بتـــــاريخ : 10/8/2008 5:15:50 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1757 0


    زواجه من السيدة خديجة

    الناقل : heba | العمر :42 | المصدر : www.quran-radio.com

    كلمات مفتاحية  :
    فقه السيرة النبوية

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

    أيها الإخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية ، ننتقل في هذا الدرس إلى زواجه صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة .

    بادئ ذي بدء ، قال عليه الصلاة والسلام : (( أشدكم لله خشية أنا ، أنام وأقوم ، أصوم وأفطر  أتزوج النساء ، هذه سنتي ، فمن رغب عنها فليس من أمتي )) .

    [أحمد ، وأصله في الصحيحين]

    فالإسلام دين الفطرة .

     

    ( سورة الروم الآية : 22 ) .

     

     

    ( سورة فصلت الآية : 37 ) .

    من آياته الدالة على عظمته :

     

    ( سورة الروم ) .

     

    إذاً النبي صلى الله عليه وسلم جاء بدين الفطرة ، وهو قدوة لنا ، وإسلامنا العظيم جمع بين الحاجات والقيم ، وجعل المصالح مع المبادئ في وقت واحد .

    فلذلك كان عليه الصلاة والسلام شاباً من الشباب الذين يشار إليهم بالبنان ، في الأعم الأغلب الشباب التائهون الشاردون عن أمر الله عز وجل ضائعون ، إما أن يتظاهروا بأشياء يتوهمون أنها تجذب الفتيات إليهم ، وإما أنهم يبالغون بالقوة ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أفقٍ أعلى .

     

    ( سورة النجم ) .

     

    كان يحمل هموم البشرية ، كان يبحث عن خلاص البشرية ، كان يرى ما حوله من تصادم ، وضعف ، وقهر ، وظلم ، فلذلك كان عليه الصلاة والسلام شاباً متميزاً ، هذا قبل البعثة ، والذي يؤكده علماء السيرة أن الأنبياء معصومون بعد الوحي ، وقبل الوحي ، فلذلك كان زواجه من السيدة خديجة رضي الله عنها امرأة لا كالنساء ، (( كمل من الرجال الكثير ، ولم يكمل من النساء إلا أربع منهن السيدة خديجة )) .

    [ورد في الأثر]

    أيها الإخوة الكرام ، لو قرأتم سيرتها لوجدتموها المرأة الأولى في العالم التي كانت في أعلى درجات الوفاء لزوجها ، لذلك حينما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة بعد عشرين عاماً من الصراع مع الكفر والشرك ، ودعته بيوتات مكة ليبيت عندهم قال : (( انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة )) .

    [ورد في الأثر]

    وركز لواء النصر أمام قبرها ، ليعلم العالم كله ، أن هذه المرأة التي في القبر شريكته في النصر ، والحقيقة أن السيدة خديجة كانت سند رسول الله صلى الله عليه وسلم  من الداخل .

    الحقيقة أن أعظم النساء ، ودققوا فيما سأقول : أعظم النساء من أضافت إلى جمالها جمال أخلاقها ، وأعظم النساء أيضاً من أضافت جمالاً ثالثاً وهو جمال عقلها ، فإذا اجتمع في المرأة جمال الشكل ، وجمال الخلق ، وجمال العقل ، فهي امرأة لا كالنساء ، والمرأة كما تعلمون أيها الإخوة في الإسلام مساوية مساواة تاماً للرجل من حيث التكليف ، ومن حيث التشريف ، ومن حيث المسؤولية .

    أيها الإخوة ، يقول بعض العلماء : الرجال العظماء في أمس الحاجة إلى امرأة عظيمة ، ولقد قال عليه الصلاة والسلام : (( إنما النساء شقائق الرجال )) .

    [ أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود والترمذي عن عائشة، البزار عن أنس ] .

     ولقد وجهنا عليه الصلاة والسلام : (( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه )) .

    [ رواه الترمذي عن أبي حاتم المزني ] .

    فهذه المرأة التي عندك هي شقيقتك ، بمعنى أنه ينبغي أن تكون متكاملاً معها       (( إنما النساء شقائق الرجال )) .

    (( النكاح رق ، فلينظر أحدكم أين يضع كريمته )) .

    [رواه ابن حبان ، عن أنس ] .

    الأخ الكريم الذي عنده فتاة مؤمنة ، محجبة ، تتلو كتاب الله أناء الليل وأطراف النهار ، ينبغي ألا يتسرع في تزويجها ، ينبغي أن يبحث لها عن طالب علم ، أن يبحث لها عن شاب يقدر دينها ، ثقافتها الإسلامية ، وورعها ، وانصرافها إلى أعمالها الصالحة ، فلذلك تعد المرأة للعظماء سندهم من الداخل ، والذي قال لم يخطئ وراء كل عظيم امرأة .

    أما خديجة بنت خوليد امرأة فهي تاجرة ذات شرف ومال ، كانت تكلف الرجال وتضاربهم في مالها ، وحقيقة المضاربة ، وقد أتينا على ذكرها هي الطريق الواضح النظيف للاستثمار ، والحاجة إلى استثمار المال حاجة متأصلة في كل مجتمع بشري ، هناك الشيخ الكبير ، والموظف المتقاعد ، هناك الطفل الصغير الذي ورث مالاً ، هناك الأرملة ، هناك المرأة التي لا تحسن التجارة ، فيأتي شاب في ريعان الشباب مكتمل الرجولة ، عنده خبرة عالية فيشتغل بهذا المال ، يأخذ بعض الربح ، ويعطي صاحب المال بعضه الآخر ، هذا الطريق النظيف الآمن للاستثمار المال ، لكن الذين جمعوا الأموال ، ولم يكونوا في المستوى المطلوب ، ضعفوا ثقة الناس بالقناة الشرعية النظيفة ، وقووا ثقة الناس بالمصارف الربوية  ، فكان عليه الصلاة والسلام أول مضارب في الإسلام ، أول شريك مضارب ، المال مال خديجة ، والجهد جهد النبي صلى الله عليه وسلم طبعاً قبل البعثة .

    فكانت تضارب الرجال بمالها على شيء تجعله لهم ، وكانت قريش في معظم نشاطاتها يعملون في التجارة ، فلما بلغ خديجة رضي الله عنها عن رسول الله أمانته وعفافه وأخلاقه العالية ، طمحت أن تعمل معه في التجارة ، وكانت تعطيه أفضل ما تعطي بقية التجار .

     ولكن أيها الإخوة أقول لكم هذه الكلمة ، قال عليه الصلاة والسلام : (( الأمانة غنى )) .

    [ رواه القضاعي عن أنس رضي الله عنه ].

    أثمن شيء تملكه على الإطلاق أن تكون أميناً ، أنت بأمانتك تملك أكبر ثروة في الأرض ، ألا وهي ثقة الناس بك .

    فاستقامة النبي ، وصدق النبي ، وأمانة النبي ، وعفة النبي ، وورع النبي جعلت السيدة خديجة تطمح أن يكون هذا الشاب شريكاً لها في التجارة ، ولا تنسوا هذا الحديث الجامع المانع القصير : (( الأمانة غنى )) .

    لذلك ضاربت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرات ، كان أهم هذه السفرات إلى الشام ، مع غلام لها يقال له ميسرة ، فقبله النبي صلى الله عليه وسلم ، وخرج في مالها ، وخرج معه غلامه ميسرة حتى قدم الشام ، وكان التوفيق حليف رسول الله ، وعاد بالتجارة ، وقد ربح الضعفين ، فسرت السيدة خديجة أيما سرور .

    والذي أتمنه أن أعرضه لكم هذه القاعدة : قل لي ما لا ترجو أرجا منك بما    ترجو .

    هذه التجارة كانت سبب زواجه منها ، والخير يتنامى ، بدأ شاباً صادقاً أميناً عفيفاً طاهراًَ ، هذه السمعة الطيبة جعلت هذه المرأة الغنية الموسرة الشريفة في قومها تسمح أن يكون شريكاً لها في تجارة ، فلما ذهب ميسرة معه إلى بلاد الشام ، ورأى من حكمته وصدقه وأمانته وورعه وعفته الشيء الكثير حدث السيدة خديجة بما رآه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    هذه السيدة الوقور التي هي أرقى بيوتات مكة طمحت بالزواج من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، أرسلت له امرأة اسمها نفيسة ، فخاطبت النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت : ما يمنعك من أن تتزوج ؟ فقال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يوم كان شاباً في الـ25 : ما بيدي لأتزوج به ، قال : فإن كفيت كذلك ، ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ، فقالت له : ألا تجيب ؟ قال : فمن هي ؟ قالت : خديجة ، قال : ومن لي بذلك ؟ يعني كيف يمكن ؟ فقالت : علي ذلك ، هذه البداية .

    لذلك ورد في الأثر : أنه من مشى بتزويج رجل بامرأة كان له بكل كلمة قالها ، وبكل خطوة خطاها عبادة سنة قام ليلها ، وصام نهارها ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : (( من أفضل الشفاعة أن تشفع بين اثنين في النكاح )) .

    [ أخرجه ابن ماجة عن أبي رهم ] .

    فهذه المرأة النفيسة ساهمت في تقريب وجهات النظر بين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وبين خديجة ، لكن الذي حصل الآن في شيء غريب ، أن امرأة تعرض نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم حينما أشارت نفيسة إلى السيدة خديجة أن الطريق سالك للزواج من رسول الله ، أعطتها كما يقولون الآن الضوء الأخضر ، فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وقالت يا ابن العم ، إني قد رغبت فيك لقرابتك ، وشرفك في قومك ، وأمانتك  وحسن خلقك وصدق حديثك ، ثم عرضت عليه نفسها ، التقاليد عندنا تمنع أن تعرض فتاة نفسها على شاب لحيائها ولخجلها ، لكن التقاليد أيضاً تمنع أن يعرض أب فتاته على شاب توسم فيه خيراً ، لكن سيدنا شعيب ماذا قال ؟ قال :

     

    ( سورة القصص الآية : 27 ) .

     

    لذلك أكبر مشكلة يعاني منها المسلمون كساد الفتيات ، كل إنسان غارق بهمومه ، لكن نحن كمؤمنين ينبغي أن نسعى لتزويج الشبان الأطهار من الفتيات المؤمنات ، هذا عمل عظيم ، فلذلك النبي صلى الله عليه وسلم حينما عرض عليه الزواج من خديجة ، عن طريق نفيسة أولاً ، وعن طريق السيدة خديجة مباشرةً ثانياً ، قبل ، وكانت خديجة كما يقولون : أوسط النساء نسباً ، وكانت أعظمهن شرفاً ، وأكثرهن مالاً ، وكل قومها كان حريصًا على ذلك لو يقدرون عليه .

     أنا أقول كإسقاط من هذه السيرة لواقعنا : الشاب المؤمن الذي يرجو رحمة الله ، ويخافه ، ويتقرب إليه ، له مكافئة عند الله عاجلة ، ألا وهي زوجة صالحة تسره ، إن نظر إليها ، وتحفظه إن غاب عنها ، وتطيعه إن أمرها ، والشابة المؤمنة التي ترجو رحمة الله ، وتخشى ربها ، وتطيع نبيها ، وتحفظ كتاب ربها ، لها عند الله مكافئة أيضاً أن يرزقها شاباً مؤمناً يعرف قيمتها ، ويحفظها ، لذلك الزواج بيد الله عز وجل ثمنه الاستقامة على أمر الله ، وثمنه العفة .

    أيها الإخوة ، لما جاء هذا العرض المغري لرسول الله من نفيسة أولاً ، ومن خديجة ثانياً ، عرض هذا على أعمامه ، وفاتحهم برغبته ، فما كان منهم إلا أن سارعوا لتلبيته ، والمضي لما يريد فذهب أبو طالب ، وحمزة ، وغيرهم إلى عم السيدة خديجة عمر بن الأسد ، كان أبوها قد مات في حرب الفجار ، وخطبوا إليه ابنة أخيه ، وساقوا إليها الصداق عشرين بكرة ، أي ـ ناقة ـ ، قال ابن هشام : وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين بكرة ، وكانت أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت .

    هؤلاء الذين يسيئون إلى مقام النبي صلى الله عليه وسلم ، ويأخذون عليه أنه تزوج نساء عديدات ، بقي مع امرأة في سن أمه ، كان عمره 25 عاماً ، تزوج امرأة في الأربعين ، ماذا تستنتج ؟ قيمة المرأة بخلقها ، وقيمة المرأة بأخلاقها ، وقيمة المرأة بعقلها ، وقيمة المرأة أيضاً بجمالها ، لكن هذا الذي يبحث عن الجمال فقط إنسان يمشي في طريق ليست سالكة ، ولا أمينة ، فقد ورد في الأثر أنه من تزوج المرأة لجمالها أذله الله ، ومن تزوجها لمالها أفقره الله ، ومن تزوجها لحسبها زاده الله دناءة ، فعليك بذات الدين تربت يداك ، هذا توجيه النبي صلى الله عليه وسلم للشباب .

    يروى أن أبا طالب وقف يخطب في حفل الزواج قائلاً : إن محمداً لا يوزن به فتاً من قريش ، إلا رجح به شرفاً ونبلاً ، وفضلاً  وعقلاً ، وإن كان في المال قِلٌ ، فإن المال ظل زائل ، وعارية مسترجعة ، وله في خديجة بنت خوليد رغبة ، ولها فيه مثل ذلك ، هذه خطبة النكاح ، خطبها عمه أبو طالب .

    فقال عند ذلك ولي خديجة عمها عمر ، هو الفحل الذي لا يجدع أنفه ، وأنكحها منه ، وله 25 سنة ، ولها يومئذٍ 40 سنة ، وقد حضر العقد بنو هاشم ، ورؤساء مضر ، وكان بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من الشام بشهرين .

    أعيد عليكم هذه القاعدة الذهبية : قل لي ما لا ترجو أرجا منك بما ترجو .

    القضية بدأت تجارة ، وانتهت بزواج ، والمؤمن حصيف ، إذا عُرضت عليه فرصة لا يفوتها ، والمؤمن أديب ، هناك إنسان ديدنه الرفض ، وهناك فتاة ديدنها الرفض ، لكن المؤمن إذا عُرض عليه شيء هذا خير ساقه الله إليه ، أو هدية ساقها الله إليه .

    بقي النبي صلى الله عليه وسلم مع السيدة خديجة إلى أن توفيت ، ولها 65 سنة ، توفيت في الـ 65 ، وبقي النبي معها تقريباً ربع قرن ، وكانت في سن أمه ، الآن لو أنها في سنه يندب حظه ، لو أنها أكبر بسنة يندب حظه .

    إخواننا الكرام ، حينما لا ترى من المرأة إلا جمالها فأنت لا تعرف حقيقة الزواج ، يجب أن ترى في المرأة عقلها ، يجب أن ترى في المرأة خُلقها ، يجب أن ترى في المرأة دينها ، وإذا كان لك رغبة في جمالها لا مانع ، لكن أن تكتفي بالجمال فقط دون أن تلتفت إلى أهم ما في المرأة ، إلى أم أولادك ، التي سوف تربي أولادك ، سوف توجههم الوجهة الصحيحة .

    ولدت السيدة خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم ، فهو أبو القاسم ، وقد ورد في بعض الأحاديث : (( من دعي فلم يلبي فقد عصا أبا القاسم )) .

    [ورد في الأثر]

    ثم ولدت له زينب ، ثم أم كلثوم كوكبة الإسلام ، ثم فاطمة ، ثم رقية ، كما يروي في الطبراني في المعجم الكبير ، ثم عبد الله الملقب بالطيب أو الطاهر ، فأما القاسم وعبد الله فماتا قبل الإسلام  ، مات القاسم بعد سن تمكنه من ركوب الدابة ، ومات عبد الله وهو طفل ، وأدركت البنات الإسلام فأسلمن جميعاً ، وهاجرن إلى المدينة ، وماتوا جميعاً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إلا فاطمة فقد ماتت بعده بستة أشهر .

    قد يسأل سائل : مات أبوه قبل أن يعرفه ، قبل أن يولد ، وماتت أمه وهو في السادسة ، ومات جده وهو في الثامنة ، وماتت بناته جميعاً عدا فاطمة ، وماتا ولداه القاسم وعبد الله قبل الإسلام ، ولم يبقَ من ذريته إلا فاطمة ، بل مات ابنه إبراهيم من مارية القبطية ، لا شك أن هناك حكمة ما بعدها حكمة من أن أباه مات قبل ولادته ، وأن أمه ماتت بعد الولادة بست سنوات ، ولا شك أن هناك حكمة بالغة أنه ليس من نسله ولد ذكر ، فكروا ، وابحثوا ، ودققوا ، لو أن لهذا النبي الكريم أباً عظيماً تعزى فضائله ، وتعزى شمائله إلى تربية أبيه ، وكأن النبوة ألغيت ، لو أن له أماً قديرةً ، حكيمة ، حصيفة ، أيضاً تعزى فضائله لأمه ، أراد الله جل جلاله أن تكون هذه الفضائل كلها بسبب قربه من الله عز وجل ، فهذا من الحكمة أنه لم يعرف أباه كما أن أمه لم تسهم في تربيته ، وكان يتيماً وكأن هذا الإنسان العظيم قدوة لكل يتيم ، واليتيم أحياناً يكون مكسوراً فله سيد الأنبياء وهو اليتيم أسوة حسنة .

    الشيء الآخر ، لو أنه له ولداً عاش من بعده ، وله ذرية فهو ابن رسول الله ، ولم يكن معصوماً ربما انتقلت البغضاء إلى أبيه ، بخاطب النبي صلى الله عليه وسلم  سيدنا سلمان الفارسي قال : (( يَا سَلْمَانُ ، لاَ تُبْغِضْنِي فَتُفَارِقَ دِينَكَ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللّهِ : كَيْفَ أُبْغِضُكَ ، وَبِكَ هَدَانَا اللّهُ ؟ قَالَ : تُبْغِضُ الْعَرَبَ فَتُبْغِضُنِي )) .

     [ أخرجه الترمذي عن سلمان ] .

    من الحكمة ، هذا اجتهاد شخصي طبعاً ، حكمة بالغة جداً أن النبي الكريم ليس له ذرية ذكور من بعده .

    روي عن ابن عباس أن قريشاً تواصت بينها بالتمادي بالغي والكفر ، وقالت : الذي نحن عليه أحق مما عليه هذا الصنبور المنبثر ، لما ماتت ذريته في حياته عدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم  قد قطع نسله .

     

    ( سورة الكوثر ) .

     

    لست أنت يا محمد الأبتر ، بل الذي يبغضك هو الأبتر .

    السيدة خديجة كانت المثل الأعلى لكل نساء العالمين ، واست زوجها ، وقدمت له كل ما يحتاجه من حنان ، وعطف ، تأييد ، ومال ، وقد قال عليه الصلاة والسلام  : (( اعلمي أيتها المرأة ، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله )) .

    [ورد في الأثر]

    لا تنسوا أن أجمل ما في المرأة خُلقها ، وعقلها ، فإذا أضيف إذا جمال الجسم جمال الخلق ، وجمال العقل ، كانت امرأة من أولى نساء المجتمع .

    الحقيقة وقفت مع النبي الكريم في أحلك أيامه ، في أصعب أيامه ، وكانت كما قلت قبل قليل : سنده من الداخل ، ففي الصحيحين عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( خير نسائها مريم بنت عمران ، وخير نسائها خديجة بنت خويلد )) .

    إذاً هذه المرأة من خير نساء العالمين ، ولكن الآن دققوا في كلمة قالتها للنبي صلى الله عليه وسلم وقد جاءه الوحي وقد قال : (( دثروني دثروني )) .

    [ أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه ] .  

    فقالت له كلاماً : (( والله مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا )) ، كيف عرفت ذلك ؟

    (( إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ )) .

    استنبطت هذا من فطرتها ، ذلك أيها الإخوة أنا أخاطب الشباب ، وأخاطب   الشابات :

     

    ( سورة الجاثية ) .

     

    مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يعامَل شاب مستقيم ورع ، يخاف الله عز وجل يؤدي عباداته ، يدفع نفسه إلى طاعته ، كما يعامل شاب تائه متفلت ، هذا تناقض مع عدل الله ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ .

     

    ( سورة السجدة ) .

     

     

    ( سورة القلم ) .

     

     

    ( سورة القصص ) .

     

    دققوا في هذا الكلام ، لا يمكن أن تعامل أيها الشاب التائب ، لأنه ما من شيء أحب إلى الله من شاب تائب ، لأن الله يباهي الملائكة بالشاب التائب ، يقول : انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي ، وما من شيء أحب إلى الله من شابة تائبة ، إن الله يباهي بها الملائكة ، فهذا الذي يمشي في طريق الحق له عند الله مكافأة في الدنيا والآخرة ، والدليل :

     

    ( سورة الرحمن ) .

     

    قال علماء التفسير : جنة في الدنيا وجنة في الآخرة .

    ويقول عليه الصلاة والسلام : (( خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد )) .

    [ أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير عن أنس

    مرة ذكرت قصة أيها الإخوة ، لأريكم عظمة المرأة ، فرعون عنده ماشطة تمشط شعر ابنته ، مرة في أثناء تمشيط شعرها وقع المشط على الأرض ، فقالت : بسم الله ، قالت ابنة فرعون لماشطتها : ألك رب غير أبي ؟ قالت : الله ربي ، وربك ، ورب أبيك ، فقالت البنت : سأخبر أبي ، قالت : أخبريه ، فلما أخبرت أباها أنها تعبد إلهاً غيرك ، أنت لست إلهها ، إلهها هو الله ، فأتي بها ، وأتى بأولادها الأربعة ، وجاء ببقرة من نحاس ، وأضرم فيها ناراً ، وأمسك ولدها الأول ، وقال لها : ألك رب غيري ؟ قالت : الله رب وربك ، فألقاه في النار حتى تفحم ، ثم أمسك ولدها الثاني ، وقال : ألك رب غيري ؟ قالت : الله ربي وربك ، ألقاه في النار حتى تفحم ، أمسك ولدها الثالث ، قال : ألك رب غيري ؟ قالت : الله ربي وربك ، ألقاه في النار حتى تفحم ، أمسك الرابع ، الرابع رضيع ، فلما قال : ألك رب غيري ؟ بكت ، تضعضعت ، فأنطق الله الغلام كما ورد في الحديث الشريف ، قال : اصمدي يا أمي ، أنت على حق ، فقالت : الله ربي ، وربك ، ألقاه في النار حتى تفحم ، ثم ألقاها في النار حتى تفحمت ، وانتهى الأمر .

    النبي عليه الصلاة والسلام في أثناء عروجه إلى السماء شم رائحة ما شم مثلها قط  ، فسأل جبريل : ما هذه الرائحة ؟ قال : هذه رائحة ماشطة بنت فرعون .

    يمكن أن تكون المرأة بطلة ، ويمكن أن تكون المرأة في أعلى مستوى عند الله عز وجل ، السيدة خديجة من هذا المستوى .

    أنا أتمنى على الإخوة الأكارم أن يقرؤوا سيرة السيدة خديجة ، لعلي فصلت كثيراً في سيرة هذه المرأة العظيمة في عدد كبير من الأشرطة ، أتمنى على أخواتنا النساء أن يقرأن سيرة هذه المرأة العظيمة لتكون هذه المرأة قدوة لهن في معاملة الزوج .

    آسية امرأة فرعون كانت تحت طاغية من كبار طواغيت الأرض ، هذا الطاغية يقول :

     

    ( سورة القصص الآية : 38 ) .

     

    هذا الطاغية يقول :

     

    ( سورة النازعات ) .

     

    ( سورة التحريم ) .

    لم يستطع هذا الطاغية بكل جبروته أن يحمل آسيا على أن تعبده من دون الله .

    أيها الإخوة ، كان عليه الصلاة والسلام من أعلى الأزواج وفاء لزوجته خديجة ، فلما ماتت كان يبعث باللحم حين يذبح فيطعم صديقاتها ، فيكثر في مدحها ....... في ذكرها ، الآن إذا تزوج الزوج امرأة جديدة يتقرب إليها بذم السابقة ، ما في مثلك أنت ، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان وفياً بعد موتها ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام ، وقد سأله رجل توفي والداه : ماذا بقي علي من بر والدي ؟ قال عليه الصلاة والسلام : صلّ عليهما ، وأن تدعو لهما ـ لكن أنا قصدي من هذا النص ، وأنا تصل صديقاهما ـ وأن تصل الرحم التي لم يكن لها صلة إلا بهما ، وأن تنفذ عهدهما ، فمن تمام الوفاء أن تصل أصدقاء أبيك ، وصديقات أمك ، سيدنا رسول الله بعد أن ماتت هذه الزوجة العظيمة كان يصل صديقاتها بقطع اللحم تقرباً إليهم ، ووفاء بعهد خديجة .

    يروي البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن قالت : (( ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة ، هلكت قبل أن يتزوجني ، لما كنت أسمعه يذكرها ، وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب )) .

    هذه بشارة من الله مباشرة لهذه المرأة .

    إخواننا الكرام ، باب البطولة مفتوح على مصراعيه ، وإله الصحابة إلهنا ، والظروف نفسها ، وكل إنسان يمكن أن يكون بطل ، وكل فتاة يمكن أن تكون بطلة .

    في رواية أخرى تقول : (( ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة ، وما رأيتها ، ولكن كان النبي يكثر ذكرها ، ربما ذبح الشاة ثم يقطعها عطاء ، ثم يبعثها لأصدقاء خديجة ، فربما قلت له مرة من شدة الضجر كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة فيقول إنها كانت وكانت وكانت ، وكان لي منها الولد )) .

    مرة قال : (( قد آمنت بي إذ كفر بي الناس ، وصدقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء )) .

    [ رواه أحمد عن عائشة رضي الله عنها ] .

    كان عليه الصلاة والسلام  في أعلى درجات الوفاء ، وأيها الإخوة من أروع ما سمعت من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم  أنه قال : (( الحمد لله الذي رزقني حب خديجة )) .

    عد حبها رزقاً ، الحمد لله الذي رزقني حب خديجة .

    وأنا أقول لكم أيها الإخوة كلامًا خطيرًا جداً ، الحب يصنع بيدك تصنعه أنت ، إذا كنت وفياً إذا كنت كريماً ، إذا كنت رحيماً تحبك زوجتك ، تحبك محبة لا حدود لها ، وتقطف أنت ثمار هذه المحبة ، والبغض يصنع بأيدينا ، الإهمال ، عدم الإصغاء ، عدم الاحترام ، الحرمان أحياناً ، الإهانة ، السخرية ، البغض نصنعه بأيدينا ، والحب نصنعه بأيدينا ، وكانت السيدة عائشة تسال النبي صلى الله عليه وسلم : كيف حبك لي ؟ يطمئنها ، يقول كعقدة الحبل ، عقدة الحبل ، تسأله من حين لآخر ، كيف العقدة ، يقول على حالها ، ومرة حدثته عن أبي زرع ومحبته لأم زرع ، ووفاؤه لأم زرع ، وكرمه على أم زرع ، قال عليه الصلاة والسلام : أنا لك كأبي زرع لأم زرع ، لكنني لا أطلقك ، لأن أبا زرع طلق أم زرع في النهاية ، قال : أنا لك كأبي زرع لأم زرع ، ولكنني لا أطلقك ، تعلم من هذه الشمائل العالية ، تعلموا هذا السلوك العظيم لسيد المرسلين .

    أيها الإخوة ، هذه المرأة لم تشارك قومها لهوهم وسفاحهم وتبرجهم ، بل لزمت بيتها وتاجرة بمالها من دون أن تحتك بنفسها مع الرجال ، كانت امرأة في القمة ، وما عرف عنها تبرج ولا اختلاط ، وكانت تتمثل بفطرتها القويمة ، ولقد أخرج الإمام أحمد في المسند عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( كُلّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ ، وَالمَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرّتْ بالمَجْلِسِ ، فَهِيَ زَانِيَةً )) .

    الزنا درجات ، من الزنا أطلاق البصر ، ومن الزنا أن تتعطر المرأة ليجد الرجال ريحها .

    السيدة خديجة أيها الإخوة واست زوجها ، ووقفت معه في أصعب الأيام ، وكانت معه في أحلك الليالي ، وما تكبرت عليه في مالها ، والله أنا اطلعت على قصص عديدة ، من شباب أخطؤوا كثيراً حينما تزوجوا بسناء غنيات ، صفة المرأة الغنية على زوجها ذي الدخل المحدود الاستكبار والاستعلاء والمن ، لكن امرأة غنية جداً وتزوجت رسول الله ، وهو فقير جداً ، ومع ذلك من أعظم صفاتها أنها ما تكبرت عليه في مالها بل أنفقت منه بإذنه ، ولم تكن القوامة لها ، القوامة له وهي تنفق عليه بإذنه ، فكانت مثلاً أعل للنساء من بعدها .

    أيها الإخوة ، يقول عليه الصلاة والسلام : (( خَيْرٌ النّكَاحِ أَيْسَرَه )) .

    [رواه أبو داود]

    (( أعظم النساء بركة أيسرهن صداقا )) .

    [ رواه أحمد والبيهقي عن عائشة مرفوعا ]

    (( أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة )) .

    [رواه أحمد والحاكم والبيهقي عن عائشة]

    جاء رجل للإمام الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : إن لي بنتًا فمن ترى أن أزوجها له ؟ دققوا في هذا الكلام ، قال : زوجها من يتقي الله ، فإن أحبها أكرمها ، وإن أبغضها لم يظلمها .

    وكانت عائشة رضي الله عنها تقول : النكاح رق ، فلينظر أحدكم أين يضع كريمته.

    أيها الإخوة الكرام ، أنا أرى أن هذه السيدة خديجة رضي الله عنها التي أكرم الله بها رسوله هي قمة في الكمال ، وقدوة لنساء المسلمين ، فينبغي أن نحرص على قراءة سيرتها ، وعلى معرفة كمالها في معاملتها لزوجها ، وينبغي أن نعرف كمال النبي صلى الله عليه وسلم في وفائه لها ، وفي تقديره لها ، على كل قال تعالى :

     

    ( سورة البقرة ) .

     

    قال علماء التفسير : المرأة الصالحة حسنة الدنيا ، فإذا نظرت إليها سرتك ، وإذا غبت عنها حفظتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في مالها ونفسها ، عليكم بذات الدين تربت يداكم .

    والحمد لله رب العالمين

    كلمات مفتاحية  :
    فقه السيرة النبوية

    تعليقات الزوار ()