بتـــــاريخ : 9/14/2008 6:36:53 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1200 0


    مونولوج العزلة

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

    كلمات مفتاحية  :

     

    ـ 1 ـ‏

    أطفأتُ مصباحي لأغفو‏

    أيها الليلُ العتيقْ!‏

    أطفات مصباحي..‏

    أنا حزناً إلى حزنٍ‏

    أضمُّ مصاحفي‏

    وأغطُّ في نومٍ عميقْ.‏

    نمْ هانئاً يا أيها الليل العتيقْ!‏

    فأنا أقمتُ صلاةَ وقتي‏

    وسكنتُ نوماً لا يفيقْ.‏

    ـ 2 ـ‏

    أجاهدُ في النفسِ حزناً قديماً‏

    وأغلقُ بابيْ..‏

    أنا كيفَ أعلنُ عن عزلتي‏

    وعلى الباب يبكي غيابيْ؟‏

    ـ 3 ـ‏

    سكنتُ مع الليلِ‏

    إذ سكنَ الليلُ أبكي عليّْ!‏

    يدايَ على الصدرِ‏

    تلمسُ رجعاً حزيناً،‏

    ورأسي ينامُ يتيماً على ركبتيّْ!‏

    ـ 4 ـ‏

    متدلّياً كشجيرةِ صفراءَ فوق النهرِ‏

    قبري تحت أغصاني‏

    وأكفاني بقربي.‏

    يا أيها الراعي‏

    دعِ الأغنامَ ترعى‏

    عشبَ أيامي وحبّي!‏

    وانهضْ بحزنكَ يا رفيقَ الناي‏

    واعزفْ لحنك البالي‏

    على أطلالِ قلبي!‏

    ـ 5 ـ‏

    تعالَ لنصغي إلى الناي يا سامعي!‏

    تعالَ لنصغي إلى صوتِ أيامنا الضائعِ!‏

    ـ 6 ـ‏

    قمري فرخُ حمامٍ ساهرٌ‏

    والليلُ سطحٌ للهديلْ.‏

    أيها الحبُّ‏

    أنا الساهرُ أبكي لحبيبي..‏

    وعلى السرو يناجيني الكناريُّ الجميلْ!‏

    والشبابيكُ كتابُ العشقِ‏

    قد أغلقتها‏

    لطفاً بحزني أيها النايُ‏

    فقلبي ثقّبتهُ زهرةُ الدمّ‏

    وروحي جرّحتها الريح‏

    والعشقُ مناديلُ رحيلْ!‏

    يا حماماتُ ترفقّنَ بحبي‏

    لا تطيري بالهديلْ!‏

    ـ 7 ـ‏

    وراءَ سياجِ الحديقة تجلسُ عاشقةٌ‏

    من دموعٍ‏

    لتنصتَ للريحِ تحتَ غصون‏

    الخريفْ!‏

    تحنُّ إلى الحبّ لكنهُ غائبٌ‏

    وتحنُّ إلى الحزنِ‏

    لكنه ساكنٌ في أعالي الحفيفْ!‏

    وتنسى يديها على راحتيّ‏

    إذا أسرفَ الحورُ بالهَدْيِ‏

    تاركةً نحلةَ الحبِّ في شفتيَّ‏

    تمصُّ رحيقَ النزيفْ!‏

    وراءَ سياجِ الحديقةِ‏

    طيّبتُ أحزانها بالغناءِ‏

    وأهديتها ورقاً (أصفراً)‏

    وجمعتُ بمنديلها الحلو‏

    كلَّ بكاءِ الخريفْ!‏

    ـ 8 ـ‏

    يا ليلُ ما أكملتُ أغنيتي‏

    ولا شاختْ على عمري المواويلُ!‏

    قلبٌ كفيفُ الحزنِ يبكيني‏

    إذا رحلوا‏

    وفي روحي إذا غابوا‏

    تجرّحني التراتيلُ.‏

    حطَّ الحمامُ على نخيل الروحِ‏

    نواحاً على ثكلٍ‏

    فلا انصرفَ الخريفُ بحزنهِ عني،‏

    ولا انقطعَ الهديلُ المرُّ عن حزني..‏

    ولا مرّتْ على ليلى الأناجيلُ‏

    -9-‏

    عذراءُ من حزنٍ شفيفْ.‏

    جلستْ كسنبلةٍ‏

    تراقبُ من نوافذها الخريفْ.‏

    عينانِ تنكمشانِ كالعصفورِ‏

    في غضنٍ حزينٍ‏

    و(أصابع) بيضاءُ‏

    تغزلُ في الغروبِ حكايةً من ياسمينْ!‏

    عذراءُ يغفو قربها نهرٌ،‏

    ويذبلُ في حقيبتها الخريفْ!‏

    - 10-‏

    على شاطئ البحر عند الغروبِ.‏

    تنامُ الحكاياتُ متعبةً‏

    ويصيرُ على الموج أن يتأمّلَ مرآته ويذوبْ.‏

    يصيرُ على الغيم أن يترحّلَ‏

    مثل التماثيلِ بيضاءَ‏

    نحو كنيسةِ حقلِ النصوبْ.‏

    يصيرُ على الشمسِ‏

    أن تستضيء بماساتها الحمرِ‏

    والأرجوانِ العتيقِ‏

    لتفتحَ محرابها للغروبْ!‏

    -11-‏

    على مفرقِ الليل تبكي الربابةُ‏

    من وحشةِ الناس يائسةً‏

    وتدقُ على حائطِ الموتِ:‏

    يا أبتي الموتُ‏

    لم يبق إلا القليلُ القليلْ!‏

    وتعولُ ريحٌ على شجرِ الحورِ مرّ العويلْ.‏

    -12-‏

    يقعدُ النايُ في الليل مستوحشاً وكئيبْ!‏

    يقعدُ الناي في معبدِ الليلِ‏

    فرداً سلبياً‏

    يجمّعُ كلَّ أغانيهِ من حولهِ‏

    كاليتامى‏

    ويبكونَ حولَ ضريح الغريبْ!‏

    -13-‏

    حينَ ماتَ المغنّي‏

    بكينا كلانا‏

    أنا والربابةُ أختي‏

    بكيتُ عليها، تباكتْ عليَّ‏

    بكينا على الناي منفرداً في الأغاني!‏

    بكينا على جدّنا الشيخ‏

    ماتَ وخلّفنا نائحينَ..‏

    نغني ككهّانِ ليلٍ عتيقٍ‏

    فأختي اعتراها الخريفُ‏

    وأيلولُ بالاصفرار اعتراني.‏

    -14-‏

    على وجهها يا غريبْ:‏

    شموعٌ من الآسِ‏

    يذرفُ دمعاتها الليلُ‏

    فوق كتابِ المغيبْ!‏

    ولو كانَ عمري طويلاً‏

    لعمّرتُ من هدهداتِ ضفائرها السودِ‏

    كوخاً على شجر الكينياءْ!‏

    ولو كانَ قلبي حزيناً‏

    لمشّطتُ شَعْرَ البكاءْ!‏

    وقلتُ تعالي إلى وحشتي‏

    يا صغيرةُ‏

    إن كلامَ الرياحِ على الحورِ مُبْكٍ!،‏

    وأسدلتُ فوق مسائي قميصَ الغريبْ!‏

    ولو أن روحي تعزفُ بالناي‏

    كوّرتُ من عشبِ روحي عشّاً‏

    ليسكنهُ العندليبْ.‏

    -15-‏

    وما كانَ حزنكَ؟‏

    هذا مساءٌ محرّمْ.‏

    تدلّتْ عناقيدُ ما كنتُ تهوى‏

    وجاءتْ جرارٌ من الخمرِ‏

    عتَّقها أنها من تواقٍ مندّمْ.‏

    وما كانَ..‏

    لو أخذَ النومُ هذا الكرى‏

    بمعاقدِ أجفانها سنةً أن تفيقَ‏

    فقبركَ كلُّ الفضاءِ‏

    وكونٌ من الفضّةِ واللازورد المذّهبِ‏

    يرتادهُ الفقراءُ‏

    وأعلاه بدرٌ جميلٌ كمريمْ.‏

    ولو أنتَ تدري‏

    رأيتكَ تحملُ قبريَ،‏

    فاحتارَ من أمركَ اليوم أمري..‏

    وفاضَ على شفقِ الروحِ‏

    شيءٌ من السكرِ حتى الندمْ.‏

    وما كانَ حزنكَ أنني‏

    من فرقتي أتألّمْ!‏

    -16-‏

    بكى صاحبي‏

    حين أمسك بالناي بعد فراقٍ طويلْ!‏

    تذكّرُ مرَّ المواويل،‏

    والعشقَ في أولِ العمرِ،‏

    والفتيات اللواتي كذبنَ على قلبهِ القرويّ‏

    وطيّرنَ قبل أوان الهديلْ!‏

    بكى صاحبي!‏

    قال: كنت أغازل أنثاي بالناي‏

    عند الغروب‏

    فعلّمتها وحشتي‏

    وتعلّمتُ منها البكاءَ على من أحبُّ،‏

    وحزنَ أغاني الرحيلْ!‏

    وها قاربَ العمرُ أن ينتهي‏

    والعيونُ الكليمةُ تعمى‏

    وما زالَ ينحبُ في الروحِ نايُ الرحيلْ!‏

    -17-‏

    قمرٌ أبيضُ في شرفاتِ الليلِ‏

    ونجمٌ يهبطُ أدراجَ الملكوتْ.‏

    ما لي من كلِّ الناسِ‏

    وروحي تقطفُ من شجرِ العزلةِ‏

    أزهارَ الياقوتْ؟‏

    -18-‏

    سألتُ الحزينةَ عن اسمها‏

    وسألتُ اسمها عن كلامٍ حزينْ!‏

    ***‏

    سألتُ أصابعها عن خواتمَ ضائعةٍ،‏

    وأساورَ من ذهبٍ وعقيقٍ،‏

    فأجهشَ بين أناملها الخمس‏

    صوتُ الرنينْ!‏

    -19-‏

    قمرٌ يغرقُ الليل في الروحِ‏

    ثم يلاشيهِ عذبُ الغناءِ،‏

    حنينُ الصبايا لأولِ زغرودةٍ‏

    طيّر النايُ أنغامها في سماءِ الحماماتِ‏

    أنتِ الصلاةُ إلى الأمّ‏

    وهي تمسّدُ بالطَّيبِ حزنِ المسيحِ‏

    وتشعلُ قنديلها لهلالِ محرّمْ!‏

    ***‏

    أنتِ أيقونةُ الثكل‏

    وهي تقطّرُ من فضّةِ الليلِ‏

    دمعاتِ مريمْ!‏

    ***‏

    وحساسينُ صبحٍ مغمّسةٌ بالدموعِ،‏

    عصافيرُ داشرةٌ،‏

    بلبلٌ في غصون الصدى يتألّمْ!‏

    ***‏

    أنت ما يجعلُ الروحَ تبكي على عمرها،‏

    والمحبُّ إذا ما قضى نحبهُ.. يتندّمْ.‏

    -20-‏

    الأفقُ أقمارٌ مفتّحةٌ‏

    وحبرُ الليلِ منسكبٌ على حقلِ‏

    القرنفلِ‏

    والغروبُ يعبُّ من تبغِ الجبالِ بنشوةٍ‏

    ويهزُّ فوقَ طفولةِ الريحانِ‏

    أجراسَ النعاسْ.‏

    ***‏

    نامتْ صبيّةُ حبيَ البيضاءُ‏

    فاتكأتْ لتحرسَ نومها‏

    من وحشةِ الحلمِ الغراسْ.‏

    ***‏

    يا طائرَ الإنشادِ‏

    لا ترسلْ غناءَ مسائكَ الشفافَ‏

    فوقَ النبعِ‏

    إن حبيبتي تغفو‏

    ونومُ حبيبتي في المهدِ‏

    درّاقٌ وآسْ!‏

    -21-‏

    نأينا عن الحبّ يوماً‏

    فغابَ القطا، والحمامُ انتأى‏

    والغمامُ على الساحلِ.‏

    أأبقى حزيناً أطلّ كطائرِ صيفٍ‏

    على جدولي؟‏

    وتبقى السماءُ البعيدة أحلى على السفحِ‏

    تبقى الأباريقُ سهرانةً في سطوح النبيذِ‏

    وتبقى تحوك يداكِ رسومَ الوداعِ على المخملِ.‏

    ... أطرّزُ يوماً على ثوب عرسكِ‏

    ما ضيّع الحبُّ من كلماتٍ‏

    وألقي قميصي على الشوكِ‏

    لا تحسبيني حزيناً من الحبّ‏

    إني أحوكُ سوادَ الليالي‏

    على مغزلي!‏

    -22-‏

    يا هديلُ التي مرَّ عمري على عمرها‏

    كالحمامِ‏

    وطرنا صغيرينِ في أولِ الحبِّ‏

    حتى بلغنا الغيومَ‏

    وصرنا بطاركةً عاشقينْ!‏

    يا هديلُ التي ما ركضنا‏

    مع الريحِ‏

    إلا لنسبقَ أيامنا،‏

    ونخلّفها نادمينْ!‏

    يا هديلُ كبرنا!..‏

    وها نحن كهلين في آخرِ العمرِ‏

    نجلسُ قدّام بوابة البيتِ‏

    منتظرينَ على مللٍ‏

    ما تأخّرَ من كلِّ تلك السنينْ.‏

    -23-‏

    طولَ الليلِ تئنُ الريحُ المهجورةُ‏

    في البيتِ‏

    وتبكي في أرجاءِ العزلةِ‏

    أجراسُ الموتِ،‏

    ويحتضرُ النايْ!‏

    وطوالَ الليل أدقُ على جدرانِ الصمت‏

    لينهضَ من آبارِ الوحشةِ‏

    جثمانُ أسايْ!‏

    .. طول الليل ينوحُ غريبٌ‏

    مكتهل الروحِ‏

    ويجمعُ مبكاهُ إلى مبكايْ!‏

    -24-‏

    يا لابساً ورقَ الخريفِ،‏

    وجبّة َ الوقتِ الجريحْ!‏

    ستهبُّ ريحْ‏

    ستهبّ ريحْ.‏

    -25-‏

    يا أيها الليلُ المهاجر‏

    منذ آلاف السنينْ!‏

    قد نامتِ الأبوابْ.‏

    فاقطعْ بفأسكَ وحشتي‏

    من جذعها المرّ الحزينْ!‏

    بالله يا حطّابْ!‏

    -26-‏

    الكمانُ الصموتْ.‏

    الكمانُ الذي كانَ أمَّ الأيتامِ روحي،‏

    وأرضعني الدمعَ من ثديهِ المرّ‏

    حتى رواني.‏

    الكمانُ الذي رعرعَ الثكلُ‏

    أيامه ورعاني..‏

    وطيّرني كالعصافيرِ فوقَ سطوحِ البيوتْ.‏

    الكمانُ الذي ذُرفتْ دمعاتُ‏

    حياتي على صدرهِ‏

    لا يموتْ!‏

    -27-‏

    سمعتُ بآخرةِ الليل أغنيتينِ‏

    تدقّانِ بابي.‏

    فأصغيتُ..‏

    هذا صداي القديمُ يعاودُ حزني،‏

    وذاكَ الغناءُ الأبحُّ من الريح‏

    صوتُ غيابي.‏

    -28-‏

    هل أسمي الغماماتِ فوق سطوحِ الغروبِ‏

    مناديلَ حبّ، وأوراقَ حزنٍ‏

    تطيرها الريحُ فوق القرى‏

    ورقهْ... ورقهْ.‏

    ***‏

    هل أسمي البحيراتِ‏

    حين تطيرُ الحماماتُ‏

    فوقَ حقول الهديلِ غياباً‏

    يلّونُ وجهَ المساءِ،‏

    ويرمي على ليلنا أزرقهْ.‏

    ***‏

    هل أسمي الصغيرةَ أمّاً لعائلةِ النحلِ‏

    وهي تربّي الحساسينَ في شجرِ البّنّ‏

    زقزقةً... زقزقهْ‏

    -29-‏

    ما انتبهتُ لحزنِ العصافيرِ‏

    ديّارةَ المغربِ.‏

    ما انتبهتُ..‏

    تنهّدَ نايٌ بعيدٌ‏

    على شجرِ الليل ما بيننا‏

    والحمامةُ غنّتْ هديلاً على مذهبي!‏

    يا هديلُ الصغيرةُ لا تجعليني حزيناً‏

    فإني طرّزتُ حبّكِ في مخملِ الليلِ‏

    حتى وجدتُ الحياةَ خيوطاً‏

    من الوهمِ‏

    تلعبُ بيْ!‏

    وها أنذا كلما حُكْتُ ثوباً جديداً‏

    بكفِّ الحريرِ‏

    تلبّسني الحزنُ ديّارةَ المغربِ!

     

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()