يبدو أن الأيام الأخيرة فى حياة الرئيس المخلوع، محمد حسنى مبارك، أوشكت على النفاد "كالرصيد فى الموبايل"، وأصبحت علامة الاستفهام الحالية: هل يواجه مبارك عقوبة الإعدام لجرائمه؟! تلك الجرائم التى بدت منذ قتل المتظاهرين بالرصاص الحى، وبالأمر المباشر.
لم يتخيل الرئيس السابق مبارك بعد قضاء أكثر من 30 عاما فى الحكم، أن تكون نهايته على هذا النحو الدرامى، حيث بات الآن فى انتظار المحاكمة، وربما قضاء ما يتبقى من عمره فى أحد السجون حال تحسن صحته.
ولذلك لا يمكن لمبارك أن ينسى 3 تواريخ هامة، قبيل مغادرته اليوم إلى مستشفى المعادى للقوات المسلحة أو للمركز الطبى العالمى بطريق الإسماعيلية – القاهرة أولهما 14 أكتوبر 1981 وهو تاريخ توليه رئاسة الجمهورية بعد انتظار للمنصب وحلم تعلقت به وقتها سوزان ثابت قرينته قبله لحلمها فى إن تصبح صاحبة لقب السيدة الأولى ولم تدخر جهدا فى السعى لهذا اللقب بعد أن ساهمت فى عزل مبارك عن أسرته "من الريف"، عندما انتقل من حياة الفلاح البسيط فى كفر المصيلحة إلى حياة الجنرالات مع شقيق سوزان، اللواء منير ثابت.
التاريخ الثانى هو11 فبراير 2011، عندما تنحى مجبرا بيد عمر سليمان، الذى تلا خطاب تخلى مبارك عن الرئاسة مقتضبا، وبعدها انتهى حلم التوريث وسط فرحة عارمة من ملايين المتظاهرين فى ربوع مصر، وعلى الجانب الآخر وسط حسرة وتعجب غريب على تغير الأحداث فى لحظات لم يكن يعلمها سوى القادر الجبار.
أما التاريخ الذى يعتبر الأسوأ فهو 12 أبريل 2011 وهو بدء التحقيقات معه وأسرته بالغرفة 309 بالطابق الثالث فى مستشفى شرم الشيخ الدولى بجنوب سيناء..
مبارك لم يفق من الكابوس الذى ظن أنه يراوده إلا بسؤال المحقق عن اسمه وعنوانه وسنه ساعتها فقط أدرك أن حياة الملوك انتهت، وأن كل الأصدقاء من الملوك والأمراء العرب وحتى الغرب وأمريكا باتوا تحت بند أصدقاء سابقين.
كان مبارك يتخيل أن تمارس عدة دول ضغوطا على مصر بهدف عدم التحقيق معه مستنداً على ألا يحاكمه المجلس العسكرى بحكم كونه من أبطال أكتوبر، ولكن الآن فقط زال ملك قارون وسطوة فرعون، والآن من تمنى أن يكون مكان مبارك شكر لله لأنه لم يكن فى مكانه بعد زوال الملك.
كان مبارك يعيش على الأغانى الوطنية المتعلقة بالضربة الجوية، التى فتحت باب الحرية للصوص والمرتزقة ومصاصى دماء الشعب، كان قائد الطيران يحلم بنهاية أسطورية لحياته بعد دوره فى انتصار أكتوبر وكأن الضربة الجوية هى التى حققت النصر متجاهلة أبطال المشاة والمدرعات والدفاع الجوى والبحرية والمهندسين والصاعقة والمدفعية وبقية الأسلحة وأيضا باعتباره قائدا كبيرا وضابطا قبلها من خيرة الطيارين فى الحروب.
كان مبارك لا يمل من الطلعات الجوية، وكانت له مشاركات فى حرب اليمن، لكن مع التحول من العمل العسكرى للسياسى، وتغيير الأحلام وضغوط سوزان مع عام 2000 تغيرت أفكار مبارك بضغوط من المحيطين حوله لإعداد سيناريو التوريث لابنه وتصعيده فى الحزب الوطنى، تحت شعار الفكر الجديد، وزيارته للدول وللمحافظات على نفقة الشعب المصرى لزوم التلميع، كل ذلك أحدث نوعا من الكبت لدى الشعب وربما ما تردد منذ سنوات عن مشاجرة بينه وزوجته، التى طلبت توريث الابن كان حقيقيا إذ كان يعارض مبارك التوريث، وأجبر عليه لكن ليس كل ما يريده المرء يدركه.
فى 12 أبريل ترك مبارك بدله الفاخرة وارتدى "ترينج سوت" تم تغيره بعدها بـ3 أيام فى المستشفى، حيث نزلت سوزان إلى الفيلا وأحضرت حقيبة ملابس له وغير الترينج سوت بآخر، وربما استعدادًا للترحيل إلى مستشفى عسكرى تحت الإقامة الجبرية.
كانت سوزان زائغة البصر غير مركزة ليست هى السيدة الأولى صاحبة الطلة الإعلامية والشخصية القوية وفق آراء بعض العاملين فى المستشفى الذين رأوها الآن فقدت الابنين فى سجن طرة وزوجها على بعد خطوات من السجن.
لم يعد العنفوان السلطانى بداخلها بعد أن أظهرت دموعها حقيقة الأنثى الضعيفة، خلال مرض زوجها والتحقيق معه، ولم تملك غير الدعاء وهى ترى الحلم يضيع وليس الحلم فقط بل حياة الحرية أيضًا.
بات مبارك الآن على وشك الرحيل من شرم الشيخ المدينة التى أحبها، والتى سلم مفاتيحها لصديقه رجل المخابرات الأسبق، حسين سالم صاحب صفقة تصدير الغاز المصرى بأقل من أسعاره العالمية إلى إسرائيل والتى تبكى أيضا على مبارك الصديق الذى ساهم فى محاصرة قطاع غزة من أجل عيونهم.
اختلف الحال أمام المستشفى أشخاص يعملون فى شركات حسين سالم يرفضون المظاهرات ويعتدون على الإعلاميين ويكسرون كاميراتهم وأشخاص آخرين بسطاء يهتفون بسقوطه ورحيله إلى الأبد عن المدينة الهادئة التى ظلت طوال عهده مدينة غريبة عن المصريين ومدينة للأجانب وللعاملين فيها فقط.
يأتى الآن المشهد الخارجى فى مستشفى شرم الشيخ، الذى يسوده الهدوء والانتظار لرحيله وسط حزن بعض العاملين فى المستشفى، ومنهم من قام بلقائه يوم أمس وسلم عليه وزوجته وصورة جمال وعلاء وحفيده محمد علاء، وبدلته العسكرية ولحظة انطلاق الطيران فى 6 أكتوبر وحادث اغتيال السادات فى المنصة تسيطر على عقله وجسمه بصورة ملحة.
فى نفس السياق بدأ العد التنازلى للأسئلة التى ظلت بدون إجابات فى الأسابيع الأخيرة، والتى كان الأقرب منها لكل الناس، هل يواجه مبارك عقوبة الإعدام شنقا إذا أدين بالتهم الموجهة إليه؟. ففى هذا السياق ذكرت وسائل إعلام مصرية، وعربية رسمية أن الرئيس السابق حسنى مبارك الذى أوقف مؤخرا على ذمة التحقيق فى القمع الدموى للتظاهرات الاحتجاجية ضد نظامه يواجه عقوبة الإعدام شنقا إذا ما أدين بالتهم الموجهة إليه.
وضع مبارك ونجلاه جمال وعلاء الأربعاء قيد الحبس على ذمة التحقيق لمدة 15 يوما فى إطار تحقيق قضائى حول قمع الانتفاضة، الذى أدى إلى مقتل قرابة 800 شخص وإصابة أكثر من خمسة آلاف آخرين، بحسب مصادر رسمية.
ونقلت إحدى الجرائد المصرية اليوم الجمعة عن المستشار زكريا شلش رئيس محكمة استئناف القاهرة وقاضى الجنايات قوله إن مبارك قد يحكم عليه بالإعدام شنقا إذا ما أدين بالتهم التى يتم التحقيق معه فيها، مشيرا إلى أن "الأحكام المقررة فى حالة ثبوت التهم سيكون أقصاها الإعدام فى حالة تعمد القتل وأقلها ثلاث سنوات فى القضايا المالية".
وأضاف شلش أن ما صدر عن وزير الداخلية السابق، حبيب العادلى، أثناء التحقيق معه بأن الرئيس السابق مبارك أعطاه تعليمات بضرب المتظاهرين واستعمال العنف معهم فإن مبارك يعتبر شريكا بالتحريض والمساعدة فى قتل وإصابة المتظاهرين باعتبار أنه كان رئيس المجلس الأعلى للشرطة.
وتابع: لو ثبت هذا يعاقب بعقوبة الفاعل الأصلى والتى قد تصل إلى الإعدام إذا ثبت الإصرار على قتل المتظاهرين سلميا، وأقلها السجن المؤبد إذا لم يكن هناك إصرار وترصد، والسجن من 3 إلى 5 سنوات إذا ترتب على الضرب إحداث عاهة مستديمة"، ولفت إلى أن "ما يسرى على مبارك فى المحاكمة سوف يسرى على أنجاله وزوجته فى المال العام".
وعن قضايا المال العام إذا ما ثبتت التهم الموجهة لمبارك، قال شلش "إذا ما ثبت بعد الكشف عن سرية الحسابات أن هناك تهريبا لمليارات الدولارات فى الخارج، فهذه القضايا اختلاس للمال العام وتصل عقوبتها إلى السجن المؤبد وأقلها السجن المشدد من ثلاث سنوات إلى 15 سنة.
من جهته أوضح التليفزيون المصرى الرسمى نقلا عن مسئول فى النيابة العامة أن التحقيق فى هذه القضايا سيستغرق ستة أشهر على الأقل فى حين ستستغرق المحاكمة سنة على الأقل بحسب شلش.