عندما رفعت علم بلادي
د.طارق البكري
كنت أرى الكشافة في مدرستي يرفعون علم بلادي، وهم يعزفون على آلات موسيقية وينشدون النشيد الوطني، ويلقون التحية على العلم.. صباح كل يوم.
أعجبني كثيراً هذا المشهد.. فقلت لأبي إنّي أريد دخول الكشافة..
كنتُ صغيراً في الصف الأول الابتدائي..
رحّب أبي كثيراً برغبتي هذه.. وشجعني..
فسألت زملائي الطلاب الذين يرفعون العلم كل يوم عن طريقة اشتراكي في فرقة الكشافة.. فشجعوني هم أيضاً.. وطلبوا مني أن أحضر يوم العطلة الأسبوعية وهو يوم النشاط الرسمي للكشافة..
ومنذ ذلك اليوم بدأت أهتم كثيراً بهذا النشاط، وكنت أريد المشاركة في رفع العلم... لكن قائد الفرقة طلب مني التمهل بعض الوقت.. لأنّ من يرفع العلم عليه أن يمضي وقتاً في التدرب.. والأفضلية للأكبر سناً والأقدم في الكشافة..
ولكني كنتُ حريصاً على أن أراقبهم ماذا يفعلون بدقة..
وخاصة عند رفع العلم وأداء التحية..
وكان ذلك استعراضاً متكاملاً يشبه طريقة الجيش في رفع العلم..
وكنت حريصاً على ارتداء الزي الكشفي بشكل شبه يومي دون أن يطلب مني ذلك.. لأنّ الذين يرتدون هذا الزي يومياً هم من يطلب منهم رفع العلم فقط...
وفي أحد الأيام.. وكنت مرتدياً الزي الكشفي، وعندما حان وقت رفع العلم..
اكشف قائد الفرقة غياب أحد الطلاب، وكان مقرراً له أن يرفع العلم في ذلك اليوم..
فشاهدني قائد الفرقة مرتدياً زيّ الكشافة..
فسألني إن كنتُ واثقاً من معرفتي التامة لكيفية رفع العلم؟؟
وفي هذه اللحظة شعرت أنَّ الدنيا لا تسعني..
شعرتُ أنه يريد من خلال هذا السؤال أن أقوم بذلك لسبب طارئ..
فأكدت له أني اتقن هذا الأمر تماماً..
فقال: سنجربك اليوم.. هذه هي فرصتك قد حانت.. لو نجحت ستشارك الفرقة برفع العلم من حين إلى آخر.. ثم حذرني من الخطأ.. فناظر المدرسة لا يحب الخطأ في رفع العلم.. ولو علم قائد الكشافة سيمنعك من رفع العلم مرة ثانية.
قلت: له لا تقلق.. وسوف ترى ماذا سأفعل.
وكنتُ قد حفظت تماماً كامل الخطوات التي يؤديها الكشافة وهم يسيرون جنباً إلى جنب وفي خطوات ثابتة موحدة.. وكنت متأكداً من أنني من المستحيل أن أخطأ لأني تدربت على ذلك مراراً في البيت..
وكانت تجربة رائعة لا يمكن أن أنساها..
وقد هنأني قائد الفرقة على خطواتي الواثقة الصحيحة..
ومنذ ذلك اليوم رفعت العلم عشرات المرات أمام الناظر المدرسين والطلاب.. وفي احتفالات عدة داخل المدرسة..
ولكني لم أكن أريد أن أحظى لوحدي فقط بهذا الشرف.. بل كنتُ أتيح الفرصة لكلِّ من يحب أن يرفع العلم، وأساعده وأدربه ليقوم بذلك.. لأحقق حلمه برفع العلم، كما تحقق حلمي في أحد الأيام...