ضيف ثقيل يتسرب إلى حياتنا فيغير لونها الوردي إلى الرمادي، وطعمها اللذيذ إلى مرارة لا تستسيغها النفس التي فُطرت على حب الحياة والدخول من أبوابها المفتوحة مدفوعة بالأمل والتفاؤل والابتسام. فكيف يجثم على أنفاسنا ذلك الضيف غير المرغوب فيه بغير استئذان؟ وما أعراضه ومقدماته؟ وكيف نتخلص من ضغوطاته؟ وهل الاكتئاب مرض عضوي يستدعي العلاج أم نفسي يمكن التعامل معه سواء بالوقوف على أسبابه أو باللجوء إلى المختص للاستشارة؟ هل هو مرض بسيط كسحابة صيف تمر في سمائك فتصيبها ببعض الغيم وما تلبث أن تمتلئ بالماء ليهطل المطر من جديد فتنبت الأرض زهورًا يانعات؟ أم أنه مرضٌ مركب يستنفد الوقت والجهد؟ يمكنك أن تتابع معنا فقد تجد إجابة عن كل هذه التساؤلات.
ماذا يعني الاكتئاب؟
الاكتئاب النفسي هو أحد أكثر الأمراض النفسية انتشارًا في الوقت الحالي. وتؤكد الدراسات العلمية ارتفاع نسبة حدوثه في المستقبل، وهو المرض الذي يؤثر بطريقة سلبية على طريقة تفكيرك وكذلك طريقة تصرفك.
من المعرضون للإصابة بالاكتئاب؟
يصاب بالاكتئاب الذكور والإناث على حد سواء، والصغار والكبار، لا فرق بين مستوى التعليم والثقافة ولا المستوى المادي، ولكن هناك دراسات تبين أن النساء أكثر عرضةً للإصابة من الرجال، وقد فُسر ذلك بأن النساء يتعرضن لضغوطٍ اجتماعية وبيولوجية بصورة دائمة.
أعراض الاكتئاب
هناك بعض المؤشرات والظواهر التي قد تدل على دخولك في دوامات الاكتئاب منها:
- النظرة السلبية للحياة.
- سرعة التعب والإجهاد من أي مجهود.
- تغير عادات الأكل سواء بالإفراط في الأكل أو نقص الشهية.
- الشعور بالملل.
- صعوبة التركيز.
- ظهور اضطرابات في النوم.
- الشعور بالذنب الدائم والعصبية الدائمة.
وقد يتوقع البعض أن العرض الرئيسى للاكتئاب هو الشعور بالحزن، ولكن الحزن ليس دائمًا هو العرض الأساسي فى الشخص المكتئب، وإنما قد يكون الإحساس بالخواء وعدم القيمة أو عدم الإحساس نهائيًا هو العرض الأساسي للاكتئاب، وقد يشعر المريض المكتئب بالنقص الواضح والملموس في الشعور بالمتعة تجاه أى شيء حوله لدرجة الزهد في كل شيء في الحياة.
هل للاكتئاب سن محدد؟
من الممكن أن يصاب الشخص بالاكتئاب في أي مرحلة سنية، وإن كانت أكثر ما تكون في السن ما بين (24-44) سنة.
ما أسباب الإصابة بالاكتئاب؟
هناك عدة أسباب تتداخل معًا لظهور أعراض الاكتئاب:
أسباب عضوية:
أهمها تغيرات في بعض كيميائيات المخ، ومن أهمها مادة السيروتونين ومادة النورادرينالين. ومن المعتقد أن لهما دورًا هامًا في حدوث الاكتئاب النفسي عند نقصهما.
الجينات:
وجد أن هناك عوامل وراثية لظهور الاكتئاب في بعض العائلات، فهناك بعض الأشخاص لهم سمات تؤهلهم عن غيرهم للإصابة بالاكتئاب، ومنها: الروح الانهزامية، الاعتماد على الغير، المتأثرون بالمتغيرات الخارجية والشخصيات التى لها دائمًا نظرة تشاؤمية للأمور.
عوامل بيئية:
مثل كثرة التعرض للعنف والاعتداء النفسي أو الجسدي، كذلك كثرة الضغوط الخارجية على الإنسان دون وجود متنفس لها تدعو إلى الشعور بعدم جدوى الحياة وتلك أهم المؤديات للاكتئاب. ومع ذلك تظل الأمور دائمًا نسبية، كما يجب ألا نغفل العامل العضوي الذي لا علاقة له بالمتأثرات الخارجية.
هل من سبيل للخروج من هذا النفق؟
لحسن الحظ أن الاكتئاب النفسي من الأمراض التي يمكن علاجها، فأغلبية المرضي (80-90%) من الذين يواظبون على العلاج الموصوف لهم يتم شفاؤهم بنسبٍ عالية. ويجب التوجه إلى الطبيب لمن يصاب بالاكتئاب لتلقي العلاج في الوقت المناسب، حيث إن التأخر في استشارة الطبيب يكون له توابع سلبية على سير الخطة العلاجية. فقد تحتاج الحالة إلى فترة أطول من العلاج أو كمية أكثر من الأدوية مع التعرض لنكسات في حالة عدم المواظبة على العلاج.
ومن أخطر أنواع الاكتئاب النفسي عدم شعور المصاب أنه مريض ويحتاج إلى استشارة الطبيب، فغالبًا ما يعاني الإنسان من الاكتئاب ويستمر في حياته ويتصرف بطريقة سلبية ويفكر في أفكار سوداوية وينعزل عن الناس،بل قد يفكر في إيذاء نفسه أو المحيطين به.
وهناك عدة أمور تفيدك للتعامل مع أعراض الاكتئاب:
إذا شعرت أنك تعاني من اكتئاب بشكلٍ مبالغ، فقد تجد فائدة لك فيما يلى:
- تحمل جزءًا من المسئولية عن اكتئابك، فقد يكون لديك الميل للاكتئاب ولكن ليس من الضروري أن يمتلكك، فأنت قد سببًا في ازدياد الاكتئاب بسبب اتجاهاتك ومعتقداتك.
- اختبر أفكارك لأن الاشخاص المُعرضين للاكتئاب لديهم تشوهات معرفية ونظرة سلبية للحياة.
- اعلم أن التفاؤل يمكن تعلمه، فبنفس الطريقة التي نتعلم بها العجز يمكننا أيضًا أن نتعلم النظرة الإيجابية.
- إذا كان الناس يتعاطفون معك حين تكون مكتئبًا، فليس معنى ذلك أن تتعلم أن تدخل في الاكتئاب حين تريد أن تتجنب المسئولية، فكثير من تصرفاتك كمكتئب يمكن أن تزيد من الاكتئاب.
- حاول أن تتعامل مع الإحباطات التي تولد الغضب بطريقة معقولة، فلا تكن سلبيًا ولا عدوانيًّا.
- اتبع برنامجًا من التدريب البدني المنتظم مثل المشي السريع لمدة عشرين دقيقة وهو ما يولد لديك إحساسًا بالسعادة.
- اجعل معك مفكرة بالأمثال والأقوال المأثورة التي تعطيك مفاهيم إيجابية عن الحياة، واسترجعها إذا شعرت بالاكتئاب مثل:
(المتفائل يرى في كل نكبة فرصة)
(الحياة مجموعة اختبارات يمكن تجاوزها)
(كل شيء يمر، أليس الأمس قد مضى، كذلك الغد سيمر، وكذلك المشكلات).
- إن الإحساس الوقتي بالحزن هو جزء طبيعي من الحياة، فهناك أشياء ومواقف في حياة كل منا من الممكن أن تسبب له بعض الحزن ولكن الأفراد الأصحاء يستطيعون التعامل مع هذه الأحاسيس بحيث لا تعيق حياتهم.
- هناك أناس لديهم كل مقومات الحياة ولكن لا يعرفون كيف يشعرون بالسعادة، بينما هناك أناس ليست لديهم كثير من مقومات الحياة ولكنهم سعداء بحياتهم بل ويتلذذون بها.
- كن على يقينٍ أن هناك أناسًا غيرك مر عليهم هذا المرض واجتازوه بنجاح.
- اكسر حدة روتين حياتك بالسفر أو تغيير المنزل أو حتى أثاثه أو تغيير مكان الأثاث، أو تغيير العمل إلى عمل تحبه إن أمكن، واكتساب صداقات جديدة.
- من المفيد أن تلتقي مع آخرين ممن يعانون من الاكتئاب، فقد يساعد هذا على إزالة مشاعر العزلة، وفي نفس الوقت ترى كيفية تمكن الآخرين من التغلب على مصاعبهم. وقد يكون بإمكانك مساعدتهم وهو ما يحفزك على مساعدة نفسك أيضًا؛ ولذا يوصي الأطباء النفسانيون في هذا بمخالطة من لهم مشاكل نفسية وتغلبوا عليها.
وأخيرًا ..
قف وقفةً جديدةً مع نفسك وكن صريحًا معها، وتحدث إليها حديث الأصدقاء عن كل ما مرّ بك، وذكرها بأنك تمتلك إرادتك وأنك المسؤول الأول عن نفسك، وأخرج ما في داخلك بكتابته لإفراغ خزانة همومك، وردد لنفسك دائما "الحل عندي" حتى لو اضطررت إلى الذهاب إلى الطبيب المتخصص طلبًا للمساعدة فلن تجد المساعدة إلا إذا ساعدت أنت نفسك أولاً.
ودعاؤنا لك بدوام السعادة والصحة.