بتـــــاريخ : 9/17/2008 7:26:32 PM
الفــــــــئة
  • التربيــــــــــة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1592 0


    الإسلام والحث على العلم والتربية

    الناقل : heba | العمر :42 | الكاتب الأصلى : د.علي بن عبده الألمعي | المصدر : www.minbr.com

    كلمات مفتاحية  :
    تربيه الاسلام والتربية

    هناك مفهومان متداخلان يجب تحديدهما وهما التعليم والتربية. فالتعليم يستهدف غاية عقلية تتحقق بإكساب طالب العلم مجموعة من المعارف فى شتى المجالات فى الحياة. وهذه الغاية هى التى يمكن أن نطلق عليها " المعرفة من أجل المعرفة " وإذا تحققت فقد أدت المهمة التعليمية دورها الذى ينحصر فى تنوير المدارك وتثقيف العقول.

    وتبقى بعد ذلك مهمة أخرى هى المهمة الحياتية التطبيقية أى توظيف هذه المعارف واستخدام هذه العقول فيما يعود على الإنسان المتعلم بالنفع فيسعد بحياته حين يسخر طاقاتها لخدمته, ويسيطر على كل مجالاتها بعقله واكتشافه.

    وحين يصل الإنسان إلى هذه الغاية فإنه يشعر بنفسه وقد حقق ذاته وانتصر على ما حوله من مظاهر الطبيعة وسخر العلم الذى تعلمه فى تحقيق النفع الذى ينشده, وتلك هى الغاية التى يمكن أن نطلق عليها " المعرفة من أجل المنفعة ".

    ولقد كانت الإحاطة التامة بالمعرفة هى الهدف الأسمى لدى فلاسفة التربية, ومما شجع على تأكيد هذا الهدف نشر الحركة العلمية والنفعية. ويمكن ترتيب أهداف التربية من حيث قيمتها للفرد والمجتمع على النحو التالى:

    أولا: يجب أن تهدف التربية أولا وقبل كل شئ إلى تعليم الأفراد فى المحافظة على الذات والاستزادة من المعارف واستعمال العقل فى استيعابها والاستفادة منها.

    ثانيا: يجب أن تمكن الفرد من كسب القوت.

    ثالثا: يجب أن تعمل على بقاء الجنس والنوع, وذلك عن طريق تعليم الفرد القدرة على رعاية الأسرة والمجتمع.

    رابعا: يجب أن تهيئ الفرد القيام بمهام الحياة الاجتماعية والسياسية

    خامسا: يجب أن تزود الفرد بما يمكنه من التمتع بالتراث الثقافى للجنس البشرى من فن وعلم وأدب.

    وواضح من هذه الأحداث التربوية الخمسة: أن الفرد هو محور التربية, وأن غاية هذه التربية فى مفهوما الأسمى أن تسعد هذا الفرد فى حياته, وأن تهيئ له كل الوسائل لتحقيق هذه السعادة بالتفاهم مع المجتمع واستغلال كل طاقات الحياة لخدمة الإنسان ومتعته ورفاهيته. وحين تتجرد هذه التربية وتصبح فلسفة مثالية فى نظر رجالها, فإن ذلك يعنى على أحسن الفروض أن نتابع السعادة فى الحياة لكل البشر على السواء. والسعادة فى أن يأكل ويشرب ويلبس ويتمتع بكل جوانب الحياة الرغدة المفيدة.

    لقد أصبح من المسلم به فى هذا العصر الذى يموج بتياراته الفكرية المختلفة ومذاهبه الفلسفية المتباينة أن الإس لام دين تربوى . إن صح التعبير . وأنه جاء يخاطب الإنسان ويجرى معه حوارا طويلا يبدأ بتفاهمه على أصول العقيدة, ثم يحدد مسئوليته نحو نفسه ونحو مجتمعه, ثم يربط وجوده فى الحياة ومصيره فى الآخرة بخالقه. ولعل ذلك يتضح إذا تمثلنا الغاية من التربية الإسلامية للفرد المسلم فتصورنا أنها فى إطار من التوجه لتقوى الله تتحقق من خلال أهداف ثلاثة:

    أولا: تنظيم علاقة العبد المخلوق بالله الخالق.

    ثانيا: تنظيم علاقة الفرد الصغير بالمجتمع الكبير.

    ثالثا: تحقيق توازن الإنسان توازنا نفسيا داخليا على ركيزة ثابتة من الإيمان.

    وهذه الأحداث الثلاثة يجمعها القرآن الكريم فى مثل قول الله عز وجل فى آية واحدة.

    1ـ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة..  .

    2ـ ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك .

    3ـ ولا تبغ الفساد فى الأرض إن الله لا يحب المفسدين .

     لقد جاء الإسلام دينا له رسالة بين الناس ركزها القرآن فى جزء من آية واضحة هو قوله تعالى: " كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ". ويقصد بالنور هنا معنى واسع لكل لون من ألوان الاستقامة والخير وتحقيق الجانب المضئ فى نفس الإنسان.

    فانطلاق الإنسان فى الحياة بغير غاية.... ظلام, فى حين أن إنصاف الضعفاء من الأقوياء..... نور. بل إن الارتباط بالدين والالتزام به من وجهة نظر الإسلام هى الحياة نفسها. فإذا كان قد شبه اعتدال أمور الإنسان فى ظل الدين بالنور, فقد شبه الدين نفسه بالحياة, وشبه الحياة من غير دين بالموت, فقال فى القرآن الكريم" يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ". وقال " أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به فى الناس كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها " .

    وإذا سار الإنسان على الطريق القويم للحياة, فإنه يجد الدين يشجعه على المضى بنجاح, ويثبت قدميه على طريق الحق, لا يصيبه وهن أو ضعف, ولا يثنيه عن المضى شئ . أى شئ . لأن له من دينه عاصما ودافعا .

    أما إذا زلت قدمه فسقط فإنه سيجد الدين يأخذ بيده برفق, ويحيى نفسه بالأمل لأن الله سبحانه وتعالى كما وصف نفسه: " إن ربك واسع المغفرة. هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة فى بطون أمهاتكم ".

    وباختصار شديد فإن رسالة الإسلام هى تدريب النفس على تنمية المعنى الإنسانى فى الإنسان. "والدين بناء على ذلك هو الدافع إلى الحياة". وفى إطار تلك النظرة تتحدد علاقة الإسلام بالعلم والتربية على النحو السابق.(http://www.islamset.com/arabic/ahip/alalom/word/BDRAN.dot)

    و الإسلام شريعة الله تعالى للبشر،أنزلها لهم ليحققوا عبادته في الأرض،وإن العمل بهذه الشريعة ليقتضي تطوير الإنسان وتهذيبه،حتى يصلح لحمل هذه الأمانة وتحقيق الخلافة،وهذا التطوير والتهذيب هو التربية الإسلامية.

    فلا تحقيق لشريعة الإسلام إلا بتربية النفس والجيل والمجتمع،على الإيمان بالله ومراقبته والخضوع له وحده،ومن هنا كانت التربية الإسلامية فريضة في أعناق جميع الآباء والمعلمين،وأمانة يحملها الجيل للجيل الذي بعده،ويؤديها المربون للناشئين،وكان الويل لمن يخون هذه الأمانة أوينحرف بها عن هدفها،أويسيء تفسيرها،أويغير محتواها.

    إنها تربية الإنسان على أن يحكّم شريعة الله في جميع أعماله وتصرفاته ثم لايجد حرجاً فيما حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم،والإنسان معرض للشر والخسران لاينقذه منهما إلا الإيمان بالله واليوم الآخر،والعمل الصالح،والتعاون،والتواصي بالحق،والتواصي بالصبر على إحقاق الحق ومحاربة الباطل.

    إن المصائب التي تنزل بالمجتمع الإنساني عامة،والكوارث التي تصيب المجتمعات الإسلامية،وظلم الإنسان للإنسان،واحتكار الدول القوية لخيرات الأمم الضعيفة،كل ذلك نتيجة لسوء تربية الإنسان،والانحراف به عن ابتغاء كماله،وعن فطرته وطبيعته الإنسانية.

    ولما كان الإسلام هو المنهج الرباني المتكامل،المواتي لفطرة الإنسان،والذي أنزله الله لصياغة الشخصية الإنسانية صياغة متزنة متكاملة،وليجعل منها خير نموذج على الأرض،يحقق العدالة في المجتمع الإنساني،ويستخدم ماسخر الله له من قوى الطبيعة،استخداماً نيراً متزناً،لا شطط فيه ولاغرور،ولا أثره ولااستئثار،ولاذل ولاخضوع.

    فقدم الإسلام منهجا تربويا متكاملاً مبنيا على الخضوع لله وحده وإخلاص العبودية له،والأخذ بكل ماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

    موقف الإسلام من العلم

    اصطفى الله سبحانه وتعالى وأعد سيدنا محمدا لحمل رسالة الإسلام التى جعلها الله خاتم الشرائع السماوية, وخاطب بها البشرية فى مختلف العصور وسائر البقاع, وجعل أساسها وركيزتها الأولى العلم والخلق. ولذا فقد اختص الله رسول الإسلام بقوله  وإنك لعلى خلق عظيم , وكانت أول آية من آيات القرآن تحث على العلم والتعلم, يقول جل ش أنه  اقرأ باسم ربك الذى خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذى علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم . ولإشعار الناس بتقدير العلم والتعلم أقسم بأداة الكتابة والتعلم فى قوله جل شأنه  " ن والقلم وما يسطرون " وقوله: " فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " .

    والعلم فى نظر القرآن ليس خاصا  بعلم الشرائع والأحكام من الحلال والحرام وحدها, بل التفقه فى كل ما يدعم الدعوة وكل ما يوسع المدارك ويبصر الإنسان بأمور الحياة, ويفيده توفيقا وقدرة على الاستفادة بكل ما خلق الله لإسعاد البشرية.

    إن إدراك طبيعة الأرض وما يحيى مواتها ويضيف إلى عمارتها ويجعلها تنبت وتثمر وتعمر, علم مطلوب دراسته وتعلمه. وما يصلح الحيوان ويسخره لخدمة الإنسان واكتمال الانتفاع به, علم يدعو القرآن إلى تعرفه. وطرق الكسب المشروعة لتحصيل المال واستثماره على الوجه الذى ينظم موارده ومصادره ويمنع التحكم والاحتكار ويزيل الحقد والغل من النفوس, علم يجب التعرف عليه والتسلح به. والتعرف على الصناعات بأنواعها التى تيسر للإنسان سبل الحياة وتمكنه من الانتفاع بالقوى الكامنة فيما خلق الله, علم مطلوب منا الوقوف عليه. وما نحفظ به الأنفس من التهلكة بمقاومة الأمراض والعلل وطرق علاجها والوقاية منها علم يجب التزود به. وكل ما يمكن إعداده من قوى ندفع بها الأذى والعدوان ونرهب به من تحدثه نفسه بالعبث بالأمن والسلام, علم يجب التعرف عليه.

    وبذلك كله كان العلم هو العنصر الأول من عناصر الحياة فى نظر الإسلام, وبه حارب الإسلام الجهل فى كل وكر من أوكاره وفى حديث لرسول الله e " أن من تعلم وعلم, علمه الله ما لم يعلم ", كذلك يقول الإمام الغزالى أحد كبار أئمة الصوفية 505 هـ  " إن تعلم علوم الصناعات وكل ما ينهض بشئون الحياة يعتبر فرض كفاية حتى تكفى الأمة احتياجاتها من جميع ما تحتاج إليه ".

    وقال الله تعالى " والعصر إن الإنسان لفى خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبرمن هنا وبالعلم وقوة العقيدة والعمل الصالح ظهر أجدادنا العرب المسلمون على مسرح التاريخ, وكان لهم بيان ووجود, وأصبحوا سادة العالم حينذاك, ذلك بالتحضر بالعلم والثقافة. ولقد جعل النبى e (ووجه أصحابه من بعده أن تكون أهدافهم فى هذه الحياة الإيمان والعلم والمعرفة والثقافة, لا يؤثرون على ذلك شيئا. يتبادلون ذلك ويعملون على ذيوعه ونشره لعمارة الأرض التى استخلفوا فيها.

    لقد روت كتب السيرة أنه لما وقع فى أيدى المسلمين بعض الأسرى ممن يقرؤون ويكتبون, جعل الرسول فداء العاجز عن الفدية تعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة.

     

    وروت كتب التاريخ أن هارون الرشيد إذا ما انتصرت جيوشه فى معركة يقصر طلبه عن تعويض خسائر الحرب على تسليمه نفائس الكتب حتى تترجم إلى العربية وينتفع بما فيها من معلومات. وقد سلك ابنه الخليفة المأمون هذا المسلك حتى قال إن الأسلحة العقلية التى يتسلح بها فى سبيل السلام وتدعيمه هى الكتب والمعلومات.

    ولما أسر المسلمون الأولون عددا كبيرا من الصينيين وكانوا ذوى خبرة فى صناعة الورق خيرهم الحاكم بين الاسترقاق وبين تحريرهم بشرط تعليمهم العرب صناعة الورق. حتى تعلم المسلمون هذه الصناعة وأصبحوا فى عهد الخليفة المنصور المختصين بتلك الصناعة.

    وقد قال الرسول e بأن العلم مطلوب من كل مسلم, فقد روى عنه أنه قال: " طلب العلم فريضة على كل مسلم ". وقال: " طلب العلم عبادة, وأنه الفريضة بعد الفريضة المكتوبة ". وروى عنه أنه قال: " فضل العلم خير من فضل العبادة ". ووجه المسلمين إلى طلب العلم طوال حياتهم من المهد إلى اللحد. وأن يهاجروا فى سبيل طلب العلم ويسعوا وراء الحصول عليه مهما بعدت الشقة.

    لقد حث الرسول e المسلمين على العلم, وغرس فى نفوسهم حب العلم واحترام العلماء, وعلمهم أن دم الشهداء يوزن يوم القيام ة بمداد العلماء, وعلمهم كذلك أن العلماء ورثة الأنبياء. فالأنبياء لم يورثوا دينارا  ولا درهما ولكنهم ورثوا العلم.

    وقد جعل النبى e (موضع الغبطة أن يضاف إلى العلم نشره بالتعل يم, وتوعد من يقصر فى نشر الثقافة والمعرفة إذ يقول: " ما بال أق وام لا يفق  هون جيرانهم ولا يعل  مونهم ولا يعظونهم ولا يأمرونهم ولا ينهونهم, وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتعظن. والله ليعلمن قوم جيرانهم ويفقهونهم ويأمرونهم ويفهمونهم, أو لي عجلن لهم الله العقوبة ".

     

    ومن هذا يبين بوضوح مدى حرص الإسلام على العلم والتعلم, ومدى حرص سلفنا الصالح على التزود بالعلم والمعرفة ونشر العلم والثقافة.

    وإذا كان الإسلام عقيدة خالصة تستقر فى القلوب فإنه مع ذلك أو قبل ذلك فيه مبادئ هادية لا تناقض العقول, إذ القلوب هى وعاء الإيمان, والعقول هى الوسيلة إلى الفهم والاقتناع, فإذا توفر الفهم واكتمل الاقتناع, أخذت المبادئ طريقها إلى القلب لتصبح عقيدة مستقرة.

    ومن هنا كان خطاب الدين موجها إلى العقول أولا. يناقشها ويجادلها وينعى على أصحابها التقليد الأعمى والانقياد الموروث, أنظر قول الله سبحانه: وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ومثل الذين كف روا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمى فهم لا يعقلون .

    فالآية هنا توضح ضرورة التحرر العقلى, والانفلات من أسر العقائد الموروثة دون تفكير, وترسم صورة منفردة لأولئك الذين يلغون عقولهم, ويكبلون تفكيرهم فيجعلهم كالدواب "الصم البكم العمى".

    ولما كان العلم نورا يضئ للعقل طريقه, حث الإسلام عليه وأمرنا بالتزود به وجعله زاد العقول. فرغب الرسول e فى الحرص على طلبه لعلو مكانته, فيقول فيما روى عنه "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رهنا بما يطلب, ولمداد جرت به أقلام العلماء خير من دماء بذلت فى سبيل الله".

    لقد مثل الإسلام العلم بنور يمشى به صاحبه فى الحياة قاطعا سبيله فيها على بينة وهدى, ومثل الجهل بالظلمة التى تجعل صاحبها متخبطا فى سيره مضطربا فى سلوكه غير مهتد إلى طريقه وقد تدركه هلكتة قبل الوصول إلى غايته, كذلك يقول الله سبحانه:  " قل هل يستوالذين يعلمون والذين لا يعلمون " .

     

    وعلم الرسول e من ذلك أن دعوته تقوم على العلم والتبصير, وأنها تحث على التثقيف والتعقل فى كل أمر, وأنها تعتمد فى جملتها على مخاطبة العقل, وأنه لا حظ لجاهل فى الإسلام لأن الله جعل العلم حياة والجهل مواتا إذ يقول سبحانه: " أو من كان ميتا  فأحييناه وجعلنا له نورا  يمشى به بين الناس كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها " .

    ولعل الحكمة فى تنبيه العقول وإيقاظها للتعرف على الخالق واضحة فى أول آية نزلت من القرآن كله "اقرأ باسم ربك الذى خلق ", فهى دعوة إلى القراءة وتنبيه إلى أن الله سبحانه هو الخالق الذى علم بالقلم. ولم تكن القراءة المقصودة فى الآية قراءة حروف وكلمات وإنما كانت تفكرا فى كتاب الكون المنظور الواسع للاستدلال على قدرة الله حتى ندين له بالولاء والطاعة.

    وحسب الإسلام دعوة إلى العلم أن يكون القرآن نفسه هو المعجزة العقلية الكبرى التى تحدت بلغاء العرب قديما بسحر بيانها. ومازالت تتحدى العلم حديثا بدقة شمولها.. "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " .

    فالإعجاز البيانى فى القرآن واضح فى فصاحة كلماته وبراعة نظمه وجزالة أسلوبه وبلاغته فى الدلالة على معانيه. وتحديه للعلم الحديث واضح فى اشتماله على أسمى التشريعات الروحية والأدبية والاجتماعية والسياسية والمالية التى كان ولازال بها أكبر الأثر فى إصلاح المجتمع الإنسانى واستقراره لبلوغها مرتبة الكمال التشريعى, ويتضح أيضا فى اشتماله على كثير من كوامن العلوم والمعارف التى كانت تجهلها الأمم ثم كشف عنها العلم فيما بعد ولازال يكشف عنها إلى اليوم, وسوف يظل يكشف عنها على مدى الدهر وإلى الأبد مازال الاجتهاد فى ما لا يمس النص سبيلا مقبولا .

    التعليم فى الإسلام

    يمثل التعليم فى الإسلام أعظم تجربة رائدة عرفتها البشرية فى سبيل بناء حياة فاضلة, وأقوم طريق أمام أبناء العالم الإسلامى اليوم لمواكبة ركب التقدم العلمى واسترداد سالف رسالتهم فى خدمة الحضارة الإنسانية. ذلك أن هذا التعليم استطاع أن يقضى على القطيعة الموهومة بين الدين والعلم. تلك القطيعة التى سلبت الإنسانية قديما. كما تسلبها اليوم . أسباب الطمأنينة والسعادة.

    جاءت تعاليم الإسلام تنادى أن مصدر الحقيقة الدينية والعلمية إنما هو الله الواحد الحق, ومن ثم فالحق واحد لا يتعدد, وإنما تتعدد الأهواء والنوازع التى لا تسترشد بهدى الدين أو بنور العلم. قال تعالى:  " فذلكم الله ربكم الحق, فماذا بعد الحق إلا الضلال . ودعم القرآن الكريم تلك السمة الجليلة التى اتسم بها التعليم فى الإسلام حين أكد الله سبحانه وتعالى بعث محمد (معلما وهاديا للحق, فقال تعالى " كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويعلمكم الكتاب والحكمة, ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ".

    وإذا كان الإسلام قد أنهى عملية القطيعة بين الدين والعلم, فإن الإيمان فى ظل الشعور الإسلامى إنما يربو ويرسخ بنشر التعليم بين البشر وإزاحة كابوس الجهل وظلماته عن آفاق بلاد مكبلة فى أغلاله. ويتضح الفرق بين التعليم فى الإسلام وغيره فى ظل الأديان الأخرى حين نرى ما بذله رجال الدين فى العصور القديمة والوسطى لاستبقاء الجماهير فى أغلال الجهل حين أحسوا أن سلطانهم إنما يزول بقدر ما تستنير الشعوب, وأن ظلهم إنما يتقلص بطلوع شمس العلم والمعرفة.

    وأما الإسلام فيرى أن الاستزادة من العلم إنما تؤدى إلى تقوى الله وخشيته, وهى جوهر الإيمان وروحه, ذلك يتأكد من قول المولى:"  إنما يخشى الله من عباده العلماء ". وأن الراسخين فى العلم إنما هم من الشهود على وحدانية الله سبحانه وتعالى وتفرده بالألوهية الحقة.

     

    وبدأت مع هذا المفهوم السامى للتعليم فى الإسلام صفحة جديدة مشرقة فى تاريخ البشرية, استرد فيها الإنسان كرامته وشخصيته, وأدرك بها حقيقة رسالته ومهمته فى الوجود. فهو خليفة الله على الأرض, كما جاء فى قوله تعالى:" وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة ". ثم تأكدت خلافة الإنسان فى الأرض فى تعليم آدم, فقال تعالى:  "وعلم آدم الأسماء كلها, ثم عرضهم على الملائكة, فقال أنبئونى بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ", قالوا سبحانك لاعلم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السموات والأرض, وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " .

    وأوضحت تلك الآية الكريمة الإطار الشامل الذى اتجه إليه التعليم فى الإسلام. فالله سبحانه وتعالى خلق الكون أولا, ثم الإنسان ليكون خليفة الله على هذا الكون, ثم علم الإنسان الأسماء وعرفه على هذا الكون, ظاهره وباطنه. فخلافة الإنسان على هذا الكون هى مظهر كمال الكون, وأن الإنسان مأمور من الله سبحانه وتعالى بهذه الخلافة لعمارة الأرض ذلك بقدرته على أن يتعلم كل ما يدفع حياة التطور إلى الأمام. فالتعليم هو السبيل الموصل نظريا وعمليا إلى الكشف الدقيق عن أطوار الإنسان وأوضاعه فى الكون. قال تعالى: " قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ". فجعلت هذه الآية الكريمة من دراسة الكون طريقا إلى الإيمان, وجعلت الإيمان فى الوقت نفسه طريقا  لفهم الكون وأسراره, بل جعلت أحدهما دليلا على الأخرى ومكملا , وشرطا لصحته.

    وتتابعت الآيات الكريمة التى رسمت للتعليم فى الإسلام أمثل السبل لينهض الإنسان بخلافته على الأرض, واستثمار ما سخره له الله فيها. قال تعالى: " هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعا , ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات, وهو بكل شئ عليم" . وقال تعالى:"الله الذى خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا  لكم, وسخر لكم الفلك لتجرى فى البحر بأمره وسخر لكم الأنهار, وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار, وآتاكم من كل ما سألتموه, وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " .

    واتجه التعليم فى الإسلام فى ضوء تلك الآيات الكريمة إلى إعادة بناء قوى الإنسان وصياغتها بما يحقق له "مجتمع خلافة الله فى الأرض " فأشار الإسلام إلى أن فى طبيعة الإنسان كل الاستعدادات اللازمة لحياة خلق من أجلها وتستمر مع حياة الإنسان وعلى امتداد مراحل نموه. ففى طبيعة الإنسان استعداد روحى من عطاء الله ومادى من مصدر خلقه, وذلك جاء فى قوله تعالى:" وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين. ثم سواه ونفخ فيه من روحه . ومن ثم جاء التعليم فى الإسلام روحيا وماديا . جاء تعليما متكاملا يدعو إلى مراعاة متطلبات الروح, ويحث أيضا على الاهتمام بالتكوين البيولوجى للإنسان وصلته بالكون الذى يعيش فيه. فهو تعليم يوفر للإنسان السعادة فى الحياة الدنيا, ويكفل له الزاد للحياة الآخرة, الحياة الباقية.

    وكفل التعليم فى الإسلام بذلك سبيلا أتاح للإنسان أن يعيش فى واقع مجتمع حى, ينتصر فيه البرهان الحسى على كل الخرافات والأوهام التى فرضتها عليه جهالات العصور القديمة والأديان الوثنية. فاليقينية العلمية صارت المحور الذى دار عليه ذلك التعليم الإسلامى فى شتى مراحله, إذ هى السبيل الذى تحررت به البشرية من سجون الوثنية ومن أغلال رجال الديانات السابقة على الإسلام. فانتهى بشروق شمس الإسلام عقم التعليم التجريدى القديم فى مجالات الكشف عن الحقائق والقوانين. وبدأ المفهوم الجديد للتعليم فى الإسلام يهدى الناس إلى مصدر كل علم, والقادر على ذلك هو الله سبحانه وتعالى, مع الإيمان والتصديق فى قدرته على ذلك إذ يقول سبحانه وتعالى "ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء . وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو " .(http://www.islamset.com/arabic/ahip/alalom/word/BDRAN.dot)

     

    شرف العلم وفضله

     

    يقول الشيخ عبدالله الفوزان لقد حث الإسلام على العلم النافع ورغب في تحصيله، وأثنى على العلماء. ووعدهم الأجر والمثوبة.

    قال تعالى: ((شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)). [آل عمران: 18].

    (ففي الآية دليل على شرف العلم وفضله، وعلى شرف أهله وفضلهم على من سواهم، إذ لو كان أحد يعدلهم من غيرهم لقرن الله شهادته بشهادته كما قرن الله شهادة أهل العلم بشهادته – سبحانه وتعالى -. وفي هذا حض للمسلمين على تعلم العلم النافع، الموصل إلى الله، والهادي إليه)([1]).

    وقال تعالى: ))قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)). [الزمر: 9]. والمراد العلماء العاملون كما قرره المفسرون كالألوسي وغيره. قال: (( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ )). فيعملون بمقتضى علمهم . . (( وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ )). فيعملون بمقتضى جهلهم وضلالهم. وذكر – رحمه الله – أن العلم الذي لا يترتب عليه العمل ليس بعلم عند الله تعالى([2]).

    وعلى أي حال فالآية فيها تنبيه على شرف العلم وفضل العمل به.

    وقال تعالى: (( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ )). [المجادلة: 11]. وهذا فضل عظيم وشرف كبير. فإن الرفعة تشتمل الرفعة المعنوية في الدنيا بعلو المنزلة وحسن الصيت، وانتشار علم العالم واستفادة الناس منه.

    والرفعة في الآخرة وهي رفعة حسية بعلو المنزلة في الجنة وهو دليل على كثرة الثواب([3]).

    وقد جاء في صحيح مسلم أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر – رضي الله عنه – بعسفان([4]) وكان عمر يستعمله على مكة. فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى. قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا. قال: فاستخلفت عليهم مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله – عز وجل – وإنه عالم بالفرائض. قال عمر: أما إن نبيكم – صلى الله عليه وسلم - قد قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين"([5]).

    وقال تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : ((وقل رب زدني علماً ((. [طه: 114].

    وهذه الآية برهان واضح على فضل العلم، لأن الله – تعالى – لم يأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم. والمراد العلم الشرعي الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف([6]).

    وأما السنة فهي حافلة بالنصوص الدالة على فضل العلم، والحث على طلبه. فقد قال النبي  - صلى الله عليه وسلم - : " طلب العلم فريضة على كل مسلم"([7]).

    كما بين – صلى الله عليه وسلم - مكانة طالب العلم فقال: " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع. وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء. إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر"([8]). فهذا حديث عظيم، جليل القدر بين فضل العلم وشرف حامله من وجوه عديدة منها:

    الأول: أن الله – تعالى – أثاب طالب العلم على سلوكه في الدنيا طريق العلم الموصل إلى الله – تعالى – وإلى رضوانه. أثابه الله عليه أن يسر له طريق الجنة مقصده وغايته.

    الثاني: تعظيم الملائكة لطالب العلم وحبها إياه وحياطته وحفظه. ولو لم يكن لطالب العلم إلا هذا الحظ الجزيل لكفى به شرفاً وفضلاً.

    الثالث: أن طالب العلم شبيه بالملائكة، فإن الملائكة من أنصح خلق الله لعباد الله، كما قاله بعض التابعين ولا ريب أن طالب العلم قد سعى في أعظم ما ينصح به عباد الله.

    الرابع: أن جميع المخلوقات تستغفر له حتى الحيتان في الماء، لأنه لما سعى فيما به نجاة النفوس، جوزي من جنس عمله، وجعل من في السموات والأرض ساعياً في نجاته من الهلاك باستغفارهم له.

    الخامس: أن العالم شبيه بالقمر الذي يضيء الآفاق يمتد نوره في أقطار العالم، أما العابد فشبيه بالكوكب الذي نوره لا يجاوز نفسه. وإن جاوزها فهو غير بعيد.

    السادس: أن العلماء ورثة الأنبياء خير خلق الله. فهم أحق بميراثهم. وإذا كان الميراث ينتقل للأقرب فهذا تنبيه بأن العلماء أقرب الناس إلى الأنبياء، وهذه منقبة عظيمة.

    السابع: أن العلم أعظم الحظوظ وأجداها، لأن نفعه يدوم في الدارين([9]).

    والأدلة على فضل العلم وعظيم نفعه وشرف صاحبه كثيرة، ويكفي في فضله وشرفه أن العلماء ورثة الأنبياء وأن الله – تعالى – قرن شهادتهم بشهادته على أجل مشهود وهو توحيده – سبحانه وتعالى -.

    فعلى طالب العلم إخلاص النية – لله تعالى – فينوي بطلب العلم رضا الله – تعالى – والدار الآخرة، ورفع الجهل عن نفسه وعن غيره، وإحياء الدين، وإبقاء الإسلام، والله – تعالى – لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغى به وجهه.

    قال ابن جماعة – رحمه الله -: ( حسن النية في طلب العلم بأن يقصد به وجه الله – تعالى – والعمل به، وإحياء الشريعة، وتنوير قلبه وتحلية باطنه، والقرب من الله – تعالى – يوم القيامة، والتعرض لما أعد لأهله من رضوانه وعظيم فضله، قال سفيان الثوري: (ما عالجت شيئاً أشد علي من نيتي )([10]).

    وعليه أن يبادر العمر وزمن الشباب، ويفرغ نفسه لطلبه قدر استطاعته، ويسعى جهده لتحصيله، وليحذر الملل فهو  مرض يصاب به عدد من المتعلمين ولا سيما في دروس المساجد.

    وعليه أن يحفظ وقته ويقلل من العشرة فإن لها آفة عظيمة، وهي ضياع العمر بغير فائدة.

    وعليه ألا يخالط إلا من يفيده أو يستفيد منه .

           وعليه أن يتواضع في طلبه، ويستفيد من أي شخص كان، وينتهز كل فرصة للاستزادة من العلم، حاملاً قلمه                  ودفتره، مسجلاً ما يلقى إليه لئلا يضيع وينساه.

    وليعلم أن المعاصي والهموم وكثرة الاشتغال مما يعوق حفظ العلم.

    وآداب العالم والمتعلم المشتركة والخاصة بأحدهما كثيرة جداً، لو اشتغلنا بذكرها لفات علينا المقصود وهو ما رسم على طرة الكتاب، فليرجع إليها في مظانها للعمل بها. فاقرأ كتاب (تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم ) لابن جماعة وكتاب ( حلية طالب العلم ) للشيخ بكر أبو زيد. وغيرهما مما يعني بهذا الموضوع.


    العمل بالعلم

     

    من المؤكد أن المنزلة السامية، والثواب العظيم لطالب العلم، لا يكون إلا لمن عمل بعلمه. ومن هنا وجب إتباع العلم بالعمل. وظهور آثار العلم على مقتنيه، فالعلم إنما يطلب ليعمل به، كالمال يطلب لإنفاقه في طرق الخير، وإذا لم يتحول العلم إلى واقع ملموس يراه الناس فهو وبال على صاحبه، والجاهل خير منه.

    يقول ابن جماعة – رحمه الله -: ( واعلم أن جميع ما ذكر من فضيلة العلم والعلماء إنما هو في حق العلماء العاملين الأبرار المتقين الذي قصدوا به وجه الله الكريم والزلفى لديه في جنات النعيم. لا من طلبه لسوء نية أو خبث طوية أو لأغراض دنيوية من جاه أو مال أو مكاثرة في الأتباع والطلاب . . . )([11]).

    ولما كان هذا الموضوع بمكان من الأهمية فسأذكر – إن شاء الله – النصوص الشرعية التي تؤكد على طالب العلم أن يكون عاملاً بعلمه، قائماً بحقوق الله وحقوق خلقه قدر استطاعته، وكذا النصوص التي تضمنت الوعيد الشديد للعالم الذي لم يستنر بعلمه. وأبدأ أول بالنصوص القرآنية ثم من السنة النبوية. ثم أذكر شيئاً من منثور الكلام ومنظومه.

    من القرآن:

    الآية الأولى: قال تعالى: (( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)) [البقرة: 44].

    ونحن نعلم أن الله – تعالى – ذكر في القرآن جملة من صفات اليهود وطبائعهم وأخلاقهم، لتحذير هذه الأمة من سلوك طريقهم، أو التشبه بشيء من أخلاقهم.

    وهنا يذم القرآن اليهود على كونهم يأمرون بالخير ولا يفعلونه ويدعون إلى البر ويهملونه.

    قال ابن كثير – رحمه الله -: ( والفرض أن الله – تعالى – ذمهم على هذا الصنيع، ونبههم على خطئهم في حق أنفسهم، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه.

    وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له، فإن الأمر بالمعروف معروف وهو واجب على العالم. ولكن الواجب والأولى بالعالم أن يفعله مع من يأمرهم به ولا يتخلف عنهم . . )([12]).

    الآية الثانية: قال – تعالى -: عن شعيب عليه الصلاة والسلام: ((وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ))[هود: 88].

    وهذا الموقف من شعيب عليه السلام هو موقف الداعية المصلح الذي يبدأ بتطبيق ما يدعو إليه على نفسه. ويأخذها بالحزم، ويروضها على ما يريده الإسلام، وهذا هو الداعية الناجح الذي يقدم للناس أحكام الإسلام، وأخلاقه صوراً حية يرونها بأم أعينهم، لا أقوالاً رنانة وكلمات طنانة، ثم يرون الانفصام بين القول والسلوك. وهذا مذموم في نظر العقلاء. قال الشاعر:

    وغير تقي يأمر الناس بالتقى               طبيب يداوي الناس وهو عليل

    يقول سيد قطب – رحمه الله – ( أن الكلمة لتنبعث ميتة وتصل هامدة مهما تكن طنانة رنانة متحمسة إذا هي لم تنبعث من قلب يؤمن بها، ولن يؤمن إنسان بما يقول حقاً إلا أن يستحيل هو ترجمة حية لما يقول، وتجسيماً واقعياً لما ينطق، عندئذ يؤمن الناس ويثق الناس، ولو لم يكن في تلك الكلمة طنين ولا بريق، إنها حينئذ تستمد قوتها من واقعها لا من رنينها، وتستمد جمالها من صدقها لا من بريقها، إنها تستحيل يؤمئذ دفعة حياة، لأنها منبثقة من حياة)([13]).

    الآية الثالثة: قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ{2} كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)). [الصف: 3،2].

    وقد اتفقت كلمة المفسرين على أن سبب النـزول أن رجالاً رغبوا في الإذن لهم في الجهاد وأحبوا معرفة أفضل الأعمال عند الله تعالى. فقد أخرج الإمام الطبري في تفسيره عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: " كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد، يقولون لوددنا أن الله – عز وجل – دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل بها، فأخبر الله – تعالى – نبيه – صلى الله عليه وسلم  - أن أحب الأعمال : إيمان به لا شك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به".

    فلما نزل الجهاد، كره ذلك ناس من المؤمنين، وشق عليهم أمره، فأنزل الله – سبحانه وتعالى -: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ)) ([14]).

    ومع أن الجمهور يرون أنها نزلت في موضوع الجهاد وتمنيه. ولكن المعنى أشمل وأعم. فإن النصوص القرآنية أبعد مدى من الحوادث المفردة التي نزلت الآيات لمواجهتها، وأشمل الحالات غير الحالة التي نزلت بسببها، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب – كما قرره الأصوليون – فيستدل بالآية من عموم لفظها على الإنكار على كل من خالف قوله فعله، سواء في الوعد أو العهد أو الأمر أو النهي.

    ومن هنا فالآية درس للأمة الإسلامية، وتوجيهات ربانية، مبدوءة بلفظ محبب إلى النفوس، وثمنه التنفيذ والامتثال، بأن يكون كل فرد منا عند قوله، فلا يقول إلا حيثما يتبع القول بالعمل، وإلا فقد عرض نفسه لمقت الله – تعالى – الذي هو أشد البغض.

    قال الراغب: ( المقت: البغض الشديد لمن تراه تعاطى القبيح)([15]).

    يقول صاحب الظلال – رحمه الله -: ( إن الإيمان الصحيح متى استقر في القلب ظهرت آثاره في السلوك، والإسلام عقيدة متحركة لا تطيق السلبية، فهي بمجرد تحققها في عالم الشعور، تتحرك لتحقق مدلولها في الخارج، ولتترجم نفسها إلى حركة، وإلى حركة في عالم الواقع.

    ومنهج الإسلام الواضح يقوم على أساس تحويل الشعور الباطن بالعقيدة وآدابها إلى حركة سلوكية، لتبقى حية متصلة بالينبوع الأصيل . . )([16]).

    إن العمل بالعلم من أهم صفات الداعية بعد الإخلاص وحسن القصد، فإن الداعية لا بد أن يكون على علم بما يدعو إليه من كتاب الله – تعالى – وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم  -. فإذا تحول هذا العلم إلى سلوك واقعي، يراه الناس، وثقوا به وبدعوته، بل أغناه هذا السلوك عن كثير وكثير من الكلام.

    ولا يبعد أن يكون سبب إخفاق كثير من الدعاة فشلهم في تحويل علمهم إلى حركة في عالم الواقع يراها من يسمع كلامهم.

    وأزيد هذا المعنى بياناً عند الكلام على آثار العمل بالعلم إن شاء الله.

    الآية الرابعة: قوله تعالى: ((يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً{30} وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً )).[الأحزاب: 30-31].

    قال القرطبي – رحمه الله -: ( جعل الله ثواب طاعتهن وعقاب معصيتهن أكثر مما لغيرهن فقال: ((يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ)) فأخبر تعالى أن من جاء من نساء النبي – صلى الله عليه وسلم  - بفاحشة – والله عاصم رسوله – عليه الصلاة والسلام – من ذلك يضاعف لها العذاب ضعفين؛ لشرف منـزلتهن، وفضل درجتهن، وتقدمهن على سائر النساء أجمع، وكذلك بينت الشريعة في غير ما موضع، أنه كلما تضاعفت الحرمات فهتكت، تضاعفت العقوبات، ولذا ضوعف حد الحر على العبد، والثيب على البكر . . )([17]).

    وقال النسفي – رحمه الله -: [ يضاعف لها العذاب ضعفين) ضعفي عذاب غيرهن من النساء؛ لأن ما قبح من سائر النساء كان أقبح منهن، فزيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل، وليس لأحد من النساء مثل فضل نساء النبي -  - ولذا كان الذم للعاصي العالم أشد من العاصي الجاهل؛ لأن المعصية من العالم أقبح ]([18]).


     

    العمل بالعلم في السنة النبوية

     

    لقد جاءت الأحاديث الكثيرة عن رسول الهدى والرحمة محمد بن عبد الله – صلوات الله وسلامه عليه – مؤكدة إتباع العلم بالعمل. وأن على المسلم أن يدعو الناس بسلوكه قبل أن يدعوهم بكلامه، وأن يحرص على الخير لنفسه كما يهديه لغيره. ولنا في رسولنا أسوة حسنة. وهذه بعض الأحاديث:

    الحديث الأول: عن سعد بن هشام قال: سألت عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها – فقلت: أخبريني عن خلق رسول الله - r -: فقالت " أما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى: قالت: كان خلقه القرآن"([19]).

    إنها إجابة موجزة جامعة من أم المؤمنين – رضي الله عنها – مفادها أن القرآن بأحكامه وأخلاقه قد تحول إلى سلوك واقعي في حياة الرسول - r - فقد صار القرآن سجية له، وخلقاً تطبعه، فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه.

    هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم، فإذا أردت أن تعرف أخلاقه - r - فاقرأ القرآن. واعلم أن الدين الجامع لأوامر الله – تعالى – ونواهيه هو خلق الرسول - r -([20]). ومن هنا جاءت أهمية دراسة هدى الرسول - r -  وسيرته، إذ أنها تطبيق عملي لما جاء عن الله – تعالى – سواء ما كان منها متعلقاً بالعقيدة أو الأحكام أو الأخلاق؛ لأن هذه مبادئ الإسلام وأحكامه التي لا ينفصل بعضها عن بعض([21]).

    الحديث الثاني: عن أسامة بن زيد – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله - r - يقول: "يجاء برجل فيطرح في النار فيطحن فيها كما يطحن الحمار برحاه. فيطيف به أهل النار فيقولون: أي فلان. ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: إني كنت آمر بالمعروف ولا أفعله. وأنهى عن المنكر وأفعله"([22]).

    إنه وعيد عظيم، يثير الفزع في النفوس، بتصور هذا المنظر المخيف. منظر رجل يلقى في النار فتنصب مصارينه من جوفه، ويدور فيها، فيجتمع أهل النار حوله يتعجبون من هيأته ويسألونه عن شأنه وحاله.

    إنه ليس وعيداً على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذا مطلوب من كل أحد، ولكنه وعيد على ارتكابه المنكر عالماً به، ينصح الناس عنه ثم يخالفهم إليه ويفعله.

    قال في دليل الفالحين: (فشدد عليه الأمر لعصيانه مع العلم المقتضي للخشية، والمباعدة عن المخالفة)([23]) قال الحسن: لقد أدركت أقواماً كانوا آمر الناس بالمعروف وآخذهم به، وأنهى الناس عن المنكر وأتركهم له، ولقد بقينا في أقوام آمر الناس بالمعروف وأبعدهم عنه، وأنهى الناس عن المنكر وأوقعهم فيه. فكيف الحياة مع هؤلاء؟)([24]).

    الحديث الثالث: عن أبي برزة الأسلمي – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - r -: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؛ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟"([25]).

    الحديث الرابع: عن زيد بن أرقم – رضي الله عنه – قال: كان من دعاء النبي - r -: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها"([26]).

    وأخرجه ابن ماجة عن جابر بلفظ: "سلوا الله علماً نافعاً، وتعوذوا بالله من علم لا ينفع"([27]).

    وقد ذكر العلماء أن العلم الذي لا ينفع، هو الذي لا يعمل به، فلا يهذب الأخلاق، ولا ينفع صاحبه في حيازة الفضل والثواب([28]).

    قال ابن القيم – رحمه الله -: (العلماء ثلاثة: عالم استنار بنوره واستنار به الناس فهذا من خلفاء الرسل. وورثة الأنبياء، وعالم استنار بنوره ولم يستنر به غيره فهذا إن لم يفرط كان نفعه قاصراً على نفسه، فبينه وبين الأول ما بينهما، وعالم لم يستنر بنوره ولا استنار به غيره، فهذا علمه وبال عليه وبسطته للناس فتنة لهم وبسطة الأول رحمة لهم"([29]).

    إن العلم الذي لا ينفع صاحبه، ليس من عمل الآخرة وهو حجة عليه يوم القدوم على الله، وربما كان ذريعة من ذرائع الشقاء نعوذ بالله من ذلك.

    الحديث الخامس: عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله - r -: "مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه"([30]).

    الحديث السادس: عن أبي برزة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - r -: "مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه مثل الفتيلة تضيء على الناس وتحرق نفسها"([31]).

    وما أروع هذا التشبيه وما أبلغه، ممن أوتي جوامع الكلم عليه من الله أفضل الصلاة والسلام. فقد شبه الداعية ومعلم الناس الخير الذي لم يستفد من علمه ولم يستنر بنوره بالسراج تارة وبالفتيلة تارة أخرى.

    فالسراج يضيء للناس فيستفيدون من نوره ولكنه يحرق نفسه ويصطلي بحرارة فتيلته، فأفاد غيره ولم يستفد بنفسه وهكذا من يعلم الناس وينسى نفسه. فهو يضيء لغيره طريق الخير ويدله عليه وهو لا يجني إلا التعب والعناء في الدنيا، والاصطلاء بالنار يوم القيامة، كما دلت على ذلك النصوص، ولو كان عاملاً بعلمه لكان مثاباً على جهده.

    الحديث السابع: عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن النبي - r - قال: "مررت ليلة أسري بأقوام تقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت: من هؤلاء يا جبريل ؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون"([32]).

    إن للخطابة شأناً كبيراً . . حيث إن الخطيب يقف أمام جماهير من الناس، يعلمهم ويرشدهم، وهم مستمعون منصتون، جاءوا إليه طائعين راغبين، ينظرون إليه بأعينهم، ويستمعون بآذانهم، ولا بد أن يكون على مستوى القدوة والمسؤولية.

    وكلما كان الخطيب مرموقاً ينظر إليه، تضاعفت المسؤولية في حقه؛ لأنه متبع.

    إن الخطابة مجال مناسب جداً للدعوة إلى الله، ولا سيما خطب الجمعة، فعلى الخطيب أن يخاطب الناس بفعله قبل أن يخاطبهم بقوله، وأن يأخذ نفسه بالحزم ويطبق ما سيقوله على نفسه قبل أن يعلنه أمام الحاضرين.

    وهذا له أثر كبير في نجاح الخطيب وارتفاع منـزلته أولاً، وثقة الناس به، والاستفادة منه ثانياً.

    ولما كان الخطيب بهذه المنـزلة، وله هذا التأثير في مجتمعه، ورد في حقه هذا الوعيد الخاص – عدا الوعيد العام – إذا صار يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويركز في خطبته على أمراض المجتمع. ثم هو يخالف ما يقول ويخفق في الملاءمة بين قوله وفعله وناسب أن يكون عقابه على ذلك من جنس وظيفته. نسأل الله السلامة.

    فهذه النصوص وغيرها أدلة واضحة على عظم المسؤولية الملقاة على عاتق طالب العلم، وهي مسؤولية العمل به، وظهور آثاره وثمراته على صاحبه، وعدم العمل بالعلم حجة على العالم وفساد للعالم؛ لأن فساد العالم بفساد علمائه. كما قال عبد الله بن المبارك وغيره من السلف: (صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس، قيل من هم؟ قال: الملوك والعلماء)([33]).

    ولهذا الوعيد الشديد في حديث أنس هذا، وحديث أسامة وغيرهما عدّ ابن حجر الهيثمي عدم العمل بالعلم من كبائر الذنوب، لصدق ضابط الكبيرة على ذلك والمعصية من العالم وإن كانت صغيرة أمرها عظيم بسبب ما أعطيه من العلم المقتضي لانزجاره عن المكروهات وفضلاً عن المحرمات([34]).

    ولما عدّ ابن القيم الكبائر قال: (ومنها أن يقول ما لا يفعل. قال الله – تعالى -: }كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون {([35]).

     

    العمل بالقرآن

    إن النصوص المتقدمة التي تفيد العمل بالعلم وذم من لا يعمل بعلمه عامة تشمل العمل بالقرآن وكل ما جاء في هذه الشريعة الإسلامية، إلا أننا نجد نصوصاً أخرى تركز على وجوب العمل بالقرآن والتقيد بأوامره ونواهيه. ولا سيما من رزقه الله – تعالى – حفظ كتابه وتجويد تلاوته. ونحن نشير إلى طرف منها.

    قال – تعالى -: }الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته { [البقرة: 121].

    يقول ابن مسعود – رضي الله عنه -: "والذي نفسي بيده إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه ويقرأه كما أنزله الله. ولا يحرف الكلم عن مواضعه. ولا يتأول منه شيئاً على غير تأويله".

    وعن مجاهد قال: (يتلونه حق تلاوته): يتبعون حق اتباعه([36]).

    وهكذا قال ابن عباس والحسن البصري وعطاء وغيرهم. وهذا على القول بأن الآية يراد بها أصحاب النبي  - r -. آمنوا بكتاب الله وصدقوا به كما رواه ابن جرير عن قتادة([37]).

    وحتى على القول الثاني وهو أن المراد بها علماء بني إسرائيل بدلالة ما قبلها وما بعدها تكون الآية دليلاً لما نحن بصدده. لأنه إذا ثبت ذلك في حق أهل الكتاب بالنسبة إلى كتابهم. فهو مطلوب من المسلمين بالنسبة إلى القرآن من باب أولى. لأن القرآن له من الخصائص والمطالب ما ليس لغيره لأن الله – تعالى – جعله مصدقاً لما قبله ومهيمناً عليه.

    إن الغاية الكبرى من إنزال القرآن، تصديق أخباره والعمل به بامتثال ما يأمر به واجتناب ما ينهى عنه، ليس الغرض من إنزاله التلاوة اللفظية وهي القراءة الصحيحة التي يكون القارئ فيها متحلياً بأجمل الصفات وأشرف الخصال، تعظيماً لله – تعالى – وتأدباً مع كلامه فإن هذا وإن كان مطلوباً لكن هناك تلاوة حكمية عليها مدار السعادة أو الشقاء إنها اتباع القرآن. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أن لفظ التلاوة إذا أطلق في مثل قوله تعالى: }الذين أتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته{. تناول العمل بالقرآن كما تقدم عن ابن مسعود وغيره([38]).

    يقول سيد قطب – رحمه الله -: (وتلاوة كتاب الله تعني شيئاً آخر غير المرور بكلماته بصوت أو بغير صوت، تعني تلاوته عن تدبر، ينتهي إلى إدراك وتأثر، وإلى عمل بعد ذلك وسلوك . . . )([39]).

    وعلى هذا درج السلف الصالح من هذه الأمة، فهم يتعلمون القرآن ويصدقون به. ويطبقونه في كل شأن من شئون حياتهم، لقد كان الواحد منهم يتلقى القرآن ليعمل به فور سماعه، فيقوم بتنفيذ أحكامه في خاصة شأنه وشأن الجماعة التي يعيش فيها أخرج بن جرير – رحمه الله – بسنده عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: "كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن"([40]).

    وعن أبي عبد الرحمن السلمي – وهو من كبار التابعين – قال: "حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي - r - فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل. فتعلمنا القرآن والعمل جميعاً"([41]).

    وقد ذم الله – تعالى – اليهود على تركهم العمل بما في التوراة من العقائد والعبادات والآداب والأخلاق. وشبههم بالحمار الذي يحمل على ظهره أسفاراً من كتب العلم النافع، وهو لا يدرك ما على ظهره من الخير. فقال تعالى: }مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين { [الجمعة: 5].

    ولا ريب أن من يقرأ القرآن ويعرض عن أحكامه وآدابه فيه شبه من اليهود. فليحذر طالب العلم وقارئ القرآن أن ينطبق عليه هذا المثل الذي قال الله عنه: }بئس مثل القوم {.

    يقول القرطبي – رحمه الله -: (وفي هذا تنبيه من الله تعالى لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلم ما فيه لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء)([42]).

    وقال ابن القيم –رحمه الله - (فقاس من حمّله سبحانه كتابه ليؤمن به، ويتدبره، ويعمل به، ويدعو إليه، ثم خالف ذلك ولم يحمله إلا على ظهر قلب – فقراءته بغير تدبر ولا تفهم ولا اتباع له ولا تحكيم له وعمل بموجبه – كحمار على ظهره زاملة أسفار، لا يدري ما فيها، وحظه منها حملها على ظهره ليس إلا، فحظه من كتاب الله كحظ هذا الحمار من الكتب التي على ظهره، فهذا المثل وإن كان قد ضرب لليهود فهو متناول من حيث المعنى لمن حمل القرآن فترك العمل به، ولم يؤد حقه، ولم يرعه حق رعايته)([43]).

    وقد ورد عن الرسول - r - الوعيد العظيم لمن أعرض عن القرآن، وذلك في حديث سمرة بن جندب – الطويل – عن النبي - r - في الرؤيا التي رآها قال: "أما الذي يثلغ رأسه بالحجر فإنه يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن المكتوبة". وفي رواية: "والذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علمه الله القرآن فنام عنه بالليل، ولم يعمل فيه بالنهار"([44]).

    قال ابن هبيرة: (رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس).

    وقال الحافظ ابن حجر: ([قوله: وينام عن الصلاة المكتوبة]: هذا أوضح من رواية جرير بن حازم بلفظ "علمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار" فإن ظاهره أنه يعذب على ترك قراءة القرآن بالليل بخلاف رواية عوف فإنه على تركه الصلاة المكتوبة. ويحتمل أن يكون التعذيب على مجموع الأمرين ترك القراءة وترك العمل)([45]).

    وعلى أي حال فهذا وعيد شديد لأن ثلغ الرأس وشدخه عقوبة عظيمة دالة على أن ترك العمل بالقرآن ذنب، يستحق مرتكبه العقاب نسأل الله الهداية والسلامة.

    وكما ورد عنه - r - الوعيد على هجر القرآن سلوكاً وعملاً. كذا ورد عنه بيان ثواب من عمل بالقرآن وأنه حجة لصاحبه يوم القيامة. ففي حديث أبي موسى الأشعري أنه - r - قال: "والقرآن حجة لك أو عليك"([46]).

    قال القرطبي في (التذكار في أفضل الأذكار): (القرآن حجة لمن عمل به واتبع ما فيه. وحجة على من لم يعمل به ولم يتبع ما فيه. فمن أوتي القرآن فلم ينتفع، وزجرته نواهيه فلم يرتدع، وارتكب من المآثم قبيحاً، ومن الجرائم فضوحاً، كان القرآن حجة عليه وخصماً لديه)([47]).

    وقال مكي بن أبي طالب القيسي في الرعاية: (أولى الناس بهذا القرآن من عمل به وإن لم يحفظه. وإن أشقى الناس بهذا القرآن من حفظه ولم يعمل بما فيه . . فليتق الله حامل القرآن في نفسه وليخلص الطلب والعمل لله. فإن كان قد تقدم له شيء مما يكره فليبادر إلى التوبة والإنابة من ذلك. وليبدأ بالإخلاص في طلبه وعمله فالذي يلزم حامل القرآن من التحفظ أعظم مما يلزم غيره كما أن له من الأجر ما ليس لغيره)([48]).

    وعن النواس بن سمعان – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله - r - يقول: "يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به. تقدمه سورة البقرة وآل عمران. وضرب لهما رسول الله - r - ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال: كأنهما غمامتان أو ظلمتان سوداوان بينهما شرق أو كأنهما حِزْقان من طير صواف. تحاجان عن صاحبهما"([49]).

    فتأمل – رحمك الله – هذا الحديث حيث دل على أن من قرأ القرآن وعمل به فهو من أهل القرآن، ومن قرأه ولم يعمل به لم يكن من أهله. فلا يكون القرآن شفيعاً له بل يكون حجة عليه.

    كما دلً على أن القرآن يخاصم عن صاحبه المكثر من قراءته ويظهر حجته. ومن كان القرآن مخاصماً عنه فإن الفوز والنصر والفلاح سيكون من نصيبه إن شاء الله تعالى.

    وعن أبي أمامة – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله - r - يقول: "اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه"([50]).

    وعن جابر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - r -: "القرآن شافع مشفع وما حل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه قاده إلى النار"([51]).

    نعم، إن ربي على كل شيء قدير. إن ظاهر هذا الحديث وما قبله يدل على أن الله – جل وعلا – يصور القرآن بصورة، بحيث يجيء يوم القيامة ويراه الناس. فليقبل المؤمن هذا وأمثاله، ويؤمن به وليس للعقل فيه مجال.

    القرآن يأتي يوم القيامة فيشفع لصاحبه المشتغل به الذي يأتمر بأمره وينـزجر عن نهيه، يشفع له عند الله وتقبل شفاعته. وما جعله الله – تعالى – شافعاً إلا ليقبل شفاعته. ثم يقوده إلى الجنة. نسأل الله الكريم من فضله.

    أما من قرأ القرآن وتعدى حدوده وضيع فرائضه وترك طاعته فإنه لا يشفع له. بل يكون شاهداً عليه. ويقوده إلى النار عياذاً بالله.

    يقول ابن الأثير – رحمه الله -: (وما حل مصدق أي: خصم مجادل مصدق. وقيل ساع مصدق. من قولهم: محل بفلان إذا سعى به إلى السلطان. يعني أن من اتبعه وعمل بما فيه فإنه شافع (مقبول الشفاعة. ومصدق عليه فيما يرفع من مساويه إذا ترك العمل به)([52]).


    من أقوال السلف والعلماء

    في اقتضاء العمل العلم

    عن علي – رضي الله عنه -  أنه ذكر فتناً في آخر الزمان. فقال له عمر: متى ذلك يا علي؟ قال: (إذا تفقه لغير الدين وتعلم العلم لغير العمل والتمست الدنيا بعمل الآخرة)([53]).

    قال ابن مسعود – رضي الله عنه -: "تعلموا فإذا علمتم فاعملوا"([54]).

    وعن لقمان بن عامر قال: كان أبو الدرداء – رضي الله عنه – يقول: (إنما أخشى من ربي يوم القيامة أن يدعوني على رؤوس الخلائق فيقول لي: يا عويمر. فأقول: لبيك ربّ. فيقول: ما عملت فيما علمت)([55]).

    وقال الخطيب البغدادي: (ثم إني موصيك يا طالب العلم بإخلاص النية في طلبه، وإجهاد النفس على العمل بموجبه، فإن العلم شجرة. والعمل ثمرة. وليس يعد عالماً من لم يكن بعلمه عاملاً . . والعلم يراد للعمل كما يراد العمل للنجاة، فإن كان العمل قاصراً عن العلم كان العلم كلاّ على العالم. ونعوذ بالله من علم عاد كلاً، وأورث ذلاً وصار في رقبة صاحبه غُلاّ.

    وهل أدرك من أدرك من السلف الماضي الدرجات العلى إلا بإخلاص المعتقد، والعمل الصالح، والزهد الغالب في كل ما راق من الدنيا . . وكما لا تنفع الأموال إلا بإنفاقها، كذلك لا تنفع العلوم إلا لمن عمل بها، وراعى واجباتها، فلينظر أمرؤ لنفسه وليغتنم وقته فإن الثواء قليل والرحيل قريب، والطريق مخوف، والاغترار غالب والخطر عظيم، والناقد بصير. والله – تعالى – بالمرصاد. وإليه المرجع والمآب  }فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره{([56]).

    وقال ابن الجوزي – رحمه الله -: (من علم أن الدنيا دار سباق، وتحصيل للفضائل، وأنه كلما علت مرتبته في علم وعمل زادت المرتبة في دار الجزاء، انتهب الزمان ولم يضيع لحظة ولم يترك فضيلة تمكنه إلا حصلها، ومن وفق لهذا فليبكر زمانه بالعلم، وليصابر كل محنة وفقر، إلى أن يحصل له ما يريد، وليكن مخلصاً في طلب العلم عاملاً به حافظاً له فأما أن يفوته الإخلاص فذلك تضييع زمان وخسران الجزاء، وأما أن يفوته العمل به فذاك يقوي الحجة عليه والعقاب له وأما جمعه من غير حفظه فإن العلم ما كان في الصدر لا في القمطر، ومتى أخلص في طلبه دله على الله عزّ وجل)([57]).

    وقال الراغب الأصبهاني المتوفى سنة  502 هـ: (العبادة ضربان: علم وعمل. وحقهما أن يتلازما، لأن العلم كالأسِّ والعمل كالبناء، وكما لن يغنى أسّ ما لم يكن بناء ولا يثبت بناء ما لم يكن أسّ، كذلك لا يغني علم بغير عمل ولا عمل بغير علم. ولذلك قال  –  تعالى -: }إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه { [فاطر: 10]. والعلم أشرفهما ولكن لا يغني بغير عمل . . . )([58]).

    وقال بعض العلماء: (العلم خادم العمل، والعمل غاية العلم، فلو لا العمل لم يطلب علم، ولو لا العلم لم يطلب عمل. ولأن أدع الحق جهلاً به أحب إلى من أن أدعه زهداً فيه)([59]).

    وقال الزرنوجي – رحمه الله -: (وإنما شرف العلم بكونه وسيلة إلى البر والتقوى الذي يستحق بها المرء الكرامة عند الله، والسعادة الأبدية . . فينبغي للإنسان ألا يغفل عن نفسه، ما ينفعها وما يضرها في أولها وآخرها، ويستجلب ما ينفعها، ويجتنب ما يضرها، كي لا يكون عقله وعلمه حجة عليه، فيزداد عقوبة، نعوذ بالله من سخطه وعقابه)([60]).

    وقال ابن القيم – رحمه الله -: (وجهاد النفس أربع مراتب):

    1) إحداها: أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به. ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين.

    2) الثانية: أن يجاهدها على العمل به، بعد علمه. وإلا مجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.

    3) الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله.

    4) الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق، ويتحمل ذلك كله لله. فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانياً حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه، فمن علم وعمل وعلّم فذاك يدعى عظيماً في ملكوت السموات)([61]).

    وقال الراغب الأصفهاني المتقدم ذكره في كتابه (الذريعة): (ويجب أن لا يتعرى علمه عن مراعاة العمل فيه بتبلغ، ألا ترى أنه ما خلا ذكر الإيمان به في عامة القرآن من ذكر العمل الصالح كقوله تعالى: }الذين آمنوا وعملوا الصالحات {. وإلى ذلك أشار بقوله تعالى: }إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه{ وقيل: كثرة العلم من غير العمل مادة للذنوب، وقيل: العلم أسُّ، والعمل بناء والأس بلا بناء باطل، وقال رجل لرجل يستكثر من العلم ولا يعمل: يا هذا إذا أفنيت عمرك في جمع السلاح فمتى تقاتل؟ وقال الشاعر ما يصلح أن يكون إشارة إلى هذا المعنى:

    فعلام إن لم أشف نفساً حرة        يا صاحبي أجيد حمل سلاحي([62])

    مختارات من الشعر والنظم في العمل بالعلم

     

    آثار العمل بالعلم

    للعمل بالعلم فوائد عظيمة، وآثار حميدة، يجنيها طالب العلم في الدنيا والآخرة، ويحسها كل من عمل بعلمه. وتنعدم  هذه الآثار، إذا لم يستطع العالم أن يوافق بين علمه وسلوكه، ولعظم هذه الآثار، رأينا كيف شدد الإسلام في عقوبة من لا يعمل بعلمه فيأمر بالمعروف ولا يأتيه وينهى عن المنكر ويفعله.

    ولم أقف على هذه الآثار مجتمعة، وإنما اجتهدت في استنباطها من النصوص على قدر فهمي لها وإدراكي لمعناها. فمن هذه الآثار:

    1) حصول الرفعة في الدنيا والآخرة. قال – تعالى -:  }يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات{. وقال - r -: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين".

    ولا ريب أن هذه الرفعة والمكانة لا تكون إلا لأهل العلم العاملين به، وكيف تكون لمن لا يعمل بعلمه وهو مذموم شرعاً وعقلاً؟

    قال الشوكاني: "يرفع الله الذين آمنوا منكم" في الدنيا والآخرة بتوفير نصيبهم فيها "والذين أوتوا العلم درجات" أي ويرفع الذين أوتوا العلم منكم درجات عالية في الكرامة في الدنيا والثواب في الآخرة. ومعنى الآية: أنه يرفع الذين آمنوا على من لم يؤمن درجات، ويرفع الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا درجات. فمن جمع بين الإيمان والعلم رفعه الله بإيمانه درجات ثم رفعه بعلمه درجات..)([70])

    2) الذي يعمل بعلمه لا يضل في حياته. ولا يشقى في آخرته. وكيف يضل وقد تمسك بالوحي الذي جعله الله – تعالى – هداية لجميع الناس، وكيف يشقى وقد عمل بعلمه فأعد رصيداً من العمل الصالح المؤسس على علم نافع؟ أعده لذلك اليوم العظيم؟ قال الله – تعالى -: }فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى . .{[طه: 123].

    وقد تكفل الله – تعالى – لمن حفظ عهده أن يحييه حياة طيبة، ويجزيه أجره موفراً في الآخرة. فقال تعالى  }من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون{ [النحل: 97].

    والجمهور على أن الحياة الطيبة في الدنيا وذلك بالعمل الصالح والعافية والرزق الحلال، وانشراح الصدر وهدوء البال. ومما يؤيد ذلك أن الله – جل وعلا – ذكر جزاءه في الآخرة في نهاية الآية. فلو قدرنا أن المراد بالحياة الطيبة حياته في الجنة – كما يقوله جماعة من السلف – لكان قوله تعالى: }ولنجزينهم أجرهم {. تكراراً أو توكيداً؛ لأن تلك الحياة الطيبة هي أجر عملهم، والتأسيس مقدم على التوكيد والله أعلم([71]).

    وإذا كان هذا جزاء من عمل صالحاً فلا ريب أن العمل الصالح قائم على العلم النافع، فمن تمسك بالقرآن علماً وعملاً فله هذه الحياة الطيبة. والتي لا يلزم أن تكون ناعمة رغدة ثرية بالمال؛ لأن المال عنصر واحد من عناصر الحياة الطيبة يكفي منه القليل كما قال - r -: "قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بما آتاه"([72]).

    وبضد ذلك من أعرض عن وحي الله فله المعيشة الضنك في الدنيا. عيشة تضيق بها نفسه، ولا يسعد بها ولو كانت واسعة. ويضيق عليه قبره ويشقى فيه طيلة حياة البرزخ، ويحشر يوم القيامة أعمى لا حجة له. ولا بصر يبصر به، وينسى في العذاب الأليم، ويترك كما ترك العمل بآيات الله. هذا جزاء من أعرض عن القرآن في الدنيا والآخرة، معذب في الدنيا معذب في البرزخ معذب في الآخرة. قال تعالى: }ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى. قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى. وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى{. [طه: 124– 127]([73]).

    وأكثر المفسرين على أن هذه الآيات في الكافر، لكن من أعرض عن آيات الله فله حظ من الوعيد بحسب إعراضه استناداً إلى العموم الدال على الشمول والله أعلم.

    3) الذي يعمل بعلمه حري بالنجاة يوم القيامة والإجابة السديدة على السؤال الذي سيوجه إليه قبل أن تزول قدماه من عند ربه (ماذا عملت فيما علمت)؟ ولابد أن يُعد المسلم للسؤال جواباً، وأن يكون الجواب صواباً.

    ويبدو لي أن الإجابة الصحيحة على هذا السؤال نجاح فيما عداه من الأسئلة الأخرى – إن شاء الله – لأن من عمل بعلمه وفقه الله للاستفادة من شبابه وعمره. وأن يجمع المال – إن كان ذا مال – من حله. وينفقه فيما يوافق شرع الله. هذا مقتضى العلم.

    ولأهمية هذا الجانب ذكر الأجري – رحمه الله – في كتابه (أخلاق العلماء) فصلاً بعنوان "ذكر سؤال الله لأهل العلم عن علمهم: ماذا عملوا فيه" ثم أورد بعض الأحاديث والآثار الموقوفة في هذا الموضوع ثم قال: (من تدبر هذا أشفق من علمه أن يكون عليه لا له، فإذا أشفق مقت نفسه، وبان بأخلاقه الشريفة التي تقدم ذكرنا لها والله الموفق لنا ولكم إلى الرشاد من القول والعمل)([74]).

    وقد أعطيت هذه الثمرة رقماً مستقلاً لورود النصوص الخاصة بها، وإلا فقد يقال: إنها داخلة في عموم نفي الشقاء في الدار الآخرة عمن عمل بما علم كما تقدم.

    4)   الذي يعمل بعلمه يسلم من العواقب السيئة والنتائج الوخيمة والأوصاف القبيحة التي تنتظر من لا يعمل.

    وقد رتب الله – تعالى – هذه الأمور على الإعراض عن التذكرة بآيات الله.

    ومعلوم أن من لم يتذكر لن يصدر منه عمل بما يعلم ولن يقيم لآيات الله – تعالى – وزناً؛ لأن العمل بالقرآن هو العمل بالعلم حقيقة.

    فلا أحد من الناس أعظم ظلماً ممن ذكر ووعظ بآيات ربه وهي القرآن ثم تولى وصد عنها. ثم هو ينسى ما قدمت يداه من المعاصي والكفر، مع أن الله تعالى لم ينسه بل هو محصيه عليه ومجازيه. قال تعالى: }ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه . .{ [الكهف: 57].

    ومن النتائج السيئة للإعراض جعل الأكنة على القلوب حتى لا تفقه الحق، وعدم الاهتداء أبداً كما قال تعالى مبيناً ما ينشأ عن الإعراض: }إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً{ [الكهف: 57].

    ومن الأوصاف أن المعرض كالحمار قال تعالى: }فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة{[المدثر: 49]([75]).

    إلى غير ذلك من الآيات التي اشتملت على بيان النتائج والأوصاف التي تلاحق المعرضين.

    5) من عمل بعلمه أورثه الله علم ما لم يعلم([76]). وفتح بصيرته وأنار قلبه. قال  – تعالى –:  }والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم{[محمد: 17].

    قال الشوكاني: (زادهم إيماناً وعلماً وبصيرة في الدين. أي: والذين اهتدوا إلى طريق الخير فآمنوا وعملوا بما أمرهم به زادهم إيماناً وعلماً وبصيرة في الدين([77]). قال - تعالى -:  }ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً وإذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً ولهديناهم صراطاً مستقيما{[النساء: 66، 67، 68].

    وأما من لم يعمل بعلمه وأعرض عن اتباع الحق الذي يعلمه تبعاً لهواه. فإن ذلك يورثه الجهل والضلال حتى يعمى قلبه عن الحق الواضح، وهو حري أن يسلبه الله ما علم، يقول – تعالى -:  }فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم{[الصف: 5].

    قال ابن كثير: (أي فلما عدلوا عن اتباع الحق مع علمهم به، أزاغ الله قلوبهم عن الهدى، وأسكنها الشك والحيرة والخذلان . . )([78]).

    6) العمل بالعلم من أقوى أسباب حفظه وبقائه، لتحوله إلى صورة عملية وواقع مشاهد، ولذا يستطيع كل واحد منا أن يكتب صفة الوضوء والصلاة والحج ونحو ذلك لأن هذا علم قد عمل به وتحول إلى سلوك واقعي فأصبح موصولاً بالذهن، مرتبطاً بالذاكرة، يستدعيه متى أراده.

    يقول الشيخ عبد الرحمن الدوسري – رحمه الله –: (فإن العمل هو الذي يجعل العلم راسخاً مستقراً في النفس، وذلك أن العلم يستحضره صاحبه في النفس مجملاً غير سالم من غموض أو إبهام. فإذا أبرزه بالعمل للوجود صار تفصيلياً جلياً واضحاً، وبكثرة التكرار للتلاوة ومداومة العمل يكون النظري منه بديهياً ضرورياً، فيثبت وحي الله بالقلب فلا ينسى، وأما مع هجران العمل به فإن صاحبه يصل به النسيان إلى حالة يساوي فيها من لا يعرفه بتاتاً والعياذ بالله)([79]).

    وقد اهتم العلماء بموضوع حفظ العلم، والتحذير من نسيانه، وافردوا فيه المصنفات المستقلة([80]) وذكروا الأسباب التي تعين على حفظ العلم([81]) ولكن من  أقوى وسائل حفظه العمل به، وقد ذكر ابن القيم – رحمه الله – أن من أسباب حرمان العلم عدم العمل به، فهو يقول: (السادس: عدم العمل به فإن العمل به يوجب تذكره وتدبره ومراعاته والنظر فيه، فإذا أهمل العمل به نسيه. قال بعض السلف: كنا نستعين على حفظ العلم بالعمل به وقال بعض السلف أيضاً: العلم يهتف بالعمل فإن أجابه حلّ وإلا ارتحل. فالعمل به من أعظم أسباب حفظه وثباته وترك العمل به إضاعة له، فما استدر العلم ولا استجلب بمثل العمل قال الله – تعالى -:}يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به{[الحديد: 28]([82]).

    7) العمل بالعلم يهيأ للعالم مكانة مرموقة، ونظرة حسنة. وبه يكون قدوة طيبة، يؤخذ كلامه، ويوثق بفتواه. وكلما ظهرت آثار العمل على العالم أحبه الناس وتعلقوا به ورغبوا فيه وهذا مشاهد.

    ولكن إذا رأوا العالم وقد ظهرت عليه آثار الانحراف والمخالفة لما علم به، وقعوا في حيرة بين القول والفعل. وراحوا يفسرون هذا الانفصام بين العلم والسلوك تفسيرات شتى. ومن ثم لا يثقون بقوله، ولا يقيمون وزناً لشخصه، وإذا كان العالم مرموقاً منظوراً إليه ولا سيما في بلده كانت المسؤولية أعظم لأنه متبع ومقتدى به.

    قال ابن مفلح في الفروع: (وليحذر العالم وليجتهد فإن ذنبه أشد، نقل المروذي عن الإمام أحمد – رحمه الله – قال: (العالم يقتدى به ليس العالم مثل الجاهل). قال: وقال شيخنا – يعني ابن تيمية – رحمه الله (أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه فذنبه من جنس ذنب اليهود)([83]).

    إن مخالفة تعاليم الدين ممن يقتدى به من أضر الأشياء على سنن الإسلام؛ لأن ذلك يؤدي إلى اقتداء العوام به فإنهم اتباع كل ناعق. والعالم إذا أظهر المعصية وإن صغرت سهل على الناس ارتكابها. لأن الجاهل يقول: لو كان هذا الفعل كما قال: من أنه ذنب لم يرتكبه. وإنما ارتكبه لأمر علمه دوننا([84]) وواقعنا اليوم يشهد بذلك في صور متعددة.

    فليحذر العالم مثل هذه المزالق العظيمة التي يبوء بإثمها وإثم من اتبعه فيها إلى يوم القيامة. وقد قال النبي - r -: "من سن في الإسلام سنة سيئة يعمل بها من بعده، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء"([85]).

    وقد يكون عدم العمل بالعلم وسيلة للصدّ عن دين الله تعالى. فإن العالم إذا لم يوافق بين علمه وسلوكه يقف حجر عثرة أمام الدخول في الإسلام والتمسك بأحكامه وأخلاقه، ولا سيما من يحسنون الظن بهذا العالم لأنهم يسمعون كلاماً جميلاً ولم يروا شخصه، فهم في أشد الشوق إليه، فإذا رأوه مقتوه وقالوا: (تسمع بالمعيدي خير من أن تراه)([86]) وربما كان ذلك ذريعة لسبّ الإسلام نفسه وتلك مصيبة.

    (ومن هنا فالداعية بحاجة إلى تطبيق عملي لمبادئ الإسلام وأفكاره وسلوكه، لتكون حياته ترجماناً مبيناً لمنطوق الإسلام. وصورة كريمة لمعطياته)([87]) وعليه أن يكون قوياً بإيمانه على شهوته، قوياً على المجتمع الذي يجره إلى الانحلال، وينأى به عن تطبيق عمله على نفسه وأسرته.

    وإن المطابقة بين القول والعمل أمر عسير غير يسير إلا على من وفقه الله إنه يحتاج إلى صلة دائمة بالله تعالى وإخلاص، ثم رياضة وجهد ومحاولة واستعلاء على الرغبات والشهوات، ومن ترك العمل بما علم فقد استسلم لشهواته وانقاد لهواه وهو على خطر عظيم.

    (اسأل الله – تعالى – المبتدئ لنا بنعمه قبل استحقاقها، المديمها علينا مع تقصيرنا في الإتيان على ما أوجب علينا من شكره. الجاعلنا خير أمة أخرجت للناس أن يرزقنا فهماً في كتابه، ثم سنة نبيه – وقولاً وعملاً يؤدي به عنا حقه. ويوجب لنا نافلة مزيدة . .)([88]).


     

    ([1]) تفسير الدوسري (4/73). وانظر مفتاح دار السعادة لابن القيم (1/48)، ط: دار الكتب.

    ([2]) روح المعاني للألوسي (23/246).

    ([3]) انظر فتح الباري (1/141).

    ([4]) من أشهر الأودية قرب مكة فيه قرى صغيرة.

    ([5]) أخرجه مسلم (5/346) ط: دار القلم.

    ([6]) انظر فتح الباري (1/141) ط: السلفية.

    ([7]) أخرجه ابن ماجة برقم (224) وغيره وهو حديث صحيح جمع السيوطي – رحمه الله – طرقه في جزء مطبوع بتحقيق علي عبد الحميد وانظر تخريج

         أحاديث مشكلة الفقر للألباني ص 48-62.

     ([8]) أخرجه أبو داود (10/72) وسنده حسن انظر صحيح الترغيب للألباني (1/105) وقد أخرج مسلم قوله (ومن سلك طريقاً . . ) من حديث أبي هريرة (17/24) دون بقية الحديث.

    ([9]) انظر مفتاح دار السعادة (1/63).

    ([10]) تذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة ص68. ط: دار الكتب.

    ([11]) تذكرة السامع والمتكلم ص13.

    ([12]) تفسير ابن كثير (1/87) ط دار الشعب وانظر تفسير القرطبي (1/366) ط: دار إحياء التراث.

    ([13]) في ظلال القرآن (1/85) ط: دار إحياء التراث. السابعة.

    ([14]) تفسير الطبري (28/83، 84) وانظر كلاماً جيداً حول موضوع الآية للأستاذ عثمان جمعة ضميرية في رسالة بعنوان (دعوة كريمة).

    ([15]) المفردات في غريب القرآن ص470 ط: الحلبي.

    ([16]) في ظلال القرآن (6/114).

    ([17]) تفسير القرطبي (14/ 174).

    ([18]) تفسير النسفي (3/301-302) ط: دار الفكر.

     ([19]) أخرجه مسلم بطوله من حديث قتادة ( 5/271).

    ([20]) انظر تفسير ابن كثير (8/214).

    ([21]) انظر السيرة النبوية لمصطفى السباعي ص11 وفقه السيرة للبوطي 1/7.

    ([22]) أخرجه البخاري (6/331، 13/48) ومسلم (17/328).

    ([23]) دليل الفالحين لابن علان (1/490).

    ([24]) حلية الأولياء (2/155).

    ([25]) أخرجه الترمذي (7/101 تحفة) وقال حديث حسن صحيح. وانظر صحيح الترغيب والترهيب (1/125)  و (اقتضاء العلم العمل) للخطيب البغدادي ص16 وما بعدها. وانظر الصحيحة للألباني رقم 946.

    ([26]) أخرجه مسلم (17/45) وأحمد (4/341) والنسائي (8/260) وهو قطعة من حديث.

    ([27]) انظر صحيح ابن ماجة للألباني (2/327) وانظر (تخريج الإحياء) للعراقي (1/31).

    ([28]) انظر دليل الفالحين (4/294). و (تحفة الأحوذي 9/454).

    ([29]) مدارج السالكين (3/302).

    ([30]) أخرجه الطبراني في الكبير من طريقين يقوي أحدهما الآخر (2/165، 167). قال المنذري: وإسناده حسن إن شاء الله. انظر صحيح الترغيب (1/128) والاقتضاء للخطيب ص49.

    ([31]) أخرجه البزار انظر صحيح الترغيب (1/128).

    ([32]) أخرجه أحمد (20/257) الفتح الرباني) وسنده حسن انظر صحيح الترغيب (1/125) الاقتضاء ص72.

    ([33]) إعلام الموقعين لابن القيم (1/10) تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد.

    ([34]) انظر الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيثمي (1/94). دار الباز.

    ([35]) اعلام الموقعين (4/406).

    ([36]) انظر تفسير الطبري (2/564) وما بعدها تحقيق محمود شاكر، تفسير ابن كثير (1/235) تفسيبر القرطبي (2/95).

    ([37]) المرجع السابق.

    ([38]) مجموع الفتاوى (7/167) وانظر مفتاح دار السعادة لابن القيم (1/42).

    ([39]) في ظلال القرآن (6/699).

    ([40]) تفسير الطبري: (1/80) قال الأستاذ أحمد شاكر: (هذا إسناد صحيح وهو موقوف على ابن مسعود ولكنه مرفوع معنى . . .).

    ([41]) تفسير الطبري (1/80) قال أحمد شاكر (هذا إسناد صحيح متصل . . ).

    ([42]) تفسير القرطبي (18/94) وقوله: "ويعلم ما فيه" هكذا في المطبوع ويظهر لي أن المراد (ويعمل بما فيه) والله أعلم.

    ([43]) إعلام الموقعين (1/165).

    ([44]) أخرجه البخاري (3/24، 251).

    ([45]) فتح الباري (12/444) وانظر عمدة القارئ (6/205).

    ([46]) أخرجه مسلم (3/101) من حديث طويل.

    ([47]) التذكار ص54 تحقيق ثروت نافع.

    ([48]) الرعاية ص73، 75. تحقيق أحمد فرحات.

    ([49]) أخرجه مسلم (5/338) والترمذي (8/191) والشرق بالاسكان النور. والحزق الجماعة.

    ([50]) أخرجه مسلم (5/337) وهو قطعة من حديث.

    ([51]) أخرجه الطبراني في الكبير (10/244) قال  الألباني: وإسناده جيد انظر الصحيحة (5/31).

    ([52]) النهاية في غريب الحديث (4/303) وانظر دليل الفالحين (3/487).

    ([53]) أخرجه عبد الرازق في مصنفه (11/360) ومن طريقه الحاكم (4/451) وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1/120).

    ([54]) أخرجه الخطيب في الاقتضاء ص22 قال الألباني إسناده موقوف حسن.

    ([55]) أخرجه الدارمي (1/71) وابن عبد البر في الجامع (278) وصححه الألباني (صحيح الترغيب 1/127).

    ([56]) الاقتضاء ص14 وما بعدها.

    ([57]) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (3/193) والقمطر ما يصان فيه الكتب . .

    ([58]) تفصيل النشأتين للراغب الأصفهاني ص159.

    ([59]) الاقتضاء ص15.

    ([60]) تعليم المتعلم للزرنوجي ص61، 65 ط: المكتب الإسلامي وانظر ص5، 8 ط: الحلبي.

    ([61]) زاد المعاد (3/10). مؤسسة الرسالة.

    ([62]) الذريعة إلى مكارم الشريعة ص147- 148. دار الباز.

    ([63]) جامع بيان العلم وفضله ص277 دار الكتب الإسلامية.

    ([64]) انظر فتح الرحيم الرحمن للقناوي شرح لامية ابن الوردي ص89 وما بعدها.

    ([65]) غذاء الألباب شرح منظومة الأدب للسفاريني (2/520) مطبعة الحكومة.

    ([66]) جامع بيان العلم ص255.

    ([67]) المرجع السابق ص275.

    ([68]) الاقتضاء ص55 وانظر الجامع ص286.

    ([69]) الجامع ص289.

    ([70]) فتح القدير: (5/189). ط: الحلبي.

    ([71]) انظر أضواء البيان للشنقيطي (3/352) وفي ظلال القرآن (5/279) وتفسير القرطبي (11/258).

    ([72]) أخرجه مسلم (7/151) والترمذي (7/15).

    ([73]) راجع كتب التفسير عند هذه الآيات تفسير ابن كثير (5/316) تفسير ابن عباس للدكتور عبد العزيز الحميدي (2/265) وما بعدها.

    ([74]) أخلاق العلماء ص87 وما بعدها. وكذا بوب ابن عبد البر في جامع بيان العلم ص278.

    ([75]) انظر أضواء البيان (4/141) وما بعدها.

    ([76]) هذه العبارة يذكرها بعض الناس على أنها حديث. وهو موضوع في نظر الضعيفة للألباني (1/423).

    ([77]) فتح القدير (5/35).

    ([78]) تفسير ابن كثير (8/135).

    ([79]) تفسير الدوسري (2/158).

    ([80]) مثل كتاب (الحث على حفظ العلم) لابن الجوزي رحمه الله.

    ([81]) وبعض هذه الأسباب لا يخلو من نظر. راجع على سبيل المثال تعليم المتعلم للزرنوجي ص130.

    ([82]) مفتاح دار السعادة (1/172). وقوله (كنا نستعين على حفظ العلم) في الاقتضاء (الحديث) انظر ص90.

    ([83]) الفروع (1/526) وانظر غذاء الألباب لشرح منظومة الآداب للسفاريني (2/520).

    ([84]) انظر الاعتصام للشاطبي ص319. دار الكتب العلمية.

    ([85]) أخرجه مسلم (7/107) والنسائي (5/75-77) وابن ماجة برقم (203) وأحمد (4/357).

    ([86]) هذا مثل يضرب لمن خبره خير من مرآه، وفيه قصة. انظر مجمع الأمثال للميداني (1/227).

    ([87]) انظر مشكلات الدعوة والداعية: فتحي يكن ص67.

    ([88]) هذا مقتبس من دعاء الإمام الشافعي رحمه الله في مقدمة كتابه (الرسالة) ص19.

    www.alfuzan.islamlight.net

     

    الإسلام والحث على العلم والتربية

    كلمات مفتاحية  :
    تربيه الاسلام والتربية

    تعليقات الزوار ()