لا نريد سلطة! لا نريد أن نحكم! نريد أن نتقاسم السلطة...
هذا هو لسان حال زعماء حركة النهضة في تونس وزعماء الإخوان في مصر. لسان حالهم اليوم! اليوم، بعد أن أصبح للإسلام رأي عام كاسح وفرصة تاريخية لإيصال الإسلام للحكم وأصبحت الأمة الثائرة على قيود الاستعباد تبحث عن قيادتها من أجل تحقيق ذلك، أي إيصال الإسلام -وليس حركة أو حزباً ما- للحكم.
ولكن حركات الإسلاميين المعتدلين -أميركياً- في بلدان ما بعد إنطلاق الثورات، نجدها تردد نفس الموقف من الحكم وذلك بالعزوف عنه منفردة وبنقص روح المبادرة والتهرب من تحمل المسؤولية أمام الله أولاً ثم أمام الشعوب الثائرة المتعطشة للإسلام، ما جعل حركة الإخوان مثلاً تطرد من عضويتها عبد المنعم عبد الفتوح عندما أعلن ترشحه للإنتخابات الرئاسية في مصر مثلاً... وجعل راشد الغنوشي يعلن من ميدان التحرير في مصر مؤخراً ما هو أكثر من إعتبار مجلة الأحوال الشخصية "إجتهاداً إسلامياً"، إنه يعلن أن "الدولة الإسلامية قائمة في تونس" ولسائل أن يسأل ففيما نضالكم إذاً، ما دمتم تعتبرون أن الدولة الإسلامية قائمة ومجلة الأحوال الشخصية إجتهاد إسلامي ودستور بورقيبة المفرنس دستور إسلامي؟
وفي الحقيقة فإن هذه المواقف والتصريحات تؤشر على مأزق عميق لدى هذه الحركات التي ناضلت طويلاً وابتدأت في كل مكان بشعار "الإسلام هو الحل"، وجرت بهذا الشعار شباباً وشابات أخيار وكوادر كبار. ذلك المأزق الذي يعترف به راشد الغنوشي مثلاً ويصفه بنفسه بـ"مأزق المشاركة أو الانفراد بالحكم".
هذه المواقف لها حتماً خلفيات ودوافع وحتى تفهم لزم فهم كيف يرى الإسلاميون المعتدلون الحكم.
فللإسلاميين المعتدلين في البلاد العربية اليوم نماذج قد خلت من قبلهم أو هي معاصرة لهم. ولكن لا يجدون في كل هذه النماذج ما يمكن أن ينطبق على حالهم. فالنموذج التركي يصفونه بأنه إستثنائي وكان مسبوقاً، حسب قول الغنوشي، بنظام ديمقراطي لا تزور فيه الإنتخابات. وهو ما يختلف، دائماً حسب الغنوشي، عن واقع البلدان العربية، حيث ذبح الجيش الجزائري الشعب بسبب فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في إنتخابات تشريعية، أو حيث يتعرض النظام السوداني للحصار الغربي. وذلك ما يجعل، حسب الغنوشي، النموذج التركي ليس قابلاً للإستنساخ في ظل نظام فاشستي -حسب تعبير الغنوشي- كالأنظمة العربية، أي بأن ينفرد الإسلاميون المعتدلون في تونس مثلاً بالحكم. ما الحل إذاً؟
بالنسبة للغنوشي والعريان، الحل في المشاركة! ما معنى المشاركة؟ بمعنى التخلي عن الدولة الإسلامية التي ينادون بها، بادئ الأمر والحل بالنسبة لهم هو أن يشتركوا كأشخاص وحركات في حكومات علمانية في نظام ديمقراطي.
من جهة أخرى، نحن نرى أنه حتى حين أصبحت الدولة بالكامل بأيدي الإسلاميين المعتدلين - تركيا- لم يكن للدولة والمجتمع من الإسلام نصيب، وواصلت الدولة والمجتمع على ما كانا عليه. ما الذي تغير، إذاً؟ فقط، تغيرت الوجوه. فأصبحت وجوهاً محسوبة على الإسلام قد ارتضى لها الغرب أن تصل حيث وصلت.
فمن تونس إلى مصر، يشعر قياديو النهضة كما الإخوان بنفس المأزق، إنسداد في تصور إستلام الحكم عن طريق صناديق الاقتراع. وسبب هذا الإنسداد يتمثل في نقطتين رئيسيتين:
1- شخصنة الأنظمة وشخصنة البديل وشخصنة التغيير: متولد عن نظرة خاطئة إلى المجتمع إذ يعتمدون التعريف الرأسمالي للمجتمع بأنه مجموعة أفراد. بتغير الافراد يأملون أن يتغير المجتمع. فلا إعتبار عندهم للعلاقات القائمة بين الأفراد. ولا ندري في هذه الحالة متى يمكنهم إعتبار المجتمع مجتمعاً مسلماً، بما أنه لا ينقطع منه غير المسلم!
2- إنعدام وجود نظام إسلامي بديل لديهم يكون مؤصلاً تأصيلاً شرعياً يجتث النظام الذي نسعى إلى تغييره. وفي هذه الحالة، يكون الإصلاح بالنسبة لهم من داخل المنظومة يتمثل في وصول أفراد إلى السلطة، أي بالنسبة لهم وصول الحركة إلى السلطة والعمل على التغيير الفوقي. وهذا يتناقض نظرياً مع ما يطرحه الإخوان طيلة ما يقارب القرن من الزمان وهذا ما يحيلنا إلى التغيير الذي طرأ على طريقة العمل على التغيير نفسها لدى الأخوان بالأمس والإسلاميون المعتدلون اليوم.
ولسائل أن يسأل، لم غير الإسلاميون المعتدلون نظرتهم إلى التغيير بل وحتى إلى الهدف؟ هل هي وليدة مراجعات داخلية أم ضغوط خارجية هي بمثابة عملية التدجين وإعادة الصياغة حتى تتطابق مع النموذج الأميركي للإسلام المعتدل؟!
هذا الموقف الجديد نسبياً، مع المعلوم من المراجعات التي اقامتها لهم الخارجية الأميركية والبريطانية، يمكن أن نخلص إلى أنه موقف منسجم مع السياسة الأميركية في المنطقة وهو ما يمثل تواطؤاً معها وبالنسبة للمسلمين والأتباع الذين كانوا يفهمون أن الإخوان والنهضة كانوا يعملون لإيصال الإسلام إلى الحكم، فإن ما يقوم به الإسلاميون المعتدلون يعتبر تخلياً عن طموحاتهم ونضالاتهم، ترقى إلى حدود الخيانة.
انما التغيير يحصل بإيصال الإسلام إلى الحكم لا إيصال أفراد أو حزب أو حركة له. ومعركتنا مع النظام الرأسمالي ووكلاؤه من أنظمة المنطقة وليس مع شخوص بن علي أو مبارك أو بشار أو القذافي. وإنما التغيير لا يحصل بالأسلوب الفوقي، إن حصل، وهو ما لم نراه حتى إذا وصل الإسلاميون المعتدلون إلى كل مفاصل الدولة ورأس هرمها، وإنما يحصل بإيجاد رأي عام منبثق عن وعي عام على وجوب وصول الإسلام إلى الحكم لتغيير النظام وهذا يستوجب العمل القاعدي بالصراع الفكري والكفاح السياسي. ولا يكفي وجود أشخاص في نظام كفر حتى يعتبر النظام نظاماً إسلامياً أو حتى شبه إسلامي.
والله نسأل أن يهدي اخواننا إلى سواء السبيل والرجوع عن السير في مخططات الأعداء القاضية بإشراكهم في أنظمة خائنة عميلة، أولاً لتوريطهم، ثانياً، لتطعيم أنظمة الغرب بعناصر إسلامية يمتصون بها حنق الناس على الأنظمة وبالتالي استدامة الإستعباد الذي ترزح تحته الشعوب الإسلامية، وثالثاً، الإنحراف بالناس عن الحل الصحيح القاضي بإستئناف الحياة الإسلامية إستئنافاً فورياً بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وممارسة الأمة لإرادتها كاملة وفرض سلطانها على اراضيها وحمل رسالة الإسلام للعالم.