أخواني الأعضاء والقراء موضوعنا اليوم ربما يعتبره البعض موضوع طبي بحت أو يصنف أنه من مواضيع صحة الاسرة ولكني أذكره هنا لأني أعتبره موضوع اجتماعي مهم وخطير في نفس الوقت .
وموضوعنا هو رائحة الفم الكريهة أو النتنة أو مايسمى في اصطلاح الفقهاء والأطباء البخر وهو من المواضيع التي أشغلت الناس على مر القرون لما لها من أثار خطيرة على الفرد والمجتمع وطالما افترق الكثير من الأزواج والأصدقاء بسبب رائحة الفم الكريهة .
ولذلك كان من الطبيعي أن يناقشها علماء وفقهاء وأدباء الإسلام منذ قرون طويلة وهذا النقاش اخذ مسارين اثنين !!!
المسار الأول : طبي والمسار الثاني اجتماعي .
ومن العلماء المسلمين الذين ناقشوا البخر أو رائحة الفم الكريهة ابن القيم والطبري وداوود الأنطاكي والرازي وابن سينا وغيرهم .
والعجيب أنهم تطرقوا إلى أسباب البخر وفصلوا في ذلك وذكروا الكثير من سبل الوقاية والعلاج ومعظم ما ذكروه
هو ماأثبته الطب الحديث وقام عليه .
طرائف من التراث .
الرجل صاحب رائحة الفم الكريهة يسمى أبخر والمرأة بخراء وقد كانت هذه المشكلة محل تندر الناس وشكواهم : ومن ذلك
فقد جمع الأبشيهي بعض ما قيل من طرائف عن البخر والبخراء، فمن جملة ما ذكر: " تسارر أبخر وأصم فقال له الأصم قد فهمت ثم فارقه، فسأله رجل عما قاله البخر فقال والله لا أدري غير أنه فسا في أذني". كما ذكر بعض المشاهير الذين وصفوا بالبخر فقال: " وقيل إن عبد الملك بن مروان كان أبخر فعض يوماً على تفاحة ورمى بها إلى زوجته، فدعت بسكين فقال ما تصنعين بها؟ قالت أميط الأذى عنها، فشق عليه ذلك منها فطلقها . ويذكر كذلك أنه " سارر أبو الأسود الدؤلي سليمان بن عبد الملك وكان أبو الأسود أبخر، فستر سليمان أنفه بكمه فعير أبو الأسود وهو يقول، لايصلح للخلافة من لا يقدر على مناجاة الشيوخ البخر.
كما ذكر بعض المقولات التي لا تخل من الصحة فقال: " وقيل طول إنطباق الفم يورث البخر، وكل رطب سائل اللعاب سالم منه، وقيل أن الزنج أطيب الناس أفواهاً، والسباع موصوفة بالبخر والمثل المضروب بالأسد والصقر في البخر، والكلب من بينها طيب النفس، وليس من البهائم أطيب أفواهاً من الظباء. وعاد فسلط الضوء على المعاناة من البخر وما سبب من مشكلات فذكر: وحكي أن أبخر تزوج بامرأة فلما ضاجعها عافته وتولت عنه بوجهها ثم أنشدت تقول:
ياحب والرحمن إن فاكا ،،،، أهلكني فولني قفاكا
إذا غدوت فاتخذ سواكا ،،،، من عرفط إن لم تجد أراكا
لا تقربني بالذي سواكا ،،،،، إني أراك ماضغا خراكا
أسباب البخر [ رائحة الفم الكريهة ]هناك نوعين من الأسباب :
النوع الأول : اسباب فموية : يعني أن السبب في الرائحة بسبب الفم ومعظم الأسباب الفموية تتلخص في مايلي :
1- إهمال النظافة الشخصية للفم : وهذا يسبب تراكم الفضلات على اللسان وحول الأسنان وطبعا في الليل ومع جفاف الفم تتخمر هذه الفضلات بسبب البكتيريا وتطلق الروائح الكريهة ولذلك نلاحظ غالبا أن رائحة الفم الكريهة في الصباح أشد بل كل الناس يطلقون هذه الرائحة وتزول بتنظيف الفم وتخف عموما مع زيادة اللعاب في الفم .
2- أمراض الفم : كالتقرحات وتسوس الأسنان والنخور والبثور والأجهزة المقومة للأسنان التي تتجمع حولها الفضلات والتهاب اللثة وأيضا سرطان الفم عافانا الله وغيرها .
النوع الثاني : أسباب مرضية داخلية :
وهذا يعني أنه لا علاقة للفم بالبخر حتى مع التنظيف تبقى الرائحة وهي قوية وهذا يعود لأسباب مرضية بحته ينبغي مراجعة طبيب الأسنان والباطنية من أجلها ومنها على سبيل المثال :
1- أمراض دموية : كابيضاض الدم والسكري .
2- أمراض الجهاز التنفسي : كخراج الرئة والتهاب اللوزتين أو الحلقوم والقصبة الهوائية
وهذه تعرف بجعل المريض يغلق فمه ويتنفس من أنفه فإن بقيت الرائحة فهي بسبب الجهاز التنفسي وأن اختفت فهي فموية
3- أمراض الكبد والجهازالهظمي : وخصوصا امراض المعدة وهذا ناتج من التخمة وتكدس الطعام على الطعام مما يطلق هذه السموم في الرئة وتخرج هذه الروائح من الفم . أو مع العرق وتكون رائحته نتنة جدا .
4- بعض انواع الطعام : كالثوم والبصل والكراث والدهون والألبان . ولذلك حذر النبي الكريم من ذلك كقوله عليه الصلاة والسلام : [ من أكل ثوما أو بصلا فليعتزل مسجدنا ] وقوله صلى الله عليه وسلم [ مضمضوا من اللبن فإن له دسما ] وقوله صلى الله عليه وسلم [ ماملأ ابن أدم وعاءا شرا من بطنه بحسب ابن أدم لقيمات يقمن صلبه ]
5- كبر السن : فكلما زاد الأنسان في السن زادت رائحة فمه وهذا نلاحظه مع كبار السن خصوصا مع الإهمال لصحة الفم .
اختبار بسيط
لكي يعرف الأنسان مدى العفونة في فمه وهل يعاني من مشكلة هناك اختبار بسيط كل شخص يمكنه القيام به ، والطريقة كالتالي :
فتح الفم ولحس ظهر الكف بأقصى مؤخرة اللسان لحسة كاملة ثم انتظر مدة دقيقة وبعد ذلك شم مكان اللحسة ... وسوف تلاحظ رائحة فمك ومقدار العفونة . وأذكر بأن نتانة الرائحة موجودة أصلا وكل انسان قد يكون لديه رائحة ولكن تختلف في درجتها ، كما أن النظافة اليومية تزيل الطبيعي منها ولكن هناك رائحة نفاثة جدا لدى بعض الناس يشمها الأخرون من على بعد وهذا البخر المرضي الذي نحن بصدده .
العلاج
علاج رائحة الفم أو البخر يعتمد أساسا على الوقاية وقديما قيل [ درهم وقاية خير من قنطار علاج] ومن طرق الوقاية مايلي :
1- السواك : والسواك علاوة على أنه نظافة للفم فهو سنة مؤكدة أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ، منها قوله صلى الله عليه وسلم :[ السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ]
وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن السواك وشجرة الأراك تحوي العديد من المواد الطاردة للروائح والمطهرة للفم والأسنان وكل من جرب السواك يدرك بركته وفوائده فهو يبيض الأسنان ويزيل الروائح بشكل عجيب .
2- العناية اليومية بالفم : وذلك باستخدام الفرشاة والمعجون وخصوصا قبل النوم لأن بقاء الأطعمة في الفم هو المسبب الأول لتعفنها بفعل البكتيريا ومع الجفاف تصبح البيئة مثالية للرائحة الكريهة . وكذلك يجب استخدامها في الصباح الباكر.
3- استعمال غسول الفم : وهو فعال جدا لطرد الرائحة وتنظيف الفم من بقايا الطعام ومنع البكتيريا المسببة للتعفن وينصح به قبل النوم وذلك بالمضمضة لمدة دقيقة .
4- الإكثار من الخضراوات كالخس والملوخية والكزبرة وغيرها لأنها تحتوي على مادة الكلوروفيل الماصة للروائح وهي موجودة في معظم معاجين الأسنان . وتنظيم الوجبات عموما والمضمضة بعد تناول الطعام واستعمال الاعواد وخيط الأسنان بعد كل وجبة . وكذلك استخدام العلك الخالي من السكر والمضاد للتسوس والمطعم بنكهة قوية كالنعناع أو القرنفل .
فإذا قام الأنسان بكل هذه الوسائل وبقيت الرائحة فهذا يعني أنها مرضية ويحتاج لمراجعة الطبيب لإجراء الفحوصات .
وأخيرا فإن مما يعقد هذه المشكلة هو أن الأنسان ربما لا يعلم بوجودها وقد يتحاشى الآخرون أخباره بها درءا للإحراج وهذا يجعلهم يبتعدون تدريجيا عنه ، والواجب على الشخص أن يحاول أن يكتشف المشكلة ويسأل الآخرين بكل وضوح إن لاحظ شي في تصرفاتهم وخصوصا زوجته وعائلته ونسأل الله تعالى الشفاء للجميع والله أعلم .