الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: فقد اتفق أهل السنة والجماعة على فضل الصحابة - وما خصهم الله -تعالى- به وما ميزهم به من الفضائل التي مدحهم بها وأثنى عليهم، وما تميزوا به من السبق إلى الإسلام وإلى الأعمال الصالحة، وما تميزوا به من الفضل، وأنهم أفضل قرون هذه الأمة، وهذه الأمة أفضل الأمم، والأسباب التي تميزوا بها، ومع ذلك انتصب لهم أعداء الله، ونصبوا لهم العداوة، وألصقوا بهم التهم وألصقوهم بالتهم، وحملوا عليهم كل الجرائم، ورموهم بالقذائف ورموهم بالكفر، ووسموهم بالنفاق كذبًا وبهتانًا، وبالغوا في ذلك أشد المبالغة، ولا شك أن هذا الفعل من هؤلاء الكفرة من زيغ القلوب، ومن الانتكاس والعياذ بالله إلى الحضيض، وقد رفض أعداء الله الاعتراف بفضل الصحابة، فباءوا بالخسران المبين. وأصل الرفض: الترك، ومنه قولهم: رفضت هذا القول، أي: تركته. هؤلاء أعداء الله خرج مقدمهم وأولهم في عهد علي رضى الله عنه في حياته، وكان سبب ذلك أن يهوديًّا دخل في الإسلام نفاقا يقال له: عبد الله بن سبأ ويعرف بابن السوداء، أظهر الإسلام ولكن باطنه الكفر، وأراد بذلك أن يشكك في الإسلام، وأن يدعو إلى أسباب الانحلال، فهو من الذين دعوا الثوار إلى قتل عثمان جَمعَ الجموعَ، وحشد الحشود، وأثار من أثار حتى اجتمعت عصابات خرجوا من مصر والعراق وغيرها، وحاصروا عثمان -رضي الله عنه- وانتهى الأمر أن قتل شهيدًا -رضى الله عنه- وكان من أسباب ذلك هذا المنافق. ولما قتل وتمت البيعة لعلي ورأى أنه محبوب عند أهل العراق حيث استقر عندهم، أراد أيضًا أن يبطل إسلامهم وأن يوقعهم في الكفر، فدعاهم إلى أن يغلوا في علي وبدل ما هو خليفة وإمام يجعلونه ربًّا وإلهًا، فزيّن لهم وقال لهم: علي هو الرب، علي هو الإله، وانخدع به خلق كثير، واعتقدوا هذا الاعتقاد الفاسد، فقال: ابدءوا بعبادته، فخرج علي مرة وهم صفوف أعدادٌ هائلة، فلما خرج خرّوا له سُجَّدًا، فقال: ما هذا؟ قالوا: أنت إلهنا، فتعجب لذلك ودعا أكابرهم ليتوبوا، ولكن أصروا و لم يتوبوا، ثم اشتهر أنه أحرقهم، خدّ لهم أخاديد وأضرم فيها النيران، ودعا أحدهم وقال له: تُب، فإن لم يتب ألقي في النار في تلك الأخاديد وهو يُنشد قوله:
وقُنبر هو غلامه. وما زادهم هذا الإحراق إلا تمسكًا بما هم عليه، وقالوا: الآن عرفنا أنك الرب؛ لأنك الذي تحرق بالنار، ولا يعذب بالنار إلا رب النار، فتمسكوا بما هم عليه، وقتل من قتل منهم بالإحراق، وقد أنكر عليه ابن عباس -رضى الله عنه- الإحراق وقال: إن النار لا يعذب بها إلا الله. وقال: لو كنت أنا لقتلتهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
وأما بقية الأمة فإنهم متفقون على أنهم يقتلون وأنهم كفار. هؤلاء الغلاة الذين جعلوا عليًّا إلهًا هم أتباع ابن سبأ ولا يزال كثير منهم على هذه العقيدة، ويُحفظ من نشيدهم قولهم:
لما كان سلمان من الفرس جعلوه هو الحاجب على الله، وجعلوا عليًّا هو الله؟ وحيدرة اسم علي في قوله لما كان يقاتل في خيبر:
فصار هذا الاسم عَلمًا عليه، فهم يقولون: لا إله إلا علي لا إله إلا حيدرة، وهذا الاعتقاد مشهور فيهم، هؤلاء هم بقية ورثة ابن سبأ السبئيون ويقال لهم: الغلاة. ولما قُتل علي -رضي الله عنه- اعتقدوا أنه لم يُقتل، بل قالوا: إنه رفع في السحاب، واعتقدوا أنه سوف يرجع، فلذلك يقال لأحدهم: فلان يؤمن بالرجعة، ولا يزال كثيرٌ منهم يؤمنون بالرجعة إلى اليوم. في بعض الكتب الجديدة يذكر بعضهم أنه جاءه أحد علمائهم وقال: إني ألفت كتابًا، قال: في أي شيء؟ قال: في الرجعة، فقال: كيف تكون الرجعة، وقد قُتل علي رضى الله عنه؟ وكيف يرجع وقد قال الله تعالى:
وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا . فقال: قد آمن بها أسلافنا ومشايخنا وقد كتبوا فيها. فقال: كل ذلك خطأ، أتقلد في الخطأ؟ فقال: بل أنت المخطئ، فلما رأى أنه مشدد في الإنكار ذهب ذلك المؤلف وهو يقول: واإسلاماه! واإسلاماه!! بمعنى أنه لم يجد من يؤيده، أو لم يؤيده هذا الشيخ على الإيمان بالرجعة. إذن فهي عقيدة لا تزال موجودة يعتنقها كثير في العراق وفي كثير من البلاد التي يكثر فيها التشيُّع. هذه عقيدتهم، وهناك طائفة منهم غلوا أيضًا في علي ولكن جعلوه مرسلًا من الله، ادّعوا أن الرسالة له، وأن جبريل أخطأ، كان مأمورًا بأن ينزل على علي ولكنه خان ونزل على محمد فعلي أحق بالرسالة من محمد ولذلك يقول قائلهم: خان الأمين وصدها عن حيدرة. الأمين هو جبريل وخان، أي: خان الرسالة. الله تعالى سماه الأمين:
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ
مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وهم جعلوه خائنًا، هؤلاء المخونة موجودون أيضًا، ويعتقد هذه العقيدة كثير من الكفرة، ذكر لنا بعض الذين نقلوا عنهم وشاهدوهم أنهم قبل أن يسلموا من الصلاة يضربون بأيديهم على ركبهم ويكررون: خان الأمين خان الأمين، ثم يسلم أحدهم، هذه طائفة منهم، وهم من الغلاة. وأما أكثريتهم فيقال لهم الإمامية، يسمون أنفسهم الإمامية وهم في الحقيقة رفضوا اتباع الحق، وعقيدتهم أن عليًّا هو الإمام، وأن الأئمة قبله مغتصبون، فأبو بكر مغتصب للخلافة، وكذا عمر وعثمان وكذا من تولى الخلافة غير علي وذريته، يعتقدون أنهم مغتصبون ما ليس لهم به حق. وهؤلاء أصل تكاثرهم في العراق، ثم انتشروا في غيره؛ وسببه -والله أعلم- ما حدث من بعض ولاة بني أمية في وسط القرن الأول لما تولى ابن زياد على العراق، وسبب قتل الحسين واستمر فيها إلى أن مات يزيد بن معاوية ثم قتل بعده ابن زياد ثم تولى العراق بعد ولاية ابن الزبير الحَجاج بن يوسف الثقفي ففي ولاية زياد وفي ولاية أبيه، وفي ولاية الحجاج كان هؤلاء الثلاثة يميلون إلى بني أمية، وفي أنفسهم حقد على علي يزين لهم أنه ممن داهن في قتل عثمان ويقولون: إنه قادر على نصر عثمان فلماذا لم ينصره؟ فكانوا يسبونه في الخطب على المنابر في العراق وكذا في الشام