بتـــــاريخ : 10/14/2008 7:24:55 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1021 0


    موران

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : ياسر عبد الباقي | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة موران

     

    ـ هل أساعدك ؟

     

    ـ لا

     

    ـ سوف أساعدك

     

    ـ قلت لك .. لا

     

    ـ لن تقدري أن تحمليهما لوحدك

     

    ـ قلت لك . لا . لا .. ابتعد عني .

     

     مشت خطوات قليلة , فقدت توازنها وسقطت .

     

     سمعت ضحكته ..

     

     ثم قال لها :

     

    ـ لن اؤذيك . دعيني فقط أحمل معك .

     

    نظرت إليه , الرياح شديدة , اللثام يغطي نصف وجهه . كما يغطي اللثام وجهها .. هزت رأسها دون أن تتفوه بشيء . حمل الصفيحة الماء وحملت هي الصفيحة الأخرى. تعمد أن يمشي خلفها بخطوات قليلة . وراح يراقبها من الخلف حيث تلاعب الريح ثوبها وتجعله ملتصقا بشدة على جسدها .. تنهد الشاب ونطق :

     

     ـ اّاّه

     

    توقفت استدارت نحوه . حدقت فيه .. :

     

    ـ امشِ أمامي .

     

    ـ أنت متأكدة .

     

    ـ امشي أو اترك الماء هنا .

     

       سبقها مسرعا بخطوات عدة .. ثم قال بعد حين دون أن يلتفت إليها :

     

    ـ هل أبدو جميلاً من الخلف .

     

    ـ سافل.

     

     الرياح كانت تقيد كثيراً من حركاتهما . كادت الفتاة أن تتعثر أكثر من مره .

     

     وقال خلالها ساخرا :

     

    ـ اعتقد أني سأضطر أن أحملك أنت وصفيحة الماء .

     

    ـ لقد تعبت

     

    جلست تحت ظلال شجرة .أنزل صفيحة الماء من رأسه, وبقى واقفا متفرجا من حوله .

     

     سألها :

     

    ـ أين تسكنين . أين قريتك .

     

    اشتدت الرياح من حولهما واختبأ معا خلف جذع شجرة, أثناء دلك ضاع صوتها مع صفير الرياح.

     

    صاح بأعلى صوته قائلا :

     

    ـ لم أسمعك . ماذا قلت ؟!

     

    صاحت من خلف اللثام : هل ترى تلك الهضبة الصغيرة ؟

     

     وأشارت بيدها.

     

    ـ نعم أراها .

     

    ـ عندما نصل إليها اترك الماء وارحل .

     

    ـ ارحل ! لكن لا توجد قرية هناك .

     

    نظرت إليه مباشرة . وقالت بلكنة حازمة :

     

     ـ ضع الماء هناك فقط وارحل . أو ارحل ألان .

     

    هز رأسه . وحدق إلى الهضبة . وقال وكأنه يكلم نفسه :

     

    ـ إن أقرب قرية من تلك الهضبة هي ..

     

    وسكت. التفت إليها وتابع :

     

    ـ تلك التي يعيش فيها اليهود .

     

    ـ والمسلمون ايضاً .

     

     كاد أن يسألها من أي فئة أنت . لكنه فضل الصمت. لم يطيل صمته كثيراً :

     

    ـ ارفعي يدك.

     

    ـ ماذا؟.

     

    ـ دعيني أرِ يدك .

     

     رفعت يدها إلى أعلى . فأمسكها بلطف وترك أنامله تمر على أناملها.. سحبت يدها وهتفت : ـ ـماذا تفعل ؟

     

    ـ فقط أتأكد إن كان لك أصابع مثل أصابعي .

     

    ـ ماذا وجدت ؟

     

    ـ أن لك أجمل أصابع رأيتها في حياتي .

     

     نظرت إليه طويلا .أصابتها الدهشة فهذه هي المرة الأولى التي تسمع أحدهم يتغزل بأصابعها:

     

    ـ لنرحل من هنا

     

    وحملت صفيحة الماء على رأسها ومشت .

     

    مشى خلفها وعلى فمه ابتسامة :

     

    ـ ذات يوم سأحضر إلى قريتك لأبحث عنك وأتزوجك .

     

    ـ لن تعرفني

     

    ـ بل سأعرفك .

     

    ـ كيف ؟!

     

    ـ لا تسألي رجلاً لا تعرفينه كيف .

     

     توقفت. واستدارت نحوه :

     

    ـ هل لك أن تمشي أمامي.

     

    مر من أمامها . وهمس :

     

    ـ سأخبرك عندما أتزوجك .

     

    ضحك وتلاشت ضحكته سريعا مع الريح . مشيا بقية الطريق إلى الهضبة صامتين. كان هناك حمار مربوط على شجره .

     

    ـ هذا حمارك .

     

     هزت رأسها دون أن تتفوه بكلمه .

     

    ـ تمشين مسافة طويلة حاملة صفيحتين من الماء بوزن هذا الحيوان و ..

     

    قاطعته :

     

    ـ لا أريد أن أجهده .. أمامنا مسافة طويلة .

     

    ـ وماذا لوعدت ولم تجدي حمارك العزيز .

     

    ـ الكل يعرف حماري . ثم من هذا الذي يسرق حماراً إلا إذا كان حماراً .

     

     قالت كلمتها الأخيرة وهي تنظر إليه بذات معنى .

     

    ـ سوف أعتبرها نكتة منك .

     

     وضعت الصفيحتين على ظهر الحمار:

     

    ـ أشكرك لقد ساعدتني كثيراً

     

    ـ سأحضر إلى قريتك وأجد حمارك ويدلني عليك .

     

     شاهد عينيها تضيقان قليلاً وفهم أنها تبتسم, لكزت الحمار بعصا وقالت :

     

    ـ مع السلامة .

     

    ـ لحظة .

     

    ـ ماذا تريد بعد؟

     

    ـ ألن تدعيني أرَ وجهك ؟

     

    لم تقل شيئا.

     

    ـ اسمعي . سوف ابعد عني اللثام, وسوف تفعلين أنت كذلك .

     

    ـ ابدأ أنت .

     

     نزع اللثام عن وجهه. لكزت الحمار مره أخرى ومشت .

     

    ـ إلى أين أنت ذاهبة . دعينا أرى وجهك.

     

    ـ وجهك لم يعجبني , ارحل قبل أن تمطر.

     

     بقي واقفا يراقبها بإعجاب :

     

    ـ ماكرة .

     

     في ذلك اليوم لم ينزل المطر ولا حتى بعد شهر. وضع شيئا في جيبه قبل أن ينزل من الهضبة, الرياح قد رحلت منذ أيام طويلة بعد أن اقتلعت الأشجار من جذورها .مرة أخرى أدخل يده في جيبه وتركها هناك. رائحة القرية مختلفة عن رائحة قريته . السوق اليوم مكتظ بالبائعين والمشترين , الأصوات تعلو من كل الأفواه , أحدهم جره من قميصه وهمس له : لدينا بندقية تركية .

     

    ـ ابحث عن امرأة تركية , هل أجدها لديك ؟

     

     حدق به الرجل بدهشة, ثم همس له بجديه :

     

    ـ تعال الأسبوع القادم .

     

     ترك الرجل ضاحكا . وتجول في السوق مفتشا عن شيء ما . النساء والفتيات الصغيرات كثيرات في السوق, اغلبهن يفترشن الأرض لبيع الخضار أو الخبز واللبن حتى الملابس القديمة .

     

    راح يتفرس في وجوهن . أخرج يده من جيبه ثم راح ينظر إلى راحة كفه. اصطدم به أحد المارة فسقط الخاتم تدحرج فركض خلفه . ويلتقطه, قبل ذلك رأى أمامه فتاة جالسه وأمامها زنبيل. وكانت تحرك يدها لتهش بها الذباب من على الزنبيل. شاهدته . توقفت عن هش الذباب, بقى هو في مكانه يتطلع بها . تقدم منها , جلس أمامها :

     

    ـ أنت جميلة جدا .

     

     حاولت أن تتحاشى نظراته. تابع قائلا : قلت لك إني سأعرفك .

     

    ـ دلك الحمار علي. وابتسمت.

     

    ـ لا .. قلبي.

     

    لم تعلق.

     

    ـ هاتي ِ.. يدك

     

    ـ لا

     

    حاول أن يمسك يدها , لكنها امتنعت. بسط أمامها الخاتم الفضي وقال :

     

    ـ لقد صنعته من أجلك .

     

    ـ من اجلي .. لماذا ؟!

     

    ـ خذيه أرجوك .

     

     مدت إصبعها. أدخل الخاتم فيه, لم تستطع أن تخفي فرحتها :

     

    ـ إنه جميل .

     

    ـ هل يزعجك هذا الرجل ؟

     

     تحركت الفتاة من مكانها بارتباك , رفع الشاب رأسه نحو صاحب الصوت. رجل سمين يضع على رأسه قبعة صغيرة يتدلى من جانبي رأسه خصلات من شعره .

     

    قالت :

     

    ـ لا.. إنه فقط سوف يشتري الخبز كاملا .

     

    نهض الشاب وردد :

     

    ـ نعم.. نعم. لم نتفق بعد على السعر .

     

    ـ هات عشرة ريالات .

     

    ـ لا ، هذا كثير. لا أملك سوى ثمانية ريالات .

     

    واخرج من جيبه نقوداً معدنية , فأخدها الرجل ووضعها في كيس كان يحمله, ورحل.

     

    فسألها الشاب :

     

    ـ من هذا ؟

     

    ـ أخي .

     

    ـ أنت ..!

     

    ـ نعم أنا يهودية .

     

    وأضافت في قلق :

     

    ـ أرجوك لا تعد إلى هنا .

     

    ـ سأتزوجك .

     

    ـ أنت مجنون سيقتلني أخي .

     

    ـ   إذن تعالي معي .

     

    ـ أرجوك ارحل .

     

    وضعه الزنبيل على رأسه وقال دون أن يلتفت إليها :

     

    ـ سأعود و آخذك معي.

     

     تردد الشاب كثيراً على الهضبة, قتا في نفسه لعلى أراها مرة أخرى , ذات مره وجد الحمار مربوطاً إلى الشجرة . ربت على رأسه كصديق قديم وقال :

     

    ـ سنبقى معا في انتظار صاحبتنا .

     

    وجلس واستند على طهر الشجرة وشعر بالتعب ونام. حضرت الفتاة وراحت تراقبه مبتسمة, وقبلته في جبينه , فتح عيناه.. شاهدها أمامه .. وهتف :

     

    ـ ماذا فعلت ؟

     

    ـ ماذا فعلت ؟!

     

    ـ لقد قبلتني .

     

     أبعدت رأسها :

     

    ـ تحلم

     

    وضع يده على جبهته :

     

    ـ مازلت جبهتي رطبة .. حارة

     

    ـ لماذا حضرت ؟

     

    ـ لأراكِ

     

    ـ وبعد

     

    ـ وأتزوجك

     

    ـ أنت مسلم وأنا يهودية

     

    ـ ديننا لا يحرم ذلك .

     

    ـ أنت لا تعرف أخي . سوف يقتلني فقط لمجرد التفكير .

     

    ـ اهربي معي .

     

    ـ أرجوك ارحل .

     

     فتحت الحبل من جذع الشجرة ولكزت الحمار . أمسك معصمها, وشدها نحو والتصقت به. رفعت رأسها نحوه.. وتنهدت :

     

    ـ احضني بقوة .

     

     عصرها بكلتا يديه , أصبحا جسماً واحداً . همس :

     

    ـ احبك .

     

    وضعت رأسها على كتفه :

     

    ـ أحببتك لأنك مختلف عنهم .

     

    ـ بماذا ؟!

     

    ـ لم يسبق لي أن شاهدت رجلاً يلبس سروالاً غير العسكر. وضحكا

     

    ـ سآخذك معي ونتزوج.. ولن يعلم أخوك بمكانك .

     

    ـ أنت لا تعرفه .

     

    ـ هناك شيء يجب أن تعرفيه , سوف أتزوجك أنت . حتى لو اضطر الأمر أن اختطفك .

     

    ابتسمت وقبلته على جبينه , وابتعدت عنه :

     

    ـ لقد تأخرت حبيبي, يجب أن أعود .

     

    أعادها إلى صدره وقال :

     

    . سأنتظرك هنا بعد يومين . وآخذك معي , وأتزوجك .

     

    ابتعدت عنه مرة أخرى :

     

    ـ أنت مجنون .

     

    ـ نعم أنا مجنون

     

    لكزت الحمار . ومشت :

     

    ـ وأنا أكثر منك جنونا .

     

    بعد يومين. .ساعات طويلة مضت ..وهو واقف على الهضبة . الشمس تحرق جسده , اشتد به العطش , بدأت قواه تضعف وكاد أن يسقط أكثر من مرة إلا أنه كان يسند يده إلى الشجرة , أقسم مع نفسه إنه لن يجلس حتى يراها قادمة .العرق وصل إلى عينيه . يحجب عنه الرؤية , وكان يمسحه بكم قميصه , رطب شفتيه بلسانه , فجأة لف حول نفسه وسقط فاقد الوعي .

     

    الماء يتدفق إلى جسده , وصوتها يتدفق إلى قلبه :

     

    ـ اشرب أيها المجنون الجميل .

     

    فتح عينيه ببطء , شاهد وجهها مبتسما , كانت أكثر جمالا في تلك اللحظة , ابتسم بصعوبة . لكنه شعر براحه كبيرة ورأسه على حجرها وأناملها تداعب شعره .

     

    تكلم بصعوبة :

     

    ـ لقد تأخرتِ .

     

    مررت إصبعها على وجهه وجعلته يرتجف :

     

    ـ أنا معك الآن . أعاهدك لن أتأخر مرة أخرى .

     

    أضافت :

     

    ـ هل تشعر بالعطش الآن

     

    ـ لا .. وأنت

     

    ـ نعم ، أريدك أن تسقيني .

     

     

     

     

     

     

     

        الساعة الثانية عشرة ليلا, لا أحد في القرية سوى شبحين يمشيان ببطء وتعب , طرق أحدهما باب منزل , ظهر لهما رجل مسن . التفت إلى الفتاة ثم إلى الشاب وقال له :

     

    ـ ستبقى هي مع بناتي.. عد غدا ومعك اثنان من الشهود .

     

    قال الشاب للفتاة :

     

    ـ ستكونين هنا في أمان , وغدا سنتزوج .

     

    وتزوجا ..

     

     كان حفلاً بسيطاً .. قالت له :

     

    ـ لم اشعر بالراحة كما أشعر به ألآن .

     

    أخذها إلى بيته . قال وهو يدفع الباب :

     

    ـ هذا بيتك .

     

    تطلعت إلى البيت , وفي فمها ابتسامة :

     

    ـ انه كبير.. كنت تعيش وحدك هنا .

     

     هز رأسه , ثم حملها ، وصعد بها السلم ، حيث كانت القناديل منتشرة على جدران البيت .

     

    ـ الآن أنا وأنت نعيش معا .

     

         كانت تضحك , أحيانا ضحكتها تختفي في شفتيه , وضعها بلطف على الفراش , تأمل كل واحد منهما الآخر , الخجل في وجهما , القنديل الوحيد في الغرفة شاركهم خجلهم حيث بدأ ضوؤه يخفت رويدا رويدا .

     

    ـ صنعت لك شيئاِ .

     

    متلهفة : ما هو ؟!

     

     ركض إلى دولاب صغير وبعثره محتواه , ثم التفت إليها مبتسما ورفع يده عاليا :

     

    ـ هذا .

     

    تألقت عيناها .. وفي فرحة صاحت : ما أروع هذا القلادة .

     

       ساد فجأة ظلام شديد , هدوء أشد , اقتربا بعضهما من بعض .. وتلامسه بلهفة ونشوة , وبعثرا ثيابهما في الغرفة أو مزقاها . ورائحة العرق تفوح منهما ..

     

    لم يناما حتى الصباح . افترشت الشمس الغرفة و.. جسديهما .

     

    قالت وهي تداعب صدره :

     

    ـ عندما حضرت أول مرة إلى قريتي كيف عرفتني ؟

     

    لمعت عيناه في خبث جميل :

     

    ـ أتذكرين عندما التقينا أول مره وحملتُ معك الماء ومشيت خلفك .

     

    ـ بالطبع اذكر .

     

    ـ لديك مؤخره جميلة لا يمكن أن انسها .

     

     وضحك بصوت عال . وراح يداعب بيده شيئا ما في جسدها.

     

    ـ أيها اللعين . كنت اشك بذلك .

     

    رفع رأسها نحوه .. وهمس برقة :

     

    ـ ولديك أيضا عينان ساحرتان لا يمكن أن أنساهما .

     

       لم يكن أحد يعرف من سكان القرية أن المرأة التي تزوجها صانع الحلي كانت يهودية . سوى شيخ القرية الذي نطقت الشهادة على يده .

     

     رغم مرور خمس سنوات كان ومازال يبحث عن أخته .. لم ييأس أبدا . فتش عنها قرية قرية وبيتاً بيتً , و ذات يوم جاء إليه رجل مهرولا وصارخا : أظن أني رأيت أختك .

     

    ـ أين ؟

     

    ـ ليس بعيدا عنا .

     

    وأضاف مترددا :

     

    ـ لم تكن وحدها .

     

     أمسك الرجل من قميصه وقال غاضبا :

     

    ـ ماذا تقصد .

     

    ـ كانت تحمل طفلة .. طفلة رائعة الجمال .

     

     شده من قميصه :

     

    ـ أنت متأكد أنها أختي ؟

     

    ـ نعم .. شاهدتها بوضوح وتبعتها حتى دخلت بيتاً كبيراً , يملكه رجل يعمل في صناعة الحلي .

     

    وصمت .. ثم تمتم :

     

    ـ مسلم .

     

     صدم الرجل الآخر .. ابتعد خطوات عدة وراح يضرب الأرض بغضب وسخط وراح يردد :

     

    ـ اللعنة . اللعنة .. سأحرقها .. سأحرقها .

     

    والتفت إلى صاحبه وأشار بإصبعه :

     

    ـ اجمع الرجال الليلة .

     

    ـ لا تكن مجنونا وتقوم بعمل غبي , لم تبقَ سوى أيام ونهاجر هذه البلدة اللعينة.

     

    ـ أن جسدي كله يحترق . لن ارتاح إلا وهي تحترق مع الكلب .

     

        الليل صديقهم . كالأشباح يتراكضون في القرية . الهدوء مخيف . والخوف لا يخيفهم . لا أحد سواهم الخمسة ببنادقهم ويتبعهم ظلهم . يسبقهم أحدهم وكأنه مرشد لهم .

     

    توقف المرشد فجأة وتوقفوا خلفه , قال هامسا والليل يحب الهمس :

     

    ـ هذا البيت .

     

    قال كبيرهم :

     

    ـ تسلق تلك النافدة.ادخل وافتح لنا البيت .

     

     بمهارة قفز إلى الداخل . دخلوا بخطوات تكاد أن تسمع . صعدوا السلم , القناديل مشتعلة , الوجوه شاحبة ومخيفة . ضحكات لرجل وامرأة في غرفة ما .

     

    تتوقف الأشباح الخمسة , وكأنها تتنصت , تمتم أحدهم ساخطا :

     

    ـ سافلة .

     

       يركل الباب بقوة , ينتشرون في الغرفة , ينظر الرجل والمرأة بذهول , يحمل أحد الأشباح قنديلاً ويقترب منهما . يضاء نصف وجهه.

     

    صوته مرتبك وعينان مرعوبتان :

     

    ـ أخي!

     

    يعلو صوت طفلة , تركض أمها نصف عارية وتأخذها من فراشها وتحضنها بقوة على صدرها.

     

    قال أخوها وفي عينيه شر :

     

    ـ في كل بيت مخلوق أعوج .. وأنت الأعوج .

     

    ـ إنها زوجتي .

     

     ينظر إليه الأخ .. يرفع بندقيته ويطلق عليه رصاصة , تصرخ المرأة وتركض نحو زوجها وتحاول أن تحضنه إلى جانب ابنتها .

     

    يقترب منها . ينزع منها ابنتها , تسقط الأم , تتوسل :

     

    ـ أرجوك دع ابنتي .

     

    لكنه يركلها بقوة ، يطلب من أشباحه المغادرة , ينظر إلى أخته باستحقار :

     

    ـ أكثر ما تمنيتُ , أن أراك وأنت تحترقين .

     

     قال ذلك ورمى القنديل على كومة من الثياب , اشتعلت النار وانتشرت في الغرفة, أغلق الباب خلفه بالمفتاح . حدق بالطفلة, نزع القلادة من عنقها ودسها في جيبه :

     

    ـ أصبحت الآن أنا عائلتك .

     

    قال ذلك واختفى في الظلام .

    كلمات مفتاحية  :
    قصة موران

    تعليقات الزوار ()