بتـــــاريخ : 11/17/2008 6:32:20 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1386 0


    في قارب الحلم نغني

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : وصال سمير | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

     

    عقارب الساعة قاربت العاشرة ليلاً..‏

    الشوق ملأ فؤادها، وفاض نبع الحنان..‏

    أحست بحالة من الامتلاء الكوني، فأخذت تردد أغنية طالما أعادتها كلّما خطر هو في بالها.‏

    خرجت إلى الشرفة، تستبق اللقاء..‏

    كان الجو رطباً، يوحي بليلة ممطرة..‏

    السحب غطت السماء، والهواء البارد لامس جلدها فأنعشه.. أدركت وللمرة الأولى أنها باتت تهوى الشتاء ببرده وجليده، وتفضله على الصيف.. فوهج حرارته صار يحتّ خلاياها..‏

    أعادت في ذاكرتها في تلك اللحظة كل الليالي الطويلة.. التي قضتها.. تتلوى في فراشها، وتكتوي بالحرّ الشديد..‏

    لم يعد جسدها الأسمر النحيل يصبر على تلك النار الصيفية المنبعثة من الأرض والسماء..‏

    تمنت لحظتئذ أن يأتي الشتاء مبكراً، لتختفي في بيتها خلف السجف السميكة، وقد أقفلت النوافذ والأبواب.. وتدثرت بدفء السحر الذي يملأ المكان..‏

    طالما شبهت البيت بالرحم الكبير.. تختفي فيه، فتحس بالأمان.. طال بقاؤها في الشرفة المطلة على الشارع العريض.. تراقب مصابيحه الفوسفورية، ثم تنتقل بنظرها إلى المركبات القادمة، علّه يأتي بواحدة منها..‏

    ثم ما لبث البرد الشديد أن دفعها للهروب إلى الداخل.. باثاً في جسدها اللدن رعشة قوية هي أشبه ما تكون برعشة الحب.‏

    الرعشتان، رعشة الحب، ورعشة البرد.. تولدان برودة في الأطراف، وتوقظان ما نام واستقر من الأفكار.. في رأسها، تراقصت خيالات أمتعتها.. تأملت وجهها المنعكس على صفحة المرآة، فأعجبها ألق عينيها وحمرة خديها، ابتسمت ابتسامة مقتضبة، حملتها كل المعاني الدالة على تلك العاطفة الناعمة التي تملأ فؤادها، وتفيض من نظرات عينيها العسليتين الصافيتين..‏

    -ولكنه تأخر..‏

    همست لنفسها وهي تروح وتجيء وكأنها تقيس دهاليز بيتها، وتلقي نظرة إلى كل زاوية فيه.. وفي قمة الانتظار، رنّ جرس البيت.‏

    وحين رأته منتصباً أمامها بقامته الفارهة، ورأسه الشامخ.. أفسحت له مكاناً مادة يدها اليمنى بإشارة ترحيب كبيرة..‏

    -أهلاً وسهلاً.. تفضل.. لماذا تقف هكذا.. ألا تود الدخول؟!‏

    تقدم ببطء شديد، وقف في وسط الغرفة.. ثم اختار لنفسه مكاناً أقرب ما يكون إلى المدفأة..‏

    تركت يدها في يده الباردة.. ثم ما لبث الدفء أن تسلل إلى أصابعه الطويلة السمراء..‏

    علقت نظراتها في عينيه السوداوين البراقتين كليالي الصيف المنعشة.. لبثا دقائق على تلك الحال.. وكأن كل واحد منهما يود أن يتبين مقدار الشوق في نظرات الآخر.‏

    وحين اطمأنت، وسكنت أفكارها العابثة الشقية.. وارتاحت لنظراته العميقة المشبعة بدفء الحياة.. حاولت أن تشيح بنظراتها.. وتتركه يرتاح قليلاً من نظراتها المتفحصة..‏

    أنصت سامي لضحكاتها المرحة، وقابل تلك الضحكات بابتسامات ناعمة، افترت عن أسنانه البيضاء وعن تلك الندبة المنغرسة في أسفل خده الأيسر..‏

    -كيف حالك‏

    كانت هذه أولى العبارات التي نطق بها فمها..‏

    -كيف حالكِ أنتِ" وما هي أخبارك"‏

    أجابها بلهجة حيادية لا أثر فيها لأي انفعال.‏

    ثم ما لبث أن نهض من مكانه.. قاس الغرفة جيئة وذهاباً ثم استقر إلى جانبها.. على الأريكة العريضة المحاطة بعدد كبير من الوسائد المختلفة الأحجام والألوان...‏

    غرقت خالدة في صدره العريض مسندة رأسها الصغير.. إلى جانب صدره الأيمن...‏

    شرنقهما صمت مهيب، يشع منه الدفء الوجودي العظيم..‏

    البيت أيضاً غرق في السكون..‏

    نغم موسيقي حالم ظلّ يملأ أسماعها..‏

    طال صمتهما، تاركين لقلبيهما حرية البدء في حوار دافئ عميق..‏

    انتقلا فجأة إلى جنة عدن أرضية.. رجل وامرأة وحوار ناعم وقوي حرك ماكمن في جسديهما من أشواق..‏

    لمس وجهها بكفيّه.. وداعبت أصابعه خصلات شعرها المبعثرة على جبينها العريض.. والمسترسلة إلى ما تحت كتفيها.. جذبها إليه، فتداخل الجسدان في عناق جميل وهامس.. وعلا اللحن الأبدي والأزلي وتردد صداه في أرجاء المنزل الواسع..‏

    ظلا متلاصقين.. وكأنهما يخشيان الانفصال..‏

    وظل الجسدان يتحاوران ويعبران عن لغز الكون..‏

    -كان موقفنا رائعاً.. بالنسبة لمؤتمر شرم الشيخ..‏

    -نعم.. إنها لمؤامرة موجهة ضدنا.. محاولة عزل سوريا عن العالم من حولها..‏

    -ولكن سوريا، أدركت تلك اللعبة.. وعرفت أن امريكا تحاول سحب السجادة من تحت قدميها..‏

    -إن سوريا حكيمة، تدرك جيداً طبيعة الأحداث..‏

    نظرت باستخفاف إلى هذا المؤتمر الذي استمر ثلاث ساعات فقط.. وحضر فيه بعض الزعماء العرب.‏

    تفرع حوارهما، فشمل طبيعة الأحداث التي تمر بها سوريا..‏

    -لا.. لن نستسلم.. بل سنطالب بحقوقنا مهما اشتدت حدة الضغط علينا.. لن نسمح للآخرين بالمساومة على حقوقنا حتى لو أدى موقفنا إلى نشوب حرب بيننا وبين إسرائيل.‏

    -نحن أقوياء.. سنقف في وجه المؤامرة.. وإن متنا وسقطنا في المعركة.. فإن الأجيال القادمة ستحترم موتنا وستقدر موقفنا.‏

    -لماذا لا يفكر الآخرون بالأجيال القادمة..‏

    التاريخ لا ينسى شيئاً.. سيظل الاستسلام وصمة في جبين المستسلمين.‏

    -الرئيس الاميركي، لم يخف تعاطفه مع إسرائيل.. بل قام بجولة، زار بها قبر بيجين وقبر أولئك الذين قتلوا كنتيجة للعمليات الفدائية.‏

    لقد تناسى هذا الرئيس مذبحة الحرم الإبراهيمي..‏

    تنبه الاثنان فجأة إلى كنه هذا الحوار، الذي لا يتلاءم مع أمواج العشق المتدفقة.. ضحكا، وتردد صدى القهقهات في أرجاء الغرفة المستسلمة للعشق والسياسة..‏

    وتساءلا: أيمكن لهذا الحديث أن يكون خاتمةً للقائهما الجميل؟..‏

    -ماذا جرى لنا يا سامي؟.. بل ماذا حدث؟ حتى اختلطت أمامنا الأوراق.. وبتنا لا نميز جيداً متى نتحدث عن السياسة؟‏

    ومتى نتحدث عن الحب؟‏

    -ولكن الاثنين متحدان.. يا عزيزتي.. فأنت لا تنفصلين عن الوطن.. حتى في لحظات الحب..‏

    -الحقيقة.. أننا لا نستطيع أن ننفصل عن الأحداث من حولنا.. فحين نغرق في محيطات الحب، نفتش عن الخلاص مما نحن غارقون فيه من تغيرات حلّت في العالم من حولنا.‏

    امتد حوار الاثنين حتى شمل الكون الرحيب.. ثم تقلص حتى اقتصر على المنطقة العربية.. واختصر أكثر حين اكتفى الاثنان بالحديث عن سوريا ومستقبلها في الواقع الراهن.‏

    نهض من مقعده، قاس الغرفة بخطوات متزنة مرات ومرات.. تنقل ببطء شديد.. عبر أمام عينيها.. كانت نظراتها، تتابع حركاته باهتمام شديد.‏

    -متى ستهدأ؟ استرح قليلاً.. حدثني عن أعمالك..‏

    تململ، ثم توقف، ثم جلس بعد أن غير مقعده..‏

    لم يطل الحديث عن العمل.. بل انتقل الاثنان من جديد إلى مشاكل الحياة اليومية، التي لم تعد تطاق.‏

    الراتب لم يعد يكفي.. والمصروف غدا كبيرا.. وبدأ الناس يخشون على أنفسهم من الفضيحة..‏

    تنهد الاثنان معاً.. وزفرا زفرات طويلة.. بثّا بها كثيراً من همومها..‏

    -ما الذي يجعلنا نستغرق في مثل هذه الهموم؟! قال لها: وهو ينهض فجأة معلناً انتهاء الزيارة.‏

    وقفت مودعة، بعد أن لامست شعره الأسود الناعم بأطراف أناملها النحيلة.‏

    قبلت رأسه، وودعته بنظراتها الحالمة..‏

    تسمرت في مكانها إلى أن اختفى في فتحة الدرج المؤدي إلى الحديقة.‏

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()