إن الحمد لله نحمده نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله وأمينة على وحيه ومصطفاة من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيرا
أما بعد
أما بعد فأيها الناس فان الله تعالى جعل لكم طهارتين من خبيثين أما الطهارة الأولى فهي طهارة القلب من الشرك بالله عز وجل وذلك بان تخلصوا لله وحده عبادتكم لا تريدون بالعبادة شي من أمور الدنيا فان من من أراد بعبادته شيئاً من أمور الدنيا أحبط الله عمله يقول الله عز وجل : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَآلهمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ*أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) .وفى الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ربه جل وعلا أنه قال: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه )اخلصوا أيها المسلمين عبادتكم لله لا تريدون بها أن تمدحوا عليها أو أن يثنى الناس عليكم بها فأن ذلك من إرادة الدنيا لا تريد بالعبادة جاهاً ولا شرفاً ولا سيادة في الدنيا ولا مالاً تتمتعون به في حياتكم اعبدوا الله مخلصين له الدين طهروا قلوبكم من الشرك فأن الشرك لظلم عظيم أعظم الشرك أعظم الظلم أن تجعل لله نداً وهو خلقك وطهروا قلوبكم من الغل والحقد والكراهة والبغضاء لا إخوانكم المسلمين إياكم والتباغض إياكم والتعادى إياكم والتحاسد طهروا قلوبكم من كل ذلك طهروا قلوبكم من محبة السوء لعباد الله فان من أحب إلى أخيه السوء وفقه الله تعالى للسوء والله تعالى في حاجة العبد ما كان العبد في حاجة أخيه أيها المسلمون طهروا أعمالكم من الابتداع أخلصوا الأتباع لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وانظروا من كان يقول ويفعل من العبادات وانظروا ما كان عليه السلف الصالح وإياكم وبنيات الطريق إياكم وما جاء به الخلف مخالفاً لطريق السلف فإن ذلك من البدع التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (كل بدعه ضلاله ) أما النوع الثاني من الطهور أما النوع الثاني من الطًهور فهو طهور الأبدان من الأحداث والأنجاس طهروا أيها المسلمون أبدانكم وطهروا ثيابكم وطهروا مواضع صلاتكم من النجاسات والأقذار أستنزهوا من البول والغائط بالاستنجاء بالماء أو بالإستجمار بالأحجار حتى ينقى المحل بثلاثة مسحات فأكثر وأعلموا اعلموا علم يقين أن عدم التنزه من البول من أسباب عذاب القبر يفاجاء الإنسان عند فراق الدنيا بالعذاب في قبره إذا لم يستنزه من البول كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر بقبرين فقال أنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير إي ما يعذبان في أمر يشق عليهما ويكبر عليهما بل هو سهل عليهما ولهذا جاء في رواية أخرى في البخاري بلا أنه كبير فهو كبير من كبائر الذنوب ولكنه ليس كبير من حيث العمل والتعب لأنه لا يشق على الإنسان أن يتنزه من البول قال عليه الصلاة والسلام( أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول وأما الأخر فكان يمشى بالنميمة ) وان من الخطاء الفادح ما يفعله بعض الناس يبول ثم يقوم من بوله بدون إستجمار ولا استنجاء لا يبالى بما أصابه من البول ولا يستنزه منه ثم يذهب ويصلى وأن هذا لصلاته باطلة لا تنفعه ولا تبرأ بها ذمته وما فعله فمن كبائر الذنوب العظيمة أيها المسلمون تطهروا من الحدث من الحدث الأصغر بإصباغ الوضوء كما أمركم الله به وجاءت به السنة سمو عند الوضوء واغسلوا أكفكم ثلاثة مرات ثم تمضمضوا استنشقوا وأستنثروا ثلاثة مرات بثلاثة غرفات ثم اغسلوا وجوهكم ثلاثة مرات من الأذن إلى الأذن عرضا ومن منحى الجبهة نحو الرأس إلى أسفل اللحية ثم اغسلوا اليد اليمنى ثلاثة مرات من أطراف الأصابع إلى المرفق وهو مفصل الذراع من العظم ثم اليد اليسرى مثل ذلك وانتبهوا لأمر يفعله بعض الناس يغسل يديه بعد غسل وجهه ولا يغسل الكفين يظن أن غسلهما في الأول كافي عن غسلهما بعد الوجه وهذا ظن فاسد ليس له أصل فيجب عليك عند غسل اليدين بعد غسل الوجه أن تغسل جميع اليد من أطراف الأصابع إلى المرافق والمرافق داخله في الغسل ولهذا يجب أن ينتب الإنسان عند غسلهما فيقصر الكم كله حتى يتبين جميع المرفق ثم يغسله ثم امسحوا جميع روؤسكم من منحى الجبهة ما يلي الوجه إلى منابت الشعر إلي القفا والأذنان من الرأس فيجب مسحهما بحيث يدخل الإنسان سبابتيه في صيماخيهما ويمسح بإبهاميه ظاهرهما ثم اغسلوا الرجل اليمني ثلاثة مرات من أطراف أصابعهما إلي الكعبين وهما العظمان البارزان في أسفل الساق ثم الرجل اليسرى مثل ذلك والكعبان داخلان في الغسل وإذا كان على الرأس عمامة أو قبعة يشق نزعه فامسحوا عليه بدلاً عن مسح الرأس وامسحوا عن الأذنين إن خرجتا لان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثبت عنه أنه كان يمسح على عمامته وإذا كان على الرجل خف أو جورب وهو الشراب أو نحوهما مما يلبس على الرجل سواءً كان من القطن أو الصوف أو الجلود أو غيرها مما يجوز لبسه وسواءً كان صفيقاً أو كان خفيفاً فامسحوا عليه بدلاً عن غسل الرجل لكن بثلاثة شروط الشرط الأول أن يكون الإنسان على طهارة أي أن يلبسهما على طهارة فان لبسهما على غير طهارة لم يجزي المسح لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للمغيرة بن شعبة رضى الله عنه حين أراد أن ينزع خفي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (دعهما فأنى أدخلتهما طاهرتين ) الشرط الثاني أن يكون ذلك في الحدث الأصغر فأما إذا كان عليه جنابه فانه لابد أن يخلع الجوربين أو الخفين ويغسل القدمين لقول صفوان بن عسان رضى الله عنهما: ( إلا من جنابه ولكن من غائط وبول ونوم) الشرط الثالث أن يكون في المدة المحدودة وهى يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر قال صفوان بن عسان رضى الله عنه: ( كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع أخفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابه ولكن من غائط و بول ونوم) وقال على بن أبى طالب رضى الله عنه : (جعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوم وليلة للمقيم ) يعنى في المسح على الخفين ولكن متى تبتدى المدة أختلف العلماء في هذه المسالة على أقوال ثلاثة ولكن أن أرجح الأقوال المدة تبتدى من أول مره مسح بعد الحدث حتى تتم المدة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا تتطهر الرجل لصلاة الفجر ولبس خفيه ونقض وضوءه في الضحى ثم توضأ لصلاة الظهر عند أذان الظهر ومسح إلى مثله من اليوم التالي أن كان مقيماً أو إلى تمام ثلاثة أيام أن كان مسافراً إلا أن تصيبه جنابه فانه يخلعهما ويغسل رجليه مع سائر جسده عند الاغتسال فأصبغوا أيها المسلمون أصبغوا وضوءكم على الوجه المطلوب منكم فقد صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : (ما منكم من أحد يتوضأ فيصبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا آله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ) هكذا صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه وعن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( من توضأ وأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظافره ) رواه مسلم وعن على بن أبى طالب رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إصباغ الوضوء في المكاره وأعمال الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلاً) وتتطهروا أيها المسلمون تتطهروا من الجنابة وبادروا بالطهارة منها والجنابة تتحقق بواحد من أمرين إما الجماع وأن لم يحصل إنزال وإما إنزال وأن لم يكن جماع فمتى جامع الإنسان زوجته وإن لم ينزل فعليه وعليهما الغسل وأن باشرها بدون جماع وأنزل فعليها الغسل فعليه الغسل وكذلك يجب عليها إن أنزلت وأن لم تنزل فلا شي والحاصل أنه متى ما حصل الجماع وجب الغسل علي الجميع بإنزال وبدونه ومتي حصل الإنزال بدون جماع وجب الغسل على من أنزل منهما فقط وبادروا بالطهارة من الجنابة فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ( لا تقرب الملائكة جنباً إلا أن يتوضأ ) ولا تناموا على جنابه فأن تيسر لكم الاغتسال قبل النوم فهو أفضل وأن لم يتيسر فتوضئوا كما تتوضئون للصلاة ثم ناموا واغتسلوا إذا قمتم والواجب في الغسل أن يعم الإنسان جميع البدن مرة واحدة ولكن الأفضل أن يغسل كفيه ثلاثة ثم يغسل فرجه ثم يتوضاء وضوءاً كاملاً ثم يغسل رأسه فيخلل أصول شعره بالماء حتى يبلغ ثم يفيض عليه الماء ثلاثة مرات ثم يغسل سائر جسده ولابد من المضمضة والاستنشاق سواءً أتى بالصفة الواجبة أو الصفة المستحبة ولا يحتاج إلي إعادة الوضوء بعد الغسل لان الغسل كافي عن الوضوء لقول الله تعالى:( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا َ). ولم يدخل الله في الآية وضوءاً ومن كان في أعضاء طهارته جرحاً لا يضره الماء وجب عليه غسله فان كان يضره الغسل دون المسح وجب عليه مسحه فان كان يضره حتى المسح تيمم عنه وإذا كان على أعضاء طهارته جبساً مقلف على كسراً أو لزقه مشدودة على جرح أو ألم مسح عليه حتى يبرأ سواءً في الحدث الأصغر أم الجنابة والمريض الذي يتعذر عليه استعمال الماء لعجزه عنه أو تضرره باستعماله يجوز له أن يتيمم حتى يزول عذره يجوز له أن يتيمم حتى يزول عذره والمسافر الذي ليس معه ماء زائد عن حاجته يجوز له أن يتيمم حتى يجد الماء لقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عليكم مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عليكم لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) . وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ) وبهذه الآية الكريمة وبهذا الحديث يتبين أن التيمم مطهر وعلى هذا فإذا تيمم الإنسان لصلاة من الصلوات وبقى لم ينقض طهارته فانه لا يحتاج إلى إعادة التيمم للصلاة الأخرى وكذلك لو تيمم قبل دخول الوقت وبقى على طهارته حتى دخل الوقت فأنه لا يحتاج إلى إعادة التيمم بعد دخول الوقت لان الله تعالى جعل ذلك تطهيراً وكذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاشكروا الله عباد الله على نعمه وتيسيره وقوموا بما أوجب عليكم من الطهارة من غير غلو ولا تقصير فان الله تعالى يقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ*وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ*إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ*وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ). وكونوا كمن قال الله فيهم : ( فَبَشِّرْ عِبَادِ*الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) . اللهم اجعلنا من هؤلاء السادة الكرام واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ياذ الجلال والإكرام أنك على كل شي قدير والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الحمد لله على إحسانه واشكره على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا آله إلا الله وحده لا شريك له لا شريك في أولهيته وربوبيته وسلطانه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أيده الله ببرهانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره وأعوانه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد