بتـــــاريخ : 6/2/2008 7:17:37 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 792 0


    الإخلاص 2

    الناقل : heba | العمر :43 | الكاتب الأصلى : خالد بن عثمان السبت | المصدر : www.islammemo.cc

    كلمات مفتاحية  :
    فقه القلوب

    الدرس السادس من السلسلة :
     

    ثالثًا: من الأمور الدالة على أهمية الإخلاص، وعظيم منزلته: أنه حقيقة الإسلام الذي بعث الله عز وجل به المرسلين عليهم الصلاة والسلام: كما ذكر الشيخ تقي ابن تيمية رحمه الله، فقال:' إذ الإسلام هو الاستسلام لله لا غيره كما قال الله تعالى:} ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا...[29] {[سورة الزمر] . يقول: فمن لم يستسلم لله؛ فقد استكبر، ومن استسلم لله ولغيره؛ فقد أشرك، وكل من الكبر والشرك ضد الإسلام والإسلام ضد الشرك والكبر' [مجموع الفتاوى 10/14].

     

     

     

     

     

    رابعًا: مما يدل على أهميته أنه الفطرة التي فطر الله الناس عليها وبه قوام الأمة[انظر:درء التعارض8/374 ]: فالله ما فطر الناس على الرياء، وعلى المقاصد السيئة، وعلى الشرك بالله عز وجل، إنما فطرهم على التوحيد، ولا شك أن الإخلاص هو التوحيد، مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه على معاذ بن جبل فسأله:' ما قوام هذه الأمة؟' فقل معاذ:' ثلاث وهن المنجيات: الإخلاص: وهو الفطرة } فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا...[30] {[سورة الروم]. والصلاة: وهى الملة. والطاعة: وهى العصمة' فقال عمر رضى الله عنه:' صدقت'

    .

    ومن هنا نعلم شأن الإرادات والمقاصد والنيات، وخطرها، وعظيم أثرها وشأنها، ولهذا قال يحي أن أبي كثير رحمه الله تعالى:' تعلموا النية؛ فإنها أبلغ من العمل' . وذلك لأنها تبلغ بصاحبها ما لا يبلغه عمله- كما سيأتي إن شاء الله-ويقول ابن أبي جمرة- وهو أحد شراح الصحيح- :' وددت أنه لو كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم، ويقعد في تدريس أعمال النيات ليس إلا؛ فإنه ما أتي على كثير من الناس إلا من تضييع ذلك'.

     

     

     

     

     

    رابعًا: الإخلاص في الكتاب والسنة:

    · الإخلاص يذكر في كتاب الله عز وجل كثيراً:

    تارة: يأمر الله عز وجل به، كقوله:} فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ...[65]{ [سورة غافر].

    وتارة: يخبر أنه دعاء الله لخلقه:} وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ...[5] { [سورة البينة].

    وتارة: يخبر أن الجنة لا تصلح إلا لأهله، كما قال:} إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ[40]أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ[41]فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ[42]فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ[43] { [سورة الصافات].

    وتارة: يخبرنا بمواضع أنه لن ينجو من شَرِكِ إبليس إلا من كان مُخلِصاً لله عز وجل، كما قال:} إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ[40] {[سورة الحجر] . بعدما توعد أنه سيضل الخلق أجمعين، ويستهويهم بوساوسه وخواطره، وإضلاله وتزيينه

     

    .

    · وأما ما ورد في السنة فكثير، ومن ذلك:

    ما جاء عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ – يعني يريد الأجر من الله عز وجل، ويريد أن يُذكر يقال: فلان مجاهد – مَالَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ لَا شَيْءَ لَهُ] فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ لَا شَيْءَ لَهُ] ثُمَّ قَالَ: [ إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ] رواه النسائي، وهو حديث حسن الإسناد .

    وجاء من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ] رواه مسلم . فالأعمال التي تختلط فيها الإرادات، ويتلفت صاحبها يمنة ويسرة يريد ما عند الله، ويريد ما عند المخلوقين؛ هذه الله غني عنها، ولا يعبأ بها، ولا يقيم لها وزنًا.

     

     

    وجاء من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما يبين أن محل نظر الله عز وجل إلى قلب العبد، وهو محل الإخلاص، والقصد والنية، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: [إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ] وفي لفظ: [ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ]رواه مسلم.

     

     

    وحديث: [ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ...] رواه البخاري ومسلم. شاهد واضح في الدلالة على هذا المعنى، ونحن لو أردنا أن نستقصي الآيات والأحاديث التي تدل على أهمية الإخلاص، ومنزلته، وعظيم أثره؛ لما كفى لاستيعابها هذا المجلس بل ولا مجالس، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق

     

    .

    خامسا: مراتب الإخلاص : يمكن أن نقول بأن العمل الذي يكون خالصاً مقبولاً على مرتبتين إحداهما أعلى من الأخرى:

    المرتبة الأولى: أن يتمحض القصد لإرادة وجه الله عز وجل، وما عنده من الثواب والجزاء، ولا يلتفت العبد إلى شيء آخر- وإن كان مباحاً-:

    · فهو يجاهد يريد ما عند الله فقط لا يريد غنيمة، فضلاً عن المقاصد السيئة كالرياء والسمعة.

    · وهو يصوم يريد ما عند الله عز وجل، ولا يلتفت لأمر يجوز الالتفات إليه كتخفيف الوزن، أو تحسين صحة البدن، أو الحمية، أو ما إلى ذلك.

     

     

     

     

    · وكالذي يمشي إلى المسجد ليكثر الخطى التي يتقرب بها إلى مولاه لا يلتفت لمعنى آخر، وهو أن ينشط بدنه، ويتقوى هذا البدن، وإنما يلتفت إلى المعنى الأول فقط فهذا أعلى المراتب.

    المرتبة الثانية :العمل يكون مقبولاً إلا أنه دون الأول، وهو أن يقصد العبد وجه الله عز وجل بالعمل، ولكنه يلتفت إلى معنى يجوز الالتفات إليه:

    · كالذي يحج يريد وجه الله عز وجل، ويريد أيضاً التجارة، فهذا لا مانع منه، والله عز وجل يقول:} لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ...[198] {[سورة البقرة]. والمعنى: أن تبتغوا فضلاً من ربكم أي بالتجارة في مواسم الحج .

     

     

     

     

    · وكالذي يحج لأنه يحمل معه جموعاً من الحجاج يأخذ منهم أجرة على ذلك، فهذا يريد وجه الله عز وجل، ويريد هذا المغنم العاجل، فحجه صحيح، ولكن مرتبته دون الأول، دون الذي ذهب إلى الحج لا يريد إلا ما عند الله .

    · وكالذي يصوم لله عز وجل، وهو يستحضر في نفسه معنى آخر، وهو أن يصح بدنه.

    · وكالذي يحضر لصلاة الجماعة تلبيةً لأمر الله عز وجل، وطاعة وعبودية له، ويلتفت لأمر آخر يجوز الالتفات إليه أن تثبت عدالته، وأن تقبل شهادته؛ لأن الذي لا يحضر مع الجماعة لا تثبت له عدالة، ولا تقبل له شهادة، ولا شك أن المسلم مطالب بتحصيل الأمور التي تثبت بها عدالته، وهذا غير الرياء والسمعة، هذا أمر يجوز الالتفات إليه، ولكن من نظر إلى هذا المعنى فهو دون الأول.

     

     

     

     

     

    إذًا هما مرتبتان: أن يتمحض القصد لله عز وجل، الثانية: أن يريد وجه الله، ويلتفت إلى معنى آخر يجوز الالتفات إليه، هذه مراتب ودرجات المخلصين، الذين يقبل الله عز وجل أعمالهم، ولا تتكدر بشيء من الإشراك .

    سادسًا: صعوبة الإخلاص: الإخلاص أمر عسير شاق على النفس، صعب عليها، يحتاج صاحبه إلى مجاهدة عظيمة، ويحتاج العبد معه إلى مراقبة للخطرات والحركات، والواردات التي ترد على قلبه، فيحتاج إلى كثرة تضرع لله عز وجل- كما سيأتي- يقول أويس القرني رحمه الله:'إذا قمت فادعو الله يصلح لك قلبك ونيتك، فلن تعالج شيئاً أشد عليك منهما' .

     

     

     

    أويس القرني هذا هو الذي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب أن يطلب منه أن يدعو له، وأخبره أنه يأتي في أمداد اليمن، وذكر له صفته، فكان عمر يترقب ويتحرى حتى عثر عليه، فكلمه وسأله حتى استيقن أنه هو، وطلب منه أن يدعو له، ثم بعدها اختفى أويس فلم يعرف له أثر بعد ذلك، اختفى لشدة إخلاصه لما انكشف أمره خشي أن يتعلق الناس به، وأن يثنوا عليه ويطروه، وأن يتتبعوا آثاره يطلبون منه الدعاء، أو يطلبون منه أن يستغفر لهم، وما إلى ذلك، فاختفى في أجناد المسلمين، وخرج غازياً في سبيل الله عز وجل، ولم يوقف عليه بعدها، ومع ذلك يقول:'لن تعالج شيئاً أشد عليك منها' أي: النية .

     

     

     

     

     

     

     

    ويقول يوسف ابن أسباط رحمه الله:' تخليص النية من فسادها أشد على العاملين من طول الاجتهاد' . قد يستطيع العبد أن يجاهد سنوات متواصلة، ولكنه قد يعجز كثيراً، أو يتعب كثيراً بمراقبة خطراته، وما يرد عليه من المقاصد والنيات، والواردات التي تقع في هذا القلب. قد يستطيع الإنسان أن يركع ويسجد ليلاً طويلاً، وأن يصوم النهار، ولكنه يصعب عليه أن يضبط قصده، وأن يتمحض هذا القصد لوجه الله عز وجل، وقد يسأل بعضكم لماذا كانت هذه الصعوبة؟ ولماذا كانت هذه المشقة في إكسير العبادة، وفي سر القبول، وهو الإخلاص؟ لماذا كان بهذه المشقة؟

    ولماذا احتاج إلى هذه المجاهدة الكبيرة الطويلة حتى آخر اللحظات حينما يفارق الإنسان هذه الحياة ؟!!

     

     

    أقول ذلك لأمور:

     

     

    أولها: أن الإخلاص لا نصيب للنفس فيه، كثير من الأمور التي للنفس فيها حظ عاجل قد لا تضطرب على الإنسان فيه نيته، وإنما يُحصل بغيته بمجرد تعاطيها من ألوان اللذات، أما الإخلاص فالإنسان يجرد نفسه، ويجرد قصده من كل إرادة والتفات، فلا يلتفت إلى حظ عاجل يرجع إلى هذه النفس، ولا يريد من الناس أن يُقربوه، أو يُكرموه، أو يُعظموه، أو يسمعوا عن عمله الصالح، فيطروه على هذا العمل، هو لا يريد هذا،، فلاحظ للنفس فيه، وبالتالي كان ذلك عسيراً عليها.

     

     

     

     

    أمر ثان سَبَّب صعوبة الإخلاص: وهو أن الخواطر التي ترد على القلب لا تتوقف، وكما ذكرت- سابقًا- : أن القلب يقال له: الفؤاد لكثرة تفؤده، أي لكثرة توقده بالواردات، وكذلك قيل له: القلب لكثرة تقلبه فهو كثير التقلب على صاحبه، فَأَمرٌ بهذه المثابة؛ يصعب على العبد أن يلاحقه، وأن يضبطه في كل لحظة من لحظاته، وفي كل حركة من حركاته، ولهذا يقول الإمام الكبير سفيان الثوري رحمه الله تعالى- وهُوَ مَنْ هُوَ في العبادة والإخلاص يقول- :'ما عالجت شيئاً أشد علي من نيتي إنها تقلب علي' . ويقول يوسف بن الحسين رحمه الله:'كم أجتهد في إسقاط الرياء من قلبي فينبت لي على لون آخر' . يقول: أجاهدها من هذه الناحية، وأسد هذا الباب، فينبت لي من ناحية أخرى، فقد يثني عليه بعض الناس ثم يقول من أنا ؟! ما مني شيء ؟! وليس لي شيء ! أنا المُكَدَّى وابن المُكَدَّى، ثم يقوم يتكلم وهو يحتقر النفس، وينقدح في قلبه إبراز جانب التواضع والإخبات، وعدم الالتفات للنفس، وأنه ليس من أهل العجب.

     

     

     

     

    قد يتكلم العبد ويقول: البارحة في ساعة متأخرة من السحر سمعت كذا وكذا، ثم يقول: لكنى لم أكن في قيام، وإنما قمت لحاجة، هذا يطرد الرياء كما قال الصحابي لما قال: من رأى منكم الكوكب البارحة فقال: أنا، أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت، هذا قالها خالصاً من قلبه، ولكن الإنسان قد يقولها خالصاً فينقدح له وهو يقولها معنى، وهو أنه يريد أن يظهر نزاهته عن الرياء ليقول للناس: لست من المرائين، فأمرٌ بهذه المثابة كيف نستطيع أن نضبطه في كل لحظة من لحظاتنا، وفي كل حركة من حركاتنا ؟

     

     

     

    فالإنسان قد يذكر أشياء من جهود طيبة، ومشاريع خيرة والمقام قد يفهم منه السامع أنه هو الذي قام بها، ثم يستدرك ويقول:عِلماً بأن هذه الأمور ليس لي منها شيء، ولم أصنع منها شيئاً . هذا كلام جيد ليدفع عن النفس الرياء، لكن قد ينقدح في نفسه وهو يقول هذا الكلام أمرٌ آخر يفسد عليه، وهو أنه يبرهن على صحة قصده، ولا أعني بذلك إطلاقاً أن من قال ذلك، أنه متهم، لكني أريد أن أقول: إن شأن الإخلاص شأن كبير يحتاج إلى معاناة طويلة مدتها العمر بكامله، وهذه المجاهدة لا ينفك عنها العبد بحال من الأحوال، فيحتاج إلى بصر نافذ في خطراته وحركاته وسكناته.

    ........................................................................................................يتبع

    من سلسلة:'أعمال القلوب' للشيخ / خالد بن عثمان السبت

     

     
    كلمات مفتاحية  :
    فقه القلوب

    تعليقات الزوار ()