◄◄ يا شعب مصر.. أفق من غفوتك قبل أن يأتى وقت لا ينفع فيه الندم!
◄◄ إحياء إيجابيات الثورة وليس حرقها وتحويلها إلى نهاية
ليس من السهل تفسير الوضع الذى وصلت إليه مصر حاليا.. سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.. فقد شهدت الساحة كل مظاهر الفوضى التى نالت كل المجالات.. ومعطيات ما نتلقاه من وقائع يومية متناقضة تصل إلى مستوى العشوائية، كل ذلك يصب فى قناة واحدة هى سقوط هيبة الدولة.. لقد تخلت الدولة عن دورها ووصلت إلى حد الخضوع التام لأى احتجاجات.. خضوع قد يصل إلى حد الفوضى.. فى حين يراها البعض نوعا من الديمقراطية الحقيقية.. إلا أن الواقع الذى نعيشه منذ اندلاع ثورتنا البيضاء فى 25 يناير يشير إلى تعدد الصراعات بين طوائف الشعب المصرى فى محاولة لإثبات الوجود، وفى المقابل نسينا واجبنا القومى الوطنى تجاه بلدنا.. فهذه المظاهرات الفئوية من جانب موظفين وعمال بالحكومة بمختلف تسمياتهم ووظائفهم هى من أجل الحصول على مكاسب قد تكون شخصية فى المقام الأول.. وها هى المظاهرات الأخرى من جانب بعض الذين يرغبون فى الحصول على لقب «زعيم سياسى».. أو زعيم للثورة، هؤلاء يطالبون بالقصاص ليل نهار لإرضاء أكبر كم من الشعب المصرى مستغلين حالة الفقر والقمع النفسى الذى عانينا منه فى السنوات السابقة.. بل الأدهى من ذلك ظهور العديد من ائتلافات الشباب التى فى مجملها لا تعنى سوى انقسام الشباب على أنفسهم، ولا أريد أن أظلمهم جميعا، فمنهم بالتأكيد من يسعى للنهضة الحقيقية لمصر ومستقبلها، فى حين أن هناك آخرين لا يهمهم سوى «الشو» الإعلامى فقط فى محاولة لإثبات الوجود وتحقيق الذات ليس إلا.. أما أبشع ما يمكن أن نصل إليه هو انقسامنا طائفيا إلى مسلمين ومسيحيين!! بل انقسام المسلمين إلى جماعات، فنجد السنة والشيعة.. ونجد من يتبعون الأزهر الشريف ومن يديرون ظهرهم له، ونجد السلفيين والجماعات الإسلامية بكل فروعها من جماعة التكفير والهجرة وجماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وغير ذلك.. ثم نجد الإخوان المسلمين.. وليس من وراء هذا سوى التشتت والتفتيت للرأى القويم والإضعاف للكيان الكبير الذى يصل فى النهاية إلى حائط سد.. وأقول يا شعب مصر لابد أن ندرك جذور الأزمة، ففى المسيحية أيضا انقسامات وخروج عن روح الجماعة، فيا مسلمى مصر ومسيحييها اتحدوا.. فعلى مسلمى مصر أن يتجمعوا فيما بينهم تحت راية الأزهر الشريف، وأن يصححوا من المسميات التى هى ليست من الإسلام فى شىء.. بل هى بعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام - إسلامنا الحنيف - وعن قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «ستنقسم أمتى إلى بضع وسبعين شعبة جميعهم فى النار إلا من اتبع سنتى» وجميعنا يعلم ويعى سنة سيدنا رسول الله.. وعلى مسيحيى مصر الانصياع لتعاليم المجمع المقدس ومجلس الكنائس والمجلس الملى، وكلها تحض على الوحدة واحترام الآخر والتعاون الكامل مع إخوانهم المسلمين فى كل المناحى، لأن هذا فى النهاية سوف يؤدى إلى وحدتنا الوطنية القوية.. وهذه هى الثورة يا مسلمى ومسيحيى مصر.
وأما على الجانب الإعلامى فالشىء الذى يدعو للدهشة هو أن بعض برامج التوك شو بالتليفزيون المصرى والفضائيات بل كثير من الصحف اليومية فى سياساتها نجد أن الاتجاه الغالب هو الانتقام ولغة التشفى من بعضنا البعض، وهو ما يشير إلى أننا لا نريد أن تغيرنا الثورة.. بل المؤسف أن يكون هناك تغيير إلى الأسوأ مما كنا عليه قبل الثورة، هناك نوع من جلد الذات وتحميل النفس البشرية فوق طاقتها وانعدام الرغبة فى دفع عجلة التنمية وتشجيع الاقتصاد للعبور من الأزمة الاقتصادية الوشيكة، التى هى أخطر من عبور خط «بارليف»!! فيا رجال الصحافة والإعلام الشرفاء يجب علينا أن نتحد وفقا لميثاق شرف يجمعنا لنكون مشاعل من نور لكل من يثق بنا، للنهوض بمصرنا والحفاظ على الثورة، بيضاء وأن نخرج من دائرة الماضى إلى الحاضر والمستقبل.. وأن نترفع عن مصالح القلة الراغبة فى الانتقام، يجب ألا ننسى أن التاريخ سوف يخلد الثورة التى بدأت بيضاء لتستمر بيضاء.. فيجب أن نسعى دوما أن يكون لنا سطور من نور فى هذا التاريخ.. مصر والشعب المصرى أمانة فى أعناقنا.. فحرية الرأى والكلمة مسؤولية تجاه الأمة والجماهير التى تثق بما نسطره، فلنخرج من دائرة الماضية إلى حاضرنا ومستقبلنا..
فهل بعد ذلك نريد المصارحة؟ إن القضايا تتشابك أكثر من أى وقت مضى. لأن كثيرا من الأزمات تكشف وتتصارع مع أزمات أخرى ونتج عنها هذا السواد الكثيف فى أنحاء اللوحة!! فأين رقعة مصر الزراعية؟ وقد كنا فى يوم من الأيام بلدا زراعيا من أهم وأخصب بلدان العالم زراعيا.. لقد انعدمت الأرض واندثرت وذلك بأيدينا نحن وليس بأيدى النظام السابق.. لقد تصارع الفلاحون على تحويل أراضيهم الزراعية إلى أراض أسمنتية للحصول على أرباح مالية كبيرة، متناسين دورهم الخطير الذى يتمثل فى توفير المحاصيل الزراعية.. التى قد تسد الكثير من حاجتنا من مواد غذائية فأين أنت أيها الفلاح المصرى والمزارع الذى يشار له بالبنان.. نحن ننتظر دورك.. ونتطلع لإعادة كيانك ومهمتك.. لا تنس دم شهدائنا.. هذا الدم الطاهر له علينا دين.. لابد أن نكون يقظين ونسعى لحل أزماتنا لا أن نستسلم للواقع المتردى.
هذا الواقع الذى ينسحب على كل الاتجاهات.. فأين دور المعلم تجاه الأجيال الجديدة المتلاحقة؟ لقد ضاعت طموحاتهم وسط متاهات الدروس الخصوصية وتحويل المدارس إلى ما يشبه الكتل الخرسانية التى تمتلئ بأرقام ضخمة من التلاميذ ليس لهم أى حق ولا أى قدرة على مواصلة مواهبهم ولا اكتشاف أسرار نبوغهم.. وتحول الأمر إلى تلقين وحفظ نصوص أغلبها عبء.
وقد بدأ بالفعل بعض المسؤولين فى وزارة التعليم فى حذف كثير من الزوائد فى أعقاب ثورة 25 يناير، تمهيدا لتنقية النصوص فى الأعوام القادمة، وإعادة تقييم المناهج التى أثقلت التلاميذ والأسر المصرية وحولت التعليم المصرى إلى جحيم مستمر، والحصاد ضعيف جدا.
ثم أين أنت أيها العامل المصرى؟ إن حجم إنتاجك لا يزيد عن 20 % من حجم إنتاج مثيلك فى الصين!!.. وأين دور الحكومة فى إنشاء مشروعات صناعية وإنتاجية قوية لتعيين العمالة بدلا من تكديسهم فى وزارات محددة أو مشروعات محددة، هل نسينا أن القطاع العام قبل الخصخصة كان يثقل مصر بخسائر فادحة.. هل تناسينا أن هناك خسائر فى نفس القطاع لاتزال مستمرة بعد الخصخصة؟.. إننى أبحث فى أعماقى فأجد أن الفساد يعيش فينا ولسنا نعيش فيه.. ولكن الفساد الأكبر هو ما نعيشه الآن، هو الإحساس بالعجز عن التفكير لنعمل لمصلحة الدولة، التى يجب أن تقوم على واجبات وحقوق.. والتزامات متبادلة.. فالحرية ليست كلمة لكن مضمونا لضمير قومى وطنى، والديمقراطية أيضا ليست كلمة بل هى مضمون تاريخى يضم فى جعبته كل مسؤولياتنا الإنسانية السابقة والحالية.
إن أخطر شىء نمر به فى هذه المرحلة الحرجة هو أننا تعودنا على اللاحكم واللانظام وأخشى ما أخشاه أن نرفض العودة إلى النظام، وإلى نظام الحكم الطبيعى.. حتى لو تم الاختيار بمحض اختيارنا من خلال إرادتنا فإن الخوف ألا نحترم هذا الاختيار وهذه الإرادة، والسؤال هو ماذا لو اختار بعضنا رئيس الجمهورية القادم.. هل سيقبل الآخر هذا الاختيار..؟! أشك فى ذلك.. يا شباب الثورة.. لقد نجحت الثورة وانتهى عهد من الظلم والاستبداد والفساد والديكتاتورية، عهد لم ولن يعود مرة أخرى.. وأذكركم أننى لا أنسى ولن أنسى ما قمتم به ولا ولن أنسى إحساس أب عجز عن علاج فلذة كبده، لا أنسى إحساس أب عجز عن تدبير الغذاء لأولاده الجوعى، إنه عجز قاتل يدمر صاحبه.. ولكننا يجب ألا ننظر إلى الماضى كثيرا إلا للعبرة.. وأن ننظر إلى الحاضر والمستقبل، حتى لا نعود إلى الوراء، أبدا.. أقول لشباب الثورة اتحدوا لبناء مصر.. اتحدوا لبناء مجتمع واحد متماسك، نحن الذين نصنع تاريخنا ولن يرحمنا التاريخ لن يغفر لنا.. أبدا.. أن تذهب مصر إلى الخلف بلا عودة.. ويا شعب مصر يجب أن نسعى للنهوض بمصر.. وإحياء إيجابيات الثورة وليس حرقها وتحويلها إلى نهاية.. هى ليست نهاية شعب بل نهاية مصر كلها. كفانا لعبا بأنفسنا وبمقدراتها، يجب علينا التحلى بالخلق القويم.. إننا يجب أن نتحدى أنفسنا لحساب المصلحة العامة.. ولا تنسوا، أننا راحلون ولكن مصر ستظل باقية، لأولادنا وأحفادنا.. فلابد إذن أن نبنى المجد لأنفسنا ولأرضنا.. أفيقوا يا شعبنا من غفوتكم قبل أن تذهب مصر بلا عودة.
وأقول لرئيس الوزراء الدكتور عصام شرف: إن هيبة الدولة هى من الأولويات التى نسعى لها، لأنها تضم فى جعبتها كل مفردات الأمن والأمان، ونحن اليوم فى أشد الحاجة لذلك.. الأمن هو صمام الأمان فى هذه المرحلة الانتقالية التى تعيشها مصر، نحن فى أمس الظروف لعودة هيبة الدولة.. التى هى صورة لتاريخ مصر وتراثها.. هيبة الدولة ليست كثيرة على مصر التى كانت فى الماضى تقود الأمة العربية نحو الثورات وتعلم المجتمعات العربية والأفريقية سبل الحياة الاجتماعية والسياسية والفنون والدساتير.. لابد اليوم مع ثورة 25 يناير أن تعود هذه الهيبة بكل ما تحمل من طموح شباب مصر نحو تقرير مصير حياة جديدة ورؤية جديدة لكل شىء.. وأنا على ثقة أن الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء، سينتصر فى هذه المعركة والتى من خلالها يعيد هيبة الدولة وينشئ معها مشروعا للمصارحة والمصالحة فى شتى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية.. هى فى مجملها تعنى مصالحة الشعب مع نفسه.. هذه المصالحة جاء وقتها ليعرف الشعب أين هو ومن هم معه ومن هم رفقاء الطريق ومن هم أعداء الثورة.. وأتمنى من المجلس الأعلى للقوات المسلحة سرعة إصدار هذا المشروع أو القانون الذى يخدم الوطن خدمة جليلة، سيتم إحياء مفهوم الثورة، وفى الوقت نفسه نكون جاهزين لسيناريوهات الثورة المضادة التى تسعى لتدمير الثورة البيضاء والإطاحة بها.