رسالة الشيخ العلامة الشعيبي لأهل الحسبة
فضيلة الشيخ / حمود بن عبد الله بن عقلاء الشعيبي وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فإن الناظر في أحوال الحسبة اليوم ، يرى ضعفها وخورها ، بسبب تقليص كثير من صلاحياتهم والتقليل من جهودهم المباركة في إنكار المنكرات ، ونقلهم إلى أماكن نائية إن هم أدوا دورهم الحقيقي ، وإدخال بعض المنافقين في صفوفهم مما سبب الخور والضعف والتواني من بعض رجال الحسبة ، وأصبحوا يرضون بقليل من الإنكار ، فهل من كلمةٍ ضافيةٍ شاملة من فضيلتكم لرجال الحسبة على وجه الخصوص ، يثبت الله بها قلوبهم ، ويسكن خائفهم ، ويشرح الله بها صدورهم وجزاكم الله خير الجزاء ؟
الجواب :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فإن الأمر بالمعروف والدعوة إلى الله من أعظم الواجبات وأهم المهمات وهي من شعائر هذا الدين الظاهرة ومن حقوق " لا إله إلى الله " بل هي من أشرف مقامات الدين وفرائضه قال تعالى : {{ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون }} , والأمة الجماعة قدر الكفاية كلٌ حسب قدرته فإذا تركوه جميعاً أثموا وعوقبوا ، فلا صلاح للعامة ولا الخاصة إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . واليوم أفلت شموس الإنكار إلا من رحم الله ، وقد ذم الله تعالى من ليس لهم بقية ينهون عن الفساد في الأرض قال تعالى : {{ فلو كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم }} . والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر هم الناجون , قال تعالى : {{ فأنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون }} .
وهم اليوم القابضون على الجمر والغرباء فإن غربة الدين قد اشتدت وآثاره طمست وعفت ، قال ابن القيم رحمه الله : " الغرباء في هذا العالم أهل هذه الصفة وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبقوله صلى الله عليه وسلم : ( بدأ الإسلام غريباً و سيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء , قيل ومن الغرباء يا رسول الله ؟ قال الذين يصلحون إذا أفسد الناس ) وفي حديث عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن عنده : ( طوبى للغرباء, قيل : ومن الغرباء يا رسول الله ؟ قال : ناس صالحون قليل في ناس كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ) فأهل الإسلام بين أكثر الناس غرباء وأهل الإيمان بين أهل الإسلام غرباء وأهل العلم في المؤمنين غرباء وأهل السنة الذين تميزوا بها عند الأهواء والبدع فيهم غرباء والداعون إليها - أي السنة - الصابرون على أذى المخالفين أشد غربة , لكن وإن كانوا غرباء فهم أهل الله وهو معهم وناصرهم ومعينهم . قال تعالى : {{ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله مع المحسنين }} وأنتم أحق الناس بالحديث الذي رواه الطبراني عن أبي هريرة مرفوعاً : ( المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد ) بل أجره كأجر خمسين من السابقين كما جاء في الحديث . "
أما قول السائل أن الناظر في أحوال الحسبة يرى ضعفها وخورها إلى آخره فهذا صحيح ، فإن لهذا الدين إقبال أدبار وإن من أدبار الدين أن تجفوا القبيلة و إن شئت فقل المجتمع والدول بأسرها حتى لا يوجد إلا القليل المستضعف وهم خائفون مضطهدون .
أما ما نال الآمرين بالمعروف من الأذى والمضايقة فلهم أسوة بما حصل للأنبياء والرسل والمصلحين من الأذى والإهانة والسب ممن تعرض لهم ظلماً وعدواناً يرفعهم الله بذلك ويذل ويفضح شانئهم ومضا يقهم قال تعالى : {{ ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسلِ من قبلك }}
وإذا علم ذلك .. فالواجب على رجال الحسبة أن يحذروا من الخور والضعف والتواني فإن ذلك من الشيطان يخوف أولياءه الفجرة والطغاة ، قال الله تعالى : {{ إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين }} , وقال تعالى : {{ إن الله لا يغير ما بقوم حتى لا يغيروا ما بأنفسهم }} .. وإياكم والنكوص قال تعالى : {{ فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم }} , وقال تعالى : {{ فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم }}
أخيراً ليعلم الجميع أن : ( سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله هي الجنة ) لا تُنال إلا بالمكارم وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( حفت الجنة بالمكاره ) .
نسأل الله أن يوفقكم ويُعِينكم ويشد عضدكم ويقوي قلوبكم ويدحر ويذل معاديكم و محاربكم والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . وصلى الله على نبينا محمد إمام المجاهدين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وعلى آله وصحبه أجمعين .