قوله: ( ومن السنة: السَّمع والطاعة لأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين برّهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله؛ فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله ، ومن وَلِيَ الخلافة واجتمع عليه الناس ورضُوا به، أو غلبهم بسيفه حتى صار الخليفة وسُمِّي أمير المؤمنين - وجبت طاعته، وحَرُمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا المسلمين. )
شرح: هذا الكلام يتعلق بطاعة وُلاة الأمر؛ وهم الأمراء والخلفاء وقادة المسلمين الذين بولايتهم تأمن البلاد ويسود فيها الأمن، وينتصف المظلوم من الظالم، ويؤخذ على يد الظالم، بخلاف ما إذا كان الأمر فوضى.
معلوم أن في الفوضى يستبد كل برأيه وينفذ ما يقول؛ فإن من طبع الناس محبة العتو والعدوان والسلب والنهب والأخذ بغير حق، فيكثر القتل ويكثر النهب ولا يحصل الأمن ، وهذا بسبب الفوضى وعدم الولاية. فمن أجل ذلك لم يكن بدٌ من ولاية قوية، معها من السلطة ما تقوى به على قهر الظلم وعلى قهر الاعتداء، فيحصل بهذه الولاية إقامة الحدود، وردع الظالم، وتنفيذ الأوامر، وزجر العصاة، وتنفيذ الجيوش، وضبط الحدود التي هي أطراف البلاد، وملازمة الثغور، والمرابطة عليها وحفظها عن العدو ونحو ذلك، لا يكون هذا كله إلا بتدبير ولاة الأمر. ولما كان الأمر كذلك؛ وجب السمع والطاعة لولاة الأمور، وجاءت الأدلة الكثيرة في الأمر بالسمع والطاعة، فمر بنا في حديث العرباض أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
يعني: أنه أسود من أصل الخلقة، والمراد لا تحتقروه لسواده ما دام أنه يقودكم بكتاب الله، فاسمعوا له وأطيعوا ولو كان عبدًا. ومعروف أيضًا أن العبد مشغول بطاعة سيده الذي يملكه، ولكن قد يكون في بعض الأحيان أن بعض الملوك يولي بعض المماليك على بعض الولايات، ويفوض إليه الأوامر فيكتب إلى تلك الجهة أن يسمعوا له ويطيعوا، ولو كان عبدا مملوكًا ولو كان حقيرًا حبشيًّا أسود. فالجواب أن نسمع ونطيع لكل والٍ لكن بشرط؛ وهو أن تكون الطاعة في المعروف، فإذا كان كذلك فإنا نسمع له ونطيع، وقد ورد في حديث حذيفة بن اليمان أنه قال صلى الله عليه وسلم: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع ؛ وذلك لأن في السمع والطاعة تمشية لأمور المسلمين، وتسوية للخلاف فيما بينهم، وجمعًا للكلمة وبعدًا عن التضاد والفوضى ونحو ذلك، وفي الخروج عليهم، وفي قتلهم أو قتالهم وعدم الطاعة لهم تحصل المفاسد الكثيرة. وفي حديث عبد الله بن حذافة لما أمَّره النبي صلى الله عليه وسلم على سرية وأمَرهم بأن يطيعوه، وفي أثناء الطريق غضب فأمرهم أن يوقدوا نارًا، وأمرهم أن يدخلوها -من شدة غضبه، فقالوا: ما هربنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا هربًا من النار فكيف ندخلها ؟! فلم يزل بعضهم يحجز بعضًا حتى خمدت النار وسكن غضبه، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
يعني: أن الذي يُطاع فيه هو الذي يكون من المعروف، وأما مثل هذا فإنه منكر. ولذلك ورد في حديث آخر
إذا أمر أحد الولاة بما هو معصية كقتل بريء مثلا أو سلب بريء أو اختطاف أو سرقة أو أخذ شيء ونحوه مما يكون الوالي مخطئًا فيه، فلا تجوز طاعته في ذلك ، كما أنه لا تجوز أيضا طاعته إذا أمر بترك الطاعة، كما لو أمر بهدم المساجد أو بناء المشاهد أو إباحة فعل الفواحش والمنكرات وما أشبهها، فلا يجوز أن يطاع في ذلك لأن هذا يصادم الأوامر الشرعية، هذا معنى كونه إنما يطاع في المعروف. فإذا كان هذا الوالي واليا على المسلمين، وهو مستقيم السيرة والسريرة فيما يظهر، وهو يقصد الحق، فإننا نسمع له ونطيع، ولا يجوز أن نفارقه أو نخرج عليه لما في الخروج عليه من المفاسد. وإنّ ما حصل في القرون الأولى من المفاسد إنما كان بسبب الذين خرجوا على الأئمة، ففي القرن الأول الذي هو أفضل القرون لما أمّر بنو أمية بعض الأمراء الذين في ولايتهم شيء من الظلم والشدة -ثار عليهم كثير من الأمراء والقواد- كما في فتنة ابن الأشعث وفتنة ابن المهلب وفتنة الباهلي ونحوهم، وحصل فيها قتل وقتال وتشريد وظلم وأضرار أضرت بالمسلمين، فالواجب أن نصبر على ما نراه من الضرر ونتحمل ذلك حتى لا تكون فتنة، وحتى ندفع الشر بما هو أسهل منه فيأمن الناس ويحصل لهم الخير والطمأنينة.