بتـــــاريخ : 10/14/2008 6:36:22 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1138 0


    عروب وعروبة(3)

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : سمية البوغافرية | المصدر : www.arabicstory.net

    كلمات مفتاحية  :
    قصة عروب وعروبة

     

    ـ 3 ـ
     

     

    ـ النهاية ـ 

     

    ما أتعس حظ عروب مع النساء.. هذه التي جلبها من أقصى الأرياف تثير حكاية الشرف تحت سقف واحد.. والمتعلمة زميلته في العمل أهدرت "رجولته" وكل محاولات ترويضها لتكون نسخة من أمه وجدته باءت بالفشل.. و"السي السيد" الذي ورثه أبا عن جد أهدرته وبددته حليمة المتعلمة في أول ليلة لقائهما ولم ير معها غير أشتات "السيادة" تتبعثر حوله...والعادات والتقاليد التي احتمى بمظلتها ليعيد الاعتبار ل "السي السيد"... قالت عنها خرقة بالية، مزقتها وأهرقت عليها الماء وتركت عروب لشلال الإهانات تنهال عليه وأصابع الاحتقار تكاد تفقأ عينيه... الفطور الذي كان يحلم عروب أن يأتيه إلى حد فراشه وإلى حد فيه صار يسعى إليه في غرفة الجلوس وإلا مات جوعا...والطست التي اشتراها خصيصا لتحملها إليه حليمة وتغسل رجليه ويديه لوتها وطيرتها من البيت... فراح عن مضض يأكل دون أن يغسل يديه ليثير حفيظتها وتعود فيما اقترفت فإذا به يتفاجأ بتخصيص له طبقه في ركن المطبخ... وحتى يحظى به عليه أن يحضره بنفسه وإلا كان من نصيب الكلب وكانت الحسرة والجوع من نصيبه...وفي أيام العطل لا تمضي حليمة في البيت غير ما يتطلبه تجهيزها وتجهيز بنتيها لقضاء عطلتها عند أهلها أو في مكان بعيد عن المدينة... فيجد نفسه مجبرا على الالتحاق بها أو البقاء في البيت مجبرا على إعداد وجبة غذائه والنهوض بخدمة نفسه...

     

     

     

    أخيرا عتق نفسه من شباكها ومحنة زواجه منها فطلقها وتزوج بابنة جلدته تعرف قدره وتسهر على راحته وخدمته...

     

     

     

    جاءت عروبة الجميلة الفائضة أنوثة وسذاجة وطاعة لتجبر ما كسرته وبددته بنت المدارس والكتب..روضتها أمها وخالتها وشرحتا لها ما خفي عنها فأذعنت ولم تفرط في سيد أسيادها...فسمن "السي السيد" عروب وأرخى شاربه وتبختر في مشيته وطالت رقبته بين إخوته في البيت الكبير..إلا أن شبح الموت سكنه من ليلة دخلتها به تلك وأبى أن يرحل عنه.. يعرف عروبة وما تخفيه.. لولا أمه لكان في خبر كان يا ما كان وحكايته تروى على كل لسان.. عروبة اليوم لن تتردد في قتل غيره إذا أقلق راحة " سيدها" عروب.. إذا سمعت البوم يحوم حول البيت تنزلق من فراشها وتقضي ليلتها في سطح البيت ترعب وترهب لتبعد شر البوم عن زوجها... قائلة لعروب الذي لم يفلح في منعها: إنها تخطف أرواح الأزواج فدعني أخطف روحها... وهذا ابنهما البكر راحت تلقي به من النافذة لأنه أيقظ أباه من النوم بصراخه... فخطفه عروب من يديها ومن يومه ينام في حجره خوفا عليه من أمه...أما الناموس والباعوض والذباب فالمبيد أرحم به من يديها إذا تجرأ واقترب من بعلها...

     

     

     

    ويوم تحررت عروبة من آلام المخاض صرخت بأن مولودها البكر ذكرا... في نشوة عارمة وفرحة غامرة خفق عروب بجناحيه يعانق الشمس والقمر بالمولود الذكر ويصدح في فناء البيت:

     

    لن يكون غير مهند أجل هو مهند...

     

     

     

    تلوى في سلهامه العريض الأبيض يقول لأمه وهو يحضن إليه مولوده:

     

    سأسمي ابني مهندا ليكسر رقاب كل من سولت لها نفسها يوما أن تسيئ إلى الرجولة أو تمسها بما تدعيه نضجا وثقافة ووعيا... أنت مهند ابن المهند وحفيد المهند وإن اختلفت الأسماء...

     

     

     

    لم يفق عروب على حقيقة مولوده إلا بعد الختان بعدما ذاعت في الحارة بأن عروب ختن الطفلة بدل الطفل...فعاد إلي البيت يزمجر ويرغى ويزبد وعروبة تمد له ظهرها لتسكت غضبه... ترتعد خوفا من أن يفقد صوابه بسبب الغضب...

     

     

     

    هدأت العاصفة وعروبة مشخشخة العظام لا تقوى حتى على الأنين... تستجمع أنفاسها لتستسمح عروبها... رأسها المهشم يتصدع بالألم وهي تتوسل إلى عروبها:

     

    أرأيت يا عروب كيف جازاني ربي على غضبتك؟؟ ... لن يرحمني ربي بعد اليوم...

     

    قمي وذوبي "الأسبرين" في قليل من الماء واشربيه ويسكن ألمك

     

    لا يا عروب هذا ألم رباني لا يرفعه غير رضاك عني

     

    مررت يدها النائمة المتورمة على جبهة عروب تنغنغ:

     

    أنت بخير يا عروب؟؟ ... قد كدت أن تفقد وعيك حبيبي... عض يدي يا عروب...اضربها يا عروب... لويها واعصر دمها لعلك سترتاح يا عروب... هيا يا عروب اضرب فالضرب يريح الرجال اضرب... آآآه.. آآآه...

     

    قومي عفا الله علينا جميعا.. قومي

     

    ما أطيبك يا سيدي عروب !! ما أعظمك!!  .. أنت بخير يا سيدي عروب؟؟

     

    أنا بخير.. قومي واشربي الدواء فترتاحي وأرتاح أنا أيضا

     

    سأقوم يا عروب..لا أريد أن أشقيك بأنيني.. لما لم تذهب وتنام مع أمك وترتاح يا سيدي عروب من همي؟؟

     

     قومي وكفي عن الكلام أريد أن أنام

     

     

     

    جرت عروبة أطرافها المفكوكة وراءها وهي تكمم فاها براحة يدها حتى لا تنفلت منها أنة تضيق بها عروبها...نزلت على غبرة استلتها من زاوية صيدلية البيت وأذابتها كلها في كوب ماء فارتشفتها جرعة واحدة.. مصمصت شفتيها وساحت في الصالة تتنهد ونفسها يتقطع من ألم عظامها المدكوكة.. فجأة، اندفعت من فيها صرخة مدوية وقف على إثرها عروب وسط السرير يصرخ.. حريقة.. حريقة..حريقة.. أنقذونيييييي....

     

    ثم استغفر ربه واندفع إلى الصالة حيث يعلو صراخ وراء صراخ.. قذائف مفرقعة تندلع من فم عروبة وهي تتلوى في الأرض تنقبض وترتخي كخروف مذبوح.... حاول عروب أن يهز عروبة ليكشف أمرها وما تكنزه تحت جثمانها دون جدوى... عروبة كالصخرة العملاقة تتدحرج وتدحرج معها ثعبانها، وصرخاتها تتفرقع في أذن عروب كالقنابل...لا تجيب إلا بالصرخات.. ارتعب عروب من أمرها وهرول إلى المطبخ وملأ سطلا من الماء تحت دوي صرخاتها... رفع السطل ليدلقه على جثمان عروبة علها تفيق ويقطع حلقات صرخاتها.. رقصت لعينيه قارورة فارغة فوق المائدة فشلت أطرافه وسقط السطل من يده .. رن في أذنه يوم استعملها آخر مرة لقتل الفئران قولها:

     

    ـ ربما سيصلح أيضا لقتل الشياطين التي تعربد في كياننا وتنهكنا يا السي عروب.. لم أعلم بسحرها لشربتها يوم ميلاد المهند لتعتقني من آلام المخاض...

     

     

     

     يومه تقهقر عروب بالضحك واليوم تقهقر ساقطا جثة هامدة فوق جثمان عروبة الذي خمد..

    كلمات مفتاحية  :
    قصة عروب وعروبة

    تعليقات الزوار ()