صلاة الخوف ثابتة بكتاب الله يقول الله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً..} [النساء: 102].
وأما السنة: فقد ثبت وصح أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف في أربعة مواضع: في غزوة ذات الرقاع التي حدثت بعد الخندق على الصواب، وبطن نخل (اسم موضع في نجد بأرض غطفان) وعُسْفان (يبعد عن مكة نحو مرحلتين)، وذي قَرَد (ماء على بريد من المدينة، وتعرف بغزوة الغابة، في ربيع الأول سنة ست قبل الحديبية) وصلاها النبي صلى الله عليه وسلم أربعاً وعشرين مرة. وقد وردت بها الأحاديث الآتية في صفة صلاتها، مع خبر "صلوا كما رأيتموني أصلي".
وأجمع الصحابة على فعلها، وصلاها علي وأبو موسى الأشعري وحذيفة.
- أن يكون القتال مباحاً: أي مأذوناً فيه، سواء أكان واجباً كقتال الكفار الحربيين، والبغاة، والمحاربين (قطاع الطرق) القاصدين سفك الدماء وهتك الحرمات، لقوله تعالى:
{إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101]، أم جائزاً كقتال من أراد أخذ مال المسلمين.
فلا تصح صلاة الخوف من البغاة والعاصي بسفره، لأنها رحمة وتخفيف ورخصة، فلا يجوز أن تتعلق أو تباح بالمعاصي، أي أن صلاة الخوف لا تجوز في القتال المحظور أو حرام كقتال أهل العدل وقتال أصحاب الأموال لأخذ أموالهم.
- حضور العدو أو السبع، أو خوف الغرق أو الحَرَق: فمن خاف العدو أو الخطر، سواء أكان الخوف على النفس أم المال، جاز له صلاة الخوف عند الجمهور والمشهور من مذهب المالكية في السفر والحضر وفي البحر والبر، في القتال أو غيره. فلو رأوا سواداً ظنوه عدواً، فصلوها، فإن تبين الأمر كما ظنوا صحت صلاتهم، وإن ظهر خلافه، لم تجز، فإذا كانت الصلاة من غير خوف فسدت، قال الشافعية والحنابلة: من أمن وهو في الصلاة أتمها صلاة آمن، ومن كان آمناً فاشتد خوفه أتمها صلاة خائف. وقال المالكية: من أمن صلى صلاة أمان. وتكون في صلاة الحضر تامة، وصلاة السفر الرباعية مقصورة، لأن الخوف لا يؤثر في عدد الركعات، ففي السفر الذي يبيح القصر (89 كم) يصلي الإمام بكل طائفة ركعة، وفي الحضر يصلي الإمام بكل طائفة ركعتين.
اتفق الفقهاء على ناحيتين مهمتين: أولاهما - أنه يجوز لأفراد الجيش أن يصلوا بإمامين، كل طائفة بإمام. وثانيتهما - أنه في اشتداد الخوف وتعذر الجماعة، يجوز للجنود أن يصلوا فرادى ركباناً وراجلين، في مواقعهم وخنادقهم، يومئون إيماء بالركوع والسجود إلى أي جهة شاءوا، إلى القبلة وإلى غيرها، يبتدئون تكبيرة الإحرام إلى القبلة إن قدروا، أو إلى غيرها، لأن هذه صلاة للضرورة، تسقط بها الأركان والتوجه إلى القبلة.
وأما صلاة الخوف جماعة لكل الجنود، بإمام واحد: فتجوز صلاتها على أي صفة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت الأخبار بأنها على ستة عشر نوعاً، في صحيح مسلم بعضها، ومعظمها في سنن أبي داود، وفي صحيح ابن حبان منها تسعة، ففي كل مرة كان صلى الله عليه وسلم يفعل ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة.
والمشهور من ذلك سبع صفات، اختار الجمهور منها أقواها وأصحها لديهم، وأجازها كلها الحنابلة واختار الإمام أحمد منها حديث سهل، وهي ما يأتي:
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في عسفان (روى هذه الصفة أبو داود): وقد اعتمدها الشافعية والحنابلة إذا كان العدو في جهة القبلة: وهي أن يصف الإمام الناس خلفه صفين فأكثر، ويصلي بهم جميعاً ركعة إلى أن يسجد، فإذا سجد سجد معه الصف الذي يليه، وحرس الصف الآخر حتى يقوم الإمام إلى الركعة الثانية، فإذا قام سجد الصف المتخلف، ولحقوه.
وفي الركعة الثانية سجد معه الصف الذي حرس أولاً في الركعة الأولى، وحرس الصف الآخر. فإذا جلس الإمام للتشهد سجد من حرس، وتشهد بالصفين وسلم بهم جميعاً. فهي صلاة مقصورة لكونها في السفر. وقد اشترط الحنابلة لهذه الصفة: ألا يخاف المسلمون كميناً يأتي من خلف المسلمين، وألا يخفى بعض الكفار عن المسلمين، وأن يكون في المصلين كثرة يمكن تفريقهم طائفتين، كل طائفة ثلاثة فأكثر، لأن الله تعالى ذكر الطائفة بلفظ الجمع {فإذا سجدوا ...} وأقل الجمع ثلاثة. فإن خاف المسلمون كميناً (يكمن في الحرب)، أو خفي بعضهم عن المسلمين، أو كان المسلمون أقل من ستة أشخاص، صلوا على غير هذا الوجه.
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع (روى هذه الصفة البخاري ومسلم): وهي التي اختارها الشافعية والحنابلة إذا كان العدو في غير جهة القبلة، كما اختارها المالكية مطلقاً في مشهور المذهب، سواء أكان العدو في جهة القبلة أم لا. وهي أن يقسم الإمام العسكر طائفتين: طائفة معه، وأخرى تحرس العدو، فيصلي بأذان وإقامة بالطائفة الأولى التي معه في الصلاة الثنائية ركعة، وفي الثلاثية والرباعية ركعتين، ثم يتمون لأنفسهم ويسلمون، ثم يذهبون ويحرسون.
وتأتي الطائفة الثانية، فيقتدون، ويصلي بهم الإمام الركعة الثانية في الثنائية، والركعتين الأخريين في الرباعية، والثالثة في المغرب، ويسلم الإمام، ويتمون صلاتهم بفاتحة وسورة، ولكن بعد سلامه عند المالكية، وينتظر الإمام في التشهد عند الشافعية والحنابلة ثم يسلم بهم، كما هو نص الحديث، ويقرأ الإمام بعد قيامه للركعة الثانية الفاتحة وسورة بعدها في زمن انتظاره الفرقة الثانية، ويكرر التشهد أو يطيل الدعاء فيه. ولا يسلم قبلهم عند الشافعية والحنابلة لقوله تعالى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} فيدل على أن صلاتهم كلها معه، وتحصل المعادلة بين الفرقتين، فإن الأولى أدركت مع الإمام فضيلة الإحرام، والثانية فضيلة السلام.
صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها ابن عمر (روى هذا الصفة البخاري ومسلم)، وهي التي اختارها الحنفية: أن يجعل الإمام الناس طائفتين: طائفة في وجه العدو، وطائفة خلفه، فيصلي بهذه الطائفة ركعة وسجدتين وتتمم صلاتها عند الجمهور بقراءة سورة الفاتحة وتسلم وتذهب للحراسة. وقال الحنفية: ثم تمضي إلى وجه العدو للحراسة بدون إتمام الصلاة.
وتأتي الطائفة الأخرى، فيصلي بهم الإمام ركعة وسجدتين، ويتشهد ويسلم وحده لتمام صلاته، ولم يسلموا عند الحنفية لأنهم مسبوقون، وإنما يذهبون مشاة للحراسة في وجه العدو. وتتمم هذه الطائفة صلاتها عند الجمهور بقراءة سورة مع الفاتحة ثم تعود لمواقعها. وقال الحنفية: ثم تجيء الطائفة الأولى إلى مكانها الأول، أو تصلي في مكانها تقليلاً للمشي، فتتمم صلاتها وحدها بغير قراءة عند الحنفية، لأنهم في حكم اللاحقين، وتشهدوا وسلموا، وعادوا لحراسة العدو.
ثم تأتي الطائفة الثانية، فتتمم صلاتها بقراءة سورة مع الفاتحة، لأنهم لم يدخلوا مع الإمام في أول الصلاة، فاعتبروا في حكم السابقين