شاركت مؤخراً فى المؤتمر السنوى الثانى عشر لأمريكا والعالم الإسلامى، والذى يُنظمه معهد بروكنجز، الشهير فى واشنطن، بالاشتراك مع وزراء الخارجية القطرية (١٢-١٤/٤/٢٠١١).
وهذه هى المرة الأولى التى يُعقد فيها على الأرض الأمريكية ـ حيث جرت العادة فى السنوات السابقة على عقده فى العاصمة القطرية، الدوحة. ويبدو أن الجانب الأمريكى شعر بأن ما يحدث فى العالم العربى من ثورات، يستحق أن يوضع تحت المجهر، ويتم تفسيره بواسطة أصحاب الشأن أنفسهم من المسلمين، لأكبر قطاع ممكن من أبناء الشعب الأمريكى. وقد حشد المُنظمون مجموعة كبيرة من نجوم السياسة من الجانبين للمُشاركة فى أعمال المؤتمر.
من ذلك أن المُرشح الديمقراطى السابق، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وهو السيناتور جون كيرى، كان من أوائل المتحدثين، وكذلك السيناتور الجمهورى جون ماكين، الذى تنافس مع باراك أوباما، على منصب رئاسة الولايات المتحدة، عام ٢٠٠٩.
كما حرصت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلارى كلينتون، على المُشاركة فى أعمال المؤتمر، للمرة الثالثة على التوالى. كذلك فعل الشىء نفسه، مستشار الأمن القومى فى عهد الرئيس جيمى كارتر، وهو الدكتور زبغنيو بريزنسكى، وعدد كبير من أعضاء الكونجرس من الحزبين. وبهذا المعنى، أصبح مُنتدى أمريكا والعالم الإسلامى، بنفس مكانة المؤتمرات اليهودية السنوية، التى يتسابق إلى المُشاركة فيها السياسيون الأمريكيون من الحزبين، خاصة الذين يطمحون للترشح لمنصب الرئاسة الأمريكية.
وسيطرت على أجواء المؤتمر ثلاثة أسئلة رئيسية، وعشرات تفرعت منها. الأول، هو احتمالات فوز الإخوان المسلمين فى تلك الانتخابات فى مصر. والثانى، هو موقف أمريكا والديمقراطيات الغربية نحو هذا الأمر فى حالة حدوثه. والثالث، موقف الإخوان المسلمين أنفسهم، وهم فى السُلطة نحو الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل.
ولم يكن بين المُشاركين فى المؤتمر من يتحدث باسم الإخوان أو باسم إسرائيل. لذلك انتقد البعض، ومنهم هذا الكاتب مُنظمى المؤتمر على عدم دعوة مُشاركين من الإخوان، وانتقد آخرون مُحاولات دعوة إسرائيليين. وفى غياب من يُمثل أولئك وهؤلاء، جاءت مُحاولات الإجابة، على هيئة تخمينات واجتهادات، من المُشاركين، ومن المسؤولين الذين تحدثوا فى المؤتمر. من ذلك أن الإخوان المسلمين أنفسهم، صرّحوا بأنهم سيكوّنون حزباً، ويخوضون بمرشحيه معركتى الانتخابات النيابية المُقررة فى شهر سبتمبر من هذا العام، والانتخابات الرئاسية فى وقت لاحق من العام نفسه، سواء كان لهم مُرشح إخوانى أو أيّدوا مُرشحاً آخر.
من ذلك، أن د. عصام العريان، أحد القيادات الإخوانية، صرّح بأنهم سيكون لهم مُرشحون فى أربعين فى المائة من الدوائر الانتخابية، لعضوية مجلس الشعب. وفى اليوم الأخير للمؤتمر ترددت أقوال غير مؤكدة عن تأييد الإخوان مرشحاً رئاسياً من خارج صفوفهم، وهو الدكتور محمد البرادعى.
وقالت هيلارى كلينتون، حينما سئلت عن هذا الأمر، إن الموقف الرسمى للولايات المتحدة، هو ترك هذا الأمر للمصريين أنفسهم، مثلما حدث مع الفلسطينيين وغيرهم من الشعوب العربية. وأنه فى حالة فوز حماس، فإن الولايات المتحدة لم تشكك فى شرعية تلك الانتخابات، ولكنها ليست مُجبرة على التعامل مع حكومة من حماس، إلا بشروط ثلاثة، أعلنها الجمهوريون وهم فى السُلطة فى الولايات المتحدة، وأن الديمقراطيين، وهى منهم فى السُلطة الآن، مستمرون على نفس النهج والشروط الثلاثة، وهى الإقلاع عن استخدام العنف ضد الأطراف الأخرى، وفى مقدمتها إسرائيل، والاعتراف بإسرائيل نفسها، واحترام المُعاهدات والالتزامات الدولية التى وقّعتها كل الأطراف فى السابق.
وقد أكد السيناتور جون ماكين، وهو من أقطاب الحزب الجمهورى، وكان آخر المتحدثين فى المؤتمر، ما كانت قد صرّحت به هيلارى كلينتون فى هذا الصدد. وهو ما يعنى أن هذه سياسة أمريكية عامة يؤيّدها الحزبان الديمقراطى والجمهورى.
أما المُشاركون فى المؤتمر أنفسهم، وكان ثلثهم على الأقل من المصريين، فقد طالبوا بأن يكون هناك اتساق مبدئى فى التعامل مع الإخوان أو غيرهم، وهو احترام نتائج العملية الديمقراطية، حتى لو أتت بأغلبية إخوانية. وهو ما رد عليه جون ماكين، بأن أمريكا لم تشكك فى شرعية الانتخابات الفلسطينية، التى أتت بأكثرية من حماس إلى المجلس النيابى الفلسطينى.
ولكن أمريكا ليست مُجبرة قانونياً ولا سياسياً على التعامل مع حكومة حماس، أو أى حكومة أخرى، إلا بناء على مبادئ ومصالح مشتركة، وهو ما لم يتحقق فى حالة حماس إلى تاريخه، ويعتقد أن نفس الموقف سيسود مع الإخوان فى مصر- أى الاعتراف بشرعية اختيار الناخبين نوابهم، دون الالتزام بالتعامل مع هؤلاء النواب! ولكن كان الأهم فى أجواء هذا المؤتمر هو الاحتفاء بربيع الديمقراطية فى الوطن العربى، بداية بتونس ومصر، وضرورة العمل على دعم هذا التحول، والعمل على استمراره ونشره فى بقية بُلدان المنطقة، بما فى ذلك المملكة العربية السعودية.
وطبعاً أثار عدد كبير من المشاركين العرب والمسلمين، من غير العرب، والأمريكيين أنفسهم، التخبط وازدواج المعايير فى السياسة الأمريكية، نحو الانتفاضات الشعبية العربية من أجل الديمقراطية، فى البُلدان العربية. فبينما ترددت أمريكا عدة أيام، قبل تأييدها الثورتين التونسية والمصرية، فإنها لم تفعل ذلك بالنسبة للانتفاضة البحرينية. بل غضت الطرف عن التدخل العسكرى السعودى لدعم نظام الملك ضد شعبه الذى كان يُطالب بالشىء نفسه، ناهيكم عن الصمت التام عما يحدث داخل السعودية نفسها من قمع للحريات وللمعارضين.
ولم يكن لدى هيلارى كلينتون أو جون ماكين، غير إجابات عامة أو غامضة. من ذلك أن كثيراً من الضغوط تتم مُمارستها، ولكن خلف الأبواب المُغلقة. بل اعترف كل منهما بأن السعودية عبّرت عن استيائها للسرعة التى تخلت بها أمريكا عن حليفين، مثل الرئيس المصرى حسنى مبارك، والرئيس التونسى زين العابدين بن على. وكان الرد الأمريكى على هذا الاستياء السعودى، هو أن الشعبين المصرى والتونسى، هما اللذان فرضا الأمر «الثورى الواقع».
وأثير بنفس الروح التدخل الأمريكى المُحتشم والمتردد فى الشأن الليبى. وكان السيناتور جون ماكين الأكثر وضوحاً وحسماً، فى أنه لو كان رئيساً لأمريكا، ما كان ليتردد لحظة واحدة فى دعم أى انتفاضة شعبية تنادى بالديمقراطية، وأنه فعل ذلك بالفعل فى حالات تونس ومصر وليبيا، وإن كان لم يفعل فى حالة البحرين، بسبب احتمال أن هناك دوراً «إيرانياً» وراء الانتفاضة. وكانت هيلارى كلينتون خفيفة الظل، حينما اعترفت بأنها فى موقع المسؤولية كوزيرة خارجية، أصبحت تعى وتقبل احتمالات عدم الاتساق، بل التعارض أحياناً، بين المبادئ والمصالح. وفى النهاية، فإن الغلبة تكون «للمصالح»، وأنها اكتشفت فى المُمارسة أن اتخاذ القرار يخضع لاعتبارات كثيرة، لا ينطوى بعضها على تعارض بين المبادئ والمصالح، بل أيضاً على تعارض بين المصالح نفسها. وقالت إنها تكون فى قمة سعادتها حينما تلتقى المبادئ والمصالح، حين اتخاذها للقرار.
وفى النهاية، استبعد كثير من المشاركين المصريين فى المؤتمر حصول الإخوان المسلمين على أغلبية، أو حتى على «أكثرية» فى أى انتخابات مصرية فى المستقبل المنظور.. وأنه لا داعى للذعر من تكرار تجربة الجزائر (١٩٩٩) ولا حماس (٢٠٠٦) فى فلسطين، وأقر الجميع بأن الأهم هو نجاح التجربة الديمقراطية فى مصر، لأن ذلك من شأنه أن يدفع بالتحول الديمقراطى دفعة هائلة فى بقية أقطار الوطن العربى، خاصة فى سوريا، ثم فى السعودية.
والله أعلم