بتـــــاريخ : 4/15/2011 4:59:34 PM
الفــــــــئة
  • الأخبـــــــــــار
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 732 0


    الغيطانى: أنا أهم من أى وزير ثقافة.. وأعترف بأن خلافى مع فاروق حسنى كان به حدة

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : حوار : عزة حسين - | المصدر : www.shorouknews.com

    كلمات مفتاحية  :

    حوار : عزة حسين -

     جمال الغيطاني
     منذ فترة وأنا ألمح تلصص الكاتب الكبير جمال الغيطانى على الزمن، كلماته الأخيرة تبطنها مرثيات خافتة للوقت الفائت، وتملق للآتى عله يمكن من إنجاز ما يود أن يتركه، هذاالذى بلا نهاية.

    «أمنيتى المستحيلة أن أمنح فرصة أخرى للعيش..»، «صعب أن يندم الإنسان على نصف قرن من عمره، أو عمره كاملا»، «ما فات لن يعود أعلم، ولا فرصة الآن للندم»، و«أكثر ما كان يجمعنى بنجيب محفوظ هو الزمن»، جُمل خرج أكثرها لا إراديا وأنا أحاوره، حول ملامح مشوار ما بعد التفرغ، بعد أن نفض عنه حمل أخبار الأدب، أو هكذا تخيلت، تمهيدا للالتصاق بالكتابة.


    الواقعى الآن أن الغيطانى، المراسل الحربى القديم، لا يعيش استراحة المحارب، ليس فقط لأنه يذهب، لا يزال، إلى مكتبه بمؤسسة أخبار اليوم، ويواصل كتابة مقالاته ويومياته الأسبوعية، التى صارت أكثر سخونة مما فات، لكن لأن مصير الجريدة الابنة لم يتضح بعد، مع استمرار إضراب محرريها عن العمل بسبب خلافهم مع رئيس التحرير الجديد، الذى لا يستطيعون التواصل معه، لمبررات ساقوها وأيدها وتضامن معها أكثر مثقفى مصر والعرب، لكنها لم تشفع للجريدة وماضيها عند صانع القرار الصحفى.

    سألته: ما الذى تفعله الآن؟ وهل...
    ضاحكا بشدة: «تطلبين إجابة لا بد معها أن تعرفى نظام حياتى منذ تخرجى عام 1962»، ثم حكى عن نصف قرن من الازدواجية تقاسمها الليل والنهار بين الكتابة والمعاش، سواء فى الفترة التى عمل فيها رساما ومصمما للسجاد، أو بعدما التحق بالصحافة، فى مراحلها المختلفة كمراسل حربى، ثم محرر ثقافى فى جريدة الأخبار، وما بينهما فترة تجنيد استمرت لثمانى سنوات وصولا إلى تأسيس ورئاسة تحرير أخبار الأدب:

    «طوال هذه الفترة كنت أحيا هذه الازدواجية، ولم أملك وقتى بالكامل إلا منذ أشهر قليلة بعدما أُحلت للتقاعد».

    وهل تفرغت الآن للكتابة؟
    متفرغ لها الآن بنسبة 80%، لأننى لازلت أكتب فى الصحافة، يوميات أسبوعية، وعامودا يوميا تحمست له مؤخرا، لأنه بعد ثورة 25 يناير وكل نصف ساعة لديك شىء تودين قوله، أى أننى أساهم من خلاله فى العمل العام.

    أعيش الآن فترة جيدة فى حياتى، أكتب وأعمل، لكن إحساسى الضاغط بالوقت أكثر من أى فترة مضت، بحيث صار اليوم يساوى شهرا، لأن إحساس الواحد بقيمة الوقت يزداد كلما تقدم فى العمر.

    هل تتوقع أن تختلف كتابات الآن عن مجمل كتابات الرحلة؟
    بالطبع، والاختلاف كان قائما طول كتابات الماضى، حيث كل كتابة مغامرة إبداعية مختلفة فأنا لا أستكين إلى نص أو شكل أدبى مسبق.

    مستطردا: لقد كان الجهد الذى بذلته فى رواية «الزينى بركات» مغريا بالعمل على الرواية التاريخية، خصوصا العصر المملوكى، الذى لدى فائض منه، لدرجة أننى أكاد أحفظه، لكننى دخلت بعد الزينى بركات مغامرة أخرى فى «وقائع حارة الزعفرانى» مختلفة تماما فى لغتها عن لغة القرن السادس عشر المكتوبة بها الزينى بركات.

    وصولا إلى اللغة، نجد لها فى مجمل أعمالك تفردها الحاد، لكن لهذا التفرد ضريبته التى لا تمنح فرصة الاقتراب من البيست سيللر، ماذا تعنى اللغة بالنسبة إليك؟
    اللغة لدى ليست أسلوبا أو أكليشيها، وإنما حالة تتغير بحالات النصوص. أنا مغرم باللغة، ودائم التعامل معها، بحثا عن الصلة بين الفصحى والعامية، وهذه عبقرية البلاغة المصرية، التى أحببتنى فى مدارس الكتابة فى العصر المملوكى، لأنها الفترة التى اكتمل فيها استيعاب مصر للغة العربية، وطوعت ذلك لمضمونها القبطى أو الهيروغليفى القديم الذى جاءت منه مفردات العامية، وهو ما يمنح اللغة فرادة وطزاجة أكثر.

    أما البيست سيللر فظاهرة موجودة طوال عمر الواقع الثقافى، لكن الخطأ الذى يمارس الآن هو إقحام ذلك فى التقييم الأدبى، فلو سألت عن متوسط مبيعات نجيب محفوظ سيفاجئك أنها لا تتناسب مع العظمة المتوقعة له.

    عند الحديث عن جمال الغيطانى أو مطبوعة أخبار الأدب نجد تاريخ الاثنين يتقاطع فى مساحة كبيرة، ما الذى يمثله لك ذلك، خاصة مع تصاعد مشكلة الجريدة الآن؟
    هذا لأن نفس المحرر دائما ما يكون فى المطبوعة التى ينتمى إليها، فمثلا أنا لدى مكتبة نادرة من الفنون التشكيلية، ربما لا يوجد مثلها فى كلية الفنون الجميلة، حملتها على كتفى من أذربيجان ومن آسيا الوسطى ومن أمريكا، وفى السنوات الأولى لأخبار الأدب لم يكن قد ظهر بعد جهاز الماسح الضوئى «الاسكانر»، فكنت أمزق صفحات كتب نادرة لتدخل ماكينة الطباعة لتصير أغلفة، وكانت القضية هل تحتفظين باللوحة لنفسك أم تنشرينها للناس، وحدث أن هناك فنانين نشرت صورهم بأخبار الأدب لم يعرفهم فنانو مصر قبل ذلك.

    لقد كنا ليس فقط جريدة مصرية أو عربية وإنما كنا على صلة بالعالم وكبار كتاب العالم، وهنا لا أقول أننى كنت بمفردى فى أخبار الأدب، بل كان معى نخبة أعتز بقضاء معهم سنوات من العمل الشاق، فحتى من اختلفت معهم كان دمهم فيها.

    لكنك كمؤسس لأخبار الأدب ألم يكن لك يد فى اختيار من سيخلفك؟
    إطلاقا، لم يستطلع رأيى فى اختيار رئيس تحرير أخبار الأدب، وهذا خطأ، فأنا كان من الممكن أن أفيد، لأن الجريدة لها ظروف خاصة، بحيث لا بد أن تأتى قيادتها من داخلها، أو على الأقل يكون هناك تناغم بين هذه القيادة وفريق العمل، لذا فوجئت تماما باختيار مصطفى عبدالله.

    هو شخص عزيز، عمل معى فى صفحة الثقافة بالأخبار، وتعاون فى الفترة الأولى من أخبار الأدب، ثم عمل فترة فى الإعلانات، لكن ليس إلى درجة أنه كان يدفع لنا رواتبنا، مثلما يصرح الآن بأنه كان ينفق على أخبار الأدب.

    هناك الكثير من الشائعات المرتبطة باسمك من بينها الحلم المرتبط بتولى وزارة الثقافة المصرية، مع شغور هذا المقعد، بعد ثورة، لثلاث مرات على التوالى هل تمنيت الفوز به؟
    إطلاقا، أنا أهم من أى وزير ثقافة، ولم يحدث أن طلبت هذا المنصب ولا أتمناه. لقد منحنى الله موهبة أعتبرها نوعا من الكرامة، وطوال السنوات الفائتة أحاول من أجلها التخلص من منصب أخبار الأدب.

    وأُوضح أن خلافى مع فاروق حسنى لم يكن لأننى أريد مكانه، وإنما كان على سياسات ورؤى فى الثقافة. أعترف أنه كانت هناك حدة فى هذا الخلاف لكن هو أيضا لم يكن سهلا، وأعترف أيضا أن فاروق حسنى أنجز فى السنوات الأخيرة مشاريع أتمنى أن تتم، أهمها شارع المعز، الذى كان أحد أسباب تحول علاقتى به لأن هذه كانت فكرتى.

    أفهم مدى حضور الذات وتجلياتها فى قصصك وروايتك ودفاترك خصوصا، لكن سيرة ذاتية صافية أليست مما يشغلك فى هذه الأثناء؟ وما أكثر منطقة تستحق الكشف فى سيرة الغيطانى؟
    لدى مشاريع روائية كثيرة، وقد علمتنى تجربتى كمراسل حربى أن أرتب أولوياتى، وأرى أن المهمة العاجلة التى يجب إتمامها الآن هى كتابة الرواية، يأتى بعد ذلك الأشياء الجانبية التى يكتبها الواحد من أجل المعاش أو إبداء الرأى، ثم القراءة والكتابة وغيرها.

    أما فيما يخص كتابة السيرة الذاتية فإن هناك جانبا مهما من حياتى لم أتحدث عنه باستفاضة هو جانب التكوين، وأعتقد أن تكوينى حالة يجب أن تعرف، لأنها تميزت بفرادة وظروف خاصة، لذلك أقول دائما إن الرحلة من «درب الطبلاوى» الذى فتحت عينى فيه إلى دخولى لجامعة مثل أكسفورد لإلقاء محاضرة فى حد ذاته معجزة»، لذا أرجو أن تتاح لى الفرصة كى أكتب على الأقل قصة هذا التكوين، أما السيرة الذاتية المعروفة فتأتى فى مرتبة تالية لم تحن بعد.

    أنت من أكثر مبدعى الستينيات تعرضا للهجوم الداخلى والخارجى على خلفية آرائك، ما السر فى ذلك؟ وإلى أى مدى تم الجور على إبداعك فى سياق ذلك؟
    وأظننى أيضا أكثرهم تسديدا للهجوم، لأن هذا هو العمل فى الصحافة، وكثير من أصدقائى الأدباء الذين لم يعملوا بالصحافة لهم آراء لو أعلنوها لهوجموا أكثر منى، لكنى لم يكن لدى ما أخفيه، ومؤخرا صرت أمارس ذلك بشكل أكبر، وبالطبع سيخلق لى ذلك أعداء، لكن هذا هو واجب الكاتب، هل يلزم البرج العاجى أم ينخرط فى الشأن العام؟، خاصة وأنا من جيل تربى على أن الشأن العام شأن خاص، لذا طوال عمرى وأنا فى تناقض مع الواقع، ولم أشعر بالتواؤم إلا بعد أن اختفى السادات من السلطة، فأنا لم أكن أطيقه، ورأيى أنه جزء أساسى من المشهد الحالى فى مصر، ليس لأنه اختار الرئيس السابق، ولكن لأنه فتح الباب للفساد، ثم جاءت مرحلة تراجيديا مبارك، حيث تحول من بطل إلى مطعون فى ذمته المالية وهذه كارثة.

    إذن قدرنا كجيل أن نستمر فى الكتابة وأخذ موقع الرفض وموقع المعارضة، لكن ذلك لم يؤثر مطلقا على إبداعى.

    ضاحكا: أصبحت لدى حصانة، فقد هوجمت وشُهر بى، وفى بعض الأحيان عندما لم يجدوا سببا مباشرا لذلك، كانوا ينتقمون من إبداعى.

    فى حواراتك الأخيرة وهذا الحوار ألمح ما يشبه التحسر على الوقت الذى ولى، هل يمكن أن يتأثر الغيطانى كغيره بهواجس ما بعد التقاعد؟
    سيظل الوقت الذى فقدته مصدر حسرة باستمرار، لكن علمتنى التجربة أنه لا فائدة فى الندم على ما فات، والأدب لا يمكن من العيش، هناك أدباء ساعدتهم ظروفهم على التفرغ، لكننى كنت أعمل كى أحمى منطقة الأدب، لأن هذه حياتى الحقيقية، فمثلا رفضت كتابة السيناريو رغم أنها تجلب الملايين، لأنها عملية إبداعية ستنافس العملية الإبداعية الروائية، وستسحب من رصيدها الحى.

    توغلك فى التراث كواقع ماضوى إلى أى مدى يمكن أن يجعلك تخرج برسائل عن الحاضر؟ ، بمعنى آخر ما أكثر لحظة فى الماضى تشبه اللحظة المصرية والعربية الراهنة؟
    إذا كنت تقصدين لحظة الثورة فهى لا تشبه شيئا، هى لحظة جديدة تماما فى التاريخ المصرى والإنسانى، وقد صنعها جيل جديد أنا شخصيا فوجئت به، لكنه الآن للأسف غائب عن المشهد، وحتى رئيس الوزراء الرجل «الأمير الطيب» الذى جاءوا به من ميدان التحرير فوجئنا به يستسهل كالآخرين فيذهب بمسئول عمره ثمانين عاما ليأتى بآخر عمره تسعين، ويعين وزيرا للآثار كان بالفعل موجودا بالوزارة وخرج، ويتجاهل عشرات علماء الآثار ومن بينهم الشباب، الذين كنت أتمنى أن يأتى عصام شرف بوزارته كلها من بينهم.

    أخيرا على المستوى الشخصى ما هو أجمل ما تتوقعه؟
    أن أنتهى من مشاريعى الروائية، خاصة وهناك مشروع كبير أعد له منذ عشرين عاما، ولا تحاولى السؤال عن ملامحه الآن.

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()