بتـــــاريخ : 7/2/2013 8:39:19 AM
الفــــــــئة
  • التربيــــــــــة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 2471 0


    هل اللعب ضروري لنمو شخصية الطفل؟

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : ابو وليد المهاجر | المصدر : www.forsanhaq.com

    كلمات مفتاحية  :
    تربيه نفس اللعب شخصية الطفل

    هل اللعب ضروري لنمو شخصية الطفل؟
    نجيب الجباري


    http://www.alarab.net/data/news/2012/01/08/paige.jpg

     

    لماذا يصر بعض الآباء والأمهات على اعتبار اللعب نوعاً من الجهد الضائع وانحطاطاً في السلوك؟ وهل اللعب فعلا كما يرى هؤلاء الراشدون مضيعة للعوقت وملهاة عن التحصيل وعائقاً للنجاح الدراسي؟ وهل يحق للآباء مخاطبة فلذات أكبادهم بعبارات من قبيل: كفى من اللعب، المزيد من الجدية، عليكم أن تكونوا جديين أكثر··<؟؟ ظناً منهم أن اللعب سلوك فارغ من كل محتوى وظيفي، ومجرد تسلية مريحة أو تفريغ لطاقة كامنة!!
    يخطئ الآباء عندما يعتقدون أن اللعب مجرد استمتاع عاديٍ وكمالية غير ضرورية، تضيع وقت الطفل وتجعله يهمل واجباته المدرسية وتؤدي به إلى الفشل في حياته الدراسية·

     

    لقد غاب عن مثل هؤلاء الآباء أن اللعب ضرورة أساسية عند الطفل، وحاجة مهمة ونشاط مرغوب وتلقائي مرغوب فيه نظرا لما يوفره للطفل من متعة وفائدة وتسلية وترويح عن النفس·

     

    لقد أصبح موضوع اللعب من الموضوعات التي تحظى بالكثير من المقاربات والأبحاث التربوية والنفسية المتخصصة إيمانا منها بأهميته وضرورته باعتباره نشاطاً لازماً لنجاح الطفل في حاضره كما في مستقبله عندما يصير راشداً·
    فباللعب يستطيع الطفل أن يعبر عن ميوله ورغباته، وبواسطته يتصل بالعالم الخارجي، ومن خلاله يكون شخصيته وينميها علـى المستوى الحركي والنفسي والاجتماعي·
    واللعب يبدأ منذ الشهور الأولى لولادة الطفل >فالطفل يحرك باستمرار يديه وأصابع يديه وقدميه، ويثرثر بالكلام ويصيح فيتعلم السيطرة على جسمه< (1)
    وهكذا تكون هذه الأنشطة الحركية الخاصة بالإمساك بالأشياء وتحريكها وتفحصها والاهتمام بها البداية الحقيقية لسلوك اللعب لدى الطفل، وهو سلوك يرتبط بشكل واضح بحب الاستطلاع والاستكشاف لديه، كما يرتبط أيضاً بعمليات التذوق والإبداع بعد ذلك·

     

    ويرى الدكتور شاكر عبدالحميد أن هناك >ثلاثة عوامل تدعو الطفل إلى تناول الأشياء ومحاولة استكشافها واللعب بها، هي الجدة والتعقيد والغرابة< (2)·
    إن ما يعتبره بعضنا إتلافاً للوقت وهدراً للطاقات هو في الواقع >نشاط ضروري يقوم به الطفل لنمو شخصيته وليس ميولاً شريرة كما يظن آخرون< (3)·
    اللعب والنمو الحسي - الحركي:
    إن النمو سيرورة تطور وتغير لحالة أو وضعية في اتجاه تصاعدي كمياً وكيفياً، إنه كما يرى >وولمان wolman< >يعني الزيادة في التعقيد، وتنظيم العمليات والبناء من الميلاد إلى الوفاة، وذلك نتيجة كل من النضج والتعلم<(4)
    تعرف حياة الطفل منذ ولادته تطورات بيولوجية وفزيولوجية سريعة ودقيقة على المستوى العظمي والعضلي والفزيولوجي الحركي والسيكو-حركي وتعتبر التقنيات التربوية والتنشيط وإبراز دور اللعب في التعلم والاعتماد على الأنشطة الحس، حركية من أهم ما أتى به المشروع الذي أبدعه المفكر التربوي >فروبيل< والذي أبرز أهمية التربية النشيطة وضرورة منح حرية أكبر للطفل، وربط التعلم بالفعل في الأشياء وبها·
    وتعتبر الحركات الأولى التي يقوم بها الطفل الصغير كملامسة الأشياء أو القبض عليها ووضعها في فمه أو إخراج اللعاب أو الابتسام وتحريك الفم ومختلف الأعضاء·· هي سلوك لعبي يتمتع به الطفل منذ ولادته بالرغم من أنه يكون في هذه المرحلة غير قادر على التحكم فيه إلا أنه يساعده في عملية التعلم·

     

    وفي هذه السنين المبكرة يرتبط اللعب بسلوك استكشافي ينمي ذكاء الطفل ويكسبه المزيد من الخبرات والتجارب وإدراك العلاقات بين الأشياء وما ينتج عنها· فخلال هذه الفترة يكون عليه أن يعرف عالم الأشياء وعالم الموضوعات·
    لكن من العسير الإلمام بكل الألعاب التي تؤدي إلى النمو الحركي للطفل لكثرتها واختلافها من بيئة إلى أخرى، ولكن يمكن أن نذكر من هذه الألعاب الركض والقفز، فتح عين وإغلاق أخرى، وضع اليد على الأذنين لسماع صدى الأصوات، التأرجح، تعلم ركوب الدراجة ومحاولة قيادتها دون الإمساك بالمقود، اللعب بالرمال والماء وخصوصا على شاطئ البحر·
    كل هذه الألعاب تحقق للطفل متعة كبيرة وتغيرات ظاهرة بشكل مستمر وفوري في شخصيته، وينصح الدكتور >هشام شرابي< الآباء والمربين بعدم إزعاج الطفل عندما يكون في حالة اللعب، لأنه في هذه الحالة >·· لا يلعب فحسب بل يقوم بتنمية مهاراته< (5)

     

    اللعب والنمو المعرفي:
    يعتبر مشروع >بياجي< في السيكولوجيا التكوينية أو ما سمي بعلم تكوين المعرفة من أكبر المقاربات العلمية لسيكولوجيا النمو المعرفي الطفولي وأهمها في الوقت الحاضر·
    وقد حظي مبحث اللعب في مشروع >بياجي< التربوي بحظ وافر من الاهتمام باعتباره وسيلة للتعلم عند الصغار، قوية وفعالة إلى حد أن الأطفال يتحمسون للأشغال التي يكرهونها عادة كتعلم القراءة والحساب وإلاملاء كلما توصلنا إلى تحويل هذه الاشغال إلى ألعاب<(6)·
    ويسهم اللعب الإيهامي أو التمثيلي في تنمية شخصية الطفل عندما يلجأ الى تمثيل أدوار من يكبرونه سناً· ويقوم هذا النوع من اللعب على الخيال، إنه عملية معرفية وتخيل يصور ذهنية تنبئ بوجود قدرة على التمثيل والإبداع والابتكار وتنظيم العناصر والأشياء وتحويل الموضوعات إلى رمز، وهذا هو الأساس الذي تقوم عليه عملية التفكير ذاتها·

     

    لذا عرف >بياجي< اللعب الإيهامي بأنه >التحول من النشاط الوظيفي العملي إلى النشاط التصويري أي من الأفعال إلى الأفكار<(7)، وتعتبر لعبة الدمية نموذجاً لهذا اللعب الذي ينمي شخصية الطفل المعرفية والعقلية حيث تتخيل الطفلة نفسها أما والدمية صغيرتها فتمني هذه اللعبة عريزالأمومة لديها وتكون وسيلة للتمثيل الرمزي للكثير من الوقائع التي تعيشها دون أن تكون قد استوعبتها بعد· ونفس الأمر بالنسبة للعبة تخيل العصا حصاناً والكرسي أو الوسادة سيارة، ولعبة المحاكاة أو التقمص وغيرها من الألعاب التي تتيح للطفل إعادة تنظيم عناصر مجاله إلادراكي، وتنبئ >بوجود القدرة على التمثيل، وامتداداً لتصورات الاستيعاب، عندما يستطيع الفرد القيام بحركة معينة، فإن الطفل الذي يرى حركة الأشياء أو الأشخاص يستوعبها لذاتها، وهذا الاستيعاب من حيث إنه حركي ومرئي يحفز التصور الذاتي< (8)·

     

    اللعب والنمو الاجتماعي:
    لا تكمن قيمة اللعب فقط في اعتباره عنصراً أساسياً في تكوين وتطوير شخصية الطفل حركيا ومعرفياً من جهة، وفي إسهامها في التوازن وتحقيق الذات من جهة أخرى، بل إن اللعب لمنح فرص متعددة للتحاور مع الأطفال الآخرين من مختلف الأعمار، ويشكل فضاء لممارسة الحرية والتربية على حقوق الآخر والاعتراف به وقبول رأيه واحترامه··
    وهكذا لا يمكن فصل نمو الطفل عن البؤرة الاجتماعية التي تحدد مساراته وأنماط حياته، حيث إن المحيط الاجتماعي يعتبر الفضاء الحيوي الذي يحتضن كل أبعاد وجود الطفل، ويعمل بالتالي على بلورتها وتكييفها حسب الخلفية الاجتماعية والثقافية والعقائدية التي تشكل الخصوصية الحضارية والهوية الثقافية والدينية لمجتمعه·
    من هنا كان اللعب أحد الوسائل المهمة لعملية التنشئة الاجتماعية، لأن الطفل بمزاولته للعب يدخل في علاقات مع الآخرين ويتقاسم معهم الأنشطة وذلك بتوزيع الأدوار وفقاً لقوانين معينة أخلاقية واجتماعية·· تعلم الطفل المنافسة الشريفة وقبول الهزيمة وتمثل فكرة الديموقراطية، وتنمي فيه روح الانتماء للجماعة وتساعدة على التكيف الإيجابي مع قيم المجتمع السائدة، ونبذ الأنانية·· الخ·

     

    اللعب والنمو النفسي العاطفي:
    يعتبر لعب الطفل في نظر >بياجي< تجيسداً لتفتح الأنا وتحقيق الرغبات، إنه يجيب دون شك عن حاجة عميقة داخل شخصيته· إن للعب فوائد نفسية حمة تعود على الطفل بالايجاب حيث يجدد نشاطه ويروح عن نفسه ويظهرها من الأخلاق الفاسدة، ويهذب ذوقه ويسهم في تنمية خياله ويقوي ذكاءه، واعتبر >فرويد< اللعب فرصة يعبر الطفل من خلالها عن ما يشعر به من إحباط وتوتر وخوف نتيجة الكبت الذي يعانيه بسبب القيود الأسرية والمجتمعية التي تطوقه وتقيد حاجاته وتوجه ميوله·
    ويرى الدكتور مصطفى حجازي أنه >من خلال اللعب وتوسل الدراما والخيال الايهامي، يعالج الطفل نفسه ويخفف من مأزقه ويستعيد شيئا من توازنه· ويعتبر علماء النفس العياديين أن لعب الطفل هو بمثابة تداعياته وأحلامه<(9) ويذهب الدكتور محمد عباس نور الدين نفس المذهب عندما يؤكد على أن اللعب >يتيح للإنسان فرصة للتعبير الهادئ عن غرائزة ودوافعه الموروثة< كما أنه >فرصة للتنفيس عن انفعالاتنا وتنظيمها بشكل يجعلها لا تخرجنا عن سلوكنا المألوف< (10)·



     

    الخلاصة:
    وبعد، فإذا كان للعب كل هذا الدور والأهمية في تكوين ونمو شخصية الطفل، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح منا هو أين يقف دور الراشدين وخصوصا الآباء والامهات؟ وما حجم تدخلهم في فضاء الطفل وعالمه؟
    الواقع أن أولياء الأمور كثيراً ما يعرقلون لعب الأطفال ويضعون لهم شروطاً وقيوداً بدءا من اختيار اللعبة مروراً بربط اللعب بالفشل أو بالنجاح متناسيين أن الأمر يتعلق بمجرد اللعب·
    إن تدخل الآباء يجب أن يقف عند حدود الإشراف على لعب أطفالهم وتمكينهم من ممارسة ألعاب تساعدهم على النمو وتتناسب ومستواهم الجسدي والعقلي، وتكون من النوع الذي ينمي معرفة الطفل بالعالم الخارجي وبقضاياه ومشاكله، وتوفر له فرص إشباع رغباته البيولوجية والنفسية والاجتماعية، دون تدخل مباشر يفسد على الطفل متعته ويحول دون أداء لعبه وظائفه النفسية والاجتماعية والتربوية، كما يجب على الأسرة أن لاتختار لأبنائها لعباً مستوردة من الخارج لأن معظمها يعكس نموذجاً مختلفاً من الحياة والقيم والسلوكات ويعمل على استيلاب الطفل وعزله عن الوسط الذي يحيا فيه، مما يضعف لديه الشعور بالانتماء الوطني وبالهوية الإسلامية، وهو أمر بالغ الخطورة لأن مثل هذه الألعاب >تشكل أحد أبرز مظاهر الغزو الثقافي للطفل العربي<(11)·



     

    هوامش وإحالات:
    1- د· سوزان ميلي: سيكولوجية اللعب: ترجمة: د· حسن عيسى· ص· 16سلسلة عالم المعرفة - عدد 120-1987 ·
    2- التفضيل الجمالي: دراسة في سيكولوجية التذوق الفني ص 221 سلسلة عالم المعرفة ع 267 مارس 2001 ·
    3- د· ملاك جرجس: مشاكل الصحة النفسية للأطفال· ص M6- الدار العربية للكتاب 1985 ·
    4- نقلا عن: مجموعة من الأساتذة: سلسلة التكوين التربوي ط1- 1994- البيضاء/ المغرب ص65 ·
    5- د· هشام شرابي: مقدمات لدراسة المجتمع العربي- دار الطليعة - بيروت 1991 ص143 ·
    6- علم النفس وفن التربية - ترجمة محمد بردوزي - دار توبقال للنشر - المغرب -ط4-1990 ص M6·
    7- نقلا عن الدكتور محمد عباس نور الدين: التنشئة الاجتماعية للطفل - سلسلة المعرفة للجميع العدد 1 منشورات رمسيس المغرب 1998 ص63 ·
    8- د· مريم سليم: علم تكوين المعرفة، ابستمولوجيا بياجيه ص 206، معهد الانماء العربي، الطبعة 1، 1985 ·
    9- د· مصطفى حجازي: ثقافة الطفل العربي بين التغريب والأصالة، منشورات المجلس القومي للثقافة العربية، الرباط 1990 ص170 ·
    10- التنشئة الاجتماعية للطفل ·م·م ص74-75 ·
    11- حجازي مصطفى: م·م·ص 60 

     

     

     

    كلمات مفتاحية  :
    تربيه نفس اللعب شخصية الطفل

    تعليقات الزوار ()