ويذكر لنا بعض المشايخ الذين عملوا في مناطقهم أنهم وجدوا أهل السنة هناك يعتقدون أنهم مسلمون، وليس بينهم من الفَرق إلا كما بين من يقول: إني شافعي وإني مالكي، ولم يدروا أنهم على باطل حتى ظهر لهم الحق، لا شك أن هذا هو المعتقد السيئ عندهم. نقول: لما كان الأمر كذلك اهتم العلماء -رحمهم الله- بذكر فضائل السلف وفضائل الصحابة رضي الله عنهم، وذكروا ذلك في عقائدهم كما ذكر ذلك الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى، وكما ذكر ذلك أصحاب العقائد نظمًا ونثرًا، يقول أبو الخطاب الكلوذانى في عقيدته . مبينًا فضل الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم:
وعلى هذا فقد اهتم السلف بذكر فضائل الصحابة في العقيدة؛ لأنا لو نزلنا على عقيدتهم لرددنا الكتاب والسنة، فمن أين جاءنا الكتاب إلا بواسطتهم، ومن أين جاءتنا الأحاديث النبوية إلا عن نقلهم، فإذا كانوا كفارًا -كما يقول هؤلاء- فإن أخبارهم لا تقبل. أما شبههم التي يرمون بها أهل السنة، فمنها الآيات التي ذكرت في المنافقين، فإنهم يحملونها على الصحابة رضي الله عنهم، فمثلا قول الله تعالى في قصة بدر:
كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ قالوا: هؤلاء جادلوا الرسول كأنما يساقون إلى الموت، فقد كفروا بذلك لما جادلوا الرسول، فكفروهم بذلك والله تعالى ما كفرهم،وسماهم مؤمنين
وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ كيف تكفرونهم مع أن الله تعالى سماهم بالمؤمنين؟ نعم كرهوا مقابلة الكفار مخافة أن يقضى عليهم وهم عدة الإسلام والمسلمين، ومعهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعهم خيار الصحابة، ولكن الله تعالى نصرهم وأيدهم، وسبب هذه الكراهية، وهذه المجادلة أنهم يقولون: إنما ذهبنا إلى العير، فيقال: هل يخرجهم من الإيمان؟ الجواب أنه ما أخرجهم، ولكن هؤلاء السفهاء جعلوه كالدليل على أنهم كفارٌ، فلأجل ذلك كفروهم بمثل ذلك. وذكروا آية ثانية وهي الآية التي في آخر سورة الجمعة، وهي قول الله تعالى:
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قالوا: هؤلاء الذين انفضوا عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب وتركوه قائمًا ارتدوا بذلك، هكذا قالوا، مع أن الله تعالى لم يكفرهم بذلك بل أقرهم على هذا وعفا عنهم. ثم نقول: من هم الذين بقوا ومن الذين نفروا، ومعلوم أنهم خرجوا ينظرون إلى هذه الإبل، ثم رجعوا وأتموا صلاتهم ولا يليق بهم أن يتركوا الصلاة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قد يكون معهم بعض أهل البيت، قد يكون معهم سلمان -رضي الله عنه- وقد يكون معهم بعض الذين يمدحونهم كعمار وصهيب رضي الله عنهما وغيرهم. وما دام كذلك فلا حجة لهم في مثل هذه الآيات التي يستدلون بها، ثم لو قدر أنهم صادقون وأن تلك الأشياء وقعت منهم حقيقة، فهل يليق أن نكفرهم بها؟ لا يليق بنا ذلك فلهم من السوابق ما يكفر به عنهم إذا صدر منهم أي ذنب من الذنوب، فنقول: لعلهم قد تابوا منه، والتوبة تجب ما قبلها، أو محيت عنهم بسوابقهم وحسناتهم التي عملوها، وسوابقهم وأعمالهم مضاعفة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فالحسنات يُذهبن السيئات، فكيف ننسى حسناتهم ونتذكر أشياء طفيفة وسيئات خفيفة، على حد قول بعضهم:
ينقبون الذرات والأشياء الصغيرة عليهم وينسون فضائلهم وجهادهم، ولكنهم قوم لا يفقهون. إذن فعلى المسلم أن تكون عقيدته نحو الصحابة محبتهم، والترضي عنهم، والثناء عليهم، والاعتراف بما لهم من المزية وبما لهم من السبق، ومعرفة أنهم خير قرون هذه الأمة، لم يكن ولا يكون مثلهم، وأن فضائلهم لا يدركها غيرهم، فإذا اعترفنا بذلك عرفنا بذلك كُفر مَن كفّرهم وضلال من ضلّلهم، وبعد الذين عادوهم ونصبوا لهم العداوة، بل نصب العداوة لكل من والاهم من أهل السنة والجماعة، وما علينا إلا أن نشهر ونعلن فضائل الصحابة كما أعلنها وكما أشهرها الأئمة قبلنا، وقد ذكرنا أن العلماء أظهروا فضائلهم؛ فالبخاري في الصحيح جعل كتابًا في صحيحه لفضائل الصحابة بدأها بفضائل الخلفاء الأربعة، وهكذا فعل مسلم في كتابه كتاب فضائل الصحابة، وهكذا فعل الترمذي وهكذا ألف الإمام أحمد كتابه: فضائل الصحابة المشهور، وهكذا الكتب المؤلفة في ذلك. كل ذلك في الثناء على الصحابة وعلى أتباعهم، فإذا قرأ المسلم تلك الأخبار وعرف صحتها، عرف بذلك أن من عاداهم فهو ضال مضل، خارج عن الإسلام، طاعن في عقيدة الإسلام، بل في أصل الإسلام الذي هو الكتاب والسنة.