بتـــــاريخ : 10/12/2008 9:18:00 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1634 0


    محاولة جريئة للهرب من المعاطف

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : عبدالكريم يحيى | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :

    هل السائل متهم؟ هل الباحث متهم؟ هل المبدع متهم؟ نعم إذا ابتدع شيئاً يمسُّ أصول الدين كأنْ يغير عدد ركعات الصلاة المفروضة، أمَّا إذا ابتدع جديداً في الأدب، فعجلة للتطور والتقدم، وقد(حققت الفلسفة تقدماً غير معتاد لأنه لم يتمثل في إجابة الأسئلة بل في طرح أسئلة أفضل.. ممَ صُنِعَ العالم؟..لم يَصِلوا إلى الإجابة الصحيحة لكنهم اكتشفوا العقل الذي من خلاله أثبتوا وجود نظام كامن خلف وقائع الحياة اليومية غير مرئي للعين المجردة، لكن ما المقصود بنظام الطبيعة؟ فكان الجواب الطبيعي إنَّ نظاماً للطبيعة نمَّ عن عقل تنظيمي وهو الله)[1].

     

    المرواة دال على ثقافة عصرنا، لكن ماذا لو أنَّ أحلام مستغانمي كتبتها؟ إذن لقام النقاد سبع مرات قياماً وقعوداً، لهذا التنظير الأصيل؟ انتقد الدكتور عبدالله محمد الغذامي، الشيخ النفزاوي وكتابه الروض العاطر في نزهة الخاطر انتقادات لاذعة وبالمقابل امتدح ابن القيم الجوزية وكتابه روضة المحبين ونزهة المشتاقين الذي قال عنه(إنَّه لا يلغي الجسد ولا يحتقره ولا يستخدمه كوسيلة شبقية شهوانية عابرة..ويأتي على النقيض التام من تصورات النفزاوي التي تقلص الجسد وتجرده من قيمه المعنوية والإنسانية وتجعله مجرد أداة شبقية تنحصر في شبقيتها كل الدلالات والمعاني)[2] فلماذا امتدح مستغانمي إذن؟ رغم أنَّ مستغانمي ذهبت أبعد ما ذهب إليه الشيخ النفزاوي قاضي الأنكحة في تونس، لأنَّها أثبتت بنصوصها أن عقل النساء بين الأفخاذ، وهو ما أورده النفزاوي في حكاية (حكي أنَّ امرأةً يقال لها المعبرة، وكانت أحكم أهل زمانها وأعرفهم بالأمور، قيل لها:-أيتها الحكيمة، أينَ تجدنَ العقل مَعشر النساء؟-فقالت: بين الأفخاذ)[3]

     

     1-قراءة غير تقليدية لنص غير تقليدي: سأرمز للدكتور عمار بـ(د.ع):

     

    أحدهم تآكل أمام نص د.ع فقاوم بنقدٍ مستميت من أجل البقاء، أحدهم انهزم أمام نص د.ع وواصل الهروب، أحدهم خرج من العلمية ولجأ إلى مبادئ الإنسانية، أحدهم وقف مندهشاً جامداً كصنم، وأحدهم طار فوق عش الواق واق.

     

    د.ع = مؤلف ألحان موسيقية فعَّال + مؤلف نصوص أدبية فعال + مؤلف لوحات فنية غير فعال + مؤلف أغاني شعبية فعال + مطرب غير فعال+ممثل مسرحي فعال+محاور جدلي غير فعال+أكاديمي فعال...الخ.

     

    د.ع شعبي، نخبوي، نرجسي، شاعر، ناقد، أكاديمي، عاشق، نحوي، مطرب، موسيقي..الخ وعلى قدر كبير من الثقافة وتراكمات المعرفة، لكن كثرة المعرفة لا تعني الفهم بالضرورة خاصة إذا تمركزت المعرفة حول نفسها.

     

    -د.ع حاول، ونفترض جدلاً أنَّه فشل، س لم يحاول أصلاً، س، د.ع  € د مجموعة الأدباء.

     

    ص من الناس يحب س لأنَّه مفهوم وسلس وبسيط ولا يكلف وقتاً ولا جهداً، وص أيضاً يكره د.ع لأنَّ نجاح د.ع يعني أنَّ ص كسول ولا يفهم، ب من الناس حاول لكنَّه أيضاً لم يفهم، اكتفى بالقول(أنا لم أفهم). ص، ب € ق مجموعة القراء، د، ق€ ثقافة عصر.

     

    - قال نابليون أنا أفعل ما لا أستطيع فعله كي أتعلم كيفية فعله، ود.ع كتب مالا يستطيع وعلى قارئه أن يحاول- نص د.ع شغل القراء والنقاد بينَ مؤيدٍ خجول ومعارضٍ متعصب، نص صاروخي، وسيعود له فضل السبق كما كان لابن فرناس الذي حاول التحليق عالياً وسقط، ونحن نتمنى لـ د.ع التحليق عالياً.

     

    -د.ع: كلما أمسك بالقلم قفزت الموسيقى إلى ذهنه فتدفقت الكلمات وتأرجحت بين الكشف والإيماء، وتربعت الموسيقى ونظرت إليه باسمةً، مستهزئة، متوسلةً، كعجوزٍ ماكر.

     

    -الإيقاع سبق إلى ذهن د.ع وجاءت الكلمات كنتيجة متوافقة معه-د.ع يعيد شكلنة النص ولا يخفى تأثره بالشعر القديم(فالأوزان العربية التي وضعها الخليل الفراهيدي في العربية ليست في أصلها إلا صوراً مجردة لإيقاعات كانت قد تحققت في شعر العرب القديم وهذا يعني أنَّها مجرد إيقاعات محققة لإمكانات في الإيقاع غير متناهية)[4] و د.ع يحقق آخر الإيقاعات ويغلق الباب وراءه، وهذا لا يمنع انكسار الباب المغلق- د.ع أمسكَ بمطرقة كبيرة وثقيلة وهشمَّ النص تهشيما، ولم يذر فيه جملةً تقليدية(كان يوماً ما نقطةً في نسق من رعيل الكمانات، يحلم الانتقال إلى الصف الأول، هو العازف، العازف عن أي شيء.)د.عمار أحمد-بي آبو-نان والجوائح-ص-4-)عازف دال على مدلولين مختلفين، وربما متساويين وربما متناقضين بمعنى الراغب للأول والعازف غير الراغب في الثاني أو بالعكس، وغيرها الكثير من المدلولات يمكن استنباطها من دلالات د.ع المنحرفة عن النسق العام.

     

     - نص د.ع أدى إلى تعطيل المعنى وتثبيط الجمالية وتشتيت النقاد المرجفين الذين استعاروا مصطلحاتهم وأدواتهم وقوالبهم النقدية الجاهزة التي تكسرت أمام صياغة غريبة لم يعهدوها، فوقفوا حائرين أمام جملة(لا أريد أنْ أقول بطاطس لكي لا أضطر أن أقول إبراهيم تاتلس)جملة علقت في ذهني منذ أكثر من سنتين لغرائبيتها- د.ع يحذر قارئه: احذر فالأسلوب مهشم والمعنى ضائع ويقع على عاتقك وحدك أن تفهم- د.ع خرق قوانين لغة الأدب وعملية الخرق هذه كافية لصياغة نص جديد منحرف عن كل ما سبقه من نصوص-نص د.ع قاد حرب استباقية فاغتال المعنى التقليدي والصور الأدبية الشائعة بمباغتة وحفر خندقه متمركزاً مستعداً لتحمل التبعات كاملة-نص د.ع كائن حي هجين يقاتل بشدة من أجل رفض استلام صورة قيد وفاة كالكثير من النصوص التي سبقته أو جاءت بعده واندثرت دون قيد وفاة حتى، فالنص وحده يقاتل من أجل البقاء حياً، لكنني لا أنكر أنَّ د.ع مستمر في الدفاع عن نصه وتدعيم قواعده- د.ع يعلم جيداً أنَّ اللغة والموسيقى أول ثنائية لم تنفصل عبر تاريخ الحضارات، ومن اللغة والموسيقى انبثقت بقية الفنون-جاك دريدا يصرخ بأنَّ الكتابة قاذورات تلوث اللغة و د.ع يؤسس لعلاقة جديدة بين اللغة والنغمة والكتابة-نيتشة يبكي على الفنان الذي يجب عليه أن لا يحابي الواقع ويتجاوز كل ما هو متفق عليه، فخرج د.ع على الملأ بزينته ورماها عليهم وهي غير متفق عليها ولن يتفق عليها-فولتير يعلو نحيبه وعويله بسبب ضعف قوته ويقول(كل ما أريد أن أفعله هو أنْ أنتج كتاباً جميلاً حول لاشيء وغير مترابط إلا مع نفسه)أي بمعنى أنَّه يريد الخروج من شرنقة مَنْ سبقهُ من الكتاب أو الخروج من المعاطف و د.ع أنتجَ نصاً هتك اللغة التي أصرَّ المدافعون التقليديون أن يطردوه خارج المعاطف من جراء غلطته الشنيعة بحق أصحاب المعاطف-

     

    2-قراءة تقليدية لنص غير تقليدي:

     

    إنَّ النفير العام الذي جوبه به نص المرواة يكفيه فخراً، فلازال حديث السمار بسبب التنافر المبطن بين لا وعي القارئ الاعتيادي، وبين النسق العام للنص، وهناك في النص نسقان يحدثان في آنٍ واحد معاً وفيما هو في حكم النص الواحد يكون أحدهما مضمر والآخر علني ويكون المضمر نقيضاً وناسخاً للمعلن، وفيما لو قدر للمرواة عملية تحليل لمضمرات النص فسيحصل ظهور مفاجئ للنسقين، وربما توافق بين دواخل القارئ وبين النص، فبعد إزالة أسباب التنافر سيحصل تجاذب، كما حدث لتشيكوف في مسرحية النوارس، وسيعثر القارئ على لذة لم يعهدها لتعرفه على عوالم مجهولة وغرائبية وبذلك سيحقق النص نقلة من نص نخبوي إلى نص شعبي جماهيري، بسبب الانجذاب المتبادل بين دواخل النص ودواخل المتلقي، ويعلق الدكتور الغذامي عن الانسجام بين القارئ والنص بسبب من نسق لنص فيقول(وقد يكون ذلك في نكتة أو إشاعة أو قصيدة أو حكاية من تلك الأشياء أو النصوص التي نستجيب لها بسرعة وانفعال وهي استجابة تنم عن توافقها مع شيء مضمر فينا وحتى إن كانت دلالات هذه النصوص لا تتفق مع ما نؤمن به في العلن وكم طربنا لنكتة أو استمتعنا بحكاية دون أن نفكر في ما تحمله هذه أو تلك من منطق مضاد، كأنْ تكون النكتة عن السود أو عن البادية أو عن بعض أهل الأرياف..مع إننا نقول بالمساواة وحقوق الإنسان وننقد الغرب وغيره في موقفه النمطي منا وفي المقابل لا نلحظ تنميطنا للآخرين، ولا نسأل أنفسنا ما لنا نطرب ونضحك من شيء يتناقض مع مبادئنا)..واكتشف الغذامي(تماثلاً مخيفاً بين فحول الشعراء كالمتنبي وأبو تمام ونزار قباني وإدونيس وبين الطغاة السياسيين والاجتماعيين وظلت هذه الأنساق النخبوية اللإنسانية واللاحضارية تتسرب في ضميرنا الثقافي دون كشف أو ملاحظة)[5]

     

    (هل غادر الشعراء من متردَّم)معلقة عنترة-(كلنَّا خرجنا من معطف غوغول)مقولة شهيرة لتورغينيف، فيها مبالغة ولا تخلو من صواب، كان د.ع خائفاً منها، وربما كان الخوف والقلق هو الهوى الوحيد في حياتهِ، يقلقه أنْ يُقال خرج من معطف نجيب محفوظ، كخوف عنترة الذي أسقطهُ في معلقته، بينما يستطيع أن يكون رقما وحيدا في قائمةٍ جديدة إزاء الجمع الذين سبقه فمهاجمته في فضائهِ الخاص ستسعده، لأنَّه الرقم واحد، ومدحهُ في الفضاء المشترك سيفقده لذة الاختلاف التي يبحث عنها، يريد لقارئه أن يعايش اللذة التي شعر بها أول مرة اللذة التي طردت النوم عنه، وهو يريد لقارئه أن يستلَّذ بنصه المرواة،

     

    ولن يشرح له هذه اللذة أبداً، وليس ذنبه إنْ لم يفهمه أحدْ، وكما يقول رولان بارت(اللذة تأتي هكذا، إنَّها حضور من غير سؤال ووجود يعمُّ كلَّ شيء دون أن يتموضع في شيء..وليس للذة شيءٌ أقتل من سؤال يستفسر عن موضوعها.اللذة ليست موضوعاً إنها هي وإنَّها لتتكشف دائماً من غير سؤال، كالنور، تأتي بقدح زناد الروح، فلا يدركها إلاّ من تحرر مِنْ نفسه جسداً ودَخَلَ في نفسه نصاً)[6]. لكن من أينَ نأتي بقارئٍ يلتذُّ بهذا الانحراف  في الدلالة؟ وفي المرواة يوجد نسقان يحدثان في آنٍ واحد، أحدهما مُعلن وهو الذي خلا من أيِّ غطاءٍ جمالي، وكأنَّ القراء-حُمرٌ مستنفرة فرَّت من قسورة- والآخر غير علني متضمن أعلى القيم الجمالية لكنَّها تحتاج إلى جهد كبير للاستمتاع بها والإفادة منها، فدلالات المرواة مختبئة في داخل نص غير جمالي ومتوارية تحتَ غطائه، متخذة من هذا الغطاء وسيلةً للتورية على النص الجمالي غير المعلن من خلال دفع القارئ واستفزازه بشدة إلى الخروج من دوامة النص، وقد اثبتَ فرويد أنَّ(الأنا ليست سيدة بيتها الخاص، لأنَّ قوة دفاع اللذة تتواجد فينا إلى حد يستحيل معه الإلمام بكامل تدجينها، كما لا يخلو من الأهمية أن نعرف بأنَّ إرادتنا وذكاءنا ليسا مطلقين بما إنَّ جزءاً كبيراً من أنشطتنا الذهنية ينفلت من مراقبة الوعي)[7]، لكن د.عمار حدد الشكل الخارجي للنص وأسلوب كتابته بدرجة وعي كبيرة، لأنَّ هذا ما كان يبحث عنه، التأسيس لجنس أدبي جديد، لكنَّ المضمون كتب بدرجة وعي أقل وربما بدرجة وعي معدومة، فهو للوهلة الأولى أشبه بالهذيان.

     

    ويقول د. عمار: (فكرة الانحراف بالبنية الكلية للقص، وذلك بمشاكلة السرد، بالتوازي مع مشاكلة الشعر الذي أعرّفه بأنه فن التكثيف في كلام متوتر، وهنا أضطر إلى إيراد هذا التعريف الشخصي؛ لأن السرد- في المرواة- يفيد منه بوصفه البنية المنحرفة التي ستأخذ خصوصياتها بعد أن تضم انحرافات بنائية مفارقة ستشكل حصيلة اختلافات المرواة)[8]، قارئ نشط ومرن وحسب مقترح الإيطالي إمبرتو إيكو عام 1979 في كتابه القارئ في النص (وهو يقترح تحليلاً لما يسميه "بالقراءة المتعاونة أو المستجيبة". وغاية التحليل كما يراها العالم الإيطالي هي دراسة كيف يبرمج النص شكل تلقيه ودراسة ما يقوم به القارئ وبالأحرى ما ينبغي أن يقوم به القارئ الفطن كي يستجيب على نحو حسن للنداء الكامن في البنية النصية.)[9] وكان بيكاسو يضحك من غباء الناس الذين حضروا مزاداً علنياً بملايين الدولارات للوحة بدأها للتوِّ ولا يعرف كيف سيختمها، لكنَّه بيكاسو ويكفي توقيعه على اللوحة ولو كانت بيضاء، وهكذا انتقل من الانطباعية إلى السريالية إلى التكعيبية، على إيقاع تصفيق وتهليل المعجبين، وأنا أعتقد فيما لو قدِّرَّ للمرواة أن تظهر على يدِ كاتبٍ مشهور لصفقوا لها وساروا خلفها مغمضي العيون ولو ألقتْ بهم إلى فوهة بركان، فهكذا معظم الناس إمعَّات يرددون نحن مع الناس إنْ أساءوا أسئنا وإنْ أحسنوا أحسنا، فمن هذا القارئ الذي سيجد الشجاعة ليمتدح نصاً لم يفهمه، ولا زالت عندنا مسألة ذلك الرجل الذي سأل أبا تمام الطائي قائلاً له: لمْ أفهم، وهنا نقطة تمركز اختلاف المرواة، إنَّها لا تروي حدثاً ولا ترغب في التأثير عل قارئٍ ما، ولو كانت كذلك لحاول الكاتب تبسيطها بشكلٍ يتجاوب معها عددٌ أكبر، فعندما كتب تشيكوف مسرحيته النوارس، وحضر العرض الأول، واستمع إلى انتقادات الجمهور اللاذعة، بكى بحرارة، وهاجمه جميع أصدقائه وعلى رأسهم تولستوي، فهم لم يتعادوا نصاً بدون حدث، وأصيبَ تشيكوف بإحباطٍ كبير، سافرَ على أثره للاستجمام، لكنَّه لم ييأس، بل أجرى على نصه بعض التغييرات فحاز إعجاب الجميع، ولكننا هنا غير قادرين على فصل المرواة عن كاتبها، خاصةً إذا كنا نعرف ولهه الكبير بالموسيقى الموازي لولهه بالأدب، وهو شيءٌ صعب على الإنسان أن يعشق شيئين اثنين، وللتبسيط خلطهما في جنسٍ واحد وهو المرواة، محققا لذة الاختلاف التي يرتجيها، و(مَّاجَعَلَاللَّهُلِرَجُلٍمِّنقَلْبَيْنِفِي جَوْفِهِ-3-الأحزاب) يقول د.ع-الباحث عن الاختلاف-(أي إنشاء واقع نصي مماثل للواقع الخارجي، وتوصيفه وتحليله، إلى فضاء الرؤية بعين غيمة، وهي صاحبة الموقع الإطلالي الشامل، والشكل الدائب الذي لا قرار له، وهي إشارتي الأوضح للخروج من شكل تابوت ثبوت الجنس الأدبي.. وهكذا تبتكر المرواة واقعا يتحكم بطرائق ابتكارها! وطموحها أن تغطس في الحكاية ولا تتبلل! وتغطس في الشعرية، ولا تتبدل). قد تبدو بنية اللغة سطحية للوهلة الأولى، لكنَّ النص يدفع بالقارئ إلى إنتاج وفهم عدد غير محدود من الجمل اللغوية الجديدة لكنَّها أقرب إلى ما سمَّاه د.ع أحمد بالمرواة، وذلك بسبب أنَّ هناك ثلاث طرق للتعبير، سرد مستقيم مباشر كرواية البؤساء لهوكو، أو غير مباشر- تيار الوعي- كرواية السيدة دالاواي لفرجينيا وولف، أو سرد فوضوي للأحداث بطريقة مختلطة تربك القارئ وهي أقرب إلى رواية فوضوية شعرية.

     

     

     

     


     

     

     

    [1]هكتور هوتون-2002-متعة الفلسفة-ترجمة يعقوب يوسف-ط1-بيت الحكمة-بغداد-ص281.

     

     

    [2]د.عبدالله محمد الغذامي-ثقافة الوهم-1998-ط1-الدار البيضاء-بيروت-ص36.

     

     

    [3]الشيخ النفزاوي-الروض العاطر في نزهة الخاطر-تحقيق جمال جمعة-1993-ط2-دار رياض الريس-لندن-ص137.

     

     

    [4]عبدالجبار داود البصري-1989-إيقاع الشعر الحر بين النظرية والإبداع-وزارة الثقافة والإعلام- العراق-ص3.

     

     

    [5]د.عبدالله الغذامي ود.عبدالنبي اصطيف-نقد ثقافي أن نقد أدبي-دار الفكر-دمشق-2004-ط1- ص41.

     

     

    [6]رولان بارت-لذة النص-ترجمة د.منذر عياش-ط2-2002-مركز الإنماء الحضاري-حلب-سورية-ص7

     

     

    [7]جان بيلمان نويل-التحليل النفسي والأدب- ترجمة حسن المودن-المجلس الأعلى للثقافة-مصر 1997-ص8.

     

     

    [8]جريدة الزمان العدد 2196 بتاريخ 22/8/2005، مقالة لـ د. عمار أحمد-الخروج من المعاطف- تجربتي في الكتابة الغيميارية-

     

    [9]د.حسن مصطفى سحلول-

     

    نظريات القراءة والتأويل الأدبي وقضاياها-اتحاد الكتاب العرب-دمشق-2001-ص13.

     

    محاولة جريئة للهرب من المعاطف                  عبدالكريم يحيى الزيباري
     

     

    هل السائل متهم؟ هل الباحث متهم؟ هل المبدع متهم؟ نعم إذا ابتدع شيئاً يمسُّ أصول الدين كأنْ يغير عدد ركعات الصلاة المفروضة، أمَّا إذا ابتدع جديداً في الأدب، فعجلة للتطور والتقدم، وقد(حققت الفلسفة تقدماً غير معتاد لأنه لم يتمثل في إجابة الأسئلة بل في طرح أسئلة أفضل.. ممَ صُنِعَ العالم؟..لم يَصِلوا إلى الإجابة الصحيحة لكنهم اكتشفوا العقل الذي من خلاله أثبتوا وجود نظام كامن خلف وقائع الحياة اليومية غير مرئي للعين المجردة، لكن ما المقصود بنظام الطبيعة؟ فكان الجواب الطبيعي إنَّ نظاماً للطبيعة نمَّ عن عقل تنظيمي وهو الله)[1].

     

    المرواة دال على ثقافة عصرنا، لكن ماذا لو أنَّ أحلام مستغانمي كتبتها؟ إذن لقام النقاد سبع مرات قياماً وقعوداً، لهذا التنظير الأصيل؟ انتقد الدكتور عبدالله محمد الغذامي، الشيخ النفزاوي وكتابه الروض العاطر في نزهة الخاطر انتقادات لاذعة وبالمقابل امتدح ابن القيم الجوزية وكتابه روضة المحبين ونزهة المشتاقين الذي قال عنه(إنَّه لا يلغي الجسد ولا يحتقره ولا يستخدمه كوسيلة شبقية شهوانية عابرة..ويأتي على النقيض التام من تصورات النفزاوي التي تقلص الجسد وتجرده من قيمه المعنوية والإنسانية وتجعله مجرد أداة شبقية تنحصر في شبقيتها كل الدلالات والمعاني)[2] فلماذا امتدح مستغانمي إذن؟ رغم أنَّ مستغانمي ذهبت أبعد ما ذهب إليه الشيخ النفزاوي قاضي الأنكحة في تونس، لأنَّها أثبتت بنصوصها أن عقل النساء بين الأفخاذ، وهو ما أورده النفزاوي في حكاية (حكي أنَّ امرأةً يقال لها المعبرة، وكانت أحكم أهل زمانها وأعرفهم بالأمور، قيل لها:-أيتها الحكيمة، أينَ تجدنَ العقل مَعشر النساء؟-فقالت: بين الأفخاذ)[3]

     

     1-قراءة غير تقليدية لنص غير تقليدي: سأرمز للدكتور عمار بـ(د.ع):

     

    أحدهم تآكل أمام نص د.ع فقاوم بنقدٍ مستميت من أجل البقاء، أحدهم انهزم أمام نص د.ع وواصل الهروب، أحدهم خرج من العلمية ولجأ إلى مبادئ الإنسانية، أحدهم وقف مندهشاً جامداً كصنم، وأحدهم طار فوق عش الواق واق.

     

    د.ع = مؤلف ألحان موسيقية فعَّال + مؤلف نصوص أدبية فعال + مؤلف لوحات فنية غير فعال + مؤلف أغاني شعبية فعال + مطرب غير فعال+ممثل مسرحي فعال+محاور جدلي غير فعال+أكاديمي فعال...الخ.

     

    د.ع شعبي، نخبوي، نرجسي، شاعر، ناقد، أكاديمي، عاشق، نحوي، مطرب، موسيقي..الخ وعلى قدر كبير من الثقافة وتراكمات المعرفة، لكن كثرة المعرفة لا تعني الفهم بالضرورة خاصة إذا تمركزت المعرفة حول نفسها.

     

    -د.ع حاول، ونفترض جدلاً أنَّه فشل، س لم يحاول أصلاً، س، د.ع  € د مجموعة الأدباء.

     

    ص من الناس يحب س لأنَّه مفهوم وسلس وبسيط ولا يكلف وقتاً ولا جهداً، وص أيضاً يكره د.ع لأنَّ نجاح د.ع يعني أنَّ ص كسول ولا يفهم، ب من الناس حاول لكنَّه أيضاً لم يفهم، اكتفى بالقول(أنا لم أفهم). ص، ب € ق مجموعة القراء، د، ق€ ثقافة عصر.

     

    - قال نابليون أنا أفعل ما لا أستطيع فعله كي أتعلم كيفية فعله، ود.ع كتب مالا يستطيع وعلى قارئه أن يحاول- نص د.ع شغل القراء والنقاد بينَ مؤيدٍ خجول ومعارضٍ متعصب، نص صاروخي، وسيعود له فضل السبق كما كان لابن فرناس الذي حاول التحليق عالياً وسقط، ونحن نتمنى لـ د.ع التحليق عالياً.

     

    -د.ع: كلما أمسك بالقلم قفزت الموسيقى إلى ذهنه فتدفقت الكلمات وتأرجحت بين الكشف والإيماء، وتربعت الموسيقى ونظرت إليه باسمةً، مستهزئة، متوسلةً، كعجوزٍ ماكر.

     

    -الإيقاع سبق إلى ذهن د.ع وجاءت الكلمات كنتيجة متوافقة معه-د.ع يعيد شكلنة النص ولا يخفى تأثره بالشعر القديم(فالأوزان العربية التي وضعها الخليل الفراهيدي في العربية ليست في أصلها إلا صوراً مجردة لإيقاعات كانت قد تحققت في شعر العرب القديم وهذا يعني أنَّها مجرد إيقاعات محققة لإمكانات في الإيقاع غير متناهية)[4] و د.ع يحقق آخر الإيقاعات ويغلق الباب وراءه، وهذا لا يمنع انكسار الباب المغلق- د.ع أمسكَ بمطرقة كبيرة وثقيلة وهشمَّ النص تهشيما، ولم يذر فيه جملةً تقليدية(كان يوماً ما نقطةً في نسق من رعيل الكمانات، يحلم الانتقال إلى الصف الأول، هو العازف، العازف عن أي شيء.)د.عمار أحمد-بي آبو-نان والجوائح-ص-4-)عازف دال على مدلولين مختلفين، وربما متساويين وربما متناقضين بمعنى الراغب للأول والعازف غير الراغب في الثاني أو بالعكس، وغيرها الكثير من المدلولات يمكن استنباطها من دلالات د.ع المنحرفة عن النسق العام.

     

     - نص د.ع أدى إلى تعطيل المعنى وتثبيط الجمالية وتشتيت النقاد المرجفين الذين استعاروا مصطلحاتهم وأدواتهم وقوالبهم النقدية الجاهزة التي تكسرت أمام صياغة غريبة لم يعهدوها، فوقفوا حائرين أمام جملة(لا أريد أنْ أقول بطاطس لكي لا أضطر أن أقول إبراهيم تاتلس)جملة علقت في ذهني منذ أكثر من سنتين لغرائبيتها- د.ع يحذر قارئه: احذر فالأسلوب مهشم والمعنى ضائع ويقع على عاتقك وحدك أن تفهم- د.ع خرق قوانين لغة الأدب وعملية الخرق هذه كافية لصياغة نص جديد منحرف عن كل ما سبقه من نصوص-نص د.ع قاد حرب استباقية فاغتال المعنى التقليدي والصور الأدبية الشائعة بمباغتة وحفر خندقه متمركزاً مستعداً لتحمل التبعات كاملة-نص د.ع كائن حي هجين يقاتل بشدة من أجل رفض استلام صورة قيد وفاة كالكثير من النصوص التي سبقته أو جاءت بعده واندثرت دون قيد وفاة حتى، فالنص وحده يقاتل من أجل البقاء حياً، لكنني لا أنكر أنَّ د.ع مستمر في الدفاع عن نصه وتدعيم قواعده- د.ع يعلم جيداً أنَّ اللغة والموسيقى أول ثنائية لم تنفصل عبر تاريخ الحضارات، ومن اللغة والموسيقى انبثقت بقية الفنون-جاك دريدا يصرخ بأنَّ الكتابة قاذورات تلوث اللغة و د.ع يؤسس لعلاقة جديدة بين اللغة والنغمة والكتابة-نيتشة يبكي على الفنان الذي يجب عليه أن لا يحابي الواقع ويتجاوز كل ما هو متفق عليه، فخرج د.ع على الملأ بزينته ورماها عليهم وهي غير متفق عليها ولن يتفق عليها-فولتير يعلو نحيبه وعويله بسبب ضعف قوته ويقول(كل ما أريد أن أفعله هو أنْ أنتج كتاباً جميلاً حول لاشيء وغير مترابط إلا مع نفسه)أي بمعنى أنَّه يريد الخروج من شرنقة مَنْ سبقهُ من الكتاب أو الخروج من المعاطف و د.ع أنتجَ نصاً هتك اللغة التي أصرَّ المدافعون التقليديون أن يطردوه خارج المعاطف من جراء غلطته الشنيعة بحق أصحاب المعاطف-

     

    2-قراءة تقليدية لنص غير تقليدي:

     

    إنَّ النفير العام الذي جوبه به نص المرواة يكفيه فخراً، فلازال حديث السمار بسبب التنافر المبطن بين لا وعي القارئ الاعتيادي، وبين النسق العام للنص، وهناك في النص نسقان يحدثان في آنٍ واحد معاً وفيما هو في حكم النص الواحد يكون أحدهما مضمر والآخر علني ويكون المضمر نقيضاً وناسخاً للمعلن، وفيما لو قدر للمرواة عملية تحليل لمضمرات النص فسيحصل ظهور مفاجئ للنسقين، وربما توافق بين دواخل القارئ وبين النص، فبعد إزالة أسباب التنافر سيحصل تجاذب، كما حدث لتشيكوف في مسرحية النوارس، وسيعثر القارئ على لذة لم يعهدها لتعرفه على عوالم مجهولة وغرائبية وبذلك سيحقق النص نقلة من نص نخبوي إلى نص شعبي جماهيري، بسبب الانجذاب المتبادل بين دواخل النص ودواخل المتلقي، ويعلق الدكتور الغذامي عن الانسجام بين القارئ والنص بسبب من نسق لنص فيقول(وقد يكون ذلك في نكتة أو إشاعة أو قصيدة أو حكاية من تلك الأشياء أو النصوص التي نستجيب لها بسرعة وانفعال وهي استجابة تنم عن توافقها مع شيء مضمر فينا وحتى إن كانت دلالات هذه النصوص لا تتفق مع ما نؤمن به في العلن وكم طربنا لنكتة أو استمتعنا بحكاية دون أن نفكر في ما تحمله هذه أو تلك من منطق مضاد، كأنْ تكون النكتة عن السود أو عن البادية أو عن بعض أهل الأرياف..مع إننا نقول بالمساواة وحقوق الإنسان وننقد الغرب وغيره في موقفه النمطي منا وفي المقابل لا نلحظ تنميطنا للآخرين، ولا نسأل أنفسنا ما لنا نطرب ونضحك من شيء يتناقض مع مبادئنا)..واكتشف الغذامي(تماثلاً مخيفاً بين فحول الشعراء كالمتنبي وأبو تمام ونزار قباني وإدونيس وبين الطغاة السياسيين والاجتماعيين وظلت هذه الأنساق النخبوية اللإنسانية واللاحضارية تتسرب في ضميرنا الثقافي دون كشف أو ملاحظة)[5]

     

    (هل غادر الشعراء من متردَّم)معلقة عنترة-(كلنَّا خرجنا من معطف غوغول)مقولة شهيرة لتورغينيف، فيها مبالغة ولا تخلو من صواب، كان د.ع خائفاً منها، وربما كان الخوف والقلق هو الهوى الوحيد في حياتهِ، يقلقه أنْ يُقال خرج من معطف نجيب محفوظ، كخوف عنترة الذي أسقطهُ في معلقته، بينما يستطيع أن يكون رقما وحيدا في قائمةٍ جديدة إزاء الجمع الذين سبقه فمهاجمته في فضائهِ الخاص ستسعده، لأنَّه الرقم واحد، ومدحهُ في الفضاء المشترك سيفقده لذة الاختلاف التي يبحث عنها، يريد لقارئه أن يعايش اللذة التي شعر بها أول مرة اللذة التي طردت النوم عنه، وهو يريد لقارئه أن يستلَّذ بنصه المرواة،

     

    ولن يشرح له هذه اللذة أبداً، وليس ذنبه إنْ لم يفهمه أحدْ، وكما يقول رولان بارت(اللذة تأتي هكذا، إنَّها حضور من غير سؤال ووجود يعمُّ كلَّ شيء دون أن يتموضع في شيء..وليس للذة شيءٌ أقتل من سؤال يستفسر عن موضوعها.اللذة ليست موضوعاً إنها هي وإنَّها لتتكشف دائماً من غير سؤال، كالنور، تأتي بقدح زناد الروح، فلا يدركها إلاّ من تحرر مِنْ نفسه جسداً ودَخَلَ في نفسه نصاً)[6]. لكن من أينَ نأتي بقارئٍ يلتذُّ بهذا الانحراف  في الدلالة؟ وفي المرواة يوجد نسقان يحدثان في آنٍ واحد، أحدهما مُعلن وهو الذي خلا من أيِّ غطاءٍ جمالي، وكأنَّ القراء-حُمرٌ مستنفرة فرَّت من قسورة- والآخر غير علني متضمن أعلى القيم الجمالية لكنَّها تحتاج إلى جهد كبير للاستمتاع بها والإفادة منها، فدلالات المرواة مختبئة في داخل نص غير جمالي ومتوارية تحتَ غطائه، متخذة من هذا الغطاء وسيلةً للتورية على النص الجمالي غير المعلن من خلال دفع القارئ واستفزازه بشدة إلى الخروج من دوامة النص، وقد اثبتَ فرويد أنَّ(الأنا ليست سيدة بيتها الخاص، لأنَّ قوة دفاع اللذة تتواجد فينا إلى حد يستحيل معه الإلمام بكامل تدجينها، كما لا يخلو من الأهمية أن نعرف بأنَّ إرادتنا وذكاءنا ليسا مطلقين بما إنَّ جزءاً كبيراً من أنشطتنا الذهنية ينفلت من مراقبة الوعي)[7]، لكن د.عمار حدد الشكل الخارجي للنص وأسلوب كتابته بدرجة وعي كبيرة، لأنَّ هذا ما كان يبحث عنه، التأسيس لجنس أدبي جديد، لكنَّ المضمون كتب بدرجة وعي أقل وربما بدرجة وعي معدومة، فهو للوهلة الأولى أشبه بالهذيان.

     

    [8] اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ-3-الأحزاب) يقول د.ع-الباحث عن الاختلاف-(أي إنشاء واقع نصي مماثل للواقع الخارجي، وتوصيفه وتحليله، إلى فضاء الرؤية بعين غيمة، وهي صاحبة الموقع الإطلالي الشامل، والشكل الدائب الذي لا قرار له، وهي إشارتي الأوضح للخروج من شكل تابوت ثبوت الجنس الأدبي.. وهكذا تبتكر المرواة واقعا يتحكم بطرائق ابتكارها! وطموحها أن تغطس في الحكاية ولا تتبلل! وتغطس في الشعرية، ولا تتبدل). قد تبدو بنية اللغة سطحية للوهلة الأولى، لكنَّ النص يدفع بالقارئ إلى إنتاج وفهم عدد غير محدود من الجمل اللغوية الجديدة لكنَّها أقرب إلى ما سمَّاه د.ع أحمد بالمرواة، وذلك بسبب أنَّ هناك ثلاث طرق للتعبير، سرد مستقيم مباشر كرواية البؤساء لهوكو، أو غير مباشر- تيار الوعي- كرواية السيدة دالاواي لفرجينيا وولف، أو سرد فوضوي للأحداث بطريقة مختلطة تربك القارئ وهي أقرب إلى رواية فوضوية شعرية.، قارئ نشط ومرن وحسب مقترح الإيطالي إمبرتو إيكو عام 1979 في كتابه القارئ في النص (وهو يقترح تحليلاً لما يسميه "بالقراءة المتعاونة أو المستجيبة". وغاية التحليل كما يراها العالم الإيطالي هي دراسة كيف يبرمج النص شكل تلقيه ودراسة ما يقوم به القارئ وبالأحرى ما ينبغي أن يقوم به القارئ الفطن كي يستجيب على نحو حسن للنداء الكامن في البنية النصية.)[9] وكان بيكاسو يضحك من غباء الناس الذين حضروا مزاداً علنياً بملايين الدولارات للوحة بدأها للتوِّ ولا يعرف كيف سيختمها، لكنَّه بيكاسو ويكفي توقيعه على اللوحة ولو كانت بيضاء، وهكذا انتقل من الانطباعية إلى السريالية إلى التكعيبية، على إيقاع تصفيق وتهليل المعجبين، وأنا أعتقد فيما لو قدِّرَّ للمرواة أن تظهر على يدِ كاتبٍ مشهور لصفقوا لها وساروا خلفها مغمضي العيون ولو ألقتْ بهم إلى فوهة بركان، فهكذا معظم الناس إمعَّات يرددون نحن مع الناس إنْ أساءوا أسئنا وإنْ أحسنوا أحسنا، فمن هذا القارئ الذي سيجد الشجاعة ليمتدح نصاً لم يفهمه، ولا زالت عندنا مسألة ذلك الرجل الذي سأل أبا تمام الطائي قائلاً له: لمْ أفهم، وهنا نقطة تمركز اختلاف المرواة، إنَّها لا تروي حدثاً ولا ترغب في التأثير عل قارئٍ ما، ولو كانت كذلك لحاول الكاتب تبسيطها بشكلٍ يتجاوب معها عددٌ أكبر، فعندما كتب تشيكوف مسرحيته النوارس، وحضر العرض الأول، واستمع إلى انتقادات الجمهور اللاذعة، بكى بحرارة، وهاجمه جميع أصدقائه وعلى رأسهم تولستوي، فهم لم يتعادوا نصاً بدون حدث، وأصيبَ تشيكوف بإحباطٍ كبير، سافرَ على أثره للاستجمام، لكنَّه لم ييأس، بل أجرى على نصه بعض التغييرات فحاز إعجاب الجميع، ولكننا هنا غير قادرين على فصل المرواة عن كاتبها، خاصةً إذا كنا نعرف ولهه الكبير بالموسيقى الموازي لولهه بالأدب، وهو شيءٌ صعب على الإنسان أن يعشق شيئين اثنين، وللتبسيط خلطهما في جنسٍ واحد وهو المرواة، محققا لذة الاختلاف التي يرتجيها، و(مَّا جَعَلَويقول د. عمار: (فكرة الانحراف بالبنية الكلية للقص، وذلك بمشاكلة السرد، بالتوازي مع مشاكلة الشعر الذي أعرّفه بأنه فن التكثيف في كلام متوتر، وهنا أضطر إلى إيراد هذا التعريف الشخصي؛ لأن السرد- في المرواة- يفيد منه بوصفه البنية المنحرفة التي ستأخذ خصوصياتها بعد أن تضم انحرافات بنائية مفارقة ستشكل حصيلة اختلافات المرواة)

     

     

     



     

     

     

    [1] هكتور هوتون-2002-متعة الفلسفة-ترجمة يعقوب يوسف-ط1-بيت الحكمة-بغداد-ص281.

     

     

    [2] د.عبدالله محمد الغذامي-ثقافة الوهم-1998-ط1-الدار البيضاء-بيروت-ص36.

     

     

    [3] الشيخ النفزاوي-الروض العاطر في نزهة الخاطر-تحقيق جمال جمعة-1993-ط2-دار رياض الريس-لندن-ص137.

     

     

    [4] عبدالجبار داود البصري-1989-إيقاع الشعر الحر بين النظرية والإبداع-وزارة الثقافة والإعلام- العراق-ص3.

     

     

    [5] د.عبدالله الغذامي ود.عبدالنبي اصطيف-نقد ثقافي أن نقد أدبي-دار الفكر-دمشق-2004-ط1- ص41.

     

     

    [6] رولان بارت-لذة النص-ترجمة د.منذر عياش-ط2-2002-مركز الإنماء الحضاري-حلب-سورية-ص7

     

     

    [7] جان بيلمان نويل-التحليل النفسي والأدب- ترجمة حسن المودن-المجلس الأعلى للثقافة-مصر 1997-ص8.

     

     

    [8] جريدة الزمان العدد 2196 بتاريخ 22/8/2005، مقالة لـ د. عمار أحمد-الخروج من المعاطف- تجربتي في الكتابة الغيميارية-

     

     

    [9] د.حسن مصطفى سحلول- نظريات القراءة والتأويل الأدبي وقضاياها-اتحاد الكتاب العرب-دمشق-2001-ص13
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     

     

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()