في أواخر عصر الصحابة رضي الله عنهم ظهر من يتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، رغم ما ورد عنه من الوعيد على ذلك والتحذير منه وكان أغلب من اشتهر بوضع الحديث قوم من الملاحدة دخلوا في الدين تسترا ، فأَرادوا إفساد العقيدة، والتشكيك في الإسلام. وآخرون مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا قصدوا التعصب لولاتهم وقبائلهم وبلادهم. ونوع ثالث وهم القُصاص الذين أرادوا الشهرة بكثرة المرويات، وغرائب الحكايات التي تستثير النفوس وتحرك القلوب. ولكن علماء الحديث عندما أحسوا بهذا الخطر قابلوه بما يبطله ويرده من حيث جاء، ليسلم الحديث النبوي من كل دغل وكدر، ويبقى معينا صافيا لمن يرتاده، وقد وضعوا لذلك قواعد، وابتكروا طرقا كانت سبب نجاح فكرتهم: . 1- فمنها التزام الأسانيد وتسمية الرواة، وهذا من خصائص هذه الأُمة، وبه يعرف مصدر الحديث، ومرتبة رجاله، فيحكم بقبوله أو رده، قال عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء رواه مسلم في مقدمة صحيحه . وكان من نتيجة ذلك أن توقف الكثير عن الوضع مخافة ظهور كذبه، مما يسقط به قدره عند من يعظمه. 2- تتبع أحوال الرواة، والبحث عن مكانتهم في الحديث وأهليتهم لتحمله، وقد أقدموا على الكلام فيهم من باب النصيحة للأُمة، حيث إنهم تولوا نقل شيء من أمر الدين له حكم. وقد خصصوا هذا النوع من عموم النهي عن الغيبة لما فيه من المصلحة العامة للأُمة. 3- التثبت في الرواية تحملا وأداء، فكان أحدهم لا يقدم على ذكر الحديث إلا بعد إتقانه، ولا يحدثون به إلا من هو أهل لسماعه، ويتحاشون تحديث السفهاء وأهل الأهواء، وقد نتج عن هذه الجهود ونحوها أن ميزوا الحديث النبوي، وأخرجوا الموضوع عن مسمى الحديث، وعرفوا الكذابين، وبينوا حالهم، وكشفوا عوارهم، مما جعلهم يتوارون أمام هؤلاء الجهابذة الأعلام، حتى لقد قال سفيان الثوري ما ستر الله أحدا يكذب في الحديث، وقيل لابن المبارك هذه الأحاديث الموضوعة؟ قال: تعيش لها الجهابذة إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ذكره العراقي عنهما في فتح المغيث وغيره .