يبحران وسط المدى ، تملأهما الثقة ، يقفزان سوياً على كثير من نتوء الأرض ، يكبوان أحياناً ، يستندان على بعضهما ، لكنهما عجزا عن قفز ذلك الجدار الجاثم على فوهة طريقهما ، خلفه يقع بقية لربيع عمريهما المزهر ، التصقت بهـما ذرائع الفشل في المحاولات السابقة ، يبدو لهما في كل مرة أكثر طولاً ، يصبحان على حافة انهيار الحلم ، استقرا على أن القفز أضحى مستحيلا ، فليكن التفكير هذه المرة في التحليق بجناحين تحملهما إلى ذلك الحلم ، كان قد تردد في اسما عها بأن هناك تكبر كل الآمال ، وتصبح الأحلام أكثر قرباً من الحقيقة كلما بعدا عن هنا ، سمعت أيضاً أنها تستطيع أن تكون أميرة يلاحقها الحظ الجيد ، وأنها ستمتلك قصراً بحجرات كثيرة ، وحديقة غناء تحوم فيها كالفراشات ، ستزرع منها المزيد من الألوان دونما عناء ، ستبدو جدائل شعرها أطول ، حتى طولها سيزداد رغم تساقط أوراق فصل الخريف الثاني والثلاثون .
كان هناك هو الآخر قابع الى جانبها يرسم المزيد من الخيال ويلونها بذات الألوان الفاقعة ، يجتر من الحال بعض غصص تأبى الحراك ، عيناه طالما أشبعت مقلها بالأمل ويداه التي تسعى لشق الجدار تعود لتمسح ما يقع على خدها من الماء الحارق، يقف عاجزاً لا يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك ، فلا يصل إلى أذنيه سوى حفيف الأشجار مع إيقاعات السقوط لورقها الأصفر .
ينتهي الفصل باللجوء إلى الماضي حين تلتقي عيناهما فيعودان إلى شريط يعرض مشهد صغيرين حافيين هاربين من قيظ الشمس وتلظي أقدامهما بلهيب التراب الذي يأبى أن ينطفئ حتى بعد أن كبرا وأصبحا قادرين على المشي عليها بأمان ، كوخ القش الصغير الذي شيداه معاً ، أصبح الآن أصغر من حجميهما ، يصران على الدخول فيه حتى بعد أن طال كل شيء فيهما ، لازال الكوخ هو عشقهما الأبدي ، يقفان يتحينا فرصة واحدة ليكبر فيدخلان فيه للأبد .
ذلك الجدار ظل حاجزاً أمام كل المحاولات ، مجهضاً فكرتهما، فلا تحليق بأجنحة خارت قواه ، وظلا معلقين بأمل واهن ، ينتظران أن يحدث زلزالاً يقض تلك المكعبات المتراصة فيعبران الى هناك ، الصمت يملأ المكان ، كل الأفواه تمارس لعبة الإنغلاق وعدم الفتح ، يصل إليهما قرقعة الحياة ولحنها الجميل عبر شقوق صغيرة لا تمكنهما من النفاذ ، جملة كبيرة من الأبواب المغلقة دامت طويلاً صامدة ثم تداعت أمام الحاح الرياح ، فتمزقت اشرعة قوارب قديمة لا تبارح عادة من مرساها ، ثمة قوارب أخرى مغادرة بلا أشرعة ، تمخر عباب السماء في حالة إستثنائية ، الليل يستمر يطوي المسافات بلا ضوء ، والحذر قاسمهما المشترك منذ وقوفهما الأول ، غيوم سوداء وأخرى بيضاء توشك أن تلتحم ، تركيبة مرفوضة تثير خطر قادم ، أجمعا على القفز حتى وإن كلفهما ذلك كل شيء ، في موعد ليلي يلتحف السواد التقيا معا لاشيء يفصلهما عن بعضهما ، شمرا عنهما وبدأ يهزان الجدار ، شعور داخلي مكبوت تفجر فيهما وتحول الى قوة لا تقهر ، استمرا يهزان بعنف حتى غابا عن وعيهما ولم يفيقا إلا على أنقاض الجدار بين قدميهما والدماء تسيل بغزارة