الهيموفيليا... المرض، المعاناة، وكيفية المساعدة
بقلم امجد كنعان الطــويل
بالرغم من المعاناة الاقتصادية، والسياسية، والمعيشية والنفسية التي يعانيها الشعب الفلسطيني منذ أوائل المجازر والحروب ولأيامنا هذه، لم يفكر حتى وللحظة واحدة بالابتعاد عن الأرض المقدسة، إذا لم يطردوا أو يسجنوا أو ينفوا عنها. إلا أن الحصار على هذا الشعب وفصلهم عن العالم الخارجي وربطهم بمخيمات أو مدن أو بؤر مزدحمة بالأقارب أدت إلى مشاكل اجتماعية وصحية ليس بمقدار اتفاقات أوسلو أو "سلام الشجعان" أو قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف بتصحيحها أو حلها لوحدها. من بين هذه المصاعب التي نشأت خلال هذه العقود هي زواج الأقارب، الذي أدى إلى زيادة نسبة الأمراض الوراثية. في حين يتطلب آلاف من الدولارات قبل الزواج لاكتشاف إمكانية تسبب هذه الأمراض الوراثية والعشرات من الآلاف لعلاجها سنويا للفرد الواحد، فليس للفرد الفلسطيني أن يدبر هذه المصاريف، أو لوزارة الصحة الفلسطينية من التخلص من عجزها المالي وديونها للتصرف، أو اهتمام الدول المانحة بمثل هذه المشاريع. لذلك عدم تواجد العلاج يسبب في وفاة أو عجز معظم المرضى قبل بلوغهم سن العشرين.
إن باستطاعة المصابين ببعض الأمراض الوراثية العيش حياة طبيعية والوقاية من توريث الأجيال القادمة من خلال التوعية والعلاج. إلا إن الدمار الشامل للبنية التحتية والاقتصادية للقطاع الصحي والطبي في فلسطين لم يستطع توفير السيولة الداخلية لتوفير الاحتياجات الإنسانية والطبية المتطلبة لتخفيف المعاناة اليومية عن ألوف المصابين وعائلاتهم. فبينما يمول العالم الغربي منتجعات سياحية، وكازينوهات، وفيلات، وعمارات سكنية، وسيارات فخمة وشبكات اتصال ومطاعم غربية التي لن تساعد أو تؤمن حياه الشخص العادي، وبما فيهم المرضى، هنالك عشرات من المرضى يموتون سنويا بانتظار الأيدي الكريمة التي ستجلبهم من هذا الكابوس إلى نور الأرض المقدسة. ومن بين هذه الأمراض الخبيثة مرض نزف الدم - المعروف بالهيموفيليا، الذي يصيب واحد من كل خمسون ألف مولود ذكر في العالم، إلى أنة يصيب 200 ذكر في فلسطين حسب التقديرات الأولية وهنالك عدد يشابهه من الإناث الحاملات للجينة الوراثية بسبب زواج الأقارب. لذلك باشرت الجمعية الفلسطينية لأمراض النزف بمساعدة المرضى وعائلاتهم في فلسطين، و الآن تبحث عن متطوعين، وممولين، وأطباء مختصين بأمراض الدم من العرب والمسلمين لرفع مستوى العلاج بالمنطقة أجمع ولإنشاء فيدرالية عربية وإسلامية للسيطرة على انتشار هذا المرض وعلاجه في بلادنا.
المرض
الهيموفيليا، مرض نزيف الدم، عبارة عن خلل وراثي في المادة التي تمنع الدم من التخثر. فقدانها يعرض المرضى لنزف تحت الجلد أو في المفاصل أو تحت العضلات عند تعرضهم لأي إصابة أو جرح بسيط. إن هذه المادة تتكون من عدة بروتينات تعمل مع بعضها البعض لمساعدة الدم على التجلط. فيحتاج هذا الوضع لوقت طويل حتى يتجلط الدم وفي بعض الأحيان ليس بالإمكان إيقاف النزف إلا بإعطاء المصاب إبرة العامل المفقود الذي يعمل على وقف النزف. معظم الناس يتعرضون إلى تمزق الأوعية الصغيرة في أنسجة الجسم المختلفة، نتيجة لضغط بسيط، لكن في الحالة الصحية المثالية، يتكون تخثر الدم بسرعة ولا يكون الشخص مدركا له. إلا أن الإنسان المصاب بمرض الهيموفيليا يمكن أن ينزف بشكل أطول نتيجة لمثل هذا الضغط، ولذلك العديد من حالات النزيف تحدث بدون سبب.
هناك أنواع وأشكال متعددة لهذا المرض، والتي تقسم حسب شدة درجه النزف، أهمها نوع (أ) الذي سببه نقص في العامل الثامن لمادة التجلط، فهو أخطر أنواع الهيموفيليا وهو عبارة عن 85% من مجموع الحالات، حيث تكون أعراضه عبارة عن نزيف ذاتي متكرر. يكون أعراضه عبارة عن نزف بعد الكدمات أو الضربات البسيطة التي يتعرض لها المصاب.
المعاناة
يكتشف مريض النزف بعد عملية الطهور أو عند إعطاءه إبرة أثناء العلاج أو عند سحب عينة من الدم منة. عندها يحدث نزف تحت الجلد، ويمكن التعرف علية من خلال بقع زرقاء، ويطول وقت النزف ولا يتوقف كما يحصل عند المولودين الجدد. أما الحالات التي تكتشف بعد ذلك، تكون في معظمها عن طريق ملاحظة انتفاخ في المفاصل بسبب تراكم الدم، والذي يسبب إعاقة حركية بدون العلاج. كل هذه الدلائل تشير في معظم الأوقات على أن هذا الإنسان قد يعاني من هذا المرض، وبالتحاليل المخبرية يستطاع أن يؤكد هذا وأن يحدد نسبة العامل الذي يساعد على التخثر. حينها ولعدم تعود العائلة على هذا المرض يؤثر هذا المرض عليهم، ربما يجعلهم يخافون من أن يمسكوا طفلهم المصاب أو يتعاملوا معه خوفا من إيذائه، وهناك بعض العائلات غير قادرة على تقبل وتفهم مثل هذه الحالات، ولكن بالوعي والتثقيف، والإيمان يمكن حل هذه المشاكل. خلال الخمسون عاما الماضية لقد تم اكتشاف عدة أنواع من العلاج الطبي للسيطرة على الهيموفيليا والعلاج الوقائي للحد من وراثة هذا المرض. وللأسف ولأسباب مادية وتقنية فإنه ليس متواجد على افضل حال في فلسطين، إلى أن الجمعية الفلسطينية لأمراض النزف حسنت أوضاع المرضى خلال السنين الماضية من ناحية توفير الأدوية للحالات المستعصية، ترجمة ونشر بعض المعلومات بالعربية، المشاركة في الندوات الدولية، وعمل حملات تبرع وتوعية. فكيف بإمكان فلسطين أو أي دولة أخري الحد من معاناة مرضاهم والتقدم إلى المستوى الذي يتمتع به المرضى في الدول المتقدمة؟
العلاج
المستقبل
فبفضل هذه الخطة الثلاثية يستطيع المريض في الغرب أن يعيش حياته العادية وأن يصل إلى العمر الذي يعيشه الإنسان العادي، كما يستطيع أيضا أن ينمو طبيعيا، ويكمل دراسته ويعمل ويتزوج كأي شخص آخر. ولكن خلال فترة النمو عليه مراقبة أعماله ونشاطاته وأن يبتعد عن الأعمال التي تسبب له نزفا، كذلك ممارسة بعض أنواع الرياضة مثل السباحة مهمة ومفيدة في تقوية العضلات ونموها. حالة المريض الفلسطيني تحسنت، ولكن عدم وجود السيولة الكافية لتمويل مركز العناية الشامل أو شراء العامل البروتيني على استمرار أو لدفع رواتب الأطباء المختصين أو تكلفة ترجمة و طبع المواد التعليمية إلى اللغة العربية يجعل مرض الهيموفيليا السبب الرئيسي في موت عدد من المصابين أو إعاقتهم أبديا. بمقارنة مع المريض الغربي الذي يمكنه ممارسة حياته العادية والاستنجاد بالعامل البروتيني المتوفر في بيته على استمرار في حالة وقوع أي نزيف، والذهاب إلى مركز العناية المتخصصة كل 6 اشهر فقط لفحوص روتينية من خلال التنسيق مع جمعيات تعتني باحتياجاتهم كالجمعية الفلسطينية لأمراض النزف.
فلقد تأسست الجمعية الفلسطينية لأمراض النزف (الهيموفيليا) رسميا في عام 1996 بهدف مساعدة مرضى النزف من أبناء الشعب الفلسطيني والعربي عن طريق تقديم الخدمات الطبية والاجتماعية والنفسية لهم. تقاد هذه الجمعية من قبل متطوعين، منهم الهيئة الإدارية في الضفة الغربية وأخرى في قطاع غزة، وهنالك هيئة تنسيق عالمية ومتطوعين في أمريكا. وللأسف نقص في المتطوعين ونقص في الخبرات والتخصصات ونقص في التبرعات يعيق تحقيق الخدمات الطبية والاجتماعية والنفسية والتثقيفية باللغة العربية اللازمة للمرضى.
فمنث تأسيس الجمعية وبالإمكانيات المتاحة لها حصلت الجمعية، ومن خلال وزارة الصحة الفلسطينية، على تامين صحي ومجاني لجميع المرضى وعائلاتهم. وقد قامت أيضا بإسعاف عدة حالات كانت بين الحياة والموت، من خلال إحضار تبرعات العامل المخثر بأيدي مندوبي مصانع الأدوية من الولايات المتحدة الأمريكية إلى أيدي الجراحين في فلسطين، وقامت بتمثيل الصوت والضمير العربي في عدد من الندوات الدولية حول الهيموفيليا. فأمراض النزف ناتجة عن نقص إحدى مواد التجلط، وبدون هذه المواد عملية تجلط الدم لا تحدث بصورة طبيعية وينتج عنها نرف داخلي متواصل في المفاصل والعضلات وتحت الجلد مما يؤدي إلى مضاعفات مزمنة في المفاصل وأجزاء أخرى من الجسم إذا لم تعالج من خلال إبرة العامل المخثر البهيض الثمن.
نداء
بينما ينزف المجاهدين للشهادة في سبيل الله ودفاع وجلاء لعروبة القدس وفلسطين، ما زال مرضى نزف الدم -الشهداء الأحياء- ينزفوا ويجاهدوا إحياء وجلاء لبقائهم على هذه الأرض الطاهرة حتى يستشهدوا دفاعا عنها. فهم بانتظار العروبة وزخرتها وقلبها ورزقها لحماة فلسطين، حماة من يحمي مولد عيسى ومسرى محمد عليهم الصلاة والسلام. ويحنى من ربنا، فلنساهم ونستثمر في بني بشر وليس في بني حجر، فلنحقق أمنية الشهادة الحقيقية ونحيي الشهداء الأحياء. فلنثقف ونعالج جيلنا من الأمراض الوراثية حتى نبني أجيال خالية من الأمراض الوراثية. فالوقاية خير من قنطار علاج، واستمرار العلاج هو المصدر الوحيد لوقف معاناة مئاة الالوف المصابين بالهيموفيليا في العالم العربي والاسلامي.
لذلك تهيب الجمعية الفلسطينية لأمراض النزف بالأمة والجاليات العربية والإسلامية للتبرع ماديا وتقنيا والتطوع ومد العون لها. فهي تحاول برفع مستوى العناية للمرضى العرب والمسلمين من خلال تقديم كل الخدمات الطبية والاجتماعية والنفسية والتعليمية باللغة العربية التي يحتاجونها. وأيضا تهيب بالأطباء المختصين، والمؤسسات الحكومية والغير حكومية والشخصيات العربية والإسلامية المعنية، والمرضى وعائلاتهم في شتى أنحاء العالم بالاتصال بهم في اقرب وقت ممكن، حتى يكون باستطاعتهم تكوين فيدرالية للتعرف على بعضهم البعض، وعلى قدراتهم واحتياجاتهم، ومتطلباتهم قبل عقد الدورة السنوية للفدرالية العالمية للهيموفيليا المزمن عقدها في حزيران 2000 في كندا. حيث بإمكان هذه الفيدرالية تقديم تقرير للهيئة العليا والاستنجاد بهم والضغط عليهم للتركيز على المجتمع والعالم العربي والإسلامي. والإشراف على تدريب كوادرهم، وعلى بناء مركز عناية شامل بأحدث التقنيات وسبل العلاج لخدمة المرضى في المنطقة اجمع.