هذه باكورة مساهماتي في قسم التربية والتعليم،وهي تهتم ب"الطرق النشيطة" كإحدى النظريات التربوية الحديثة التي يمكن توظيفها في بعض المواد التعليمية،
وبرأيي أن مختلف المواد بإمكانها الاستفادة من هذه النظرية إن كليا أم جزئيا بحسب الطاقة الخلاقة للمربي.
ملاحظة:هذه المشاركة الموجزة تمثل جزءا من أحد البحوث التي قمت بإعدادها في سياق حياتي المهنية.
الطرق النشيطة
تعتبر الطرق النشيطة من الأساليب المعتمدة في النظريات التربوية الحديثة، وترتكز أساسا على استنفار طاقات التلميذ لتيسير عملية التعلّم باعتبار امتلاكه لرغبة فطرية للمعرفة،
وتبقى مهمة المدرّس تحفيز هذه الرغبة وتسيير العملية التعليمية دون فرض المعلومة بتعسّف يلغي حق إنتاجها الذاتي من قبل المتعلّم.
واعتماد الطرق النشيطة يقوم على ما يعرف "بديناميّة الجماعة" التي "تتميّز بأنها طريقة حيث تحدّد الجماعة مشروعا و أهدافا معيّنة، وتكتشف الوسائل لاستعمالها وتقدّر إنتاجها الذاتي"[1]،
مثلما تعتمد على تنمية قدرة التلميذ الفرد على الاكتشاف والإبداع، "فالجماعة تسمح للفرد بأن يُقْدِمَ ويخاطر ليصبح مبدعا...من خلال إدراك وتحليل تفاعلات التلميذ والتعبير عنها وتحريكها"[2] حتى لا يكتفي بدور سلبي قد يسلبه الرغبة في التعلّم من أساسه،
إذ "ليس هدف أيّ إعداد اكتساب المعارف وإنّما اكتساب القدرة على اكتساب المعارف"[3].
إنّ حاجة التلميذ للحركة وميوله الطبيعية للإبداع وإثبات ذاته ضمن المجموعة ، يمكن أن تجد في الطرق النشيطة خير سبيل لها لممارسة عملية امتلاك المعرفة المنتجة ذاتيّا عوضا عن تقبّلها سلبا.
وتؤكّد بعض فرضيّات علم النفس المدرسي أنّ "الفكر الفرضي- الاستنباطي يظهر في حدود سن الحادية عشرة والثانية عشرة"[4]،
فإذا ما توفّرت برامج تُوازِن بين ميولات التلميذ وحاجاته المعرفية المتأصّلة الكيان، فإنّ العملية التربوية تصبح مسؤولية الأستاذ أساسا،حيث "تبدو كفاءة الأستاذ المتغيَّرَ الأهم لتفسير الفوارق المسجّلة في النسب المئوية للرّسوب المدرسي"[5]،دون إغفال التفاوت في نسب الذكاء بين التلاميذ سواء طبيعيّا أو باعتبار العوامل الاجتماعية المختلفة وتفاوت القدرات على التكيّف،
وهو ما يفسّر لجوء النظريات التربوية الحديثة إلى البيداغوجيا الفارقية؛
ومفادها أن على الأستاذ تجنب التفاوت بين المعلومات المقدمة، والقدرات الفكرية لمتوسّط التلاميذ.
إنّ توظيف الأستاذ -كمسئول عن تسيير العملية التربويّة- لآليّاته المكتسبة بالتّأطير والممارسة علاوة على استفادته من الجوانب الإيجابية لشخصيّته هو الكفيل بضمان التواصل بينه وبين التلميذ. فتوظيف كلّ هذه المهارات والمكتسبات يعتبر في حدّ ذاته وعيا بأهميّة القرب من تلميذه ليكون هو المبادر به إذا لم يتوفّر العكس،
واعتماد الطرق النشيطة لا يمكن أن يتمّ إلاّ في مثل هذا المناخ لأنّ التلميذ الرافض للتّواصل أو المُواجَهِ برفض الأستاذ، يصعب عليه إنتاج معارفه ذاتيّا.
تبرز لنا إذا أهمية العلاقة بين الأستاذ كمُربٍّ والتلميذ كمحرّك يسيّر عملية امتلاك المعرفة من خلال الطرق النشيطة التي تشترط استجابة كليّة وفورية للتوجيهات عند تسيير الدّرس ثقة من التلميذ في أستاذه واحتراما له لا خوفا منه،غير أنّ هذه العلاقة لها في الواقع تشعيبات وجب إدراكها من قبل المربّي، فالعلاقة هي أصلا علاقات "جرى وصفها بشكل عام وكأنّها تُعرِضُ دائما بالأشكال نفسها.
إنّنا على العكس من ذلك،نعتقد بأنّها تتغيّر حسب بعض العوامل وبأنّنا دائما أمام علاقة هي على الأقل مثلثة."[6]والضّلع الثالث في هذه العلاقة المثلثة هو المتغيِّرُ والمغيِّرُ لشكلها وطبيعتها،فقد تجمع المعرفة عامّة بين المربّي والتلميذ،مثلما قد تجمع بينهما المادّة المدروسة، وقد تتدخل أطراف أخرى في نفس العلاقة مثل بقيّة المربين المهتمّين بنفس الفصل وما قد يؤسّسونه في فكر التلميذ أو الإطار الإداري وكذلك الأهل والمجتمع.
ما يتضح لنا بعد كلّ ما ذكرناه هو أنّ اعتماد الطرق النشيطة، ورغم تأكيدنا على توافقه مع التلميذ عامّة ، فإنّ ذلك لا يمنعنا من القول بأنّ هذه الطرق قد تفقد جدواها البيداغوجية
وقد يتعطّل مسار تطبيقها الأمثل إذا لم يراعى فيها فهم طبيعة المرحلة العمرية للتلميذ وطبيعة تصوّره لعلاقته مع أستاذه
ومع كلّ ما قد يتدخّل كطرف ثالث في هذه العلاقة.