س 29: وسئل -حفظه الله- بعض المدرسين يحذّر الطلاب من فعل المحرم، ويؤكد على فعل الواجب والترغيب في السنن، ولكن فعله يناقض قوله تمامًا؛ من ذلك أنه ينهى عن شرب الدخان لكونه ضارًّا وقد حرمه العلماء وهو يدخن، أو يحثهم على أداء الصلاة جماعة في المسجد وهو لا يشهد الجماعة في المسجد، أو يرغبهم في فضل إفشاء السلام وهو لا يسلّم عليهم إذا دخل الفصل، أو كون المدرسة تتحدث للطالبات عن اللباس الإسلامي والحجاب الكامل، وهي تلبس ملابس ضيقة أو مشقوقة من أسفل أو ملفتة للنظر، فما خطورة هذا التناقض على نفس المربي، سواء كان مدرسًا أو مدرسة، وكذلك على الطالب أو الطالبة، وجزاكم الله خيرًا؟ فأجاب: هذا من أكبر المنكر وأعظم الذنب، فإن المدرس قدوة للطلاب، فيقتدون بأقواله وكذا بأفعاله، وقد يكون اقتداؤهم بأفعاله أقوى؛ لاعتقادهم أنه على صواب، وأن فعله لهذا الأمر دليل تصويبه؛ ولذلك يقول بعض العلماء: إن دعاة السوء جلسوا على أبواب النار، يدعون إليها بأفعالهم، ويدعون إلى الجنة بأقوالهم، فإذا قالت أقوالهم: هَلُمُّوا، قالت أفعالهم: لا تسمعوا، فلو كان ما قالوا حقًّا لكانوا أول الفاعلين له، وقد عاب الله -تعالى- اليهود بقوله -عز وجل- أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ؛ لما كانوا يأمرون باتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يتبعونه. وقد حكى الله -تعالى- عن نبيه شعيب أنه قال: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ وحاشى للأنبياء كلهم عن فعل الشرك والمعاصي التي يحذرون أممهم عنها، وقد نهى الله -تعالى- المؤمنين من هذه الأمة عن القول بلا علم، فقال -تعالى- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ والمقت أشد البغض؛ أي كبر مقت الله لكم إذا قلتم ولم تفعلوا، وورد في الصحيح عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور فيها كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان، ألم تكن تأمر فينا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه وقد أكثر السلف من الذم لمن يقول ولا يفعل، ومثلوه بالسراج يضيء للناس ويحرق نفسه، وأكثر الشعراء من النظم في ذلك، كما قال بعضهم:
ويقول آخر:
ثم إن الحكومة أكدت النهي عن شرب الدخان في المدارس أو قريبًا منها؛ لئلا يقتدي الطلاب بالمدرس الذي يتعاطاه وهم ينظرون، ولا ينفع تحذيرهم من شربه وهم يعلمون أنه يشربه، فإن كثيرًا من الآباء الذين ابتلوا بالتدخين ينهون أولادهم عنه، ولكن الأولاد يقلدون آباءهم، معتقدين ألا بأس بشربه كما فعله المدرس والولي، ومتى ابتلي الشاب بالتدخين في صغره تمكن منه، وكان فساد أخلاقه وانحراف طبعه أقرب إليه من حبل الوريد، ومعلوم أن المدرس إذا عيب بالتدخين لا بد أن يبرر موقفه ويبين عذره، وقد يضطر إلى الجزم بعدم التحريم، حتى لا يطعن في عدالته. وأما ترك الصلاة مع الجماعة فقد أثر فعل المدرس في كثير من التلاميذ، فقلّ أن ترى في المساجد الشباب الذين تربوا على أيدي المدرسين المتكاسلين، بل يقتدون بالمدرس في ترك صلاة الجماعة، ولا ينفعهم حث المدرس على صلاة الجماعة وهو لا يشهدها، وكثير من المدرسين إذا لامه الطالب وعاتبه عن تخلفه عن الجماعة يبرر موقفه، ويعتذر بأن صلاة الجماعة سنة وليس بواجب حضورها، وإنما لو صلاها في منزله أجزأت ولا إثم عليه؛ فيقتدي الطالب بقوله وتهون عليه صلاة الجماعة، ويتمادى في التكاسل والتخلف عنها، وهو وصف المنافقين. وأما ترك التسليم على الطلاب إذا دخل الفصل فهو من سوء التربية، فإن المدرس مأمور بأن يتخلق بمحاسن الأخلاق، ويتأدب بآداب الإسلام، ومنها إفشاء السلام والحث على البداءة به؛ فعلى المدرس أن يكون قدوة حسنة في كل الخصال الشريفة ومنها إفشاء السلام، وهكذا يقال في كثير من المدرسات التي تحث الطالبات على الاحتشام والتستر وتمام الحجاب، والبعد عن التقليد وعن التشبه بالكافرات والعاهرات، وهي مع ذلك تفعل ما هو مستنكر من لبس الأكسية الضيقة التي تبين تفاصيل الجسم، مع ورود النهي عن لباس الضيق، وكذا كونها ترتدي اللباس المشقوق من أسفله، بحيث يبدو ساقها أو قدمها، وقد ورد: أن المرأة عليها أن ترخي لباسها على الأرض ذراعًا ؛ مخافة أن يتقلص عند المشي فيبدو شيء من قدميها، وكذا لا يجوز لها أن تلبس ما فيه تشبه بالكافرات والفاجرات، ولا باللباس الغريب الذي يلفت الأنظار نحوها؛ مخافة الافتتان بها؛ فالمدرسة قدوة في اللباس والأفعال، فواجب عليها أن تكون قدوة حسنة لمن تعلمه وتربيه من بنات المسلمين.