قوله: ( وروى أبو داود في سننه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن ما بين سماء إلى سماء مسيرة كذا وكذا.. - وذكر الخبر إلى قوله - ... وفوق ذلك العرش، والله - سبحانه - فوق ذلك فهذا وما أشبهه مما أجمع السلف - رحمهم الله - على نقله وقبوله، ولم يتعرضوا لرده، ولا تأويله، ولا تشبيهه، ولا تمثيله. سئل الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقيل: يا أبا عبد الله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ( طه:5 ) كيف استوى ؟ فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة، ثم أمر بالرجل فأُخرج ) .
شرح:
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ( ق:16 ) وفي قوله تعالى:
وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ ( الأعراف:7 ) . هذه الأدلة ونحوها أدلة صريحة في إثبات العلو، والأدلة كثيرة وقد مر بنا آيات الاستواء، وآيات ذكر السماء، وهذان نوعان من الدليل. والدليل الثالث: آيات العلو كقوله تعالى:
وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ( البقرة:255 )
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ( الأعلى:1 )
إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى ( الليل:20 )
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ( النساء:34 )
إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ( الشورى:51 ) ونحو ذلك، فالعلو ثابت لله - تعالى - بجميع أنواعه؛ وأنواع العلو ثلاثة : علو القدر، وعلو القهر ، وعلو الذات, ومثله آيات الفوقية، مثل قوله تعالى:
وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ( الأنعام:18 )
يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ( النحل:50 ) فإذا قال النفاة: إن قوله تعالى:
وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ إن الفوقية هنا فوقية الغلبة، يعني: الغالب فوق عباده، يعني: غالبًا لهم وقاهرًا لهم، وشبهوا ذلك بقول فرعون
وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ( الأعراف:127 ) وكذلك قالوا: إن العلو هنا علو الغلبة ، وعلو القهر، وقالوا: إن هذه شبيهة بقول فرعون
أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ( النازعات:24 ) الجواب أولاً: هذا لا يتأتى في آية:
يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ فإنه صريح في أن الفوقية ثابتة من فوقهم، ويمكن أن يصح في قوله:
وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ أنها فوقية القهر وفوقية الغلبة وفوقية القَدْر، ومع ذلك يلزم من فوقية القهر فوقية الذات ، فالله - تعالى - فوق عباده بذاته، والعلي بقدره ، والعلي بقهره، يعني: القاهر لهم، والذي هو فوقهم كما يشاء سبحانه وتعالى، ومثل ذلك آيات الرفع ؛ كقوله تعالى:
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ( فاطر:10 )
إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ( آل عمران:55 ) ونحوها، وآيات العروج قال تعالى:
تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ( المعارج:4 )
ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ ( السجدة:5 ) وآيات الصعود قال تعالى:
إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ( فاطر:10 ) ومثلها ما ذكر الله عن فرعون أنه أراد الصعود إلى السماء، قال تعالى في قصته:
يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى ( غافر:36-37 ) لا بد أن موسى أخبره بأن الله في السماء ، ولو كان موسى أخبره بأن الله في كل مكان لما تكلف أن يبني الصرح، فهذا دليل على أن الله تعالى أمر موسى بأن يبين له ويعلمه أن الرب تعالى في السماء، فلذلك بنى الصرح محاولا أن يطلع على إله موسى .