شيخ عبد العزيز أمامي رسالتان، الأولى من خمس صفحات من الحجم المتوسط، والثانية من صفحتين من الحجم الكبير، كل ما في الرسالتين بحث عن السبيل الأمثل للدعوة إلى الله، وعن السبيل الأمثل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الرسالة الأولى من أخت رمزت إلى اسمها تقول: امرأة متدينة. أما الرسالة الثانية فهي من الأخ: (ع. ع. ع)، من جدة، الرسالتان يذكر مرسلوها أنهم يلاحظون بعض الأخطاء من المسلمين، ويتألمون كثيراً لما يرون، ويتمنون أن لو في أيديهم شيء لتغيير المنكر، ويرجون التوجيه، سنخصص بقية هذه الحلقة -سماحة الشيخ لو تكرمتم- في الطريق الأمثل للأمر بالمعروف وللدعوة إلى الله -لو تكرمتم- فماذا تبدؤون؟
الله عز وجل قد بين طريق الدعوة، وماذا ينبغي للداعي فقال سبحانه وتعالى:قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني فالداعي إلى الله يجب أن يكون على علم وعلى بصيرة فيما يدعو إليه وفيما ينهى عنه؛ حتى لا يقول على الله بغير علم، ويجب الإخلاص في ذلك؛ لأن الله قال:إلى الله، قال هذه سبيلي أدعو إلى الله لا إلا مذهب، ولا إلا رأي فلان أو فلان، ولكنه يدعو إلى الله يريد ثوابه، يريد مغفرته، يريد صلاح الناس، فلا بد أن يكون الإخلاص، ولابد أن يكون عن علم وقال عز وجل: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه وجادلهم بالتي هي أحسن، هذا بيان كيفية الدعوة، وأن تكون بالحكمة يعني بالعلم، قال الله، قال رسوله، سمي العلم حكمة؛ لأنه يردع عن الباطل، ويعين على إثبات الحق، ويكون مع العلم موعظة حسنة وجدال بالتي هي أحسن عند الحاجة إلى ذلك، فبعض الناس قد يكفه بيان الحق بأدلته لأنه يطلب الحق فمتى ظهر له قبله، وقد يكون في غير بحاجة إلى الموعظة، وبعض الناس قد يكون عنده شي من التوقف، شي من الجفاء فيحتاج إلى موعظة، فالداعي إلى الله يعظ، ويقيم الأدلة، ويذكر إذا احتاج إلى ذلك مع الجفاة ومع الغافلين ومع المتساهلين حتى يقنعوا وحتى يلتزموا بالحق، وقد يكون المدعو عنده شي من الشبه فيجادل في ذلك، ويريد كشف الشبه فالداعي إلى الله يوضح له الحق بأدلته، ويزيح الشبه بالأدلة الشرعية لكن بكلام طيب وأسلوب حسن ورفق، لا بعنف وشدة حتى لا يبقى للمبطل، أو للمنهي أو للمدعو لا يبقى له شبهة؛ يزيلها حسب الطاقة، يزيحها بالأدلة حسب الطاقة قال الله عز وجل فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضوا من حولك وقال الله لما بعث موسى وأخاه هارون إلى فرعون :فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى ويقول - صلى الله عليه وسلم -:(إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شي إلا شانه) ويقول صلى الله عليه وسلم (من يحرم الرفق يحرم الخير كله) فالداعي إلى الله عليه أن يتحرى ويرفق ويجتهد في الإخلاص لله، وفي علاج الأمور بالطريقة الذي رسمها الله، بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وأن يكون في هذا كله على علم، على بصيرة، على هدى، حتى يقنع الطالب للحق وحتى يزيل الشبهة لمن عنده شبهة، وحتى يلين القلوب لمن عنده جفاء أو قسوة أو إعراض، يلين القلوب بالدعوة إلى الله والموعظة الحسنة والتوجيه إلى الخير، وبيان ما له عند الله من الخير إذا قبل الحق، وما عليه من الخطر إذا رد الحق إلى غير هذا من وجوه الموعظة. وأما أصحاب الحسبة الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فكذلك يلزمه الآداب الشرعية فيما يلتزمه الداعي إلى الله فعليهم بالرفق وعدم العنف؛ إلا إذا دعت الحاجة إلى هذا من الظلمة والمكابرين والمعاندين أما غيرهم فيفعل مثل الداعي، ينكر المنكر بالرفق والحكمة، ويأمرون بالمعروف بالرفق والحكمة، ويقيمون الأدلة على ذلك حتى يقنع صاحب المنكر حتى ينتبه، وحتى يلتزم بالحق، وذلك على حسب الاستطاعة كما قال عليه الصلاة والسلام من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإلم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان رواه مسلم، والله يقول سبحانه: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون، ويقول سبحانه:كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله، وقد توعد من ترك ذلك وأعرض عن ذلك ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم بسبب عصيانهم، واعتدائهم وعدم تناهيهم عن المنكر حيث قال سبحانه في كتابه العظيم في سورة المائدة:لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون، فالأمر عظيم فيجب على الإمام وعلى أهل القدرة من الولاة والعلماء وغيرهم من أعيان المسلمين الذين عندهم القدرة وعندهم العلم أن ينكروا المنكر وأن يأمروا بالمعروف، وليس هذا خاصاً بطائفة معينة، وإن كانت الطائفة المعينة عليها واجبها وعليها العبء الأكبر لكن لا يلزم من ذلك إهمال غيرها؛ بل يجب على غيرها أن يساعدوها وأن يكونوا معها في إنكار المنكر والأمر بالمعروف حتى يكثر الخير ويقل الشر، ولا سيما إذا كانت الطائفة المعينة لم تغطي المطلوب، ولم يحصل بها المقصود بل الأمر أوسع والشر أكثر فإن مساعدتها واجبة في كل حال أما لو قامت بالمطلوب، وحصل بها الكفاية فهذا معلوم أنه فرض كفاية، يعني الأمر بالمعروف فرض كفاية فإذا حصل بالمعينين أو المتطوعين المسؤلين المطلوب من إزالة المنكر والأمر بالمعروف صار في حق الباقيين سنة، أما منكر ليس له من يزيله إلا أنت لأنك الموجود في القرية أو في القبيلة أو في الحي ليس فيها من يأمر بالمعروف سواك فإنه يتعين عليك إنكار المنكر والأمر بالمعروف ما دمت أنت الذي علمته، وأنت الذي تستطيع إنكاره فإنه يلزمك، فمتى وجد معك غيرك صار فرض كفاية، من قام به منكم حصل به المقصود، فإن تركتم جميعاً أثمتم جميعاً، فالحاصل أنه فرض على الجميع فرض كفاية متى قام به من المجتمع أو من القبيلة أو من أهل القرية أو المدينة من يكفي سقط عن الباقين، وهكذا الدعوة إلى الله، ومتى ترك الجميع أثموا، وصار الإثم عاماً لهم لأنهم قصروا في الواجب ولم يقوموا به ومتى قام به من يكفي دعوة وتوجيهاً وإنكاراً لمنكر صار في حق الباقيين سنة عظيمة لأنه المشاركة في الخير مطلوبة.