بتـــــاريخ : 10/12/2008 9:00:07 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1688 0


    الضرب على تمفصلات التفكيكية

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : عبدالكريم يحيى | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة الضرب تمفصلات التفكيكية

    . التفكيك لغوياً واصطلاحاً
    إذا كان التفكيك لغوياً هو فك المكونات فهو إذن حل الأجزاء والتحليل أيضاً حل الأجزاء، وبالتالي فالتفكيك والتحليل شيء واحد، وهو استنتاج خاطئ، كما نقول: السيارة وسيلة نقل، الطائرة وسيلة نقل أيضاً، إذن السيارة والطائرة شيء واحد، وإذا كان التفكيك هو فك مكونات التركيب وإعادة بنائها و(غاية التحليل التفكيكي هو إعادة البناء)

     

    وعندئذٍ سيبتعد التفكيك عن المفهوم النقدي والفلسفي ولصار معناه المستنتج أشبه بلعبة ميكانو الأطفال يعاد ترتيب الكلمات للحصول على معنى مغاير، بينما المسألة هي(ما إذا كان بوسعك أن تجعل للكلمات-نفسها-معاني مختلفة) ثم جاء أحدهم لينقذ الموقف المتأزم الذي وصل إليه الفكر العربي في فهم التفكيك، فقال:
     التفكيك هو نقض، والنقض في المعاجم العربية هو إفساد الشيء بعد إحكامه، إذن فالناقد التفكيكي سيقوم بإفساد النص بسهولة بعد أن بناه كاتبه بصعوبة تامة، ومتى يبلغ البنيان أشده إذا كنت أنت تبنيه وغيرك يهدمُ، وهناك من قال التفكيك هو نقض الحقيقة التي يريد النص إثباتها أو يؤسس لكذب مصداقية-مفهوم الحقيقة، (يقوم دريدا بالاستقرار أو التموضع في البنية غير المتجانسة للنص ومن خلال العثور على ثغراته أو فجواته أو شروخه أو تناقضاته الداخلية يقرأ النص نفسه ويفكك نفسه بنفسه وتفكيك بنية ما لا يكون إلا بالسكن داخلها ونقضها من الداخل..إن المسألة مسألة انتقالات موضعية ينتقل السؤال فيها من طبقة معرفية إلى أخرى ومِنْ مَعْلَم إلى مَعْلَمٍ آخر حتى يتصدَّع الكل..ما التفكيك إذن؟ بناءاً على ما سبق سوف ندمج عبارتين لكلٍ من باربارا جونسون وبول دي مان لنقول إن التفكيك هو: التمزيق الدقيق لقوى الدلالة المتصارعة في النص لإظهار التمفصلات والأجزاء المختبئة في الوحدات الجوهرية) والتفكيك اصطلاحاً هو بكل سهولة التعامل الحر من خلال إثبات عدم إمكانية تثبيت معنى واحد وأصلي للنص، مقابل النظريات القديمة التي كانت ترحب صراحة بمحاولات الوصول إلى معنى أصلي وحقيقة أصلية.
    2ـ نقد التمركز: عندمت تعمق دريدا في فهمه للبنيوية اخترع التفكيكية، فعملَ جاهداً على نقض تمركز فكر الغرب المتعالي من خلال تعريته ونسف رواسبه وأغطيته التي تكاثفت فوقه عبر حقب من التفكير الأحادي الجانب، وأثبت أن تراث الفلسفة الغربية ظلَّ متشبعا بمركزية العقل(logocentrism)وأنَّ نظريات الفلسفة صيغت من نظام واحد، وهو ميتافيزيقيا الحضور، فعمل على انتقادها من الداخل من خلال التعرف على النظام الهرمي الذي أقامته ومن ثمَّ قلب هذا النظام رأساً على عقب، وكل نص هو مزيج من خيوط مختلفة غير متكاملة، دوال متحركة يزيح احدها الآخر، لكن إذا كان تمركز دوال النص هو العمود الفقري للبنيوية فإن تشتيت هذه الدوال هو ما تقوم عليه التفكيكية، ولكن التمركز ربما يؤدي بنا إلى الفهم فإلى ما سيؤدي بنا التشتيت؟ هذا إلى هنا وذاك إلى هناك، يؤدي بنا إلى دوال متغيرة ومتحركة باستمرار، وتمركز الدال يصرف عنه بقية الدوال، وتشتيتها يساوي بينها جميعاً، وإذا تساوت، انعدمت الفروق فيما بينها، فكيف سنميز بينها؟ لن تتساوى في المضمون أبداً، فليس هناك شيء في العالم يشبه شيئاً آخر 100%، لكنَّها ستتساوى في ميزة أو اثنتين فقط، وكيف سنوحد وجهتنا؟ والذات متفرقة في تحصيل المعنى، كما تأمرُ شخصاً معيناً بأن يخرج من الغرفة ولا يخرج بنفس اللحظة، دون أي فارق زمني بينهما، وهو المستحيل بعينه، ويقول فيرناند دي سوسير(لأنَّه في اللغة لا يوجد شيء سوى الفروق) وإذا كانت الحداثة مهدت لحقوق الإنسان والتعليم الإلزامي وساعدت في الوصول إلى القمر وكشفت الشيفرة الوراثية لكنَّها أيضاً هيأت لاكتشاف القنبلة النووية، وتحت شعار حداثوي(الأسلحة الأكثر دماراً هي الأكثر إنسانية لأنَّها تساعد في وضع نهاية سريعة للحرب)استقبلت اليابان قنبلتين ذريتين، وتشهد الأرض عنفاً لم تشهده في عصورٍ أخرى، وعمليات استغلال البلدان الفقيرة التي تئن تحت وطأة البطالة والجوع وتراجع مستويات التعليم ودوامة الديون ذات الفوائد الكبرى هي التي هيأت لانتشار أوبئة حداثوية كالإيدز والسارس وأنفلونزا الطيور والتي يشك البعض في شركات الأدوية العاليمة التي شارفت على الإفلاس لولا هذه الأوبئة، وتفشي المخدرات والجريمة، فالحداثة طورت الإنسان مادياً فقط وخلقت فيه فراغاً روحياً، فهو إما يفكر في قتل الآخرين، أو في الانتحار، أو يضيق ذرعاً بصديقه وجاره وزميله وعائلته وهناك أكثر من

    - 4 -

    ملايين رجل هجروا عوائلهم في مصر، فإذا كانت كل هذه المصائب من مخلفات البناء والمركز، فما بالك بالتمركز والهدم والتفكيك والتشتيت؟ ورغم كل ذلك يصر دريدا على أنَّ لكل تركيب(لغوي-فلسفي-مادي) مركز، والمركز هو النقطة الحاسمة من التركيب التي لا يمكن استبدالها بأي شيء آخر.
    3ـ دريدا الاختلافي:  لم يعرف دريدا التفكيكية، تعريفاً محدداً، بل تركها موضوعاً للاختلاف، ودريدا يختلف عمن سبقه من المنظرين الذين يشيدون دراساتهم فوق عدد من المصطلحات النقدية الجاهزة، كعملية وضع الماء في أواني مختلفة جاهزة وتضع الماء فيها، فيختلف ارتفاع الماء بحسب شكل الإناء، بينما دريدا يمنح الدور لمصطلحات جديدة يستقيها من النص المقروء تلعب دورا استراتيجياً في قراءته، وهذه المصطلحات تكون مركز الربط بين نص دريدا والنص المقروء، فالتفكيكية ليست سياقاً ثابتاً ولا نظرية متوحدة بل هي تعامل مع النص وفق معطيات النص فقط دون الاعتماد على أية نظرية، أحد مشاريع العولمة لقلب الفلسفة الأوربية وثورة ضد مفاهيمها وفك ارتباط الفكر النقدي عن الموروث الفلسفي التقليدي، فالتفكيك هو ربما إفساد الأسس التي تقوم عليها نظرية المعرفة في الفلسفة، ففلسفة الغرب تقوم على مركزية اللوكوس(Logocenterisme) واللوكوس العقل، إذن فقد بدأ جاك دريدا عهداً جديداً في الفلسفة الحديثة، مستحدثاً نمطاً جديداً في النقد، يمكن أن يلم الأدب واللغة والفلسفة والعلوم الهندسية وبقية العلوم، إذ نجد معمارياً تركيبياً كفرانك جنري يتحدى الجمالية في فن العمارة الحديث، تظهر التفكيكية جملة من التناقضات في الفلسفة الغربية وهذه التناقضات تتطلب زوجين من التعارضات يفترض في الأول أن يكون رئيسياً أو ذا أسبقية ويفترض في الثاني أن يكون ثانوياً أو فرعياً:
    الطبيعة × الثقافة /الكلام × الكتابة / العقل × الجسد / الحضور × الغياب / الداخل × الخارج / المحسوس × المعقول / الشكل × المعنى.
    فعلى سبيل المثال في كتابات روسو تكون للطبيعة أسبقية على الثقافة لكن هناك إدراك آخر تكون فيه الثقافة ذات أسبقية على الطبيعة، فالطبيعة بوصفها رؤية أو فكرة هي منتج ثقافي وما يعد طبيعي في أية لحظة من التاريخ يعتمد بصورة كلية على ثقافة العصر في تلك اللحظة التاريخية، الهدف هنا ليس إثبات أنَّ للثقافة أسبقية على الطبيعة، لكن الهدف هو إثبات أنَّ العلاقة بين مصطلحي الثقافة والطبيعة ليست أحادية الجانب، وكذلك على هذا النحو بالنسبة للتناقضات الأخرى، ففي فلسفة اللغة الغربية تشكلت أسس تفوق الكلام على الكتابة وهو ما يرفضه دريدا ويعده صورة مشوشة للمعنى، المعنى يمكن أن يفهم بشكل صحيح في ضوء الإشارة إلى التناقضات والاختلافات التي تزيح المعاني المترابطة مع المعنى والتي تحاول أن تزيحه عن مساره الأصلي. أجاب هوسرل عن مسألة الكيفية التي تصبح فيها الهندسة موضوعاً مثالياً بقوله إن اللغة وبشكلٍ خاص الكتابة بما تمتاز به من اللاشخصانية، هي شرط لإمكانية الهندسة، فجاء دريدا ليثبت أن براهين هوسرل على أن اللغة هي الحل تضم في طياتها المشاكل التي ظن هوسرل أنَّه قد حلها، وهي مشكلات العلاقة بين:
    الحدث × البنية / التجريبي × المثالي / النظام × الأصل / الكلام × الكتابة / وفاز كتابه أصل الهندسة بجائزة فلسفية، وفي كتابه اللاحق(في الكتابة)أثبت أنَّ الخصائص التي يقال أنَّها تميز الكلام عن الكتابة، تنطبق على الكتابة أيضاً، فإن قلنا أن الكلام شخصي، فكذلك الكتابة شخصية، وإن قلنا أنَّ الكلام لا شخصي، كذلك يمكننا أن نثبت لا شخصانية الكلام، وإن قلنا أن للكلام صوت، فكذلك للكتابة صوت ولكننا لا نسمعه لأنَّه منخفضٌ جدا، والإنسان يسمع بين 5-7 بت كوحدة لسماع الصوت، ولكن هناك كائنات قد تسمع قراءتنا دون أن نحرك شفاهنا حتى، وإن كان الصوت يدل على الحضور، فالكتابة أيضاً تدل على الحضور.
    هوسرل يرى أن الرموز إشارات للمعنى مستمدة من غيرها ولا تقوم بذاتها، والمعنى هو ما هو حاضر في الوعي لحظة الكلام، بينما يرى دريدا أن المعنى لا يمكن له أن يكون شيئاً قائماً بذاته، (وفي الحقيقة لا يوجد شيء عدا الله قائم بذاته)بل المعنى هو جزء من نظام من الآثار والتقابلات وهو نظام يتغلب على أية لحظة راهنة. إذا دريدا فكك مقولة هوسرل حول الهندسة وحول المعنى برهاناً على أن فكرتي هوسرل تلغي نفسها بحيث تتضمن كل منها على مفارقة مركزية عن التناقض، وفكك مقولة أفلاطون حول أسبقية الكلام من خلال تناقض البرهان مع نفسه.
    4ـ .دريدا الأديب:  في كتابه الانتشار ذو المقالات الثلاث، لكل مقالة 100 صفحة كان أقل مباشرة وأقرب إلى الأدب في أسلوبه المعقد، ويعني بالأسلوب الأدبي تلك التأثيرات اللغوية التي لا تخضع للتحديد الفكري ولا يمكن اختزالها إلى مفهوم واضح المعالم- وهو بهذا الكلام يعيدنا إلى أحجية عدم ثبات المعنى التي تبناها بداية، وانت المقالة الأولى الكتابة عند أفلاطون، والثانية يناقش اقتباس نص قصير لمالارميه والثالثة لمناقشة رواية تجريبية لفيليب سولير، وهو يريد أن يثبت بأن غموض النص هو إمكانية تعدد المعاني والسيطرة عليها، بينما الانتشار الذي يريده دريدا هو البعثرة الدلالية التي تنتجها آثار مختلفة من التراتيب أو التشابهات التي لا يمكن السيطرة عليها، وبهذا الشكل كتب دريدا أكثر كتبه تعقيدا وابتعد عن ما كان يتوخاه من الأسلوب الأدبي، لأنَّ الغموض هو أيضاً بعثرة دلالية، فالغموض التام عماء تام، والعماء التام، ظلام تام، وفي هذا الظلام التام يمارس دريدا رقصه من دون خوفٍ من أن يراه أحد

    كلمات مفتاحية  :
    قصة الضرب تمفصلات التفكيكية

    تعليقات الزوار ()