بتـــــاريخ : 10/6/2011 4:37:48 AM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 868 0


    يوسف عليه السلام والفتن الاربع

    الناقل : فراولة الزملكاوية | العمر :37 | الكاتب الأصلى : فرراشة | المصدر : forum.te3p.com

    كلمات مفتاحية  :

    يوسف عليه السلام والمحن الأربع (1 - 2)
    نزلت سورة يوسف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في فترة حرجة وعصيبة من مراحل الدعوة، بعد أن اشتدت النوازل والنكبات عليه وعلى العصبة المؤمنة معه، خاصة في عام الحزن الذي فقد فيه أهم ركيزتين له؛ وهما زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها، وعمه أبو طالب، فاشتد أذى المشركين له ولأصحابه، لتأتي هذه السورة تسلية له وتخفيفا لآلامه، لأن الفرج يأتي دائما بعد الشدة، وهذا هو الذي حدث في قصة سيدنا يوسف عليه السلام.

    تبدأ القصة بقوله تعالى: “إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين”، ليقول أهل التفسير عن يوسف عليه السلام: رأى وهو صغير كأن أحد عشر كوكبا وهي إشارة إلى بقية إخوته والشمس والقمر وهما أبواه، رآهم قد سجدوا له، فقص ذلك على أبيه، وعندما عرف الأب، وهو يعقوب النبي عليه السلام، أن هذا الابن الصغير سينال منزلة عالية، بحيث يخضع له أبوه وإخوته أمر يوسف عليه السلام - لخوفه عليه - بكتمان تلك الرؤيا عن إخوته كي لا يحسدوه ويكيدوا له!

    المحنة الأولى

    ثم تتوالى الآيات القرآنية، لنصل إلى قوله تعالى: “لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين. إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا” وهنا تأتي المحنة الأولى ليوسف، عندما استشعر هؤلاء الأخوة حب أبيهم يعقوب ليوسف وأخيه “بنيامين” ليغلي الحقد في نفوسهم ويتدخل الشيطان في قلوبهم، فيهون عليهم قتل أخيهم الصغير، الذي لا يملك الدفاع عن نفسه، وعلى الفور يقولون وقد جمعوا أمرهم: “اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم”.

    وكأن هؤلاء المساكين حين يقتلون يوسف ولا يراه أبوه أمامه، يصبح قلبه خاليا من حبه، ويتوجه بهذا الحب إليهم، ويا بئس المنطق المقلوب والمريض في الوقت نفسه، ولأن والد هؤلاء الأبناء نبي، فهم يعرفون معنى المعصية، ومعنى التوبة، ولأنهم مقبلون على هذه الجريمة، فإنهم يبررون لأنفسهم طريق هذه التوبة بقولهم: “وتكونوا من بعده قوما صالحين”.

    لكن هذا الكيد يقابله فعل الأقدار وتصاريفها، فالمولى تبارك وتعالى يرعى يوسف ولم يأذن بعد بموته أو قتله، فيأتي الحل الإلهي بنجاة يوسف عليه السلام بقول أحد الأخوة: “قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين”.

    وبالفعل يتجه هؤلاء الأخوة إلى أبيهم، طالبين منه اصطحاب يوسف معهم بحجة اللهو واللعب، في الوقت الذي يحذرهم فيه أبوهم من أنهم ربما يغفلون عنه أثناء ذلك فيأكله الذئب، وهنا كأن أباهم يعقوب عليه السلام هو الذي دلهم على الحجة التي يمكن أن يقولوها، عندما يلقونه في البئر ويعودون إليه من دونه.

    على الفور بدأ الإخوة بالتنفيذ، بعد حصولهم على موافقة أبيهم باصطحابه، ليقول المولى عز وجل: “فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون” أي: أن الله سبحانه وتعالى برحمته ولطفه، في تلك الحال العسرة، أوحى إلى يوسف عليه السلام تطييبا لقلبه بأن له من ذلك الهم مخرجا وفرجا، وأنه سبحانه سينصره على إخوته الذين ظلموه بل سيعلي من قدره ويرفع درجته وسيأتي اليوم الذي يخبرهم فيه بما صنعوا “وهم لا يشعرون” أي وهم لا يعرفونه حينئذ!

    دموع التماسيح

    عاد الأخوة مساء بعد أن لطخوا قميص يوسف بدم كذب، قال بعض المفسرين عنه إنه كان دم شاة، وزادوا من بكائهم ودموعهم مدعين أنهم عندما تركوا يوسف عند متاعهم وهم يتسابقون أكله الذئب.

    فلما أمسك يعقوب عليه السلام بقميص ابنه يوسف، قال: “ما أحلم هذا الذئب أكل ابني ولم يشق قميصه”!

    لقد ألهاهم كما يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في الظلال الحقد الغائر في نفوسهم عن سبك الكذبة، فلو كانوا أهدأ أعصابا ما فعلوا جريمتهم من المرة الأولى التي يأذن لهم فيها الأب باصطحاب يوسف معهم، لكنهم كانوا متعجلين لا يصبرون، ويخشون ألا تواتيهم الفرصة مرة أخرى، كذلك كان التقاطهم لحكاية الذئب المكشوفة دليلا على التسرع، وقد كان أبوهم يحذرهم منها أمس.

    أدرك يعقوب عليه السلام أن يوسف لم يأكله الذئب، وأن إخوته دبروا له “مكيدة ما” ولفقوا قصة لم تحدث، فقال ما يحكيه لنا القرآن العظيم: “قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون”.

    ونعود إلى يوسف عليه السلام في موقفه الصعب بداخل البئر عندما قذفه إخوته فيها، ليحكي لنا القرآن الكريم الموقف بقوله: “وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسرّوه بضاعة والله عليم بما يعملون وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين”.

    لقد كانت البئر في طريق القوافل السيارة المتجهة إلى مصر، فلما ابتعث هؤلاء المسافرون واحدا منهم ليأتي لهم بالماء، تعلق يوسف عليه السلام بالدلو وأمسك بالحبل، ليفاجأ الرجل به ويقول “يا بشرى هذا غلام” على سبيل الفرح.

    هنا أسرته القافلة كبضاعة ليبيعوه في أرض مصر كواحد من العبيد، ليظهر أخوة يوسف الذين كانوا مختبئين يرقبون المشهد، مدعين انه واحد من عبيدهم فر منهم، وأنهم يريدون بيعه بأي ثمن، وبالفعل “كانوا فيه من الزاهدين” ليصل يوسف عليه السلام إلى ارض مصر، ويشتريه العزيز، فيدخل في محنة جديدة تحاك فصولها هي الأخرى لكن بين جنبات القصور، فيقول المولى تبارك وتعالى: “وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا” وهذا كما يقول الشيخ محمود المصري من لطف الله وإحسانه لهذا النبي الكريم، لتبدأ حياة جديدة ليوسف عليه السلام، بما يقصه علينا القرآن بقوله: “وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون”، أي أن الله سبحانه وتعالى قيض العزيز وامرأته ليحسنا إلى يوسف ويعتنيا به، ليمكن الله سبحانه وتعالى له في أرض مصر كما سيأتي إن شاء الله.

    امرأة العزيز

    وإذا كان يوسف عليه السلام قد نجا من المحنتين السابقتين، وهما محنة حسد إخوته له وكيدهم له، ثم محنة رميه في الجب والرق، فإنه يدخل الآن إلى أخطر محنة يتعرض لها طوال هذه المسيرة المباركة، إنها محنة تعلق امرأة العزيز به وعشقها له، ثم مراودتها له عن نفسه بشتى طرق الفتنة والإغراء، فهي المرأة ذات المال والجمال والمنصب والشباب تغلق الأبواب وتتهيأ له، ثم تصنعت ولبست أحسن ثيابها، وهذا كله كما يقول ابن القيم رحمه الله ويوسف عليه السلام شاب بديع الجمال والبهاء لكنه، في الوقت نفسه، نبي من سلالة الأنبياء فعصمه ربه عن الفحشاء وحماه من مكر النساء لأنه سيد السادة النجباء والسبعة الأتقياء المذكورين في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله...” وذكر منهم: “..ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله”.

    ويقص لنا القرآن الكريم هذا الابتلاء القاسي بقوله سبحانه: “وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين”.

    وجاء في بعض التفاسير تعليقا على الآية السابقة، أن يوسف عليه السلام همّ أن يفعل بتلك المرأة مثل ما همّت به، لكن الحقيقة الجلية التي أوضحها القرآن الكريم تبين براءته عليه السلام من الوقوع في مثل هذه المعصية، حيث بين شهادة كل من له صلة بهذه المسألة ببراءته عليه السلام، كما شهد بذلك المولى عز وجل، بل وإبليس نفسه عليه لعنة الله.

    فأما الذين لهم صلة بتلك الواقعة، فهم يوسف والمرأة وزوجها والنسوة والشهود، أما جزم يوسف ببراءته فبقوله: “هي راودتني عن نفسي”، وقوله أيضا “رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه”.

    وأما اعتراف المرأة ببراءة يوسف ففي قولها للنسوة: “ولقد راودته عن نفسه فاستعصم”، وتأتي البراءة على لسان زوجها بقوله: “يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين”، وعن براءته في نظر الشهود فبقولهم: “وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم”.

    التبرئة الإلهية

    ثم نأتي إلى التبرئة العظمى من المولى عز وجل كما جاء في تفسير الإمام الفخر الرازي بقوله تعالى: “كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين”، فقد شهد المولى عز وجل على طهارة يوسف أربع مرات، الأولى: “لنصرف عنه السوء” واللام للتأكيد، والثانية بقوله: “والفحشاء” أي وكذلك لنصرف عنه الفحشاء، والثالثة قوله: “إنه من عبادنا”، وقد قال الله في صفة عباد الرحمن “ولا يزنون” (الفرقان: 68)، أما الأمر الرابع فبقوله سبحانه وتعالى: “المخلصين” .

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()