بتـــــاريخ : 10/14/2008 7:32:52 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1102 0


    تراوديل

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : ياسر عبد الباقي | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة تراوديل

     

     

    فصل من رواية ( القوة والرمح والحب ) 

     

    تنطلق السيارة على الطريق الترابي كالريح , تقودها فتاة حمراء الشعر , تضع سيجارتها بين شفتيها

     

    , تبحث عن ولاعتها في حقيبتها , تبعثر حاجتها بحثاُ عنها .

     

    تنظر من مرآة السيارة الداخلية نحو صديقها النائم في المقعد الخلفي , ترسم ابتسامة باردة , ثم تستدير

     

    قليلا , وتضع يدها على فخده , وتدخل أصابعها في جيب سرواله , ينتفض الشاب هاتفا :

     

    - ماذا تفعلين ؟!

     

    - أبحث عنها .

     

    يحدق في عينيها من مرآة الزجاجة :

     

    - ماهي .. أيتها الصهباء

     

    تبتسم بخبث :

     

    - ولاعتي

     

     ينظر حوله بدهشة , ثم يفرش على حجره خريطة صغيرة :

     

    - أين نحن ؟

     

     تشعل سيجارتها بهدوء :

     

    - لا أدري !

     

    ينفجر غاضباً :

     

    - لا تدرين .. توقفي .. توقفي .

     

     توقف سيارتها , وتلتفت نحوه غامزة :

     

    - ألم تخبرني أنك تبحث عن عزلة .. أنا وأنت فقط .

     

    وتترك أصابعها تمر من شفتيها وعنقها إلى صدرها و ..

     

    - آه .. لكن يا حبيبتي يبدو أنك أضعت الطريق .

     

       يترجلان من السيارة , الجبال تكسوها الأشجار العملاقة , الريح فجأة تعصف بالمكان , تضع نظارتها السوداء على عينيها , وتهتف :

     

    - فرانك انظر .

     

       تشير إلى جبل , وعلى قمته كوخ خشبي .

     

    يتساءل فرانك :

     

    - تعتقدين أنه مهجور ؟!!

     

    - لا أدري , أتمنى ذلك , مكان مثالي أن نسكن فيه .

     

    - مكان لنحتفل فيه برأس السنة .

     

     يحملان حقيبتين كبيرتين , ويعرجان نحو الكوخ الخشبي , تقذف سيجارتها المشتعلة , وعيناها مصوبتان إلى الأعلى , تشعر بالعطش , تفتح قنينة ماء , وترتوي , ثم ترميها بعد أن تفرغ منها .

     

    - أتمني أن يكون مهجورا.

     

        يقف فرانك أولا أمام بابه الخشبي , وينتظرها حتى تصعد , ترمي حقيبتها من ظهرها , ثم تجلس عليها منهكة .

     

    يلتفت نحوها فرانك قبل أن يتقدم خطوات ثقيلة نحو الباب , ويطرق طرقات خفيفة مؤدبة .

     

    تراقبه صديقته , وقد طبعت ابتسامة ساخرة منه .

     

    يزيد فرانك طرقاته على الباب .. لا أحد يرد .

     

    يتراجع قليلا .. ويمشي نحو نافدة الكوخ ويصيح :

     

    - هالوووووو ... هل يوجد أحد .

     

    لا أحد يرد .

     

    تضحك الفتاة وتحاول أن تقلده :

     

    - هالوووووووووو .. هل يوجد أحد .

     

    تنهض , وتتقدم بخطوات واسعة نحو الباب , تدفعه , يتوارى الباب ببطء إلى الخلف , يصدر منه صوت أخافهما قليلاً . يخطو فرانك أولا إلى الداخل , وتتبعه بحذر , يهرول من فوقهم غراب مذعور, فيرتبكان ويسقطان معاً , يتبادلان النظرات , ثم ينفجران ضحكا .

     

     

     

     

     

     

     

    الغبار يملأ المكان , والعناكب نسجت بيوتها في كل زوايا الكوخ .

     

    - البيت مهجور .

     

         كانت هناك لوحة كبيرة لكلب أسود , يحدق فيهما بشراسة .

     

    تمتم فرانك :

     

    - مخيف .

     

    - أي رجل يملك كلباً مثل هذا .

     

    يبتعد فرانك عنها قليلا , ويتلفت حوله :

     

    - سأبحث عن حمام .

     

     اختفى فرانك خلف منعطف خشبي , بقيت الفتاة في مكانها , وأبصرت سلماً خشبياً يؤدي إلى الدور الثاني .

     

    مشت على ألواح السلم بحذر , وفي كل خطوة بدا أن السلم سيسقط بها .

     

    وجدت غرفتين أمامها , لمحت مسماراً كبيراً يخترق لوحا خشبيا , وعليه خاتم فضي .

     

     سحبت الخاتم من على المسمار , ومسحته بثوبها , وفحصته ووجدته يحتوي على رسومات بدائية ,

     

    وضعته بأصبعها .

     

    شعرت بالبرد يكتسي جسدها , وهبت رياح قوية من النوافذ تدك فيه باب الكوخ بقوة حتى تغلقه , أغمضت

     

    عينيها للحظات قليلة , فقد دب الرعب بها .

     

    اخدت نفسا طويلا , جعلت صدرها يتنهد بوضوح , فتحت أول غرفة أمامها , هرول غراب أخر منها .. ومذعوراً :

     

    - غاااق .. غاااق .

     

    بقى يطير في المكان حتى وجد فتحة صغيرة في سقف الكوخ فر منها .

     

    غرفة واسعة , وبيانو عتيق , وأمامه كرسي خشبي , يكسو الغبار , ابتسمت أثناء رؤيتها البيانو , مسحت الغبار , بمنديل ورقي , وجلست , أغمضت عينيها , وتنهدت طويلاً .

     

    تركت أصابعها تعزف على البيانو , وراحت تبتسم بذهول . توقفت فجأة عن العزف ورفعت أصابعها إلى أمام عينيها , وصاحت :

     

    - لا أصدق .. لا أصدق .

     

    دخل إليها فرانك راكضاً , وصاح :

     

    - هل كنت تعزفين .. هل هذا الذي سمعته كان عزفك ؟!!

     

    هزت رأسها وكتفها معا .. وقالت مبتسمة :

     

    - نعم .. كان عزفي .. أتصدق ؟!!

     

    ضحك , ودار حول نفسه راقصا :

     

    - يا إلهي .. لا أصدق  . أنت لا تجيدين العزف على أي آلة موسيقية .

     

     حركت رأسها بطريقة مسرحية , وتركت رأسها يميل شمالا ويمينا , ثم رفعت أصابعها إلى أعلى من رأسها , وأنزلتهما على البيانو . وراحت تعزف كالمحترفين .

     

    كان فرانك ينظر إليها بإعجاب ودهشة كبيرة , فاغراً فمه كالأبله , وكان يصفق لها في كل مقطع موسيقي .

     

    ثم وقفت وراحت تنظر من حولها وكأنها في خشبة مسرح وتحيي الجمهور , والتفتت نحو صديقها بكبرياء وغرور :

     

    - ما رأيك بعزفي .

     

    ضحك فرانك وعلق :

     

    - مارايك بعزفي .

     

    - كم أتمني أن أرى وجه مدرس الموسيقى .

     

       اقتربت منه , ثم دفعته بقوة كبيرة نحو الجدار , حتى ألصقته به , نظر إليها بدهشة وارتباك :

     

    - من أين لك هذه القوى .

     

    قرّربت شفتيها منه :

     

    - لا أدري .. لكني أشعر برغبة قوية بـــ ...

     

       ودابت كلمتها في شفتيها , وراحت تمزق أزرار قميصه بأسنانها ....

     

    هبت رياح باردة , ومرت على جسديهما العاريين , تمتمت شاردة :

     

    - هذا المكان غير طبيعي .

     

     لبست ثيابها مسرعة , سألها وهو يراقب حركة يدها وهي ترفع سحابة البنطلون إلى أعلى :

     

    - إلى أين ؟!!

     

    خطت إلى الخارج قائلة :

     

    - سأرى الغرفة الأخرى .. تعال .. وخرجت .

     

    توقفت أمام باب الغرفة  مترددة , شعرت برعشة ترج جسدها , بدأت تعرق , أدارت مزلاج الباب ودخلت .

     

    غراب آخر واقف على نافدة صغير في أعلى الغرفة .

     

    - قاااق .. قااق .

     

    كان أكثر هدوءا , حاولت أن تخيفه وتبعده بحركة من يدها , لم يتحرك , بدا جريئاً ومتحدياً لها .

     

    لمحت كتاباً كبيراً على رف صغير , كتاباً يكسوه الغبار , مسحت الغبار عنه بكوم ثوبها , وشرعت في فتح صفحات الكتاب ..

     

    سمعت صرخة صديقها فرانك , رمت الكتاب , وخرجت راكضة , ووجدته واقفا ومذعورا في الدور الأرضي .

     

    سألته بدهشة وهي تترجل السلم :

     

    - لماذا تصرخ ؟!!

     

    أشار بيده نحو اللوحة المعلقة على الجدار .

     

    تمتم بصوت متهتك :

     

    - لــ .. قد .. اختفى الكلــ.. ب .

     

    تراجعت الفتاة إلى الخلف مذعورة , وأمسكت بفرانك من كتفه , ثم صرخت :

     

    - لنخرج من هذا البيت الملعون .

     

    وركضا معا نحو الباب , حاولت فتحه , لكنه كان موصدا .

     

    - فرانك الباب مغلق .

     

    - النافدة, لنخرج منها .

     

    ركضا معا نحو النافدة , تراجعا فجأة إلى الخلف بذعر شديد , كان الكلب واقفاً في الخارج ومحدقاً بهما .

     

    يطير غراب فوقهما :

     

    - قااق .. قاااق

     

    يركضان نحو الدور الثاني , غرفة البيانو مغلقة , يركضان إلى الغرفة الأخرى . ويدخلان ,يغلقان الباب خلفهما . وتسقط الفتاة باكية .

     

    يحاول فرانك أن يحضنها , إلا أنها تدفعه بعيداُ , وتصرخ به :

     

    - انظر .. أين نحن .. هذه رغبتك اللعينة .. نمارس الجنس في مكان لا يسكن فيه أحد .. انظر كيف أوقعتنا .

     

    يصرخ فرانك وهو يشير بيده نحو رأسها :

     

    - هذا خطأك أنت .. أنت من سلك هذا الطريق , كان عليك أن توقظيني من النوم بدلا من البكاء الآن .

     

    مضت نصف ساعة , أشعل سيجارته الأخيرة , ثم ناولها , حيث كانت جالسة وظهرها على الجدار .

     

    - ماذا نفعل الآن ؟!

     

    - سنخرج . قبل أن يأتي الظلام .

     

     ثم تساءل فجأة وهو يشاهد الكتاب لأول مرة :

     

    - هل ذاك كتاب ؟!

     

    قال ذلك ونهض , حمل الكتاب , وراح يفحصه .

     

    تمتم بدهشة :

     

    - أي لغة هذه ؟!

     

    نفخت سيجارتها , وقالت دون أن تنظر إليه :

     

    - أسرار مخيفة .

     

    - تقصدين أن هذا الكتاب يحتوي على أسرار .

     

     حركت كتفيها دون مبالاة :

     

    - لا .. هذا اسم الكتاب " أسرار مخيفة "

     

    يقترب منها , وبكثير من الدهشة :

     

    - أتفهمين لغة هذا الكتاب .

     

    نظرت إليه متسائلة :

     

    - أي لغة .

     

    مد لها الكتاب , وراحت تحدق بعنوانه بذهول , أحرف الكتاب رسمت بعظام بشرية , بكلمات غريبة .

     

    - لا أدري .. لكني لا أجد صعوبة في قراءة عنوان الكتاب .

     

     

     

     

     

     

     

     

     

    هزها فرانك من كتفها :

     

    - انظري إلي , لم تتعلمي هذا اللغة في حصة اللغات .

     

    - يا إلهي .. هذه ليس لغة .. لا أدري . أشعر بالذهول من نفسي .

     

    - ما الذي يحدث في هذا البيت اللعين , تعزفين البيانو فجأة , وفجأة تقرئين هذه الأحرف اللعينة .

     

    صرخت :

     

    - هذا البيت يخيفني

     

    - قاااااق .. قاااق

     

     ظهر الغرب فجأة  من نافدة الغرفة , وراح يحدق فيهما بحذر .

     

    فتحت أول صفحات الكتاب , وراحت تقرأ بصوت سريع ومرتعب :

     

    - " سيفقد الكثيرون سيطرتهم على أنفسهم , ستجد نفسك الوحيد من يملك قواهم , وينتشر الخوف بينهم , وحين تسمع نباح الكلب الأسود تأكد أنك في خطر من قوى أقوى منك , والغراب صديقك المخلص و ...

     

        أغلقت الفتاة الكتاب بقوة وتناثر الغبار منه , وكان فرانك ينظر إليها ويستمع بذهول .

     

    تمتمت :

     

    - غراب وكلب .

     

    - لنخرج من هنا .. الآن .

     

    خرجا من الغرفة وسألها :

     

    - آلن تتركي الكتاب .

     

    - لا .. سأخده معي .

     

    توقفا أمام باب غرفة البيانو , سمعا عزفا على البيانو , ارتجفا معاً .

     

    - البيانو !!

     

    - أنا خائفة فرانك .

     

     - انتظري هنا .

     

       مشى بخطوات بطيئة , وأمسك مزلاج الباب بتردد , وأداره , ثم دخل .

     

    - غراب .

     

    حاول فرانك أن يضحك , فختلط الضحك بالخوف .

     

    وأكمل بصوت مرتجف:

     

    - هذا الغراب اللعين هو أيضاً تعلم العزف مثلك .

     

    -نزع فرانك حذاءه ليرمي به الغراب , لكنها أسرعت وأمسكته , قائلة :

     

    - فرانك .. يقول الكتاب .. إن الغراب صديق مخلص .

     

    - الغراب نذير شؤم حبيبتي .

     

    طار الغراب من أمامهما , ثم بقى محلقاً فوق رؤوسهما .

     

    - كأنه يطلب منا أن نتبعه , فرانك .

     

    سحبته بقوة وراحا يركضان خلف الغراب , توقف الغراب فجأة فوق مزلاج الباب الخارجي .

     

    تقدمت الفتاة من الغراب , طار , وأدارت مزلاج الباب , وفتحته .

     

    - فرانك الباب مفتوح لنهرب .

     

     ركضا إلى الخارج , وكانت الغابة تحترق .

     

    - لا تتوقفي .. يجب أن نصل إلى السيارة .

     

       وصلت الفتاة أولاً , فتشت عن مفاتيح السيارة بارتباك , صاحت :

     

    - فرانك لا أجد المفاتيح .

     

     فرانك وهو يهرول نحوها :

     

    - يا الهي .. هل نظرت إلى تحت مقعد السيارة .

     

     تركب السيارة , تجد المفتاح , يأتي نباح الكلب من بعيد , يركب فرانك السيارة ويصيح :

     

    - هيا .. تحركي . تحركي .

     

     تسير بالسيارة بسرعة وتحاول أن تتجنب الأشجار الملتهبة .

     

     - لماذا الغابة تحترق .

     

     ينظر نحوها فرانك :

     

    - اعتقد انك رميتِ السيجارة وهي مشتعلة , هل نسيت العام الماضي ماذا فعلت بمنزلي .

     

       الدخان والنار متلبسا بالمكان , تشعر الفتاة بالاختناق وتصيح :

     

    - فرانك .. لا أرى شيئاً .

     

    ويأتي صوت فرانك مرتعباً :

     

    -- لا .. لا .. تراوديل . سوف نسقط .. توقفي .

     

                    وتسقط السيارة إلى الهاوية ..

     

     
    كلمات مفتاحية  :
    قصة تراوديل

    تعليقات الزوار ()