الاعتكاف هذا العام غير كل عام مضى، فالمعتكفون يشعرون أنهم أحرار لا قيود عليهم فقد انتهى عصر أمن الدولة والتقارير الأمنية التى ستلاحقهم عقب كل اعتكاف، وخلال السطور التالية ترصد "اليوم السابع" مشاعر المعتكفين فى مساجد القاهرة.
فى البداية يؤكد الشيخ محمد عبد الرحمن، مدير أوقاف القاهرة، والذى يتفقد المعتكفين يوميا لتلبية احتياجاتهم، أن زمن أمن الدولة قد ولى بلا رجعة، وعلى المصريين أن يتيقنوا أنه لن يكون هناك ما يعكر صفوهم، فقد كانت أجهزة أمن الدولة تتدخل فى كل كبيرة وصغيرة، وتمنع الاعتكاف فى المساجد، وتمنع الأشخاص من لكن الحمد لله فثورة 25 يناير أطاحت بنظام فاسد.
وأضاف مدير المديرية، أنه تم تخصيص 3285 مسجدا للاعتكاف، خلال العشرة أيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك بجميع المحافظات، موضحا أن التعليمات الصادرة إلى جميع المديريات الإقليمية العمل على راحة المعتكفين طوال فترة اعتكافهم، والمتابعة الدقيقة لاستمرار فتح المساجد ونظافتها وتوفير المياه والإضاءة بصورة منتظمة.
وأشار إلى تكليف لجان للتفتيش والمرور على المساجد بشكل دورى، والتأكد من قيام العاملين بواجباتهم، مؤكدا أن الوزارة لن تتهاون فى معاقبة من يثبت تقصيره وتعطيله أداء الشعائر الدينية، كاشفا عن تعيين بعض أفراد الأمن لرعاية هؤلاء المعتكفين وعدم السماح بدخول غير المعتكفين للمساجد، فضلا عن أنه فى حالة حدوث أى سرقات أو غيرها نستطيع أن نتعرف على المجرم بسهولة.
محمد المرسى أحمد أحد المعتكفين بمسجد عمرو بن العاص، شاب فى العشرينيات من عمره، يجلس منفردا متفرغا لقراءة القرآن الكريم، وذلك مابين الظهر والعصر بهمة عالية جعلته يواصل قراءة القران بنشاط.
محمد قال لـ "يوم السابع"، إن الاعتكاف هذا العام له مذاق خاص، لأن جميع المعتكفين يشعرون بالحرية التى أنعم الله بها على مصر بقيام ثورة 25 يناير، موضحا: "قبل الثورة كان يلاحقنا أمن الدولة فى كل مكان حتى فى بيوت الله، وكأن مهمته هى محاربة دين الله فى أرضه، ولا أحد يستطيع أن يدخل مسجدا يعتكف فيه إلا وقد أخذ جهاز أمن الدولة جميع بياناته وصورتين شخصيتين وعرفوا عنه معلومات ربما يجهلها هو عن نفسه، وربما يستدعونه بعد منتصف الليل للتحقيق، مضيفا أنه رأى بعينه كيف كانوا يأخذونه زميله المعتكف بطريقه مهينة، ليستوجبوه فى أى شىء يريدونه، خلاف ذلك فقد كانوا يحددون موضوع خطبة الجمعة، ومن سيلقى الدروس بين المعتكفين، وكانوا لا يفتحون المساجد سوى فى العشر الأواخر من رمضان.
وأضاف "محمد" بعد الثورة الحال تغير تماما، فأصبحنا نرى مشايخ عظماء يعطونا الدروس، وكان ذلك محظورا عليهم أن يصلوا فى مسجد غير الذى خصصه له أمن الدولة، كذلك أصبح عدد المعتكفين أكثر بعد أن فتحت وزارة الأوقاف أبواب المساجد أمام من يريد الاعتكاف، موضحا أن الوزارة أو المنظمين للاعتكاف بالمسجد لم يطلبوا منهم سوى صورة من بطاقة الرقم القومى والتوقع على استمارة أهم بنودها هى الحفاظ على نظافة المسجد والمحافظة على أشياء الآخرين، والتأدب بآداب الاعتكاف، وخلاف ذلك من الأمور الحسنة التى تحض عليها شرعية الإسلام.
وعن أهم سلبيات المعتكفين قال "محمد"، إن السلبيات قليلة، وأهمهما التحدث بأمور الدنيا، والكسل الذى يصيب بعض المعتكفين خاصة بعد الفطور، وعدم المحافظة على نظافة المكان، لذلك اللجنة المنظمة للاعتكاف بالمسجد تقوم بمجهود شاق للمحافظة عليه وتوعية المعتكفين بآداب الاعتكاف.
مسجد عمرو بن العاص لم يقتصر فقط على المصريين، فبه أكثر من 70 وافد معتكفين بداخله من بداية العشر الأواخر، معظمهم من أندونيسيا يدرسون بجامعة الأزهر، وقد أخذوا روقا فى جانب المسجد يعتكفون فيه.
الفخر الرازى هو الآخر يجلس جوار عمود من أعمدة المسجد، وقد اتكأ يقرأ القران فى خشوع، قال لنا إنه من أندونيسيا يدرس بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، موضح أنها المرة الثانية التى يشارك فيها بالاعتكاف منذ مجيئه إلى مصر، مضيفا أن الاعتكاف من أفضل العبادات المحببة إلى قلبه، فهى تنقى النفس من شوائب الدنيا وتجعل القرآن الكريم جليسه والصلاة والخشوع صاحبه الملازم له.
وانتقد الفخر الرازى إدارة المسجد بقلة أعداد الحمامات، موضحا يقفون بالساعات من أجل دخولها، مشيرا إلى أن التقصير ليس من إدارة المسجد فقط، بل راجع إلى زيادة أعداد المعتكفين هذا العام، الذين وصلوا إلى 4 آلاف معتكف مقابل 34 حماما فقط بالمسجد.
الشيخ مصطفى أحمد عضو باللجنة المنظمة للاعتكاف بمسجد عمرو بن العاص للمعتكفين قال لـ"اليوم السابع"، إن اللجنة المنظمة تقوم على رعاية أكثر من 4 آلاف معتكف من مأكل ومشرب وخلاف ذلك، موضحا أن الاعتكاف لا يتطلب سوى صورة البطاقة الشخصية فقط من المعتكف، وذلك لمعرفة المعتكفين وأعدادهم وعمل حساب ذلك فى الوجبات والأماكن التى نخصصها لهم.
وأضاف الشيخ مصطفى، أن المسجد كان لا يتوقع ذلك العدد الكبير، موضحا أن عدد اللجنة المنظمة تبلغ 200 فرد، معظمهم من خريجى وطلبة الأزهر الشريف، مشيرا إلى أن المسجد ينقصه العديد من التجهيزات، و"طالبنا إدارته بتوفيرها، منها السجاد، أيضا هناك قصور بعدد المراوح والتكييفات، خاصة فى هذا الحر، والصيام كما نريد بزيادة أعداد الحمامات، وتنظيف خزانات المياه"، مؤكدا أن المياه تصيب يوميا أكثر من 65 حالة مغص معوى، بسبب الخزانات، وتقوم اللجنة الطبية بالمسجد بعلاجها.
وأوضح الشيخ مصطفى، أن المسجد يستعد لأحياء ليلة السابع والعشرين، والتى يشهد المسجد فيها أكثر من 2 مليون مصل، يأمهم خلالها الشيخ محمد جبريل كما سيقلى الدكتور عمر عبد الكافى كلمة خلال الصلاة، موضحا أنه سيتم تنظيف أماكن الصلاة وتنظيم حركة سير الناس دخولا وخروجا، كذلك تجهيز اللجان الطبية بأماكن مختلفة بساحات المسجد، تحسبا لحدوث مكروه للمصلين بسبب التزاحم الشديد.
مسجد الاستقامة بميدان الجيزة كذلك ضم أكثر من 500 معتكف، وعلى الرغم من الصخب الذى يحيط بخارج المسجد من كلاكسات السيارات والباعة الجائلين، إلا أن المسجد يتميز بالهدوء والسكينة، جميع من بداخله ما بين مصل وتال للقرآن وساجد وخاشع وباكى من خشية الله.
عادل الشيخ الذى تجاوز الستين من عمره أحد المعتكفين الذى أكد لنا أن المسجد به طابع خاص، فالاعتكاف فيه يزينه السكينة والطمأنينة، وعن ذكرياته مع الاعتكاف أكد لنا أنه يزيد الصلة ما بين العبد وربه، ويقوى بها نفسه على الدنيا وهمومها، وأضاف "الشيخ" أن الاعتكاف زادت فيه الطمأنينة بسبب حل جهاز أمن الدولة الذى كان يتدخل فى الاعتكاف ويراقب المعتكفين، وربما يمنع إلقاء الدروس الدينية فى المسجد، أما الآن فأصبح الأمن والأمان نعمة من الله على المعتكفين، فزادت الناس المقبلة على تلك السنة الحميدة.
الشيخ عبد الحميد عمر الباحث والمؤلف والمسئول عن المعتكفين بالمسجد، أكد لـ"اليوم السابع"، أن الأعداد ازدادت عما قبل، موضحا أن المسجد به أكثر من 500 معتكف، تقوم اللجنة المنظمة برعيتهم من مأكل ومشرب سواء فى السحور أو الإفطار كما توفر لهم الجو المساعد على العبادة، وتتيح لهم حضور حلقات العلم من العلماء الذين يستضيفهم المسجد يوميا.
وأكد "عبد الحميد"، أن اللجنة المنظمة لا تطلب سوى صورة من البطاقة لقبول المعتكف، ولا نتدخل فى أى معلومات خاصة بالمعتكف، وعن جهاز الأمن الوطنى وتدخله فى عمل المساجد، أوضح لنا أنه لم ير واحدا منهم منذ دخوله المسجد حتى الآن، موضحا أن رجال جهاز أمن الدولة ذهب إلى غير رجعة.