قال تعالى: قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ.
هل كان العرب في الجاهلية يعترفون ويقرون بوجود العرش كما نفهم من سياق الآية الكريمة السابقة ؟ من أين علم المشركون عن عرش الله وسلَّموا به، مع أنَّ العرش العظيم من أصول وخصائص عقيدة الإسلام؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم تكن العرب تجهل وجود العرش وعظمته، فإنهم كانوا على بقية من دين إبراهيم الخليل ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ ولذلك ورد ذكر العرش في كلامهم وأشعارهم، فمن ذلك قول ورقة بن نوفل:
سُبْحَانَ ذِي الْعَرْشِ سُبْحَانًا يَدُومُ لَهُ ... وَقَبْلَنَا سَبّحَ الْجُودِيّ وَالْجَمَدُ.
ذكره السهيلي في (الروض الأنف)، وابن كثير في (السيرة النبوية) والكلاعي في (الاكتفاء).
ومن ذلك أيضا قول أمية بن أبي الصلت:
مجدوا الله وهو للمجد أهل ... ربنا في السماء أمسى كبيرا
بالبناء الأعلى الذي سبق الخلق .... وسوى فوق السماء سريرا ...
ذكره جمع من أهل العلم كابن قدامة في (إثبات صفة العلو) وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن أبي العز والسفاريني.
وقال ابن قتيبة في (تأويل مختلف الحديث): العرب لا تعرف العرش إلا السرير وما عرش من السقوف والآبار، يقول الله تعالى: (ورفع أبويه على العرش) أي على السرير. وأمية بن أبي الصلت يقول .. فذكر شعره السابق. اهـ.
ومن ذلك أيضا قوله:
فسبحان من لا يقدر الخلق قدره ... ومن هو فوق العرش فرد موحد.
وقوله:
مليك على عرش السماء مهيمن ... لعزته تعنو الوجوه وتسجد.
وإنما الذي جاء به الإسلام هو ذكر بعض صفات العرش العظيم الكريم، مما قد يُجهل قبل مجيئه، كقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ. {هود: 7}.
وقوله سبحانه: وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ. {الحاقة: 17}.
والله أعلم.