الحمد لله والصلاة و السلام على خير رسل الله سيدنا محمد بن عبد الله..
وبعد، فقد ظهر في الفترة الأخيرة وباء ينتشر بين مجموعة من المتلطخين بالقاذورات وممن قلَّت مناعتهم فأصابهم في مقتلٍ فهم في ظلمات يعمهون.. ألا وهو وباء الإستهزاء برسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم.
فبدأ الأمر بمسرحيات تُعرض في بعض دور العبادة الشركية و امتد الأمر إلى مسابقة تجريها جريدة في الدنمارك لرسم رسول الله صلى الله عليه و سلم في صورة هزلية استهزائية كاركاتورية، وهذا الأمر امتد إلى ما يقارب الثلاثة أشهر.. فما أحلم الله!!
إن الذين يستهزءون برسول الله صلى الله عليه و سلم -برَّرَ من يبرر موقفهم أن بلادهم فيها حرية رأيٍ فهم طالما لم يتعدوا على أشخاص بعينهم فلا حرج- نسوا أن من تعدى على والدك أو وريثك فلك الحق في مطالبته, وقد قال تعالى { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [الأحزاب:6]، وقال جلَّ شأنه: { إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران:68].
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم « نحن أولى بموسى منهم »، فكل الأنبياء نحن (المسلمين) أولياؤهم وهم أعلى من أنفسنا فلابد من الذبِّ عن جاههم صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين، فهذا هو تكييف القضية بل أعلى من ذلك من حيث الدفاع عن من هم أقل رتبة من الأنبياء قال تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } [التوبة:71]، وقال: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُون } [المائدة:55-56].
*هل الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه و سلم أمر محدث لم يظهر إلا في هذه الأيام؟
الإجابة نجدها في كتاب الله عز وجل.
1- البيان بأن هذا دأبُ من لا خلاق له مع رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم:
- { يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون } [يــس:30].
- { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون } [الزخرف:7].
- { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ } [الحجر:11].
2. ثم قام المشركون مع ذلك بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم:
- { وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ } [الأنبياء:36].
- { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً } [الفرقان:41].
- { وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } [الحجر:6].
3. فطيَّب الله نفس النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك حدث لرسلٌ من قبله فعاقب الله المستهزئين:
- { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ } [الأنعام:10].
- { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } [الرعد:32].
- { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون } [الأنبياء:41].
فذكر الله عز وجل عقوبتين عاقب بهما المستهزئين بالرسل:
أ- { فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ }، أي جاءهم العذاب الذى كانوا يستبعدون وقوعه. كما قال تعالى { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ } [الأنعام:34].
ب- { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ }، أي أنظرتهم و أجَّلتهم ثم أخذتهم أخذةً رابية، { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ } [الحـج:48]. وفي الصحيحين « إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته »، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [هود:102].
واعلم أخي المسلم أن الفقهاء اتفقوا على قتل من سبَّ نبياً من الأنبياء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الأنبياء صلوات الله عليهم معصومون فيما يخبرون به عن الله سبحانه, وفي تبليغ رسالاته باتفاق الأمة, ولهذا وجب الإيمان بكل ما أوتوه كما قال تعالى: { قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [البقرة:136-137]. وقال جل شأنه وتقدست أسماؤه: { ولَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } [البقرة:177].
وقال: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [البقرة:285]، بخلاف غير الأنبياء فإنهم ليسوا معصومين كما عصم الأنبياء ولو كانوا أولياء الله, ولهذا كان من سبَّ نبياً قتل باتفاق الفقهاء ومن سب غيرهم لم يقتل, وهذه العصمة الثابتة للأنبياء هي التي يحصل بها مقصود النبوة والرسالة." انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
فقوله رحمه الله: "ولهذا من سبّ نبياً من الأنبياء قتل باتفاق الفقهاء"، قول من اطلع على مذاهب أهل العلم واختلافهم لا من خرج برشاشة من الفقه إن كانت كذلك.
4. وأخبر الله عن عقوبة المستهزئين بالرسل في الآخرة:
ففي سورة الكهف أخبر تعالى أنهم لا وزن لهم يوم القيامة، فهم كالذر، ومن ثم يلقون في النار { أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا } [الكهف:105-106], وفي سورة الجاثية أخبر سبحانه أنه ينساهم في النار فلا يخرجون منها: { وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِين . ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ َ } [الجاثية:34-35].
5. إعلام من الله عز و جل أن المستهزئ برسل الله جهَّلَ نفسه في الحقيقة من حيث لا يشعر { قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ } [البقرة:67].
6. و قد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه و سلم و أمته ألا يوالوا من يستهزئ بدينهم { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [المائدة:57].
7. بل انتقل الأمر إلى هجر المجالس التى يدار فيها أي نوع من أنواع الاستهزاء، وأن من جلس في هذا المجلس ولم ينكر فهو منهم { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا } [النساء:140]، { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [الأنعام:68].
8. وأخبر تعالى أن هذا الاستهزاء، وإن كان على سبيل اللعب، فصاحبه كافر وإن لم يقصد الكفر؛ { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ . لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } [التوبة:65-66].
9. وهذا الاستهزاء إن خرج من غير الكافر فإنه يدل على نفاقه { يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ } [التوبة:64].
10. وأخيراً بيان من الله تعالى لخير رسله قال فيه { إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ } [الحجر:95]، وذلك باللسان والسنان وفضح المستهزئ وبيان عوره بين الأنام.
*موقف الأمة الإسلامية من الرسل صلوات الله تعالى عليهم أجمعين
قال تعالى: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [البقرة:285].
فلو فرضنا أن أحداً لم يستهزى برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما استهزئ بعيسى بن مريم فما موقفنا من ذلك؟ نقول له إن كنت ممن يدعى الإسلام فقد كفرت بقوله تعالى: { وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا } [النساء:136].
• موقف الأمة الاسلامية أنهم لا يفرقون بين رسل الله تعالى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً . أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا . وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } [النساء:150-152].
• وانظر إلى هذا التدريج:
1- جاء الأمر من الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول أنه آمن برسل الله وما أنزل الله عليهم: { قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [آل عمران:84].
2- ثم جاء الأمر للأمة الاسلامية أن يقولوا ذلك: { قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } البقرة:136].
3- ثم جاء الأمر الصريح بأن نؤمن بالله ورسله: { مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [آل عمران:179].
• ثم بين الله تعالى لنا وظيفة الرسل:
1- لإقامة الحجة على الناس : { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } [النساء:165].
2- الدعوة للتوحيد { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } [النحل:63]، { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ } [الأنبياء:25].
3- هداية الخلق { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } [الرعد:7].
4- إنذار الخلق { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ } [فاطر:24].
5- بشارة المؤمنين { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } [النساء:165].
6- ليقوم الناس بالقسط : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } [الحديد:25].
• بل إن الأمة الاسلامية هي الأمة المدافعة عن الأنبياء المنكرة على منتقضيهم والمنتقمة ممن ءاذاهم { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [البقرة:91].
• روى ابن أبي حاتم بسنده « عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة؟ قال: رجل قتل نبياً أو من أمر بالمعروف و نهى عن المنكر »، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ } [آل عمران:21-22]، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يا أبا عبيدة قتلت بنو اسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً من أول النهار في ساعة واحدة، فقام مائة وسبعون رجلاً من بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر، فقتلوا جميعاً في آخر النهار من ذلك اليوم فهم الذين ذكر الله ».
{ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } [البقرة:253].
{ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ } [الإسراء:55].
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
{ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ } [آل عمران:81].
ما بعث الله نبياً إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي إلا آمن به واتبعه وأقر بذلك الأنبياء أجمعون. ثم أخذ الله الميثاق والعهد على أتباع الأنبياء بأمر الأنبياء لهم لئن بعث محمد وأنتم أحياء لتؤمنن به، وما من نبي إلا أخذ على قومه هذا الميثاق { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [الأعراف:156-157].
• هذا كعب الأحبار يخبرنا بعجب العجاب عن محمد صلى الله عليه و سلم وأمته. روى ابن جرير عن إبراهيم بن المغيرة أقبل وهو يريد بيت المقدس فمر على المدينة فخرج عليه عمر فقال: يا كعب أسلم. قال: ألستم تقرأون في كتابكم: { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا } [الجمعة:5]، وأنا قد حمّلت التوراة، فتركه عمر. فخرج كعب حتى إذا انتهى إلى حمص فسمع رجلاً من أهلها حزيناً، وهو يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً } [النساء:47], فقال كعب: يا رب آمنت يا رب أسلمت مخافة أن تصيبه هذه الآية، ثم رجع فأتى أهله في اليمن ثم جاء بهم مسلمين وفي رواية يقول كعب! فبادرت الماء فاغتسلت وإني لأمسح وجهي مخافة أن أطمس ثم أسلمت.
قال ابن القيم في كتاب هداية الحيارى: "وفي الثقفيان أن كعباً رأى حبر اليهود يبكي فقال له: ما يبكيك؟ قال: ذكرت بعض الأمر..
فقال كعب: أنشدك الله لئن أخبرتك ما أبكاك لتصدقني؟ قال: نعم.
قال: أنشدك الله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال رب: إني أجد خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالكتاب الأول والكتاب الآخر، ويقاتلون أهل الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الدجال
فاجعلهم أمتى قال هم أمة أحمد يا موسى. قال الحبر: نعم.
قال فأنشدك الله هل تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال يا رب إني أجد أمة هم الحمادون رعاة الشمس المحكمون، إذا أرادوا أمراً قالوا نفعل إن شاء الله فاجعلهم أمتي، قال هم أمة أحمد يا موسى, قال الحبر: نعم.
فقال كعب فأنشدك الله أتجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال يا رب إنى أجد أمة إذا أشرف أحدهم على شرف كبر الله و إذا هبط حمد الله، الصعيد طهورهم والأرض لهم مسجد, غرلاً محجلين من آثار الوضوء فاجعلهم أمتي, قال هم أمة أحمد يا موسى؟ قال الحبر: نعم.
قال كعب: فأنشدك الله، أتجد في كتاب الله أن موسى نظر في التوراة فقال يا رب إني أجد أمة مرحومة ضعفاء أورثتهم الكتاب فاصطفيتهم لنفسك فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات، فلا أجد منهم أحداً إلا مرحوماً فاجعلهم أمتي, قال هم أمة أحمد يا موسى؟ قال الحبر: نعم.
قال كعب: أنشدك الله أتجد في الكتاب أن موسى نظر في التوراة فقال يا رب إني أجد أمة مصاحفهم في صدورهم، يصطفّون في صلاتهم كصفوف الملائكة، أصواتهم في مساجدهم كدوي النحل، لا يدخل النار منهم أحد إلا من برئ من الحسنات مثل ما برئ الحجر من الشجر، قال موسى فاجعلهم أمتي, قال هم أمة أحمد يا موسى؟ قال الحبر: نعم.
فلما عجب موسى من الخير الذي اعطى الله محمداً وأمته قال: ياليتني من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فأوحى الله إليه ثلاث آيات يرضيه بهن:
{ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي } [الأعراف:144].
{ وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [الأعراف:159].
{ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ } [الأعراف:145].
فرضي موسى كل الرضى.
(هداية الحيارى، ص 194،193 )
اللهم صلِّ على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليماً كثيراً..
ولو أنهم أنفسهم -أي المستهزءون بنبينا محمد صلـى الله عليه وسلم- استهزءوا بالمسيح عليه السلام سننكر نحن ذلك أم لا؟
بالطبع ننكره بقوة، لا نفرّق بين أحد من رسله، وكذا لو استهزءوا بموسى أو أي نبي آخر، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.