بتـــــاريخ : 9/6/2008 6:22:52 PM
الفــــــــئة
  • التربيــــــــــة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1144 0


    القدوة كطريقة لتعليم القيم الأخلاقية

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : د. حميدة عبد العزيز إبراهيم | المصدر : www.almurabbi.com

    كلمات مفتاحية  :

    تعتبر القدوة كطريقة للتعليم من أهم الطرائق وأكثرها فاعلية ولا سيما في مجال القيم الأخلاقية .. وفي المجتمع الإسلامي يعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، هو القدوة الأولى ؛ إذ يقول تعالى : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " ( الأحزاب / 21 ) ، ولأن الله سبحانه وتعالى  وضع في شخصه صلى الله عليه وسلم الصورة الكاملة للمنهج الإسلامي ، الصورة الحية الخالدة على مدار التاريخ .

    من هنا وجب على المسلمين أن يتمثلوا خطا رسول الله وطريقته في التعليم ، وأن يكون كل من يتصدى لمهمة التعليم ، نموذجا صالحا يترجم بأفعاله ما يقوله بلسانه حتى يقتدي به من يتعلمون منه ، وبذلك يترجم معنى القدوة ترجمة عملية صحيحة .

    فالقدوة تعني وجود نموذج سلوكي يحاكيه أو يقلده المتعلم ، وبذلك تتضمن القدوة عدة أطراف ؛ فتتضمن المقتدي أي الشخص المقلد أو المحاكي ، والمقتدى به وهو الشخص الذي يمثل نموذجا سلوكيا يقلده الآخرون ، بالإضافة إلى موضوع التقليد ، وهو محتوى الأفعال السلوكية .

    وتعتبر القدوة كطريقة تعليمية على جانب كبير من الأهمية ؛ لأنها الوسيلة الأكثر فاعلية والتي تتمشى مع حاجات المتعلمين وميلهم إلى المحاكاة و التقليد ( كصغار ) أو التقمص ( كمراهقين ) ، وبالتالي كلما كان المسئولون عن تنشئة الفرد مثالا طيبا في سلوكهم ، كان ذلك أبلغ في تعليم القيم الأخلاقية من استخدام الأسلوب اللفظي القائم على التلقين المباشر ، حيث تعمل القدوة على تقديم نموذج سلوكي حي يكون المتعلم حياله أكثر استجابة وتأثير ، فيعمل على محاكاة ذلك النموذج ويحاول أن يتشربه ، حتى يصل إلى درجة من التوحد مع ذلك النموذج .

    والمتتبع للنصوص الدينية المتعددة ، يجد أن الإسلام قد دعا بصورة مؤكدة إلى استخدام القدوة كطريقة في التعليم فالله سبحانه وتعالى حدد لمن يتصدى لمهمة تعليم الناس ، أن يطبق على نفسه ما يقوله ويأمر به الآخرين ، لأن ذلك أدعى لاقتناع المتعلم واستجابته ، يقول تعالى " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون " ( البقرة / 44 ) .. ولعل في قول الله " أفلا تعقلون " إشارة إلى أن عدم التزام المعلم في سلوكه بما يعلمه للآخرين ؛ أمر يتنافى مع منطق العقل السليم ، ونفي العقل عمن يفعل هذا دليل على أنه حاد عن منهج الحق ، ولهذا نبه القرآن إلى أن من صفات عباد الرحمن ، سعيهم ورغبتهم في أن يكونوا قدوة طيبة إذ يقولون " ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا فرة أعين واجعلنا للمتقين إماما " (الفرقان / 74 ) .

    كما حذر القرآن وهدد الذين لا يلتزمون بما يقولون " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " ( الصف / 2 – 3 ) فالإنسان الذي يقول مالا يفعل توعده الله بالمقت ، وعلى ذلك وجب على المعلم أن يكون حاله كمقاله .

    ومما يدل على حرص الإسلام على أن يكون الإنسان قدوة حسنة ، أن الإسلام جعل للإنسان إذا اقتدى به أحد ، مثل جزاء من اقتدى به ثوابا أو عقابا بالإضافة إلى جزائه هو على فعله ،  يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث رواه مسلم : " من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء " ، وقال صلى الله عليه وسلم أيضا في حديث متفق عليه : " ليس من نفس تقتل ظلما إلا كان على بن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل "

    ولا شك أن هذا يحتم على من يتصدى لمسئولية غرس وتنمية القيم الأخلاقية ، ألا يضع في اعتباره مجرد نتاج جهوده كما تتمثل في تغيرات نمائية في أخلاق النشء وكفى ، وإنما عليه أن يأخذ في اعتباره أيضا ما يترتب على التكوين الأخلاقي لدى هؤلاء النشء ، من سلوك خير أو شرير يستتبع الثواب أو العقاب ، ولعل هذه الحقيقة تمثل احدى النقاط الهامة التي تميز التعليم في الإسلام من غيره ، فمسئولية المعلم لا تنتهي بتحقيق أهداف العملية التعليمية ، وإنما من المنظور الإسلامي ينال المعلم من الأجر أو الوزر تبعا لما يناله من تعلموا منه ، وهذا يؤكد ضرورة أن يكون المعلم قدوة طيبة لينال أجر من اقتدوا به .

    وعلاوة على الأساس الديني السابق للقدوة كطريقة لتعليم القيم الأخلاقية ، فهناك أيضا أساس نفسي لها يتمثل في حاجة وميل المتعلمين الصغار للتقليد الحرفي لسلوك الكبار ( المحاكاة ) ليتحقق نوع من الأمن النفسي لدى الطفل نتيجة لتكيفه مع ما يحيط به ..  وفي مرحلة عمرية تالية من عمر المتعلم ، وخاصة في مرحلة المراهقة ، تبرز لدى المتعلم الحاجة والميل إلى تشرب الشخصية الكلية للكبار الأقرب إليه ( التقمص ) ، والتي يرى في خصائصهم الشخصية والسلوكية المثل الأعلى الذي يسعى إلى التوحد معه ... مما يعني أنه ومن الناحية النفسية أن المتعلم لديه الرغبة للاقتداء في تقليد الكبير أو من يعجب به ، ولديه أيضا الاستعداد للاقتداء ، مما يوجب على المعلمين مراعاة استعدادات المتعلمين عند تقديم نماذج سلوكية لمحاكاتها والتوحد معها .

    وسواء طلب المعلم من المتعلمين بطريقة مباشرة محاكاة سلوكه الأخلاقي ، أو تركهم بطريقة غير مباشرة يتشربون ذلك من خلال سلوكه وتفاعله معهم وأمامهم داخل وخارج الصف .. سيظل المعلم وبمدى قدرته على تجسيد القيم الأخلاقية في أقواله وأفعاله وسكناته وحركاته ، العامل الأكثر خطورة وتأثيرا في النمو الأخلاقي للمتعلمين ، ومن ثم يكون هو أيضا العامل الأكثر تحديدا لما سيئول إليه شكل التفاعل الأخلاقي في المجتمع .

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()