أ. سعيد بن علي القحطاني
المطلب الأول : مفهوم الصدق وأهميته وفضله.
الصدق : مطابقة الكلام للواقع بحسب اعتقاد المتكلم , وهو ضد الكذب (1) ,وقيل : مطابقة القول الضمير والمخبر عنه معًا ,ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقًا تامًا (2),وقيل :الصدق حصول الشيء وتمامه وكمال قوته واجتماع أجزائه.(3)
ولا يخفى ما للصدق من فضل عظيم ,وثواب جزيل ,ومقام كريم ,ومما يدل على فضل الصدق ,وسمو منزلته ,وعلو مكانه .
أنه من خصائص أهل الإيمان والتقوى ,قال تعالى :{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}(4 ),فمن اتصف بهذه الصفات العظام وكانت لباسه وحليته فقد فاز.نسأل الله أن يجعلنا منهم.
ولقد أمر عباده المؤمنين بأن يكونوا مع الصادق ويلازموا الصدق في كل الأحوال فهو سبيل النجاة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ,قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.( 5 )
ومما يدل على فضل الصدق والصادقين سوء مصير الكذابين وبوارهم ,وأن الكذب من علامات النفاق والعياذ بالله تعالى وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ,وإذا وعد أخلف ,وإذا ائتمن خان )(6) , وفي رواية : ( أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ... فذكر الكذب ). (7)
والصدق طريق البر والجنة على عكس الكذب الذي هو طريق الفجور والنار والعياذ بالله ,وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهى قال : ( إن الصدق يهدي إلى البر,وإن البر يهدي إلى الجنة ,وإن الرجل ليصدق حتى يكون عند الله صديقًا ,وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ,وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا ).(8)
المطلب الثاني : مجالات الصدق.
أهم مجالات الصدق ثلاثة :
* الصدق في القصد بمعنى خلوص النية وصدق العزيمة وثبات الإرادة .
* الصدق في القول بالأخذ بالحق ونبذ الباطل واللغو واللهو المحرم.
* الصدق في العمل بموافقة القول العمل ,وموافقتهما هدي الكتاب والسنة.
ومتى بلغ العبد تحقيق الصدق في هذه المجالات كلها على الوجه الأتم الأكمل كان من الصديقين,وكانت الحياة حينئذ لا تساوي عنده إلا بقدر ما يتبلغ به المسافر ,وكان ما عند الله - عز وجل - أحب إليه مما في أيدي الناس.
وسأتناول فيما يلي كل واحد من هذه المجالات ببعض البسط.
1/ الصدق في النية والقصد :
الصدق في القصد يستلزم إخلاص النية لله - عز وجل - في الدعوة وفي كل طاعة وقربة ,فلا يدعو لطلب جاه ولا محمدة ولا وجاهة ,ومتى دخل شيء من هذه الشوائب النية خرج الإخلاص المشروط لقبول العمل ,ومتى حصل الصدق في القصد وتحقق الإخلاص أثمر ذلك عزيمة صادقة وإرادة ماضية ,فلا يتوانى الداعي الصادق عن المضي في إيصال الحق والخير للناس يبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة ,يتعلم ويعلم ,ويتوخى الحق والصدق أينما كان.
2/ الصدق في القول :
يستلزم أن لا ينطق الداعي بالباطل أيًا كانت صورة هذا الباطل : كذبًا ,أو شتمًا,أو سبابًا ,أو لعنًا,أو فحشًا , أو غيبة ,أو نميمة ,أو قول الزور ,وبالجملة فهو أبعد الناس عن آفات اللسان .هذا ما يمس حياة الدعاة وسيرتهم الذاتية.
أما في مجال الدعوة فالحال كذلك ,فلا يدعو إلا على بصيرة ,ومعرفة بالحق ودليله ,وبعد تبصر وتفقه ,فالدعوة لا تصح إلا على بصيرة ,ولا يعظ الناس إلا بالصادق من القصص والأمثال ,ويبتعد عن الكذب ,والدجل ,والأحلام ,والرؤى التي لا يعرف مصدرها ولا صدقها ولا عدالة صاحبها ولا ثبوتها عنه فدين الله - عز وجل - مصدره الكتاب والسنة وفهم السلف لهما لا غير ,ومتى استبدل الداعي هذين المصدرين بغيرهما - أعني الكتاب والسنة - فقد ضل سواء السبيل,
وبالجملة فرائد الدعاة الصادقين توخي الحق والحق هو ما في الكتاب والسنة منهما يستمدون ومنهما ينهلون ,وعلى هداهما يسيرون وإليهما يدعون وفي ساحتهما يتحاكمون .
نسأل الله أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يجعلنا من أهل الصدق والرشد إنه سميع مجيب.
3/ وأما صدق العمل :
فهو مطابقة الأقوال والأعمال للحق الذي يدعو إليه وقد تقدم في مبحث العمل بالعلم.
المطلب الثالث : أثر الصدق في نجاح الدعوة.
الصدق له الآثار الحميدة في حياة الدعاة,ونجاح الدعوة ومن هذه الآثار ما يلي :
1/ لا يخفى أن للصدق أثره البالغ في مسيرة الدعاة ,وإذ يظهر الصدق في كلام الداعي ,وسمته ,ولهجته ,وحرارة عاطفته ,فيؤثر ذلك في المدعوين ,ويترك فيهم انطباعًا عميقًا بمصداقية الفكرة التي يدعو إليها ويؤمن بها.
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث الذين يلقونه أول مرة فيقولون : والله ما هذا بوجهه كذاب ولا بكلام كذاب ,وإذا كان المسلم مطالب بالصدق في الأقوال والأعمال والمقاصد؛فإن الدعاة إلى الله تعالى من باب أولى وأوجب.
2/ للصدق أثره الحميد في التآلف والتآزر والتوادد وتقارب القلوب ,على عكس الكذب الذي يغرس الضغينة ويرفع الثقة ويورث الريبة بفعل التلون والتغير وعدم الثبات الذي يتصف به الكاذب ,ومن هذا المنطلق كان من لوازم الصدق ترك كل آفات اللسان : كالهمز,واللمز, والقيل,والقال ,وكثرة السؤال,ومتى تآلفت القلوب وتصافت واجتمعت على محبة الله سرت الدعوة في المجتمع سريان الماء في الزرع فأمدته بالحياة والنماء والبقاء ,ونمى في المجتمع - كذلك - الإيمان واستوثقت عراه وارتفعت أعلامه.
3/ الصدق يزرع في النفوس الثقة والطمأنينة والراحة والأنس ,فيركن الناس إلى الدعاة الصادقين ويثقون فيهم وبهم ويأمنونهم ,وتقوية هذه الوشائج بين الدعاة والمدعوين من أهم أسباب نجاح الدعوة ولا يتحقق ذلك إلا بالصدق على عكس الكذب الذي يزرع في النفوس بذور الريبة والشك والحذر ,فليس أمر أهل الكذب من الوضوح والثبات بالمكان الذي يألفه الناس ويحبذونه.
ومتى وثق الناس في الداعي لصدقه فتحوا له القلوب فاستمعوا إليه إذا تحدث وقبلوا إرشاده وتوجيهه إذا وجّه وأرشد وبينّ وحدث,وتوجهوا إليه يسألون ويستفتون ,وحصل التواصل بينه وبينهم وهي نعمة لا تقدر بثمن ولم تحصل إلا بفضل الله ,ثم بفضل الصدق,ونقاء الصفحة,وخلو السيرة من مساوئ الأعمال والأخلاق.(9)
المصدر موقع دعوتها