الفوزان يعقب على المزيني: انقسام المسلمين إلى دول متعددة منذ العصر العباسي لم يعطل الجهاد
قرأت في "الوطن" بالعدد 2120 الصادر يوم الخميس 24/6/1427هـ مقالاً للكاتب حمزة قبلان المزيني يعقب فيه على جوابي عن سؤال الكاتب صالح العريني حينما طلب مني توضيحاً لأحكام الجهاد في الإسلام. وكأن هذا التوضيح لم يعجب المزيني فصار يناقش كل فقرة من فقراته بجهل وما ذنب هذا التوضيح عنده إلا أنه يتمشى مع مذهب سلف هذه الأمة في أحكام الجهاد. وهو قبل ذلك يتمشى مع نصوص الكتاب والسنة. والمزيني لم يذكر أنني خالفت الكتاب والسنة. و إنما عاب علي أنني وضحت ما طلب مني توضيحه على منهج السلف وهو لا يريد ذلك حيث عنون تعقيبه بقوله: هذا ما يوجب فقهاً جديداً للجهاد. وقال: وكنت طالبت في مقالات سابقة الفقهاء المعاصرين (ولا يرضى بفقهاء السلف) بأن يأتوا بفقه جديد للجهاد يتلاءم مع الظروف الدولية المعاصرة ـ فهو يريد تشريعاً جديداً. وأقول: أولاً كلامك هذا يتضمن قطع صلتنا بفقه السلف الصالح الذين أمرنا باتباعهم كما قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" وأنا ـ ولله الحمد ـ لم أخرج عن منهج السلف فيما كتبته.
ثانياً: إن سلف هذه الأمة وفقهاءها أخذوا أحكام الجهاد من نصوص الكتاب والسنة التي لا تختلف باختلاف الزمان والمكان. ولم يأخذوها من تصورات فكرية ومذاهب ونظريات بشرية. وقد قال بعض السلف: اتبعوا ولا تبتدعوا. ومن جاءنا بفقه يخالف الكتاب والسنة وفقه السلف رفضناه ولم نقبله كائناً من كان.
وأقول إن المزيني بكثرة تعقيباته ومراوغاته حول المناهج الدراسية وحول الجهاد بصفة خاصة يريد أن يفرض علينا رأيه الذي لم يجد ـ ولله الحمد ـ رواجاً عند كثير من القراء مع أنه يدعي الحوار وقبول الرأي الآخر. مع أن الحق أنه لا يقبل من الآراء إلا ما وافق الكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة وأئمتها. وهو المنهج الذي تسير عليه هذه الدولة المباركة في مناهجها وجميع شؤونها ولا تحيد عنه إن شاء الله ثم بين وجهة نظره بقوله: فقد صيغت هذه الشروط( يعني شروط الجهاد) التي بينها الشيخ (يعنيني) بلغة تتصف بعموميات غير منضبطة. ولا تتصور الأوضاع الدولية المعاصرة. وأقول له: إن هذه الشروط مستندة إلى نصوص الكتاب والسنة الصريحة والصالحة لكل زمان ومكان. وقولك هذا يتضمن وصف هذه النصوص بالقصور وعدم الصلاحية لهذا الزمان. والله تعالى قال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ويقول (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) ثم يعترض المزيني على قولي إن الجهاد لا يكون إلا بإذن ولي الأمر بقوله: إن المسلمين الآن ليسوا دولة واحدة يحكمها حاكم واحد. بل هم أربع وخمسون دولة لكل منها حدودها وعلاقاتها التي تنبع من مصالحها فكيف يمكن تطبيق شروط الجهاد في هذه الدول المتعددة والجواب: إن انقسام المسلمين إلى دول متعددة قديم منذ عصر العباسيين وليس جديدا ولم يعطلوا الجهاد ولم يشكل على كل دولة إسلامية تطبيق أحكام الجهاد. لأن كل دولة تعتبر مستقلة عن الدولة الأخرى في سياستها الداخلية وتنفيذ أحكام الجهاد يكون في حقها بحسب ظروفها وأحوالها. ومع ذلك يجب تعاونها مع الدول الإسلامية الأخرى حسب إمكانياتها. والله تعالى يقول: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ثم يتساءل المزيني فيقول: ما المراد بإعلاء كلمة الله الذي هو الفرض من الجهاد كما ذكرته. وأجيبه بأن المراد بإعلاء كلمة الله ظهور هذا الدين على الأديان كلها.. كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) وليس المراد من الجهاد في سبيل الله التسلط والتجبر على الناس أو الرياء والسمعة أو طلب المال. ويرجع ذلك إلى نية المجاهد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" وهذا مما يبين شرف الجهاد في سبيل الله وفضل المجاهدين حيث لا يكون للكفار بسبب جهادنا لهم سلطان على المسلمين ولا يصدون عن سبيل الله من يريد الدخول في الإسلام. كما قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) وفي ذلك سعادة البشرية في الدنيا والآخرة.
ثم يدعو المزيني في آخر تعقيبه إلى أن يقابل غزو الكفار لبلاد المسلمين واستخدامهم القوة المفرطة ضد المسلمين وعدم تقيدهم بميثاق الأمم المتحدة والمواثيق الدولية يدعونا إلى أن نقابل ذلك بالاستسلام التام وعدم ذكر أحكام الجهاد في مناهجنا الدراسية حيث قال: لا يمكن أن يكون البديل الملائم أن نلجأ إلى الحرب والغزو لهم كما غزونا تشبها بهم. وانظر كيف أنه وصف الجهاد في سبيل الله بأنه تشبه باعتداء الكفار على المسلمين لتعلم أن هذا الرجل ليس عنده خلفية صحيحة عن أحكام الجهاد في الإسلام وما ترمي إليه تلك الأحكام من صالح البشرية ورفع الظلم والوثنية القذرة عنها أو أنه يغالط في ذلك.
ألم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا قريشاً لما خانوا العهد الذي بينهم وبينه وفتح الله مكة للمسلمين بسبب ذلك.
ثم إن المزيني يرى أنه لا يجوز أن ينوي المسلم الجهاد في سبيل الله ولا مجرد نية بالقلب عند عدم القدرة عليه باليد. حيث قال: ولا نضمر أننا سنغزو العالم إذا توفرت لنا القوة والقدرة على ذلك وأنه لا يمنعنا أن نقوم بحروب تشبه حروب التهور الأمريكي ـ وهذا القول منه فيه غرابة عجيبة من وجهين، الأول أنه مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق" هذا في الذي لم يحدث نفسه به فكيف بالذي ينكره.
الثاني: أنه شبه الجهاد في الإسلام بحروب التهور الأمريكي الذي يريد أن يفرض الكفر على المسلمين مما يدلل على أن الرجل يعاني من جهل فظيع بفقه الجهاد وأحكامه في الإسلام. ثم أكد فكرته عن الجهاد في الإسلام بقوله إن إضمار هذه النية ( يعني نية الجهاد في الإسلام) لا يمثل روح الإسلام التي توجب على الأمم كلها السعي نحو التعارف وهو الذي وضع مقاييس للخيرية ليس استخدام القوة ( يعني الجهاد) من بينها. أي إن الجهاد في الإسلام ليس من مقاييس الخيرية وهذا منه إنكار واضح للجهاد في سبيل الله الذي هو ذروة سنام الإسلام وأنا أنصح المزيني ألا يقفو ما ليس له به علم فقد حذر الله من ذلك وتوعد عليه ثم هو يتناقض حيث يقول في الأول إننا نحتاج إلى وضع فقه جديد للجهاد ثم ينكره فإذا كان الجهاد لا أصل له عنده في الإسلام فلماذا يطالب بوضع فقه جديد له وهو ينكره نهائياً وينهى عنه ولو فعلناه دفاعاً عن أنفسنا وحرماتنا حينما يعتدون علينا في بلادنا والله تعالى يقول: (فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ). وقال تعالى (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ). وقال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) والجهاد كما هو معلوم جهادان، جهاد دفع وجهاد طلب. فجهاد الدفع هو لحماية مصالح المسلمين وحرماتهم وجهاد الطلب هو لمصلحة البشرية عموماً لإخراجها من الظلمات إلى النور وتخليصها من جور الجبابرة وعبادة غير الله التي من مات عليها دخل النار مخلداً فيها. ثم قال المزيني يخاطبني: ويعلم الشيخ أن معظم الحروب كان وراءها نيات خيرة ومن آخرها هذه الحروب التي تشن على المسلمين في الوقت الحاضر فالغرض منها كما يدعي مؤججوها أن يتحول العرب والمسلمون إلى الديموقراطية وهو هدف نبيل. ثم يقول: أما النتائج التي ترتبت على تلك النية الخيرة فكانت مدمرة بكل المقاييس، وأقول: إن أراد بالديموقراطية التي ذكرها أنها العدالة بين الناس فهذه قد كفلها الإسلام للمسلمين بل وغير المسلمين، فالإسلام هو دين العدل والإنصاف. قال تعالى (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) وقال تعالى (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا) هذا ما أمرنا الله به، والكفار إنما يفرضون بحروبهم الجور والظلم والجبروت على المسلمين. وإن أراد المزيني بالديموقراطية الحرية البهيمية التي تضر بالبشرية وتدمر دينها وأخلاقها فهذه ليست في صالح البشرية ولهذا أثمرت كما قال التدمير بكل المقاييس لأن ما يترتب على الباطل فهو باطل ولو كانت نية صاحبه صالحة وخيرة كما قال لكن المزيني يتصور أن حرب الكفار للمسلمين تكون لهدف نبيل وأن حرب المسلمين للكفار ليست لهدف نبيل. وإلا فما الذي يحمله على مثل هذا الكلام. وقوله في مطلع كلامه: استخدم الشيخ الفوزان في هذا الرد (يعني جوابي للأخ: صالح العريني) لغة أقل حدة من اللغة التي تعودنا على قراءتها في ردوده السابقة. وأقول له: الأخ صالح العريني سألني أن أوضح له أحكام الجهاد في الإسلام. والسائل له حق يتناسب معه الأسلوب الذي ليس فيه حدة بخلاف المعترض المعاند فهذا له أسلوب آخر. والله تعالى قال: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) فالظالم يستعمل في حقه الأسلوب المناسب ولكل مقام مقال. وهدفي مما أكتب هو بيان الحق وإزالة لبس الشبهات التي يلقيها بعض الكتاب (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ). ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل (فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ويرى المزيني أن إضمار نية الجهاد عند القدرة عليه كما دل على ذلك الحديث الذي سقناه قريبا لا يمثل روح الإسلام التي توجب على الأمم كلها السعي نحو التعارف. وأقول: هذا فهم خاطئ لروح الإسلام ونصوصه التي توجب على المسلمين التميز عن الكفار والبراءة منهم ومن دينهم وعدم الذوبان فيهم قال الله تعالى (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وقال تعالى (لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) والعجيب من المزيني وأمثاله أنهم يحاولون دس أفكارهم المخالفة للنصوص الشرعية فإذا احتج عليهم بتلك النصوص قالوا نحن ما أردنا مخالفتها وأنتم لم تفهموا مقصودنا فيجعلون مخالفهم هو المخطئ. هكذا يستغفلون الناس ويصفونهم بعدم الفهم ولا يتهمون رأيهم ويراجعون أنفسهم وليعلموا جميعاً أن الأمة لن ترخص عليهم علوم السلف وأقوالهم بمثل هذه الاتهامات الرخيصة التي هي من جنس أقوال الفلاسفة والمتكلمين ونقول في حق هؤلاء هدانا الله وإياهم لمعرفة الحق والعمل به.
وقوله عن شروط الجهاد التي لخصتها من كلام العلماء مفصلة واضحة: ينبغي ألا تتضمن مثل هذه اللغة التي تصاغ بها شروط الجهاد وضوابطه وتتصف بالعمومية وعدم الدقة. هكذا يصادر المزيني كلام العلماء المبني على الكتاب والسنة وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة خلفائه في الجهاد ويصفه بعدم الصلاحية لهذا الوقت كأنه معلبات غذائية انتهى تاريخ صلاحيتها للاستعمال فتصادر وتتلف وإذا بلغ الاستهتار بالسلف وعلومهم إلى هذا الحد فقل على الأمة السلام لكن مع هذا نرجو من الكاتب المزيني إعادة النظر فيما يكتب مستقبلا والرجوع إلى الحق فضيلة وليعلم أن طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم لا طريقة الخلف. قال تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) فحسبنا أن نحترمهم ونثني عليهم ونستفيد من علومهم ونتبعهم كما قال تعالى (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وقوله إن ضوابط الجهاد وشروطه التي حررها علماء الأمة سلفا وخلفا تتصف بالعمومية والغيامية، لا أدري هل قال هذا القول عن جهل بها أو جحود لما فيها من التفاصيل الواضحة أو قال ذلك عن عدم فهم لها فسيكون الواجب عليه أن يسأل عما أشكل عليه منها فالله تعالى يقول (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أما أن يحكم عليها بعدم الصلاحية فهذا حكم جائر لا يوافقه عليه من عنده علم وبصيرة والواجب علي وعليه أن نتوقف عما لا نحيط بعلمه. وفي قول لا أدري مندوحة عن الخطأ وسلامة للذمة.