|
ثورة المضارين من "الإيجار القديم".. وقفة احتجاجية للملاك أمام ماسبيرو غدًا.. وشكاوى من ضعف الإيجار ومساومة المستأجرين.. والخبراء يطالبون بـحل يرد الحق للمالك ولا يضرب استقرار المستأجر
الناقل :
elmasry
| العمر :42
| الكاتب الأصلى :
محمد فتحى
| المصدر :
www.youm7.com
عصام شرف
تحقيق يكتبه محمد فتحى
"حضَن هنا يا باشا على جنب.. بس بس حاسب تخبط فى الرصيف".. عبارات يفتتح بها "عم محمّد" حارس أحد عقارات حى المهندسين يومه، بعد أن أحاله قانون "الإيجار القديم" من مالك عقار فخم إلى فقير مُعدم يجد بالكاد قوت يومه.
محمد عوض حامد، نوبى يغطى السواد جلده، ويغلف الحزن حياته وحياة زوجته وأبنائه السبعة، بعدما انضموا إلى طابور طويل من "ضحايا قانون الإيجار القديم"، الذى تتزايد يوميًا مطالب إلغائه أو استبداله بقانون "آدمى"، يحمى أبسط حقوق الملاك فى "عدم توريث أملاكهم للغير".
يحكى "عم محمد" معاناته مع "الإيجار القديم" قائلاً: "عندى بيت فى إمبابة ستة أدوار، كل دور فى شقة مساحتها سبعين مترا، وإيجار الشقة الواحدة أربعة جنيهات، يعنى فى آخر الشهر أقبض من السكان 24 جنيها بس"، ويضيف: "حاولت مع السكان كتير أنهم يرفعوا الإيجار شوية عشان أعرف أعيش أنا والعيال، لكن كلهم بيرفضوا رغم أن مستواهم كويس جدًا وناس منهم سافروا بره مصر وجمعوا فلوس كتير".
أزمة "عم محمد" ابن الـ 56 عامًا، الذى جمع بشق الأنفس الأموال اللازمة لـ"تجهيز" ابنته الكبرى كى تتزوج، تضاعفت بعدما عرفت أمراض السكر والتهاب الكلى طريقها إلى جسده، ليحتاح إلى 300 جنيه شهريًا لتوفير العلاج والأدوية اللازمة.
يقول الرجل الذى لا يجد "حرجًا" فى العمل "بواب" بعدما كان جيرانه يغبطونه على "المنزل ذى الستة أدوار" الذى امتلكه بعد سنوات من العمل فى قطر: "دورت فترة طويلة على شغل محترم، لكن كل حاجة كانت بتجيلى بمرتب 400 جنيه أو 500 جنيه لحد ما ربنا رزقنى من سنة بالشغلانة دى فى المهندسين وبيجيلى دلوقتى 1000 جنيه باعيش منهم أنا وأولادى والمدام وربنا بيكرم".
زوجة محمد عوض، اشتكت من "الظلم" الذى يفرضه قانون "الإيجار القديم" على الملاك، والذى يجعل "صاحب البيت" لا ينتفع من ملكه ولا يملك حق التصرف فيه، وقالت إنها اضطرت وزوجها للانتقال إلى مسكن متواضع فى منطقة "أرض اللواء" حتى يتناسب مع دخل زوجها الذى يذهب جزء كبير منه على ثمن الأدوية.
قصة هذا الرجل النوبى وزوجته، وغيرهما من المضارين سترفع فى وقفة احتجاجية فى الثانية ظهر غد الجمعة أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون، دعت إليها جمعية "المضارون من قانون الإيجار القديم"، وصفحة "معًا ضد قانون الإيجار القديم" على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، فى محاولة لاستصدار قرارات ترفع عنهم الغبن الناتج عن قانون الإيجار القديم.
القصة السابقة على مرارتها، ضررها "منعدم" إذا قورنت بقصة المحاسب أحمد عطية الذى يعد واحدًا من عشرة ورثوا عقارًا يحلم سكان القاهرة الكبرى جميعهم بالسكن فيه.
فى قلب "ميدان الدقى" عقار شامخ يحمل رقم 45، ويعد معلمًا رئيسًيا للمنطقة بأسرها، فأسفله تتواجد سلسلة من المحال التجارية المعروفة مثل "فرغلى للعصائر" و"مقلة الدقى" و"جنة الأسماك" وغيرها. العقار ذو الموقع المتميز، يضم 41 شقة، ويبلغ متوسط إيجار كل شقة منها 5 جنيهات شهريًا، أما المحال التجارية الفخمة المتواجدة فى أسفله فيتراوح إيجارها بين 60 و70 جنيها شهريًا.
يقص عطية وقائع مأساته فيقول، إن أغلب السكان هجروا منازلهم منذ فترات طويلة ويعيشون فى شقق أخرى فى مناطق مختلفة، وحين يطالبهم برفع قيمة الإيجار ليتناسب مع المنطقة التى يسكنونها يرفضون، ويؤكدون أن الإيجار لن تزيد قيمته مليمًا واحدًا.
مأساة عطية وورثة هذا العقار لا تتمثل فقط فى الفارق الكبير بين القيمة الفعلية لإيجار الشقق والقيمة التى يتحصلون عليها، بل فى مساومة بعض سكان العقار من أجل الرحيل عنه، فهناك على حد قوله، كثيرون يطلبون الحصول على أموال للموافقة على التنازل عن العقار وتسليمه للمالك، وليت الأموال المطلوبة قليلة أو مقبولة، لكنّ أكثرهم إشفاقًا على المالك يطلب الحصول على 250 ألف جنيه مقابل الرحيل.
هذا عن مستأجرى الشقق، أمّا مستأجرو المحال التجارية فبعد مفاوضات طويلة قرر بعضهم شراء هذه المحال ولكن مقابل 30% من قيمتها الفعلية.
الواقعتان السابقتان، تنضم إليهما مئات القصص الأخرى لينشئوا كيانًا جمع "الظلم" شتاته من مدن مختلفة فى مصر، ويتوحدوا جميعًا من أجل المطالبة بإلغاء قانون الإيجار القديم، وبالفعل وعقب أيام قليلة من سقوط النظام السابق بدأت جموع المضارين فى التحرك بتنظيم وقفتين احتجاجيتين الأولى كانت فى 27 فبراير الماضى، والثانية 20 إبريل، ويجهزون حاليًا لوقفة ثالثة 6 مايو المقبل.
يقول الدكتور خالد مرسى العصافيرى الذى أرسل 38 رسالة إلى رئيس وزراء الثورة عصام شرف، للمطالبة بإلغاء قانون الإيجار القديم، وضع فيها تفاصيل آليات التحرر من أعباء هذا القانون، إن هناك أزمة حالية تتمثل فى عدم صدق نوايا المسئولين عن وزارة الإسكان، ويدلل على ذلك بالطريقة التى تعامل بها بعض المسئولين مع وفد ممثلى المضارين أثناء وقفتهم الاحتجاجية الأخيرة، حيثُ لم يجيبوا إجابة حاسمة ولم يضعوا جدولاً زمنيًا للحلول وكان حديثهم مجرد تطمينات فقط.
ويؤكد العصافيرى الذى بدأ قصة الكفاح ضد قانون الإيجار القديم منذ تسعينات القرن الماضى، أن الخطوة الأولى التى ينتظرها كل الملاك، هى الإفراج عن الشقق المغلقة والتى يبلغ عددها 8 ملايين شقة، على حد قوله.
وحذر الطبيب السكندرى من "انفلات" العلاقة بين المالك والمستأجر إلى منحنى خطير قد تحدث فيه مصادمات مباشرة بين الطرفين، تؤدى إلى وقوع ضحايا، إذا لم يتم حل الأزمة بالطرق القانونية.
المهندس الاستشارى صلاح حجاب رئيس لجنة التشييد والبناء بجمعية رجال الأعمال المصريين، أكد أن حل أزمة قانون الإيجار القديم يتلخص فى ضرورة تفعيل قانون رقم 4 لسنة 1996، والذى نص على "تطبيق أحكام القانون المدنى" لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وبذلك سيضمن الطرفان الحق فى "تحديد مدة الإيجار" دون أن يجور أى طرف على الآخر.
ويضيف حجاب: "فى حال تفعيل هذا القانون، سيتم تحرير قيمة الإيجار تدريجيًا بما يعود بالنفع على المالك، بحيث يصبح قادرًا على تحمل تكاليف صيانة عقاراته، ويحقق منها ربحًا جيدًا"، وأكد المهندس الاستشارى أن هناك حلولاً كثيرة لرفع قيمة الإيجار على مدى زمنى لا يضر بالطرفين (يصل إلى 8 سنوات فى بعض الأحيان) ، ويتم فيه أيضًا مراعاة المنطقة التى يتواجد بها العقار لتحديد قيمة عادلة للإيجار.
ورفض حجاب اعتبار وزارة الإسكان الجهة المنوطة بوضع حل فورى للأزمة، مؤكدًا على أن القرار نظريًا فى يد المجلس العسكرى، لأنه الجهة القادرة على تفعيل قانون "4" لسنة 1996 فى ظل عدم انتخاب برلمان، وطالب حجاب المسئولين بـضرورة التوصل لحل عادل وآمن يحفظ للملاك حقوقهم ولا يضير المستأجرين بصورة تدفعهم للجوء إلى العنف.
فى ظل هذه الأزمة، قرر"عم محمد" و"المحاسب أحمد" و"الدكتور خالد".. وغيرهم من المضارين الاستمرار فى تحركاتهم للمطالبة بهذا القانون، مؤكدين أنه "عار على مصر الثورة أن يستمر الظلم فيها"، ومطالبين بـ"تمكينهم من حق التصرف فى أملاكهم" ومحذرين جميعًا "من تطورات غير محمودة قد تشهدها العلاقة بين الملاك والمستأجرين" خلال المرحلة المقبلة التى سيكون أول تحرك فيها نحو ماسبيرو الجمعة المقبلة.
وفى ظل هذه الأزمة، تقف الدولة حائرة، ما زالت تبحث عن حل يلبى مطالب الملاك، ولا يضرب استقرار المستأجرين، ربما يكون هذا الحل بعيداً عن هذه العقارات، وربما يكون حلاً جديداً من نوعه، لكن المؤكد أن الأزمة لا تحتمل إهمال المسئولين.
|