شهدت العقودُ الأخيرةِ في عصرنا الحاضر ثورةً مذهلةً في تقنيةِ الاتصالات، وفوجئَ العالم بما يُسمى بالبث المباشر، الذي أتاح الفرصة لمشاهدة ما يبثهُ الآخرون بعُجره وبجره، دون حسيبٍ أو رقيب.
ثم كانت صاعقةُ الانترنت المدهشة، التي جعلت بالإمكان تصفح ملايين المواقع ذات الأهداف المتباينة، والمضامين المتنافرة، والتي تطفحُ بفسادٍ عريض، وخيرٍ لا يُستهان بأهميته.
وتلقف الناس كعادتهم هذا الوافد الجديد، فكانوا ما بين ظالمٌ لنفسه ومقتصد، وسابقٌ بالخيرات بإذن ربه.
لقد تصفّح الناسُ هذه الشبكة العنكبوتية، فتبيّن لكلِّ ذي لبٍ أنَّها تحمل بين طياتها الغث والسمين، والنافع والضار، فهناك المواقع العلمية النافعة، والنوافذُ الدعوية المؤثرة، والصفحات التربوية الجذابة، التي قرّبت المعلومة ويسّرت الفتوى، وبدّدت الحيرة لدى المتصفح الجاد، وكم من كتابٍ أمكن تحميلهُ بلمسةِ أُنملة !!
وكم من بحثٍ أمكن تخزينهُ والاستفادة منهُ في دقائق بل ثواني معدودة، وبالجملةِ فقد كان للشبكة العنكبوتيةِ منافعها الجمَّة وكنوزها الثمينة، لا يجحدها كلُّ من تعامل بوعي وإدراك مع مواقعها.
وفي المقابل استغل المنصّرون ولصوص العقائدِ وقراصنة الأخلاق تقنية الشبكة، وسهولة العَرْض عبرَ صفحاتها، فأنشأوا ملايين المواقع التنصيرية والإباحية، التي تهدمُ العقائد والقيم، وتنشرُ الرذيلة والفساد، فضلاً عن استنزاف الأوقات، وتضييع الأموال، وتشتيت الجهود.
وتغييبِ الأمة عن أسباب نهضتها، ومبعث عزتها، وسرّ وجودها، واستخلافها في الأرض.
إنَّ المسلم العاقل لا يشكُّ لحظةً واحدةً أنّ هذه الأهداف التي خطط له الأعداء، واستماتوا في تحقيقها، أضرار محضة، تستهدف المستخدم المسلم في عقيدته وأخلاقه وقيمه !!
ومن هُنا كان لا بدّ من بث الوعي الإسلامي، وتقديم الثقافة الشرعية المركزة، عبر الوسائل المتاحة وعلى رأسها الإنترنت، لتبصير الأجيال، وتثقيف الشعوب الإسلامية، بكيفية التعامل الصحيح المتزن مع الشبكة، وتحذيرهم من الوقوع في شباك المنصرين، والمشككين والإباحيين !!
لا بدَّ من التحذير المستمر في المدارسِ والمعاهدِ والجامعات، ولا بُدَّ من عقد المؤتمرات والجلسات، وتقديم البحوث حول ظاهرة الإنترنت، التي فاجأت العالم دون أن يحسب لها حساباً، وتضرر منها الملايين سيما المسلمون منهم !!
إنَّ بالإمكان وضع حلولٍ مناسبة، تحقق الفائدةُ من الشبكة وتخففُ من مضارها الكثيرة، لو صلحت النوايا واستيقظ المسؤولون من سباتهم العميق، وتصدوا للظاهرة بموضوعيةٍ وتعقل وإخلاص، لكن يبدو أنَّ العالم الإسلامي لا يستيقظُ دائماً إلا متأخراً، ولا يصلُ المحطة إلاَّ بعد أن يفوت القطار !!