ولكن علماء النفس المشتغلين بالإبداع ينبهون إلى المشكلات التي يعانيها الأطفال الموهوبون في أثناء نموهم وتقدمهم في العمر. إن الطفل حين يواجه المشكلات فإن السبب قد يعود إلى كونه موهوباً، والكثير من المشكلات التي تبدو عند أمثال هؤلاء الأطفال تنجم عن الصراع بينهم وبين من حولهم من أهل ومعلمين وأصحاب نفوذ.
إن الطفل الموهوب كثيراً ما يكون تحت تأثير قواه الداخلية الناجمة عن قدراته الإبداعية التي تدفعه إلى القيام بأعمال يعجز عن التحكم فيها.
إنها قد تدفعه إلى أن يكون استقلالياً، متحرراً ومجانفاً للأعراف والتقاليد في علاقاته مع الآخرين الذين يريدون منه أن يقوم بأعماله وفقاً لما تعارفوا عليه. وهذه الحال كثيراً ما تقود إلى صراعات ومجابهات تتطلب من الطفل أن يتكيف تكيفاً جديداً قد يستطيعه وقد يعجز عنه. وهكذا فإما أن يتعلم مواجهة الضغوط المتزايدة، وإما أن يكبت حاجاته الإبداعية. فإذا استطاع معالجة هذه المصاعب ومواجهتها انتهى به الأمر إلى سلوك إبداعي وصحة نفسية طيبة.
أما إذا عجز عن ذلك وكبت قدراته الإبداعية فإنه قد يواجه مشكلات نفسية يحتمل أن تكون خطيرة. وكثيراً ما قيل إن الإنسان المبدع إنسان لا يضايقه التعقيد أو عدم التوازن أو الغموض أو عدم التكامل، وهو يتعامل بـ «اللامعقول»، لأنه يجد فيه ينبوع تفكيره الأصيل المبتكر. ثم إنه يرفض ادعاء المجتمع أن على كل إنسان أن يكيف نفسه وفق معايير معينة محددة لكل زمان ومكان، ويؤكد أن الثورة ورفض الانصياع لقيود المجتمع والإصرار على تحقيق الذات والاستمتاع بالفردية كثيراً ما تكون علامات تدل على طبع صحيح سليم. وهو أخلاقي عادة بالمعنى البسيط للكلمة.
ولعل أكثر مصاعب الطفل الموهوب شيوعاً شعوره بالعزلة عن مجتمعه، والغربة عن أقرانه وأهله ومعلميه، وذلك بسبب من إصراره على المجانفة والتحرر من الاتباع في تفكيره وعمله مما يخلق له ضغوطاً وتوترات بينه وبين الآخرين الذين يريدون إرجاعه إلى صراطهم «المستقيم».
يتصور عامة الناس أن العبقري إنسان مهزوز وأنه مغفل في كل شيء ما عدا اختصاصه الضيق، وأنه يخالف قواعد الذوق العام، وأن من الصعب معايشته. ولكن هذه الصفات ـ لحسن الحظ ـ لا تنطبق على الواقع إطلاقاً.
إن العباقرة ـ سواء أكانوا فنانين أم كتاباً أم علماء ـ يصعب فهمهم في كثير من الأحيان، وهذا أمر صحيح. ولكن معايشتهم ليست أصعب من معايشة سواهم من معظم الناس. وليس معنى هذا عدم وجود عباقرة ذوي مشكلات، فبعضهم كذلك. إن فناناً مثل فان غوغ VanGogh [ر] الهولندي انتهت حياته بالجنون ثم الانتحار، وكذلك فإن الكاتب الأمريكي إدغار آلان بو E.Alan Poe [ر] كان مدمناً الخمر، كما كان الروائي الروسي دوستويفسكي Dostoyevsky [ر] مقامراً مدمناً، وكان إبسن Epsen [ر] كاتبا القصة النروجي طاغية في أسرته، كما كان مختالاً فخوراً حتى إنه كان يلصق بقبعته مرآة يستطيع أن ينظر فيها إلى نفسه إذا ما جلس في متنزه. وفي مقابل هؤلاء، فقد كان سلوك عشرات العباقرة من أمثال أرسطو [ر] وكوبرنيك [ر] ودانتي [ر] وابن سينا [ر] طبيعياً سوياً. إن باستور Pasteur [ر] العالم الفرنسي كان يعيش عيشة بسيطة جداً، أما داروين Darwin [ر] فقد وصفه أحد أولاده بأنه بشوش ومحب، وكذلك أينشتاين Einstein [ر] كان لطيفاً وعطوفاً ومحبوباً من كل الناس. لهذا فالقول الصحيح هو أنه ليس من الضروري أبداً أن يكون العبقري مجنوناً أو غريب الطباع أو شاذاً، حتى وإن كان بين العباقرة من دلل سلوكه على قدر ما من الشذوذ.
تربية الإبداع
الحاجة إلى تربية الإبداع: تتعرض التربية الحاضرة إلى كثير من النقد، وترد بأشكال من الدفاع. والواقع أن التحدي الذي تواجهه التربية في أواخر القرن العشرين لا يكفي، في التغلب عليه، النقد والدفاع الشائعان لأن هذا التحدي يتجاوز كل حدود التوقع.
إن هذا العصر لم تعد تناسبه الأفكار القديمة. والحق أنه لا يعرف إطلاقاً ما سوف يكون عليه الإنسان والعالم بعد نحو خمسين سنة من الزمن. فالتطور سريع جداً، وكبير لدرجة مذهلة، ولذلك كان لابد لإيجاد المبدعين الذين عليهم أن يضطلعوا بأعباء العالم المقبل، من تغيير جذري للتربية في أهدافها ومناهجها وطرائقها ووسائلها، وتغيير يصنع ذوي الفكر الخلاق والعزم والخيال والمثابرة.
إن أول تغيير ينتظر أن يحدث يجب أن يتناول الأهداف التربوية، أو الهدف الأساسي من التربية. إن هدف التربية كان حتى وقت قريب تعلم الحقائق والمعارف التي وصل إليها العلم. والواقع أن هذا الهدف، وما يستتبعه من مناهج وطرائق ووسائل، بات قديماً، إن هدف التربية في عصر الفضاء وعصر الحاسوب يجب أن يكون التفكير، التفكير بكل معانيه: التفكير الناقد، والتفكير البناء، والتفكير الحر، والتفكير المنطقي والتفكير التحليلي، والتفكير التركيبي. وهذا الهدف «التفكيري» يغير المناهج والطرائق والوسائل والبرامج والعلاقات وكل شيء آخر في البيت والمدرسة والمجتمع.
ولقد سبقت الإشارة إلى نوعي التفكير: التفكير المجانف والتفكير المطابق. والتفكير المجانف هو لب الإبداع وجوهره. ولذلك فإن تشجيع التفكير المجانف وتعهده بالرعاية والتوجيه هو الطريق إلى تفتيح العملية الإبداعية وازدهارها.
إن المدارس والبيوت تشجع التفكير المطابق وتكاد تقتل التفكير المجانف. فالطفل الذي يحفظ ما في الكتاب ويقول ما يقوله
المعلم طالب «ذكي» ممتاز يستحق النجاح وينال الدرجات العالية. أما الطالب الذي يخرج على المألوف، ويناقش المعلم، وينقد الكتاب، فكثير ما يقال عنه أنه طالب مشاغب يجب إسكاته وتأديبه، لكن هذا الطالب المخالف، الناقد السؤول، المستفسر، المناقش، هو في الأغلب الطالب المبدع. وفي اليد أن يسمح له بالانطلاق والإبداع أو أن يكبت وتقتل مواهبه.
وإذا كان لابد من تغيير هدف التربية فلا بد من أن تغير طرائقها ومناهجها وأساليبها، وأساليب تقويم الطلاب خاصة. ومن هنا كانت الحاجة ماسة إلى
البحث التربوي ودراسة الإبداع بغية فهمه وتنميته ووضع المناهج اللازمة لهذه التنمية. لقد دلت الدراسات الإبداعية الجادة على أن القدرات الإبداعية لدى تلامذة
رياض الأطفال أكثر بكثير مما كان يعتقد، وأن هذه القدرات متوافرة عند تلامذة المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية، ولذلك فإن تعهد هذه القدرات في جميع مستويات
التعليم واجب مقدس من واجبات السلطات التربوية.
والقدرات الإبداعية - كما دلت على ذلك الدراسات العلمية - تنمو بسرعة منذ الدخول إلى
رياض الأطفال حتى الصف الثالث الابتدائي. وفي الصف الرابع يحصل هبوط ملحوظ ثم يحدث كسب في الصفين الخامس والسادس وهبوط جديد في الصف السابع، ثم يحدث كسب في الصفوف الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر. إن علميات التفكير، عمليات آلية وسريعة وعفوية إذا لم تواجه إعاقة خارجية. والمزعج أن علاقات الراشدين بالأطفال، والأحوال في البيت والمدرسة، تتدخل في هذه العملية التفكيرية الطبيعية.
والسؤال المهم هنا هو: كيف يتحاشى الأهلون والمعلمون إيقاف تيار الإبداع عند الأطفال؟ إن الجواب يكمن في العلاقة بين المربي والطفل التي يجب أن تكون علاقة إبداعية.
إنها ليست علاقة الفعل برد الفعل، ولكنها علاقة تجريبية اختبارية مشتركة. وهذا الواقع يتطلب أن يكون المربي - والداً أو معلماً - ذا نفس محبة للتفكير، مستعدة للمغامرة متمتعة بقدركاف من الخيال، تسمح بالسؤال والمناقشة والنقد والخروج عن المألوف، مما يشجع الأطفال على التفكير الأصيل والتخيل المبدع. وبالتالي على الإبداع والابتكار.
تربية الإبداع في البيت: يختلف الأطفال الموهوبون عن سواهم اختلافاً قد يؤدي إلى سوء فهمهم وارتكاب الأخطاء الجسيمة بحقهم، ولذلك كان من الأهمية بمكان أن ينظر بتمعن في نفسية الطفل الموهوب المبدع، وأن يتم استكناه خفاياها وتعرفها. ووالدا الطفل الموهوب هما أولاً الشخصان المهمان في حياة هذا الطفل، وهما بالتالي أول من يجب أن يساعداه على إظهار مواهبه الكامنة والتعبير عنها. ولذلك كان مهماً جداً أن يكون للأبوين القدرة الكاملة والمعرفة المتبصرة والطرائق الصحيحة لإعانة الولد على إظهار مواهبه والتعبير عنها وصقلها ووضعها في خدمة المجتمع. إن من واجب الوالدين إظهار المحبة للطفل وتفهمه وإشعاره بأهميته وإعطاء معنى لحياته وتقدير مواهبه تقديراً يكفي لدفعه إلى الدأب والمثابرة في إنتاج ما هو مبتكر.
إن الطفل المبدع طفل يبدو لامعاً وفقاً لروائز
الذكاء التقليدية، ولكن هذه الروائز قد تشير أحياناً إلى أنه استثنائي، لكن روائز
الذكاء لا تسمح للأطفال الموهوبين بإظهار مواهبهم الخاصة. إن الأطفال الموهوبين المبدعين لا يختلفون عن الأطفال ذوي حاصل
الذكاء المرتفع إلا بأنهم يستعملون استراتيجيات تفكيرية مبدعة ويلجؤون إلى خيالهم أكثر من سواهم في تعاملهم مع البيئة المحيطة بهم. ويلاحظ العلماء اليوم أن على المشتغلين بكشف المبدعين أن يستعملوا مركباً يضم عدداً من روائز
الذكاء والإبداع. ويوجد اليوم عدد كبير من المقاييس لهذا الغرض. بيد أن الملاحظة كانت ومازالت الطريقة المثلى في الكشف عن الموهوبين المبدعين ولاسيما حين يكون الحديث عن الطفل في البيت، وهذه الملاحظة يجب أن تكون دقيقة ومنهجية.
اقترح أكثر من باحث بعض الطرائق العملية التي يمكن أن يلجأ إليها الوالدان والتي تعين على الكشف عن الطفل المبدع بينها أن يكون الوالدان منتبهين إلى فاعليات الطفل ومقدرين نوعية هذه الفاعليات. وما إذا كانت من طبيعة إنتاجية، وإذا كان الطفل يستذكر النواحي الجمالية من أعماله التي يقوم بها. ومدى حبه للفاعليات العقلية وتفضيله حل المشكلات على الحفظ عن ظهر قلب. إن مدى تصور الطفل للمشكلة واستراتيجيته في مواجهة مشكلة تتطلب الحل يدلان على تمتعه بالقدرات الإبداعية العالية أو عدم تمتعه بها. إن على الوالدين أن يلاحظا طفليهما فيما يخص الأمور التي تقع ضمن واحدة أو أكثر من الزمر الست التالية:
-
إذا كان الطفل حساساً بمحيطه فإن الوالدين سيجدانه يربط أفكاره بما تمكن رؤيته أو لمسه أو سمعه ويظهر اهتماماً بالوجوه الجمالية لما خبره ومواضع النكتة فيها. إضافة إلى إحساسه بالعلاقات ذات المعنى.
-
وإذا كان لدى الطفل روح المبادرة فقد يجده الوالدان قائداً أو زعيماً في التمثيل أو الموسيقى أو غيرهما. مجدداً ومغيراً في الإدارة والتنظيم.
-
وإذا كان ذا شخصية قوية فإنه سيبدي الثقة بالذات والقدرة على التقويم واستسهال أداء الأعمال، والرغبة في المخاطرة، والتوق إلى التفوق، والقدرة على التنظيم.
-
وإذا كان الطفل يتمتع بالعقلانية فإنه سيظهر فضولاً عقلياً وسروراً بالتصدي للمهمات الصعبة، وخيالاً خصباً، وتفضيلاً للمغامرة، وحباً لإعادة بناء الأشياء والأفكار، وكرهاً للقيام بالأعمال وفق رتابة محددة.
-
وإذا أظهر الطفل ملامح فردية فإن مما يلاحظ لديه أنه يفضل
العمل منفرداً على
العمل مع الجماعة، وقد تلاحظ فيه بعض الأطوار الغريبة والميل إلى نقد الآخرين، كذلك الميل إلى
العمل مدداً طويلة من دون كلل أو ملل.
-
وإذا كان لديه الروح الفنية فإنه سيبدو ميولاً إلى الإنتاج ولاسيما الصور والرسوم والنماذج وكتابة الشعر والقصص والروايات وغير ذلك.
إن ملاحظة هذه الصفات تعطي الوالدين إشارات إلى أن طفلهما مبدع، وإلى نوع الإبداع الذي سينجح فيه. وحينئذ سيجدانه بحاجة إلى مزيد من العناية، وتعهد مواهبه، وإتاحة الفرص له في البيت والمدرسة والنوادي والمنظمات وسواها. ثم إن من المناسب أن يكافأ على إبداعاته ويشجع بالقول والفعل.
إن معرفة الوالدين طفلهما ومواهبه ستساعدهما بالتأكيد على تقرير ما يجب فعله من أجله. وليس من الصعب تقديم المساعدة التي قد توثق الصلة بين الوالدين وأولادهما.
لقد أنشأ سدني بارنس SydneyParnes ورشة للعمل الإبداعي ألح فيها على الصفات التي يجب تشجيعها عند الطفل في لعبه وأعماله ومحادثاته مع الأهل والرفاق. وهذه الصفات هي الطلاقة (قابلية إنتاج أفكار متعددة) والمرونة (قابلية إنتاج أفكار متعددة تظهر التنقل في التفكير) والأصالة (القدرة على إنتاج أفكار غير عادية ولا مبتذلة) والتوسيع أو التفصيل (القدرة على إضافة تفاصيل جديدة إلى الفكرة الأساسية) والحساسية (القدرة على الوعي الشديد للمضاعفات الممكنة).
وثمة محاولة أخرى لدى تورانس في كتابه عن الإبداع وفيها يفصّل ما يستطيع الوالدان فعله لمساعدة الطفل. إنه يذكر ثماني طرائق يستطيع الآباء باتباعها إعانة أولادهم. هذه الطرائق هي تشجيع روح الريادة والبحث، وتشجيع التجريب، وتشجيع الخيال، وقياس المواهب الإبداعية، وإعداد الطفل لتقبل الخبرات الجديدة، وتحويل قدرات الطفل التخريبية إلى سلوك بنائي، والتشديد على أهمية النمو وعدم اللجوء إلى العقاب، واستعمال طرائق إبداعية لحل صراعات الطفل، وتمكين الطفل من إسهاماته، والتعاون مع المدرسة في هذه المجالات.
أما كاتينا فقد أكد في دراساته التجريبية التي أجراها في الأعوام 1971-1973 الجدوى العظيمة التي تنشأ عن طريق مساعدة الأطفال على التفكير بطرائق إبداعية باستعمال استراتيجيات تفكيرية إبداعية والابتعاد عن الطرائق المألوفة واللجوء إلى طرائق غير عادية في التفكير، وكذلك بإعادة تحليل الأفكار وتركيبها من جديد، وإعادة تنظيم الأفكار ومزجها مزجاً جديداً، والجمع بين كليات جمعاً جديداً، وغير ذلك من طرائق برهنت على جدواها في استثارة الأفكار المبدعة.
تربية الإبداع في المدرسة: إن الكثيرين من الآباء والمعلمين يضيقون ذرعاً بأبنائهم أو تلامذتهم إذا أظهروا ميولاً للتعلم والتفكير بطريقة إبداعية فعلية. إن واحداً من أسباب هذا الضيق هو
الخوف من أن يحسب الناس أن أولئك الأولاد مختلفون عن غيرهم أو أنهم ملحاحون أو أنهم شاذون. والصحيح أن الطفل المبدع طفل سوي أصلاً ومن اللازم رعايته لإنماء قدرته على الإبداع، وأن في هذه الرعاية ما يدعم عدداً من جوانب حياته وإنتاجه في مقدمتها ما يلي:
إن الوالدين والمعلمين يرغبون في أن يتمتع أطفالهم ب
الصحة النفسية الكاملة ولكنهم قد يجهلون أن مثل هذا التمتع رهن بأن يسمح لهم بالتعبير عن أفكارهم وميولهم ورغباتهم وأن تشجع تساؤلاتهم وفضولهم، وإلا فإنهم سيصابون ب
الإحباط.
يريد الأهل والمعلمون أن يكون الطلاب عاملين جديين وأن ينموا قدراتهم العقلية، ولكن كل البحوث التربوية الحديثة تؤكد أن هذا الأمر لا يتم حين يكون
التعليم قائماً على السلطة. ولكي يتعلم الطفل إبداعياً وينمي قدراته عليه أن يسأل وأن يبحث ويجرب. ويجب أن يوضح للوالدين والمعلمين أن مجرد حصول الطفل على علامات عالية في الامتحانات، أو على حاصل ذكاء عال، لا يدل على أنه يتعلم
التعلم الصحيح أو يتقن عملية التفكير الإبداعي.
ويريد الأهل من أبنائهم أن يتعلموا في المدرسة، ولكن يجب أن يعرف الأهل والمعلمون أن
التعلم عن طريق التفكير الإبداعي يتطلب جهداً ووقتاً وتصميماً أكثر مما يتطلبه
التعلم بالسلطة، وأن هذا
التعلم الأخير هو الأضعف.
كذلك يرغب الآباء والأمهات في أن ينجح أبناؤهم في مهنهم ولكنهم ينسون أن الإبداع في أي مهنة من نصيب المفكر الواعي المجرب الدؤوب. وأن الكشوف العلمية، والاختراعات العلمية، والتقدم التكنولوجي، والتميز في الآداب والفنون، إنما هي حكر على المبدعين الذين يتقنون التفكير الإبداعي.
إن الأب والأم، كليهما، يريدان أن يتميز أولادهما اجتماعياً ولكن مثل هذا التميز الاجتماعي يتوقف على
الذكاء والإبداع والتخيل المبدع ومواجهة المشكلات وحلها حلاً إبداعياً.
وأن
التعلم والتفكير المبدعين ينطلقان من تحسس المشكلات والمصاعب، ورؤية الخطأ والمخاطر، ثم التخمين وصوغ الفرضيات، ثم التجريب والتقليب والاختبار، وأخيراً صوغ المبادئ العامة والقوانين والنظريات.
ولذلك كله يجب أن يتاح للأطفال الوقت اللازم للتفكير، وأن يعطوا حق المخالفة، وأن تنمى فيهم روح التساؤل والمناقشة، وأن تربى فيهم القدرة على مواجهة المشكلات والتصدي لها و
العمل على تذليلها.
يبدو أن الكثير من الضغوط البيتية والمدرسية والاجتماعية تتدخل في كبت العملية الإبداعية. إننا جميعاً نتشدد في أهمية أن يكون الطفل مطابقاً لآرائنا وسلوكنا ومفاهيمنا وقيمنا. وإن مجمل حضارتنا يقف من
التعلم هذا
الموقف الخاطئ ويضغط البيت والمدرسة والمجتمع من أجل عدم المخالفة، من أجل المطابقة وعدم الشذوذ، وهذا ما يقف حجر عثرة في وجه الإبداع والتفكير المبدع، وإن من واجب البيت والمدرسة والمجتمع مكافأة التفكير المبدع. وقد أورد تورانس في التعبير عن مثل هذه المكافأة، ست نقاط، هي ما يلي:
ـ عامل الأسئلة غير العادية باحترام.
ـ عامل الأفكار غير العادية باحترام.
ـ أظهر للأطفال أن لأفكارهم قيمة.
ـ هيأ فرصاً للتفكير الذاتي عند الأطفال واعترف بأهميته.
ـ هيأ فرص تدريب وتعلم خيالية من التقويم بالدرجات.
لتكن المهام التي يقوم بها الطفل من النوع الذي يطالبه باستخدام خياله في تطبيق الحقائق، ولا تشجعه على «الحفظ» من دون فهم وتطبيق.