عندما نختار الرفقة فهي لتؤنسنا في أوقات معينة وليس كل الأوقات، وعندما نطلبهم ولا نجدهم فلنعلم أن لديهم أعمالا أخرى تمنعهم من التواجد وذلك لا يعني خسوف القمر وغياب الشمس بل هي ظروف علينا أن نتأقلم معها. فالأم تنشغل والأخت تنشغل والأب وكل العائلة والصديقة كذلك فلكل عالمه ومتطلباته علينا أن نتفهمها وأيضا أنت تنشغلين وتعذرين من قبل الجميع فكوني للغير كما تحبين أن يكونوا لك.
الرفقة بنيتي وأخيتي مطلوبة ولكن كل شيء له ضوابط وحدود؛ وإلا عشنا حياتنا نلوم هذا وننتظر ذاك وإن غبنا عنهم بملء إرادتنا لأنهم لم يشبعوا فينا مطالبنا الكثيرة المتكررة فإننا بذاك لم نعرف كيف نحافظ عليهم.
ومحافظتنا على الأصدقاء فن كبير يجب أن نتقنه، ولننظر إلى هذه النقاط كعون لنا:
أولا:
لا تفترضي أن يعطونا دومًا تقريرًا بتحركاتهم. وإن أعطونا وإن تفاعلنا معهم فذاك لأننا نحبهم ونريد لهم الخير لا لنكون رقيبين عليهم؛ بل ربما ليشعروا بأن هناك من هو معهم في تحركاتهم فإن أغفلوا يوما عن القول بما يجري معهم من أمور فليس ذلك لأنهم توقفوا عن حبنا؛ بل لأن هناك عائق أو هناك مساحة من الحرية بين الأصدقاء.
ثانيًا:
الأوقات التي نقضيها مع أصدقائنا أوقات جميلة إن توافقت الآراء وأشغلنا الوقت بما ينفع ويعين، فإن لم نشغلها بما يعين وما يرفع النفس وأشغلناها بتفاهات أو بأمور لا توصل فلا نكون إلا كنافخي الكير لنُصيب الكل باسوداد.
ثالثًا:
ليتنا نعلم أن الاقتراب لا يعني التملك، والبعد لا يعني الجفوة.
رابعًا:
كثرة العتاب يغلق القلب والظن يضع العوائق فلنفرح بابتعادهم إن أعطاهم ذلك فرحا وإنجازا في حياتهم، فهم أصدقاء وليسوا دمى يجب أن نحفظهم في خزائننا وعندما يعودون أو يتواجدون مرة أخرى في حياتنا فسيجدوننا نساندهم بعقولنا وقلوبنا ونعينهم على اتخاذ القرارات ونستمع لهم ونحتويهم فبالتالي هم سيكونون لنا كما كنا لهم
فيستمعون ويحتوون.
خامسًا:
ليس من الضروري أنه إذا كنا بأزمة أن نجدهم دومًا، فقد يكونوا أكثر منا تأزما أو حال حائل بيننا وبينهم و بين أن يسمعونا فهذا لا يدعونا لأن نتهمهم بأنهم تركونا أو ابتعدوا أو جافونا أو أنهم ما عادوا لنا كما الأول فهذه أوهام المتعلقين فالعلاقات الصحية هي العلاقات التي تتفهم وتعي وتقدر.
سادسًا:
إن وجدنا منهم انشغالا وبعدًا في عز أزمتنا فعلينا أن نخبرهم بحاجتنا فإن استطاعوا وكنا قد انتقيناهم بعقلنا قبل قلبنا فذاك خير، وإن لم يستطيعوا التواجد فذاك درس لنا ليعلمنا كيف نعتمد على الله ثم على أنفسنا فتقوى الشخصية وتصلب.
سابعًا:
القطب الواحد بكل أمر يجب أن نتجنبه؛ بمعنى أن نتخذ صديقة وحيدة ونغلق المنافذ أمام البقية.
فيجب أن نكون اجتماعيين ونحسن انتقاء الأصدقاء وننوع فتلك عقلها سديد وفكرها نير، وتلك حنونة، وتلك قائدة ورائدة فلا أحد يجمع جميع الخصال. فخذي من الجميع وأعطي ما عندك ولا تنتظري الرد وستجديه يأتيك من حيث لا تعلمين.
ثامنًا:
اختيار الصديقة أو الرفقة الصالحة يجب أن تكون على الأقل بعد تجارب.
نحن أحيانًا نتسرع بالصداقات. فيجب أن نسمي العلاقة في بدئها معرفة وتنمو مع التجارب والاحتكاك.
تاسعًا:
الصراحة هي المفتاح الذي به تفتح القلوب والعقول. كوني صريحة مع صديقتك وقولي لها أنا أحب كذا وأكره كذا فإن توصلتما لنقطة وسط التقيتما فيهما فابقوا على العهد لا يخل أحدكما به. وذكرا بعضكما البعض، فإن القلوب تنسى.
عاشرًا:
قبل العشرين الفتاة تحتاج لمن أكبر منها تصاحبه ليكون لها عونًا لا ليرهقها بعدم اتزانه ويسبب لها اكتئابا بدلا أن يكون لها مصدر إشراق وصدرًا يتسع لسماع مشكلاته واضطراباته.
إننا نرى كثيرًا من الصداقات ولا يحكمها العمر وتكون ناجحة بسبب النضج للطرفين فنرى صديقات صغار السن ومعهن أكبر سنًا. وليس الحديث هنا إلا عن الفتيات اللواتي لم يتجاوزن العشرين فيجب أن تكون رفقتهن مع قريناتهن ومصاحبة الكبار تكون للاستفادة والاحتواء ولتعليمهن مبادئ الإشراق وحسن التعامل مع الأمور فيكن لهن قدوة ومعلمًا ورفقة جميلة.
وأخيرًا:
كثرة الانغلاق على العلاقات وانتظار الطرف الآخر أن يتحمل حساسيتنا فذاك ضعف في الشخصية وهذه نفسية لا تبني ولا تعمر؛ بل هي توهن روحها وروح رفقائها.
وحب الأصدقاء ليس تملكا ولا حزنا يقتل الروح ويثبط الهمة إن ابتعدوا.
حب الأصدقاء فرح لقاء وحسن احتواء ونقاء في استمرار وأرض يزرع فيها فكر ليقود ويصحح ويبصر ويعالج ويقف معينًا.
إن قوة الشخصية في أن نحدد لنا هدفًا من الصحبة وهدفنا يجب أن يكون نقيًا نبيلا ومن ثم نتحمل غيرنا فيتحملنا الغير ونعذر غيرنا فيلتمسوا لنا الأعذار.
وختامًا:
كم من التأوهات على أن فلانة تركتنا أو أن فلانة لم تعد كما السابق فهل فكرنا ووعينا أن التأوهات هذه والآلام هذه تجعلنا تبعًا وضعفاء وتوقف تدفق لحياتنا؟
ننسى أن من نتأوه من أجلها لربما لم تقصد ابتعادًا وإيذاء وذاك من خيالاتنا وأوهامنا وشدة تعلقنا.
وننسى أن طريقة علاقتنا هي السبب؛ فالصداقة من أجمل ما في الوجود وليست مصدر تعاسة وعتاب وألم. فإن أصبحت كذلك فلنعلم أننا في خطر وأننا يجب أن ننتبه وإلا ضاعت بنا السبل.
اختاري صديقتك وهدفك الذي من أجله تكونين معها، واعتدلي في علاقتك معها فلا إفراط ولا تفريط، وكوني بنيتي للكل، وإلا أتعبك ذلك وعشت بتعاسة وانجرفت بتوهان وهيمان لا طائل من تحته سوى إرهاق روحك.