ثانيا: (كثرة التضرع إلى المولى - جل وعلا - أن يلهم بالحق ويوفق للعمل به).
ـ كثرة الدعاء والإلحاح في السؤال سمة راسخة من سمات الدعاة لا ينفكون عنها لحظة، وهذا سر نجاحهم، ومن لم يلح في دعائه فليس على السبيل والسنة.
ـ كثرة الدعاء في كل وقت وآن، يرزق النفس الثبات وحسن التصرف والتدبير، لأن المتضرع إلى ربه متبرء من حوله وقوته، متوكل على الله مفوض أمره إليه، وإذا تولاه الله رزقه حسن التصرف، وفي ذلك نجاح دعوته.
ـ كثرة الدعاء يفتح على الداعي لذيذ مناجاة الله - تعالى -وحلاوة الإيمان، ويسليه في المحن، ويخفف عنه المشاق.
ـ للوقوف على الأدعية النبوية ينظر في كتب الدعوات من الصحاح والسنن، كالبخاري ومسلم.
ثالثا: (ملازمة قراءة القرآن الكريم الذي هو زاد الدعاة الأول).
ـ القرآن يشرح الصدور، ويبدد الغموم، ويزيد في الإيمان: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين}.
ـ الدعاة من أخشع الناس في قراءة القرآن، لأنه يقص عليهم حقيقة الصراع الذي هم فيه، بين الحق والباطل، فهو يبشرهم بالنصر القريب على أعدائهم، ويثبتهم في المحن، ويعدهم الخير والمثوبة:
{حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين}..
فإذا قرءوه تمثلوه في أنفسهم وعاشوا آياته لحظة بلحظة، يجدون أنفسهم فيه، ويستشعرون معانيه، ويوجهون خطابه إلى أنفسهم.
ـ ينظر في كتاب الفوائد لابن القيم في الفصول المتعلقة بالقرآن.
رابعا: (الحرص على تدارس شمائل النبي - صلى الله عليه وسلم - والسلف).
ـ يجب الرجوع في تعلم أسلوب الدعوة إلى سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن الخطأ الاعتماد على كتب المحدَثين فحسب، فسيرته مكتوبة صحيحة بين أيدينا، فيها الهدى والنور، وأي دعوة لا تكون من خلالها فهي فاشلة.
ـ من المهم تدارس سير الصحابة والسلف والأئمة الأعلام كذلك، فذلك يوقف الدعاة على الطرق الصحيحة للدعوة الناجحة، فمن كان مقتديا فليقتد بمن مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة.
ـ من المراجع المهمة في هذا الباب: شمائل النبي - صلى الله عليه وسلم - للترمذي وابن كثير، والسيرة النبوية الصحيحة لأكرم ضياء العمري، وفقه السيرة لمحمد الغزالي، وصفة الصفوة لابن الجوزي، وسير أعلام النبلاء للذهبي.
خامسا: (لابد من زاد إيماني).
ـ قال - تعالى -: {واستعينوا بالصبر والصلاة}، فلا بد للداعية من زاد إيماني من الصلاة والذكر.
ـ أعظم أوقات اليوم ثلاثة: بعد الفجر، وقبل الغروب، والثلث الآخر من الليل، فهذه الأوقات زاد الدعاة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) رواه البخاري في الإيمان، باب: الدين يسر..
فالغدوة أول النهار، والروحة آخرها.. والدلجة آخر الليل..
فاغتنام آخر الليل يكون بقيامه وقراءة القرآن فيه، فالليل موطن المناجاة ورفع الحوائج حين ينزل الله - تعالى -ليقول: (من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟) رواه مسلم في الصلاة، باب: الترغيب في الدعاء والذكر آخر الليل..
وقيامه شرف المؤمن، والفجر والعصر وقت الصلاة والذكر، هذه الأوقات هي أحسن أوقات السفر، وهي أحسن السفر إلى الآخرة بالذكر والمناجاة، فمن تعاهدها تزود من الإيمان والصبر.
سادسا: (ذكر الله عند الخروج من البيت، وسؤال الله التوفيق في العمل).
ـ لابد على الداعية أن يكثر من قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، فإنها تحمل عنه كأمثال الجبال، وليعلم أنه لا يعمل بقوته وحيلته، فلولا إعانة الله له لما حرك حجرا من مكانه، ولا خطا خطوة، ولا دعا إنسانا.
ـ حين الخروج يجب استحضار التوكل على الله وإخلاص النية لله - تعالى -وذكر الدعاء المأثور:
- (بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله)..
- (اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي)، هما حديثان عن أم سلمة وعن أنس عند أبي داود في الأدب: باب ما جاء فيمن دخل بيته ما يقول، صحيح أبي داود 3/959
ـ يقول أنس: كنت أسمع رسول الله يكثر أن يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، ومن العجز والكسل، ومن الجبن والبخل، ومن ضلع الدين وقهر الرجال)، البخاري في الدعوات، باب: التعوذ من غلبة الرجال.
فهو ذكر الدعاة، لأن الداعي يحزنه إعراض الناس، ويهمه مستقبل الدعوة، ويشكو من العجز والكسل، ويخاف أن يجبن في موطن يجب أن يقول فيه، أو أن يبخل بشيء فيه نصرة الحق، ويخاف قهر الرجال، فالدعاء بهذه الكلمات تكفيه كل تلك الهموم.
سابعا: (الأمل وعدم اليأس).
ـ الداعية يدعو الناس إلى أمر قد لا يستجيبون له لأول مرة، لذا يجب عليه أن يوطن نفسه على هذا حتى لا ييأس.
ـ ينبغي على الداعية أن لا يعتقد بمقولة: "الطبع يغلب التطبع"، لأن دعوته قائمة على عكس ذلك تماما، إنها تقوم على الإيمان بالقدرة على قلب الطباع من الشر إلى الخير، كما صنع الأنبياء من قبل، فلم تكن مهمة الدعاة إلا قلب طباع الناس الشريرة، ولو أنهم أخذوا بتلك المقولة لما دعوا أحدا.
ـ كذلك يجب عليه أن لا يعتقد قول الشاعر:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه *** إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
فمهمة الداعية أن يبني ولو كان غيره يهدم، ومهمته أن يسبح ضد تيار الباطل ولو كان عظيما، وقد كان النبي يبعث وحده في بحر من الباطل، ثم لا يزال يدعو حتى ينشر الله على يديه الخير والنور، فيهدم الباطل ويبني الحق.
ثامنا: (الدعوة في كل وقت بالكلمة، بالإشارة، بالفعل).
ـ رب كلمة اهتدى بها إنسان والداعية لا يدري، فالكلمة كالبذرة، قد لا تنبت اليوم أو الغد، لكنها ستنبت يوما ما، لذا على الداعية أن يدعو إلى الحق بكل وسيلة، ولا يشترط أن يرى ثمرة عمله، فقد لا يراها أبدا، لكن ذلك لا يعني أنها لن تنمو.
ـ من أسس الدعوة البلاغ، فالمطلوب البلاغ، وأما الهداية فمن الله - تعالى -، فإذا استقر هذا في نفس الداعية استراح من الشكوى من إعراض الناس.
تاسعا: (هذه الأجيال أمانة في الأعناق).
ـ فيجب على الداعية أن يكون قدوة لهم في سلوكه وأفعاله، فإن الناس ينظرون إلى سلوك الداعية أكثر من نظرهم إلى كلامه، فمهمته كبيرة، لذا يجب عليه أن يحاسب نفسه على كل صغيرة وكبيرة، فما كان مباحا في حق الناس قد يكون مكروها في حقه لمنزلته.
ـ الأعداء يجتهدون في هدم الأجيال، والدعاة على اختلاف مراكزهم لابد وأن يستشعروا هذا الخطر، وأن يفهموا عظم الأمانة التي بين أيديهم، وليعلموا أنهم هم الحصن الحصين لهذه الأجيال من كيد الأعداء، فالله الله فيهم.
ـ ليعلم الداعية أن الحق هو الباقي، وأن ما يقذف به من كلمات تحمل الهدى هي الباقية، أما ما يدعو به أهل الباطل فإنه سيذهب جفاء في يوما ما وإن طال.
عاشرا: (عماد الداعية في دعوته الناس: رفقه وبشاشته، وحسن كلامه، ونجدته لكل ملهوف).
ـ ليس المطلوب أن يلقي الداعية كلماته ثم يمضي لا يشارك الناس أحزانهم وأفراحهم، إنما المطلوب أن يخالطهم وينفذ إلى قلوبهم بحسن الكلام والبشاشة والنجدة لكل ملهوف، فذلك يقبل بقلوبهم إليه، فيمكن تغيير أحوالهم.
ـ الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم..
ـ من خالط الناس ونزل منازلهم ثم ارتقى بهم إلى الإيمان والتقوى والعمل الصالح هو العظيم حقا.
ـ ينظر في أحاديث الخلطة وحسن الخلق في كتاب رياض الصالحين.
الحادي عشر: (التبصير بمكائد الأعداء).
ـ إن أكثر الناس لا يدرون ما يكاد لهم من قبل أعدائهم، ويخلطون بين الصديق والعدو، فلابد من إيقاف الناس على حقيقة الأعداء.
ـ ولابد للداعية أن يكون دائم الاطلاع على ما يدور في العالم من أحداث وما يكون في المجتمع من أخبار، هذا الاطلاع لابد منه لتقويم الأحداث وتحديد المفيد منها والتحذير من الضار.
ـ ينظر في هذا المقام كتاب الغارة على العالم الإسلامي، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟، قادة الغرب يقولون، المجلات الإسلامية.
الثاني عشر: (يجب على الداعية تعليق القلوب بالله تعالى).
ـ هذه أهم نقطة على الإطلاق، وهي النقطة التي انطلق منها الأنبياء، فقد كانوا يعلقون القلوب بربها.
ـ هذه أسهل وأنجع وسيلة للإقبال بقلوب الناس إلى طريق الهداية، فإن القلوب إذا أحبت ربها سهل عليها ترك العصيان، ولم يكن شيء أحب إليها من طاعته.
ـ تعليق القلوب يكون بأمرين: بذكر أوصافه وأسمائه، وبذكر آلائه ونعمه، والقرآن يدور حولهما كثيرا.
ـ كل دعوة لا تبدأ من هذه النقطة فهي فاشلة.
ـ ينظر للاستفادة في هذا الباب: الفتاوى لابن تيمية الجزء الأول 1ـ100، مدارج السالكين منزلة الرضا 2/240ـ247، شرح حديث ابن عباس لابن رجب.
الثالث عشر: (من الداعية؟.. )
ـ الداعية هو كل مؤمن وقر في قلبه محبة الله - تعالى -ومحبة دينه ورسوله وعباده المؤمنين وعنده حظ من العلم، بغض النظر عن مركزه، فلا يشترط أن تكون الدعوة وظيفته الرسمية، بل قد يكون عاملا، وقد يكون موظفا أو تاجرا، وقد يكون معلما أو معلمة، وقد يكون أبا أو أخا أو زوجا، وقد تكون أما أو أختا أو زوجا أو بنتا، وكذلك قد يكون مديرا أو رئيسا أو مسؤولا.