بتـــــاريخ : 9/14/2008 11:41:01 AM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1342 0


    أشهد للريح بالحزن

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

    كلمات مفتاحية  :

     

    بحزني المجرّدِ والألمِ المرِّ‏

    لا غير‏

    أفردُ كلتا ذراعيّ كي أتلقى بكاءَ النواعيرِ‏

    أو أتهاوى كأرملةٍ فوق قبر الضياعْ.‏

    وأصرخُ أين الجهاتُ التي علّمتني‏

    هبوبَ الرياحِ،‏

    وأين الغيومُ التي كنت صادفتها‏

    عند صفصافةِ البئرِ تبكي،‏

    وكرمةُ عمري التي أرضعتني‏

    عناقيدُها الخمرَ‏

    قبل أوان الرضاعْ؟‏

    وأصرخُ في مغربِ الشمسِ‏

    كيف سأدفع شيخوخةَ الحزن عني؟‏

    وكيف سأردعُ هذا المشيبَ الحزينَ؟‏

    كأني ما كنت غير غرابٍ‏

    يضاجعُ أنثى الرياحِ‏

    ويسقطُ في لجّةِ اليأسِ..‏

    ريحٌ معذّبة لا تكرّرُ غيرَ رثائي!‏

    وأصرخُ في مغربِ الشمس:‏

    ردّوا إليّ المواويلَ،‏

    ردوا إلى الكهلِ (مريلة الثالث الابتدائي)!‏

    أنا عازفُ الناي‏

    يدفعني الناي أجري وراء انتظاري،‏

    فتركضُ خلفي المواويلُ ناحبةَ الروحِ‏

    والريحُ تجري ورائي..‏

    ويجري ورائي بكائي!‏

    مللتُ انتظارَ المغيبِ‏

    وملّ الثواءُ ثوائي.‏

    وزوّجني الحزنُ عاشقةً‏

    تحملُ الماءَ في حزنها وتنامْ.‏

    أما آنَ بعدُ الأوانُ‏

    لأقرعَ بوابةَ الروحِ‏

    محتفلاً بالمراثي‏

    التي شيّعت طفلةَ القرويّ‏

    لتغفو إلى صفرةِ البيلسانْ؟‏

    كأنّ على العمرِ أن يتوقّفَ‏

    كي يتأمّلَ ما ضاعَ..‏

    تلك الفتاةُ التي رعرعتها الرياحين،‏

    وامتصّها حدقُ الليلِ..‏

    كنا نعمّرُ في الليل أصنامنا‏

    لننامَ فلمْ ننتبهْ‏

    للنجومِ التي تتلألأُ كالدمعِ‏

    لم ننتبهْ للحمامةِ وهي تحلّقُ فوق سماءِ الأذانْ!‏

    أما آن بعد الأوانْ؟‏

    لأرمي على زهرةٍ جسدي من بعيدٍ وأغفو‏

    على هذه الأرضِ؟‏

    لكنني آخذٌ في الغيابِ..‏

    الحمامُ الشهيّ على هوّةِ الروحِ‏

    يسقطُ منتحراً‏

    والأغاريدُ مشنوقةٌ فوق بوّابةِ اليأسِ‏

    هل أتهاوى على قبرِ حبّي الوحيد‏

    لأسمعَ رجعَ غنائي القديمِ‏

    يسوحُ على نغمةٍ في الكمانْ؟‏

    أما آن بعد الآوانْ؟‏

    لتلتفتَ الروحُ نحو الفتاة التي‏

    ضيّعَ الليلُ أجراسها ثم أهدى إليها‏

    خلاخيلَ كي تتزيّنَ للموتِ‏

    قبل ثلاثينَ عاماً قضتْ؟‏

    عاشقانِ وحيدانِ..‏

    تمشي فيمشي‏

    ويبكي فتبكي‏

    وينهمرُ القمحُ فوق الأرزِّ غزيراً‏

    ويحتضرُ الأقحوانْ!‏

    وأشهدُ للريح بالحزنِ آخرةَ الليلِ‏

    فالآن أبكي وحيداً على ما مضى!‏

    هذه الريحُ ثاكلةٌ،‏

    والغيومُ محدّبةُ الحزنِ فوق الهضابِ،‏

    وقلبي صغيرٌ على الناي!‏

    يا طائرَ الليلِ خبّرْ شبابيكهم‏

    بالذي كانَ من عمرنا وانقضى!‏

    .. وحيداً سأبكي‏

    كذئبٍ يعاركُ تلميذةَ القمح‏

    حزني قديمٌ كأغنيةٍ..‏

    مرّ أيلولُ بيني وبين الصبايا‏

    فمِلنا على شتلةِ القطنِ‏

    قلنا لها: ضمّدينا!‏

    امسحي دمعنا!‏

    كلما طعنَ الغيمُ أيامنا بالرحيلْ!‏

    .. وحيداً سأبكي‏

    بقربِ الصخورِ التي سالَ دمعي عليها‏

    فأيقظها الملحُ‏

    يسألني الموجُ عنها.. فينتحرُ المدُّ‏

    يسألها المدّ عني.. فينتحرُ الموجُ‏

    بيني وبين الصبايا‏

    وينتحرُ العاشقانْ.‏

    حزينٌ طريقُ العشيّةِ‏

    في آخرِ الحزنِ تأتي الكآبةُ‏

    تأتي الكماناتُ مبحوحةَ الصوتِ‏

    (لا أحدٌ) سوف يأتي‏

    (ولا أحد) سوف يذهبُ‏

    كلُّ الأحبةِ غابوا‏

    وضاعتْ ملامحهم في الترابْ!‏

    أنا الآن أكبرُ من هذه الأرضِ عمراً وأوهنُ..‏

    شاختْ بقرب انتظاري الصخورُ القديمةُ‏

    شاخَ أبو الهولِ‏

    وهو يفسّرُ لغزَ الحياة‏

    وما زلتُ أحفرُ بئرَ الوجودِ ولا أجدُ الماءَ‏

    .. أكبرُ من هذهِ الأرضِ‏

    أحرسُ أبوابها كالغرابْ.‏

    وأقرعُ طبلَ الزمانِ المجوّفِ‏

    في صالةٍ فارغهْ‏

    ولا من مجيبٍ ولا من مجابْ.

     

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()