، فظهر المجتهدون حتى وصل عددهم نحو تسعين مجتهدًا قد اتبعت مذاهبهم واعتمدت آراؤهم، ثم شاعت المذاهب الثمانية ووصلت إلينا بالتواتر مع قيام العلماء عبر العصور بخدمتها كاستخراج أدلتها، والتثبت من منقولاتها، والقيام بتصحيح ما استدل به كل مذهب من الحديث النبوي الشريف أو الآثار الواردة عن مصدرها، والبحث في دلالة الألفاظ الواردة في كتب تلك المذاهب من جهة اللغة ومن جهة الشرع، فكانت تلك المذاهب هي الأكثر شيوعًا وهي: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة - ويطلق عليها المذاهب السنية - والجعفرية، والزيدية، والإباضية، والظاهرية - وهي المذاهب غير السنية - والخلاف بين تلك المذاهب إنما هو في نطاق المظنون ولم يقع بينها خلاف في المقطوع به الذي يكفر منكره.
وعلى ذلك فإنه من يتبع أي واحد من المذاهب الإسلامية أو يمارس في حياته شيئًا منها فهو مسلم صحيح الإسلام، وهذا يتفق مع أمر الله لنا بأن نعتصم بحبل الله، وأن نكون أمة واحدة وألا نختلف فتختلف قلوبنا، قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}( 2) وقال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(3 ). وقال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}( 4).
2- والسؤال الثاني يقول: ما حدود التكفير في الإسلام؟ وهل يجوز أن يكفّر الذين يتبعون الأشعرية أو الصوفية؟
وكانت إجابته: إن المسلم الذي يشهد بلسانه الشهادتين لا يخرج من دين الإسلام إلا إذا أتى بشيء من المكفرات قاصدًا عالمًا مختارًا، كتصريحه بأنه كفر، أو أن ينكر وجود الله، أو أحقية رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، أو أحقية القرآن الكريم، وأنه ليس كلام الله، أو يسجد لصنم، أو يستحل الكبائر كشرب الخمر وزنا المحارم والزنا بوجه عام، أو غير ذلك من البلايا التي لا يقول بها مسلم من أهل القبلة.
والسادة الأشاعرة - رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم - هم جمهور العلماء من الأمة وهم الذين صدوا الشبهات أمام الملاحدة وغيرهم، وهم الذين التزموا بكتاب الله وسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبر التاريخ، ومن كفرهم أو فسقهم يخشى عليه في دينه. قال الحافظ ابن عساكر في كتابه «تبيين كذب المفتري»: «اعلم - وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يتقيه حق تقاته - أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق عليهم لسانه بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب».
وعليه فالخائض في الأشاعرة والصوفية على خطر عظيم، ويخشى أن يكون من الخوارج والمرجفين الذين قال الله فيهم: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِى المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلًا}(5 ).
3- أما السؤال الثالث فكان يقول: من يجوز أن يعد مفتيًا في الإسلام وما شروطه؟
وكانت إجابته هي: أن المفتي هو المجتهد الذي تكلم عنه الأصوليون، والمجتهد هو من يقوم بعملية الاجتهاد، وهي بذل الجهد في استنباط الحكم الشرعي من الأدلة المعتبرة. روى الخطيب في كتابه «الفقيه والمتفقه» عن الإمام الشافعي قوله: «لا يحل لأحد أن يفتي في دين الله إلا رجلا عارفًا بكتاب الله: بناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيله، ومكيه ومدنيه، وما أريد به، ويكون بعد ذلك بصيرًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن، ويكون بصيرًا باللغة، بصيرًا بالشعر، وما يحتاج إليه للسنة والقرآن ويستعمل هذا مع الإنصاف، ويكون مشرفًا على اختلاف أهل الأمصار، وتكون له قريحة بعد هذا، فإذا كان هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام، وإذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتي»(6 ).
وينبغي لذلك العالم الذي ألمَّ بالقرآن الكريم وعلومه، والسنة النبوية وعلومها، واللغة العربية وعلومها أن يتبع منهجًا في الإفتاء وذلك بحسب ترتيب الأدلة، فإذا سئل عن مسألة بحث عن حكمها في القرآن، فإن لم يجد ففي السنة، فإن لم يجد فيعمل القياس، حتى يستنبط الحكم الذي يطمئن إليه قلبه، ويشترط في هذا الحكم ألا يخالف الإجماع. وأما الأدلة المختلف فيها كالاستحسان وشرع من قبلنا، فإن أداه اجتهاده إلى صحة شيء منها أفتى به، وإذا تعارضت عنده الأدلة فعليه أن يفتي بالراجح منها.
4- هذا مضمون ما أجبنا به واتفقنا عليه - علماء السنة وعلى رأسهم فضيلة الإمام الأكبر، وعلماء الشيعة كسماحة السيد محمد سعيد الحكيم، والشيخ إسحاق الفياض، والشيخ بشر النجفي، والعلامة آية الله محمد علي التسخيري، وإمام المذهب الإباضي الشيخ أحمد بن حمد الخليل مفتي سلطنة عمان، والشيخ إبراهيم الوزير من المذهب الزيدي باليمن، ومجمع الفقه الإسلامي، وغيرهم كثير.
فعسى الله أن يرشد الشباب إلى الدين الحق الذي أنزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ويعينهم على أن يعيشوه.
الهوامش:
------------------------------
(1 ) من الآية 43 من سورة النحل، ومن الآية 7 من سورة الأنبياء.
( 2) الآية 103 من سورة آل عمران.
( 3) الآية 63 من سورة الأنفال.
( 4) الآية 92 من سورة الأنبياء.
( 5) الآية 60 من سورة الأحزاب.
( 6) «الفقيه والمتفقه» للخطيب البغدادي (2/ 330- 331).
المصدر : كتاب سمات العصر ، لفضيلة مفتى الديار المصرية الدكتور على جمعة .