كارثة بكل ما تعنيه الكلمة تنتظر المستشفيات التابعة للأمانة العامة للصحة النفسية، بوزارة الصحة، وعددها 18 مستشفى، تتمثل فى اختفاء 5 مجموعات دوائية من الأدوية الأساسية المستخدمة فى العلاج النفسى، ويوشك رصيد تلك الأدوية على الوصول لمرحلة الصفر، خاصة أن تلك المستشفيات تعتمد حتى الآن على الأدوية الموردة إليها، حوالى 45 صنفا دوائيا لعلاج 50 ألف مريض، بموجب مناقصة أدوية 2010/2011، فى حين لم يتم طرح مناقصة عامى 2012/2013 حتى تلك اللحظة، رغم أن المناقصة تطرح فى الفترة من يناير إلى مارس، لكن لم يتم طرحها دون وجود أسباب واضحة لذلك.
وتتمثل المجموعات الدوائية الناقصة فى أدوية علاج الصرع carbamazefine 200mg، وأدوية علاج الفصام والأمراض النفسية المشابهة Haloperidol 50mg, Thioridazine 25mg، المهدئات المضادة للهياج العصبى والأرق Oiazepam 2mg 5mg 10mg، ومضادات الاكتئاب Clomipramine, Amitrirty, Imipramine, Nortripty، والأدوية باسطة العضلات والتخدير الجزئى المستخدمة أثناء جلسات تنظيم إيقاع المخ "جلسات الكهرباء" Suxamethonium, Atropine sulphate.
وتعد تلك المجموعات الدوائية هى المجموعات الأساسية المستخدمة فى كل الأمراض النفسية تقريبا، ولا تتمثل الأزمة فى نقص الأدوية فحسب، بل لأن أدوية العلاج النفسى لها وضع خاص بخلاف الأدوية المستخدمة لعلاج أى مرض عضوى آخر، ويتمثل فى أن المريض يعتمد على تلك الأدوية لفترات طويلة تصل لأشهر أو لسنوات، وأن تأثير العقار يختلف من مريض لآخر، وفى حالة استقرار حالة المريض على دواء معين، يؤدى تغييره إلى مضاعفات كثيرة تصل للانتكاسة، وهو أمر فى منتهى الخطورة بالنسبة للمريض النفسى.
وتؤكد الدكتورة مروة عبد الحميد، مدير إدارة الصيدلة بالأمانة العامة للصحة النفسية، والمسئولة عن توريد الأدوية ومتابعة توافرها بجميع المستشفيات التابعة للأمانة، إن المستشفيات حاليا معتمدة بشكل كامل على مناقصة أدوية 2010/2011، والتى تقيد المستشفيات بأدوية محددة لا يمكن الحصول على بدائل لها لعدم ذكرها بالمناقصة، لافتة إلى أن المستشفيات كانت تعمل بنظام لتوفير الأدوية، وهو توفير احتياطى أدوية يكفى لمدة 3 أشهر ومخزون أمان، ومن المفترض الاعتماد على الاحتياطى فقط، فى حين يتم الحفاظ على مخزون الأمان لحالات الطوارئ، إلا أنه بسبب الأزمة الحالية لا نستطيع توفير مخزون الأمان ونعمل فقط بنظام الاحتياطى، الذى نوفر به الأدوية بصعوبة بالغة لـ3 أشهر فقط.
وتشدد الدكتورة مروة على أن الإدارة المركزية لشئون الصيدلة وإدارة العقود والمشتريات، بوزارة الصحة، تحدد شركات بعينها للمناقصة السنوية للأدوية، كما أن المناقصة تعتمد على عروض وحيدة من نفس الشركات، رغم أنه من المفترض وجود أكثر من عرض لنفس المجموعة الدوائية لتكون هناك مرونة بالاختيار، لكن ذلك لا يتحقق، لافتة إلى أن الشكاوى التى تقدم لإدارة الصيدلة بسبب تأخير توريد الدواء أو لوجود عيوب تصنيع به لا يتم التحقيق بها بشكل جدى، كما أن الأخذ بالأدوية الأقل سعرًا أدى لخروج أدوية آمنة كانت تورد ضمن المناقصات السابقة، مشيرة إلى تغيير أحد الأدوية الجيدة لعلاج الصرع بدواء آخر أدى لحدوث حالات انتكاسة للمرضى.
وأضافت أن المجموعات الدوائية الناقصة هى المجموعات، التى من المفترض أن تورد ضمن المناقصة، فى الوقت الذى يوجد به أدوية شديدة الأهمية للمرضى غير متواجدة بالمناقصة من الأساس، وهى أدوية علاج مرض "خرف الشيخوخة" الزهايمر" وعلاج الشلل الرعاش لكبار السن، وعلاج فرط الحركة ونقص الانتباه لدى الأطفال، بجانب الأدوية الحديثة لعلاج الإدمان والذهان، لافتة إلى أن الأدوية، التى تورد ضمن المناقصة هى الأدوية "الأقل فعالية والأكثر فى الأعراض الجانبية" بالنسبة للأدوية المتوافرة بالسوق، وذلك لأن المناقصة تأخذ بالأدوية الأقل ثمنا، وغالبا ما تورد للمستشفيات بعيوب تصنيع، كتغير لون الدواء بالنسبة للأمبولات، أو تفتت الأقراص، وتتحجج الشركات فى تلك الحالات بسوء التخزين رغم أنها تخرج بتلك العيوب من المصنع.
المشكلة الأخرى، التى تقابل مستشفيات الأمانة – كما تراها مدير إدارة الصيدلة بالأمانة للصحة النفسية- من جانب شركات الأدوية الفائزة بالمناقصة هى عدم توريد كميات الدواء المتفق عليها، وتوريد "ربع الكمية فقط"، وهو ما يتسبب بأزمة نقص دواء كبيرة للمستشفيات، وذلك بحجة مديونيات الأمانة للشركات، رغم أن مستشفيات الصحة النفسية ليس لديها أى مديونية لأى شركة، بل على العكس "عندنا فلوس ومش عارفين نجيب دواء"، مطالبة بتفعيل دور الرقابة الدوائية على الأدوية الموردة للمستشفيات ضمن المناقصة، والتأكد من جودتها، واتخاذ إجراءات حاسمة ضد الشركات فى حالة وجود عيوب تصنيع، كذلك تعديل البنود الخاصة بالأدوية بقانون 89 لسنة 1998، المتعلق بالمناقصات والمزايدات.
وشدد الدكتور مصطفى فهمى، مدير عام مستشفيات الصحة النفسية والقائم بأعمال الأمين العام للصحة النفسية، على أن "مناقصة وزارة الصحة والسكان" للحصول على الدواء هى من أهم عوائق توفيره بالكميات المطلوبة، لاتباعها قانون المزايدات والمناقصات، فالدواء هنا أصبح كغيره من المشتريات العادية مثل الكراسى والطاولات، وما حدث هو أن المناقصة تأتى بالدواء الأرخص وفقط، فى حين أن سلطة مدير المستشفى فى شراء الأدوية بالأمر المباشر محددة بـ50 ألف جنيه فقط لجميع الأدوية، وهو ما لا يكفى لشراء الكمية، التى يحتاجها المستشفى من دواء لعلاج الصرع فقط، مقترحًا وجود نظام بديل عن المناقصات يتمثل فى توحيد نسبة الخصم على المستشفيات كلها بـ40% من سعر الدواء بالسوق، على أن يترك أمر تحديد احتياجات كل مستشفى للجنة فنية، مع وضعها تحت رقابة لجنة عليا للتفتيش عليها والتأكد من عدم وجود أى نوع من التلاعب فى عمل تلك اللجان.
وأكد أن الأدوية التى تعانى من نقص حاد هى الأدوية الأساسية رخيصة الثمن، والتى تقدر وزارة الصحة على توفيرها للمرضى، نظرا لارتفاع أسعار أدوية العلاج النفسى بشكل عام، كما أن تلك الأدوية معتمدة منذ سنوات طويلة وفعالة فى العلاج، رغم تسببها فى عدد من الأعراض الجانبية غير المستحبة، كما أن توريد الأدوية يعتمد على الفترة المتوافرة بها بالسوق الدوائى، وأحيانا يتم توريد دواء مطلوب فى آخر شهرين فقط فى العام، لأن ذلك هو الوقت الذى توافر به.
وأوضح أن الأدوية النفسية لها وضع خاص، ففاعليتها تختلف من مريض لآخر، ويتم تعاطيها لفترات طويلة، وفى حالة تحقيق أحد الأدوية لفاعلية بالنسبة لحالة المريض لا نستطيع تغييره، لأن ذلك يعنى تذبذب مستوى المادة الفعالة بالدم، لاختلافها من عقار لآخر، مما قد يؤدى إلى حدوث انتكاسة للمريض، وفى الوقت نفسه لا يمكن أن نطلب من المريض شراء الأدوية على حسابه لأن مريض وزارة الصحة لا يستطيع تحمل تكلفتها، لذلك فى ظل أزمة النقص الشديدة لتلك الأصناف نضطر للجوء لهذا الحل بإعطاء المريض دواء بديلا وهى "حاجة تكسف" علميا وطبيا.
وأضاف أن هناك أدوية نحرص على توافرها دائما بالمستشفيات حتى لو جاء ذلك على حساب أدوية أخرى، لأن نقصها يعنى خطورة على حالة وحياة المريض والمحيطين به، مثل أدوية الصرع والحقن المهدئة للحالات العدوانية، مشيرا إلى أن نسبة من المرضى الذين يتلقون علاجهم خارج المستشفيات التابعة للأمانة يحضرون للمستشفى للحصول على الأدوية الخاصة بهم، لارتفاع ثمنها، ونقوم بإعطائهم الأدوية بعد توقيع الكشف عليهم، لأننا لا نستطيع أن نمنع الدواء عن مريض يحتاجه.